حلقات حول النوع الاجتماعي ( الجندر ) : تقديم حول ماهية النوع الاجتماعي ( الجندر ) ـ ذ . رشيد اوبجا

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse10021 برز مفهوم الجندر le genre أو النوع الاجتماعي  بصورة واضحة في بداية السبعينيات من القرن الماضي.  وهو  مخاض فلسفي و فكري  للحركات النسوية و نتاج نضالاتها  . وأول من حدد مفهوم النوع من وجهة نظر نسوانية ، هي" ان أوكلي" سنة 1972،    فقد ميزت بين الجنس و النوع  ،" فكلمة الجنس تحيل على الفروق البيولوجية بين الذكور والإناث ، و إلى الفرق الظاهر بين الأعضاء الجنسية ، وكذا إلى الفروق في ارتباطها بوظيفة الانجاب. أما النوع، فهو معطى ثقافي  يحيل على التصنيف الاجتماعي ( مذكر/ مؤنث) "   (1)
وتخلص (أوكلي) إلى القول بأن النوع الاجتماعي هو بمثابة "الجنس الاجتماعي" انطلاقًا من قدرته على التغير بحسب الزمان والمكان.
          إن النوع الاجتماعي   يشير إلى المكانة التي يحددها المجتمع للرجل والمرأة في جميع مراحل حياتهما بصفتهما ذكرًا أو أنثى. وهو بذلك يختلف عن الجنس الذي يحيل على  الخصائص والصفات البيولوجية والفيزيولوجية التي يتحدد الذكور والإناث على أساسها.
 وتعتبر كل من الباحثتين الأمريكيتين  "  جوديث بتلر "  و " تيريزا دو لورتيس "  في أبرز أعمالهما Gender trouble : Feminism and the subversion of identity(1990) و Technologies of Gender (1987) أن النوع الاجتماعي هو ، قبل أي شيء ،  شكل من الأداء performance ، وهو بالتالي أساسي في فهم تشكّل الهويات المرتبطة بالنوع الاجتماعي للنساء والرجال.
انطلاقًا من هذا المصطلح يمكننا فهم بعض السلوكيات المرتبطة بالنوع الاجتماعي للنساء أو الرجال في مجتمع محدّد في سياق عملية تأكيد للهويات المتوقعة (الحاجة أو اللجوء من قبل بعض النساء إلى التبرّج أو انتقاء ملابس معيّنة أو المغالاة في أدوار الأمومة وربة المنزل لتأكيد أنوثتهن ، أو من قبل بعض الرجال إلى تبني سلوك حازم أو في بعض الأحيان عنيف مع الشريك أو أمام الأطفال لتأكيد ذكوريته).

          لقد ظهر مفهوم (الجندر) في المجتمعات العربية والإسلامية ، مع وثيقة المؤتمر الدولي  للسكان  المنعقد بالقاهرة سنة 1944  إذ  ذكر في  51  موضعا  من هذه الوثيقة، إلا أنه ترجم إلى العربية ب( ذكر / أنثى ) ولذلك لم ينتبه إليه أحد .
وورد  بشكل جلي في وثيقة بيكين سنة 1995 حيث ذكر 233 مرة. أما وثائق روما بشأن إنشاء  المحكمة الدولية 1998 ، فإنها تكشف عن محاولة لتجريم القوانين التي تعاقب على الشذوذ الجنسي ، حيث أوردت " أن كل تفرقة على أساس الجندر يشمل جريمة ضد الإنسانية " .
 و حاولت اجتهادات متعددة  إزالة الغموض عن المصطلح ،  فعرفته منظمة الصحة العالمية على أنه: "المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة كصفات مركبة اجتماعية، لا علاقة لها بالاختلافات العضوية .
 إلا أن حداثة هذا الموضوع ، تخلق مشكلا في ترجمة  (الجندر Le Genre   ) إلى اللغة العربية ، بحيث نجد ترجمات مختلفة ،  منها ما يكتفي بالمفهوم الأصلي مع صياغة تركيبية عربية ( الجندر ) ،  في حين يختار بعض الباحثين ترجمته بالنوع الاجتماعي  ، و ترجمات أخرى تفضل كلمة ( الجنوسة ) للتمييز بين الجنس بما هو بيولوجي محض ،  و الجنوسة  التي يراد بها ما تضفيه الثقافة و المجتمع على الجنس من تمثلات ، و ما تسنده لكلا الجنسين من أدوار اجتماعية .  و في كتابات أخرى نصادف اختيارات أخرى كالنوع أو النوع الاجتماعي .
      قد يكون مرد هذا التنوع في ترجمة المفهوم إلى تشعب الموضوع و ارتباطه بحقول معرفية عديدة ( علم الاجتماع ، السياسة ، الأنتروبولوجيا ، علم النفس ...) ، غير أن هذا لا ينفي خلق نوع من الإرباك في الفهم ، و ضرورة التنسيق في الترجمة و معيرة الاختيارات المتنوعة لتفادي أي لبس أو بلبلة في الفهم لدى القراء و الباحثين  و المبتدئين منهم بالخصوص .
    و قصد إزالة أي لبس محتمل  بصدد  الفرق  بين النوع ( الجندر) و الجنس ، نقترح الخطاطة التوضيحية  الآتية :

النوع و الجنس : ( 2)
الجنس ـــ بيولوجي ـــمعطيات الولادة ــــــ  غير قابل للتغيير ـــــــــ الرجال وحدهم يخصبون
النوع ــــ ثقافي ـــــــ يلقن بالتنشئة ــــــــ يمكن تغييره ـــــــ الرجال و النساء يعملون كأساتذة

يمثل الجنس  ،  تبعا للخطاطة أعلاه ، الفوارق البيولوجية الطبيعية ما بين الذكر والأنثى، وهي فوارق تولد مع الإنسان، ولا يمكن تغييرها ، فهي وجدت من أجل أداء وظائف معينة وثابتة .
أما النوع ، فيرتبط ارتباطا أساسيا بالمنظومة الثقافية للمجتمع ولعاداته وتقاليده وأفكاره وقيمه، وهو ما يعني كذلك أن جميع ما يفعله الرجـال والنسـاء وكل ما هو متوقع منـهم - فيمـا عـدا وظائفهم الجسدية المتمايـزة جنسيـاً- يمكن أن يتغير بمرور الزمن وتبعاً للعوامل الاجتماعية والثقافية المتنوعة  .

إن جوهر مقاربة النوع الاجتماعي ، هو رفض تقسيم الأدوار الاجتماعية على أساس الجنس ، و التصدي للنظرة النمطية التي ترى أن المرأة ضعيفة ، و تسند إليها الأعمال الروتينية  خاصة الأعمال المنزلية .
و تعتبر هذه الأعمال بمثابة بناء اجتماعيا  و ليس  طبيعيا في المرأة ، بيد أن هناك أمثلة كثيرة لنساء استطعن التفوق على الرجال في العديد من الأشغال ، و نساء يتميزن ببنية جسمية قوية كالنساء الأمازونيات مثلا .

لقد كشفت مارغريت ميد Margaret Mead   في دراستها حول قبيلة ( شامبيلي ) في غنيا  الجديدة عن نموذج لبعض الثقافات ، حيث تنقلب الأدوار التقليدية المعروفة التي تفرضها الثقافة الغربية على الرجال و النساء .
فالنساء في تلك القبيلة يمارسن الأدوار و السلوكات بشكل مختلف جذريا ، بحيث يدرن شؤون العمل ، يكسبن المال ، يصطدن الأسماك و يزرعن و يتاجرن ، و يتعاون تعاونا وثيقا مع بعضهن البعض ، بينما يقوم الرجال بالنحت و التصوير ، يتزينون و يثرثرون ، و كانوا متقلبي المزاج و غارقين في سيل لا يتوقف من الغيرة التافهة و التزاحم مع الرجال الآخرين.  (3)
و يعود الفضل للباحثات في حقل الانتروبولوجيا في الكشف عن هذه الحقيقة العلمية ، فهن أول من أعطى مضمونا جديدا للمفهوم بالكشف عن حقيقته ، من حيث أنه يترجم ، ليس التكامل بين المهام ، و إنما علاقة السلطة التي يمارسها الرجال على النساء .
ذلك أن هذا التقسيم الجنسي للعمل يقرن في نوع من الأولوية بين الرجال و دائرة الانتاج ، بينما يحصر النساء في دائرة إعادة الإنتاج ، و في نفس الآن  يجعل الرجال يحتكرون الوظائف ذات القيمة الاجتماعية المضافة ( السياسية ، و الدينية ، و العسكرية ... الخ )    (4)

و قد أثرت  هذه المعطيات  في منظور الحركات النسائية  ، و كانت سندا لها في الترافع من أجل حقوق المرأة .
 كما فرضت نفسها على المنظمات الدولية ، و يبدوا ذلك جليا في تعريف هيئة الأمم المتحدة للنوع ، حيث اعتبرت  النوع الاجتماعي أو الجندر ،  بمثابة الأدوار الاجتماعية التي يصنفها المجتمع بناء  على الدور البيولوجي لكل من الجنسين، ويتوقع منهما أن يتصرفا بناء عليها . وتنبني أساسا على منظومة من القيم والعادات الاجتماعية التي تصبح مع مرور الوقت أمرا واقعا، أي أن هذه الأدوار هي من صنع الإنسان ، وعليه فإنها غير ثابتة وقابلة للتغيير .     (5)

أهداف و مهام النوع الاجتماعي :

        يسعى علم( الجندر) إلى دراسة العلاقة المتداخلة بين الرجل و المرأة ، كما يهتم بتأطير دور المرأة و الرجل في عملية الحراك الاجتماعي . ولا يعنى هذا العلم بالمرأة فحسب، بل هو علم المرأة والرجل . كما أنه لم يأتي لتحجيم دور الرجل كما يفهمه البعض، بل جاء ليقدم عونا للأسرة، وبالتالي للمجتمع.
إن النوع الاجتماعي ( الجندر) يهدف إلى طرح موضوع العلاقة بين الجنسين على مستوى المكانات و الأدوار الاجتماعية بموضوعية علمية تهدف إلى تجاوز التمييز خاصة، وقد دلت الدراسات و البحوث على أن إقصاء المرأة عن الإسهام بدور اجتماعي مماثل للرجل في تنمية المجتمع و تقدمه له تأثير سلبي على المرأة كنصف المجتمع  .

  و تحاول مقاربة النوع الاجتماعي  رصد  حالات العنف ضد المرأة ، و تحليلها ، و استنتاج الدوافع الكامنة وراءها . كما تبحث في الحركات النسوية و منظورها للعدالة و المساواة .
    هكذا ، يصبح الجندر ،  أداة لقياس الحركة و العلاقة الموجودة ما بين المرأة و الرجل ، لأمها ديناميكية ، متحركة و ليست جامدة  (  النسويتان الأمريكيتان Debra  و kristin   ) .
كما أنه يركز على العلاقة بين الجنسين ، و قد يتجاوزها أحيانا ؛ فهذا المفهوم  يستوعب و يحيط ، و يهيمن على كل الفئات التي تعاني من الإقصاء و من التهميش . و حتى الأقليات التي تعاني من القمع   و الإقصاء ، يمكن تحليلها انطلاقا من الجندر .

 
 
الهوامش :
  Ann Oakley,Sex, Gender and Society, London, temple Smith,1978 -    
2-  وافي العربي و آخرون ، الإنصاف في الفضاء المدرسي ، وزارة التربية الوطنية ، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، 2000 ، ص 22
3 -  ليندا جين شيفرد ، أنثوية العلم ، العلم من منظور الفلسفة النسوية ، ترجمة يمنى طريف الخولي ، سلسلة عالم معرفة ، عدد 306 ، ص 32-33
4 - فوزي بوخريص ، المرأة في  العلوم الاجتماعية ، من متغير الجنس إلى سؤال النوع ، افريقيا الشرق ، 2016 ،  ص 107-108  
 5- الكاشف في الجندر والتنمية : حقيبة مرجعية " منشورات صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة - مكتب غرب اسيا 1999- ص 17