يوميات ـ قصة : مأمون أحمد مصطفى

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse14088اليوم الأول...
(داخل الزمن)
الخروج من بين أربعة جدران- كما كنت أرى- تقترب من بعضها، تلغي المسافات الفاصلة، تمحوها، تتمرد عليها بكل ما فيها من موت وسكون. كنت أرقب الجدران وهي تقترب من بعضها، بتصميم، بعزم متوقد، بزحف يبحث عن التوحد، التلاصق، الاندماج، الذوبان في تيار الذرات المكونة لها. وأنا، وأنا عيناي تطفحان بالرعب، بانخلاع القلب والعقل، بالدهشة. أنكمش على نفسي انكماش قطعة مطاط تداعبها حرارة النار.
أنا وسقف الغرفة في مأزق واحد، تلاصق الجدران، توحدها، اندماجها، ذوبانها، انصهارها في بعضها. بالنسبة لي، هذا يعني موتاً محققاً، زوال، اندثار، خروج من رحم الحياة، دخول في رحم الموت. في النهاية الممتدة في خيال الفلاسفة، المفكرين، الشعراء، في نهاية رحبة، رحابة الأفكار التي انبثقت من عقول وقلوب مجموعات هائلة من البشر. بالنسبة للسقف تعني الانهيار، التشظي، التناثر، التفرق، تفرق الذرات في سماء وهواء، في فضاء وأثير، انفصال التماسك، تداعيه.

أنا والسقف في حالة واحدة، الضياع، الانهيار. ولكني أشعر بالخوف، بالألم، بتزاحم الذكريات في عقلي، بتضاد الأحاسيس في صدري، بدخول تيار الزمن في ذاتي، كتيار كهربائي يملك القدرة على صعق مدينة كاملة، اقتلاعها من جذور عميقة متأصلة في عمق سحيق، وعلامة واحدة تظل فارقة بيني وبين السقف.
هو إذا تهاوى، انخسف، سقط، أنا من سيكون تحت رحمة انخسافه، تهاويه، سقوطه، تشظيه. أجزاؤه ستقع على جسدي، ترضه، وسيعلو صوت تكسر عظامي بقوة، ورأسي لا أعلم تحديدا أية شظية ستفتته، تحوله إلى عجينة رخوة، سائلها أحمر، مع تضاريس دماغ فيه ذكريات لتاريخ طويل، أو قصير، مبرمج بطريقة صنعتها الظروف، الآلام، الآمال، الحب، الكره، العشق، الحقد، مشاهد بكاء، مشاهد فرح، ضحكات دوى صداها في أثير مر على هذا الكون، ربما في مسامات هذه الجدران، في مسامات السقف ذاته، شيء من هذا الأثير، من هذه ألذكرى.
اليوم الثاني...
(داخل الزمن)
كيف توقفت الجدران عن الزحف، عن محاولة التلاحم والتلاصق والاندماج؟ لا أعرف. الخوف من النهاية، التوتر الهائل، التيار المتفاعل بداخلي بين رجاء الحياة، ويأس القدرة على البقاء، انفلات الحقائق، تباعد الأحلام والأمنيات، تراص مشاعر النهاية في بوتقة العقل والقلب، انتظامها في سيل الانجراف نحو التحطم النهائي. كل هذه كانت عصبة سوداء، شديدة السواد. جعلتني لا أعرف كيف توقفت الجدران، وكيف اختفت انحناءات السقف وتبعجاته. كيف تلاشى خيال دمي المسفوح عن خيال شظايا السقف وانهياره؟ ولكني اعلم، علم اليقين، أنني ما زلت على قيد الحياة، والدليل على ذلك مراقبتي لسقف الزمن.
قال الناس: (حديثهم خارج الزمن من اليوم الثاني، سماعي لهم داخل زمن اليوم ذاته).
سبحان الله، إن لهذا الشخص عمرا مكتوبا لم ينته بعد، له هواء ما زال عليه أن يتنفسه، وماء سيشربه، وطعام سيأكله، عمره لم يصل حد النهاية. فما حصل كان معجزة تفارق العقل والمنطق. لقد كانت حياته كلها مرهونة بلحظة واحده، لحظة بسيطة، لو انزلقت ذرة واحدة من ذرات جدار، أو من ذرات السقف، لرأينا لحمه متناثرا، معجونا، يصطبغ بياض جلده بسواد شعره وحمرة دمه، لو انزلقت ذرة، ذرة فقط، لأصبح في رمشة عين، ماضيا بعد حاضر. توقف الجدران كان مذهلا. والأكثر إذهالا في الأمر، ذلك الطائر الغريب الذي جاء يصفق بجناحين عملاقين بعكس اتجاه تقدم الجدران. الهواء المتطاير من قوة الجناحين كان قادرا على خلعنا من مكاننا بسهوله. ما منع ذلك، انه كان يوجه كل قوته بين الجدران، بين أرضية المشهد وسقفه. هذا الطائر الخرافي هو السبب في نجاة الرجل، انه مدين له الآن بكل لحظة من لحظات حياته القادمة.
(حديثي لنفسي داخل الزمن)
أكره منذ طفولتي أن أكون مديناً لأحد، وأكره منذ طفولتي أن يكون أحد مديناً لي. بيني، وبين ما لي، وما علي، علاقة معقدة، شحنتها التجارب، دعمتها الوسائل، طهمتها الأساليب، أساليب العرض والطلب، تعابير العيون المكتحلة بالكذب، بالفجور، بالتضخم الهائل في مراحل الإحساس والشعور.
قال لي والدي:
(حديثه داخل عمق الزمن وبؤرته)
 الناس أصناف كثيرة، يحملون أسماء متعددة، متباعدة المعاني، يحملون بشرة تكاد تكون متشابهة لولا افتراقها في اللون حسب درجاته. دمهم واحد، لونه أحمر، وهذا بحد ذاته غريب، لأن دم الحيوان أحمر أيضاً، وإن ظهر الاختلاف في الشكل، لهم قلب وأحشاء، مثلهم مثل الحيوان، ولهم أيضا كأي حيوان، كأي حشره، جهاز عصبي ودماغ لكن دماغ الإنسان للاستعمال، للخلق، للإبداع، للتفكير المتأني. دماغ الحيوان فقط يختزل مجموعة أفعال مع ردود الفعل عليها. فالأسد لا يقتل حباً في القتل، بل ليسد تضوره وتضور صغاره، ليحفظ حق الحياة لأشباله. وديع هو، في غاية الوداعة ما لم يقرص الجوع معدته بقوة وعنف. وشرس هو، شديد الشراسة، إذا حاول أسد آخر أن يشاركه في زوجته. هل تفهم ما أعني يا ولدي؟ الكلب، القط، الثور، وحتى القرد، يذود بحياته كلها عن حياض زوجته. فهل يذود البشر كلهم عن حياض عرضهم؟ إذاً التشابه والاختلاف بين البشر والحيوان مسالة تستحق النظر فعلاً.
قلت لنفسي: (حديثي داخل الزمن)
ما قاله الناس عن الطائر الخرافي، سمعته منهم، لم أره أبدا، ألانني كنت خائفا؟ أم لأنني كنت أشد حبال الرجاء بعيوني؟ لا اعلم. ولكني سمعت قبل سنوات، بان الناس في بلدي رأوا صورة شخص مطبوعة على سطح القمر. أقسموا أغلظ الأيمان، استبسلوا في الدفاع عما رأوه. دفاع الليث عن (عرضه)، دفاع الضبع عن (وجره)، دفاع النمل عن (ثقبه)، دفاع النحل عن (خليته). وسمعتهم أيضا يخرجون أحاديث لم يسمع بها الصحابه، لم يجمعها البخاري، ولا عرفها مسلم. وأصروا بكل عناد، بكل ما يملكون من مبررات، من وسائل، على أنها أحاديث صحيحة.
تعالى صوت الخطباء في المساجد، في الدروس، في الحلقات، في الأفراح، في بيوت العزاء. أصبح الأمر خطيرا، مروعا، على حافة نصله يقف مستقبل الدين، وعلى رأس النصل يقف مستقبل الأمة.
وذات يوم، والخطيب يقف على المنبر يصرخ، يشتد حمار وجهه حتى ليظن المرء بان الدم سوف ينبثق من وشائع لحيته خيوطاً من نار، عيناه يمتزج بياضهما بسوادهما، يداه كادتا أن تنزلقا من المفاصل، كان ينفخ، ينفث من صدره نيرانا. قال لي طفل كان يجلس بجانبي (حديث الطفل داخل الزمن): "عماه أخشى على الخطيب أن يطق له عرق، لماذا هو غاضب؟ ليترك الأمر فقط لشهر أو شهرين، وسيقسم من أقسم الآن أنه رأى صورة الشخص في القمر، سيقسم أنه لم ير القمر في تلك الليلة.
حين عدت للبيت حدثت والدي عن الطفل، فسألاني بنبرة تضج بالصرامة والحزم: هل رأيت الطفل جيدا؟ هل عرفت أنت أبن من هو؟ قلت: هل حدثتكم أنا عن طفل؟ هل ذكرت ذلك حقا؟ الحقيقة أنني لا أعلم إن كان هناك طفل أم لا؟
اليوم الثالث...
(الأحداث داخل الزمن)
أرصفة الشوارع تتبادل أمكنتها، الرصيف اليمين يميل نحو اليسار، واليسار يميل نحو اليمين، واليسار واليمين يقفان أحيانا في الوسط. الوسط نفسه يتبادل الأدوار مع الشوارع، والشوارع ذاتها تتبادل طرقها، مساراتها، نهاياتها، بداياتها. والهواء فوق الكل يقف حائرا، مشدوها، لا يعرف ما الذي يحصل، ولا يدري كيف تنقلب الأشياء وتتبدل.
قال الهواء للشجر...
(حديث الهواء والشجر خارج الزمن وداخله)
- كيف تشعر لو بدلت لونك الأخضر؟
- ومن أين عرفت أني لا أبدله؟
- أنا؟
- أنت مخطئ. في الربيع أنا أخضر، في الخريف أنا أصفر.
- ولكن هل أنت من تبدل لونك؟ وهل تتخلى أنت عن جمالك وروعتك؟
- لا، من يبدل لوني الطبيعة، لهدف لا أعلمه، لا أعرفه، ولكني على يقين بان الطبيعة تعرف ما تفعل، ماذا تصنع، لأني بعد كل تبدل اشعر بروعة، بنشوة، بتجدد في عروقي ومساماتي، في دمائي، أشعر بتوازن شديد بيني وبين ما حولي.
- وماذا لو كان الخيار لك؟
- لا أعلم، ولا أجيب على افتراض مستحيل.
- ولكن الأرصفة، الشوارع، تبدل أمكنتها، من يسار إلى يمين، من وسط إلى يسار، دون تنسيق، دون معرفة، دون توازن، تتداخل حركات المرور بشكل سلبي، تصطدم الشوارع بالأرصفة، بالجدران.
- لأنها تبدل ذاتها دون حاجة، دون توازن، دون ضرورة، تخلع ذاتها من نفسها خلعا، تنتزع نفسها انتزاعا، تضع نفسها في قالب غريب عنها، لاهي منه ولا هو منها.
- الشوارع، الأرصفة، تقول بأن ما تفعله ضرورة لاستمرار التوازن للحياة.
- ومن قذف الموت على اليابان، وعلى العالم، قال بان موت هؤلاء كان ضرورة للحياة، للتوازن، لسعادة البشر، وما زال يقول ذلك.
- هذا كذب واضح!
- وذلك كذب واضح!
- كيف نحل المعضلة؟
- بالاستغناء عن المنطق.
- ولكن المنطق جزء من الحق!
- المنطق ليس حقاً، ولا صلة له بالحق سوى اسمه، ما دام العقل مريضا، الشوارع، الأرصفة مريضة، الصفاء، الفطرة هي الحق، وحق المنطق هو الفطرة فقط.
- وكيف نجمع بين المنطق والفطرة؟
- دع الفطرة تستدعي المنطق؟!
- وماذا لو جعلنا المنطق يستدعي الفطرة؟!
- إذن ستهاجر كل الأرصفة، كل الشوارع، كل الجدران هجرة أبدية لا يعرف نهايتها احد.
اليوم الرابع...
(الحدث والحديث داخل الزمن)
التقيته في أحد شوارع عمان، كان على غير عادته، حزيناً، بائساً، تقف الدموع (مترغرغة) في عينيه، صوته مشروخ، متقطع، يقطر أسى وحزنا. فاجأني بشدة، وقف قلبي لحظات حين قال لي:
- والدي توفي قبل ساعات.
- كيف عرفت؟
ومد يده بالبرقية نحوي، أخذتها منه، قرأت (والدك توفي، البقية في حياتك. لكنه قبل خروج روحه نطق اسمك، تمنى أن يراك للمرة الأخيرة قبل رحيله النهائي عن هذه الأرض).
- البقية بحياتك يا صديقي، ربنا يعوضك خيراً، قلبي معك!
- رحل صديقي دون أن أراه، دون أن ألمسه، دون أن أقبله، دون أن يودعني، أو أودعه!
- هل ستذهب إلى جنازته؟
- وكيف ذلك؟ أنا لم أُنْهِ مدة التسعة أشهر المفروض علي البقاء فيها خارج فلسطين.
- وماذا ستفعل؟
- سأذرع الشوارع، أبكي، أقول للناس، للبشر، للحجر، والدي مات، رحل، ولا يسمح لي بحضور جنازته، وسأسألهم:- هل حقا والدي الذي مات، أم أنا الميت قبله؟ حين خرجت من أرضي لأبحث عن فرصة حياة، مستقبل؟
- قلبي معك.
- وماذا سيفعل قلبك لي؟
- قل لي ماذا تريد؟ كيف أساعدك ولن أتأخر؟
- أريد أن أحضر جنازة أبي، أقف في عزائه، المس تراب قبره، اقرأ له آيات من القرآن الكريم قبل أن يخرج من المنزل، أحمل نعشه، أقبل يديه وقدميه، أحتضنه للمرة الأخيرة.
- (                 )
- هل هذا كثير؟
- (                )
- هل هذا صعب؟
- (                )
- أليس هذا من أبسط حقوق البشر؟
- (                )
بكى، وبكيت معه، ضمني، ضممته، شد على قلبي، شددت على قلبه. وودعته وأنا لا أعلم أبداً إن كنت صافحته أم لا. قلت لنفسي: (حديثي لنفسي داخل الزمن) هل من الممكن أن يموت والدي دون أن أراه؟ وقعت على الأرض. صحوت في المشفى. كان على السرير المقابل في نفس الغرفة، نظرت في عينيه، هاجس الموت سوف يلازمه، يلازمني، موت حبيب، والد، والده، أخ، أخت، موت أرض وهواء وسماء، موت إنسان.
 الساعات الأخيرة من اليوم الرابع...
(داخل الزمن)
دق جرس الهاتف بقوة، رفعت السماعة، جاءني صوتها مملوءا بالانفعال والغضب، بالتوتر، بالتكسر، يكون واضحا في حين، غائما في حين آخر، هدأتها، طلبت منها الصبر، التريث، حتى أستطيع أن أفهم ما تريد أن تقول.
- غداً حفل زفاف أختي.
- مبروك.
- أنا لا أستطيع أن أحضر الزفاف، ولا أستطيع المشاركة فيه
- اليوم عرفت بموت والد صديقنا، هو أيضا لم يحضر دفنه، عزاءه.
- لماذا؟
- ولماذا لا تستطيعين أنت المشاركة في حفل زفاف أختك؟
- لم أُنْهِ مدة التسعة أشهر المفروضة علي أن أبقى فيها خارج وطني.
- وهو كذلك.
- وهل هذا عدل؟
- أتسألينني أم تسألين نفسك؟
- وما الفرق؟
- لا أعلم.
- ومن يعلم؟
- لا أعلم.
- يجب أن يكون هنالك من يعلم.
- يجب أن يكون هنالك من يعلم.
ما تبقى من اليوم الرابع...
(خارج الزمن)
حلم يطاردني منذ طفولتي، يهاجمني دون رحمه، دون استئذان، يداهم براءتي، يفاعة أحلامي وأمنياتي. كنت أرى نفسي صاعداً إلى بناية كبيرة، كثيرة الطوابق، متعددة النوافذ، تعج بالأضواء الملونة الصاخبة والشاحبة في نفس الآن. أتسلق درجها الرخامي المصقول بخفة ونشاط، أنط درجتين أو ثلاثاً معاً. أسابق الريح والزمن من أجل الوصول للسطح، كي يتسنى لي مراقبة المدينة من عل، من مكان شاهق، وهي تغط بنومها، تنشر أنفاسها بالأجواء، ويعكر شخيرها هدوء الليل وروعته. وما أن أصل القمة وأقف على السطح، حتى أجد نفسي هاويا بقوة شديدة نحو الأرض، وأثناء سقوطي كنت أدور، أدور بحركة دائرية، أتقلب على جميع قطرها تقلباً سريعاً. كان الخوف، الرعب، الهلع، الموت، النهاية، الارتطام، الانخساف، من هذا كله كانت تتشكل أحاسيسي ومشاعري، وبسبب الرعب الهائل، كانت تنطلق مني صرخة، صرخة تهز المدينة، بأرضها وسمائها، صرخة لو خرجت من الحلم للحقيقة لانعدمت الحياة في المدينة انعداماً تاماً. وقبل انتهاء الصرخة، كانت اليقظة تنتزعني انتزاعا. وحين أحدق بما حولي، أعرف أنني ما زلت بغرفتي داخل المخيم، دون بنايات، دون أضواء، دون نوافذ، وحين أفتح باب منزلي، أشاهد الظلمة وهي تبتلع الزمان والمكان.
اليوم الخامس…
(خارج الزمن)
خرج مني، شق صدري، انتصب واقفاً، ملامحه نفس ملامحي، تقاسيم وجهه، نفس تقاسيم وجهي، الإرهاق والتعب يبدوان واضحان عليه. في عينيه لون غريب، بريق غريب، ليس معتاداً، غير مألوف. وعلى صفحات وجهه، يقف العذاب، عذاب المجهول، عذاب مؤرق. يقض المضجع، يستل الراحة، ينتشل النوم، يسرق الفرحة. أعرفه تماماً، هذا العذاب، هذا الوجع، هذا الأرق، هذا التناقض المركب من مجهول ومجهول، أعرفه جيداً، هو مني، وأنا منه، أنا وإياه نشترك في رسم لوحات مؤثرة، نابضة بالحزن والأسى، بالترح، أنا والحزن روح واحدة، أنا والعذاب قلب واحد.
- أنا أعرفك جيداً، فيك ملامح تشبه ملامحي، وتقاسيم تقترب من تقاسيمي.
- بل أنت من تشكل من ملامحي، ولد من تقاسيمي، عذابي رحمك، حزني حبلك السري، شقائي روحك، يأسي دمك.
- لكنك تشفق علي دون أن تشفق على نفسك، تسألني أن أضحك، أفرح، وأنت تبكي، تجهش في البكاء.
- لأني أحب الفرح، أعشق الضحك، أتعلق بالسعادة تعلق الغريق بموجة مهاجرة نحو الشاطئ، نحو الحياة.
لكنك لا تضحك، لا تبتسم، في عينيك هجرة وطن، رحيل أمه، سفر تاريخ، بكاء تراث، اختناق حضارة.
- في روحي كل آلام الأرض وأوجاعها، في قلبي أسىً يفيض بداخلي، تدمر عواصفه، زوابعه كل ما فيً من بقايا، وبقاياي تدمر ذاتها. أنا والمجهول صنوان، لا نختلف في شيء، ونتفق بكل شيء.
- أنت تقتلني، ما ذنبي؟
- ذنبك أنك مني وأنني منك!!
 
اليوم السادس...
(خروج من زمن هذا اليوم، للاندماج في زمن اليوم الخامس)
اليوم السابع...
(خروج، دخول، خارج، داخل، أيام الزمن الستة)
على بداية هذا اليوم، وعلى الحافة الفاصلة بين قلب الزمن وخارجه، يقف خليفة المسلمين عمر بن الخطاب، وعلى يمينه صلاح الدين الأيوبي، وعلى يساره خالد بن الوليد، يطوقون الأرض بالعدل، بالرحمة، بإحياء تراث، يضخون من دمائهم في تاريخ مجهول حياة جديدة. أفقد الرؤية، وحين أستعيدها يداهمني أحمد باشا الجزار وهو يقف خلف أسوار عكا، يصافح حجارتها، ترابها، رملها. أتذكر والدتي حين كانت تغضب وتقول: (لو كانت عكا بتخاف من هدير البحر، ما سكنت على شطه). تضيع الرؤية من جديد، أصحو على عصر جديد، الزجاج فيه يتحدث، وبيوت خشبية، بلاستيكية، تتحدث أيضا. حزمة من عرب- ولست على يقين كامل بأنهم عرب - يتحدثون عن تسالم الوطن مع لغة غريبة، ويقولون أنه أمر لا بد منه.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟