جزيرة الصمت ـ قصة : محسن العافي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse04034لم يكن منا من يجرؤ على الكلام ،ولكن لسبب ما لم ينبس أحدنا بكلمة،ولم يحاول أحد قط فعل ذلك .
التثاؤب يعلن حالة من العياء والإجهاد والشرود،وأحدهم يسترق الكلمات والحروف،يغترف لنفسه مما ليس له.
شيء غريب يجعل الكلمات تغيب عنا،وتنجلي معاجم اللغات عن هذا العالم، لتتحدث إلينا خفية بلسان متثاقل،وبنفس متقطع ،ثم تعلن صمتها من جديد.
كان صمتا ينسي العالم الكلمات والجمل ،وحوله صمت يخرج منه صوت يتحايل على  نسيم الأمكنة  الهادئة ،ويعبث بالأعشاب والنباتات ذات السيقان الهشة فيكسرها ،فيهيم الصدى في الفضاءات، يعلو ويهبط ثم يتلاشى، كأن جنبات الدنيا تمتصه على مضض ، ثم يغيب عن الأركان والزوايا، وكأن للصمت أيادي خفية تخرج الصمت عن صمته .
كان أحدهم  يقطع أشجارا خفية ليبني له كوخا،دون أن يعرف رفاقه ، يهوي بفأس على سيقان الأشجار بضربات متتالية، ثم يتوقف ليعاود الكرة كعفريت مارد ،يرسم داخل الصمت موجات صوت مفتعلة، تسرق من ذلك العالم صمته البهي .
لما رآه أحدهم قال :

كلنا هكذا لا نعي شيئا مما حولنا، وكأن الطبيعة هي ما يفعل بهذا العالم كل شيء ، وكل عبث من بني البشر يسند إليها ،كأنها العاصفة التي تأتي على كل شيء بدون سابق إنذار .
كل حركة في ذات الجزيرة ،كانت كصوت آمر ناه ، يقول :
إفعل !!
 لا تفعل !!
ابتعد !!
رمى بالفأس لما أحس بالعياء فقال في نفسه :
لا وجود لصمت تام ، فهنا خشخشة ، وللأشجار حفيف ، وفي مستقر الأمواج يتوالى اصطدام الماء بالحاجز الصخري ،وكل تلك أصوات تهاجم صمت المكان وتعبث به .
ثم تابع كلامه بانزعاج :
  لا صمت بوجود حاسة السمع التي تنزع الفأس من يد الحطاب وغيره و....... ، وعلينا أن نكون مخلوقات بلا آذان صاغية ، وأن نزيح كلمة صمت عن المعاني التي تندرج تحتها منذ أمد بعيد ،ولو أن بعض الكائنات الذكية ، تحاول أن توضح أن الصمت لعبة الأصوات الخفية،وأنها لا تعني صمت الطبيعة و لا الأشياء ،وإنما صمت البشر على هذه الأرض،ما دام لا يستحق الحياة بفعله،بصداه ،بصمته،وينبش في كل الخبايا البهية ،ليصيح عاليا خارج سمفونيته السرمدية ،التي تجعل هذا العالم يرتقي ويسمو  في هدوء  .
فجأة دوَّى في المكان صوت ، وقد اختلط بصوت الموج وأصوات المحركات.
أين أنتم ؟
نحن هنا لننقذكم
هل أنتم هنا ؟
منهم من استجاب ،ومنهم من قرر ألا يغادر المكان ، دون أن يظهر له أثر في آنذاك.