الجملة في النظرية التوليدية : قراءة في أعمال نوام تشومسكي من النحو التوليدي إلى البرنامج الأدنوي ـ عبد الرزاق السومري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse01084تمهيد :
هل يمكن الظّفر بحدّ واضح للجملة في النظرية التوليدية بمختلف تشعّباتها و امتداداتها ؟
و إذا ما حصرنا الأمر في شخص نوام تشومسكي - باعتباره رائد النحو التوليدي بلا منازع-
فهل يمكن الحديث عن تصوّر واحد و ثابت للجملة منذ صدور كتاب "البنيات التركيبيّة[1]" سنة 1957 ثمّ ظهور النموذج القياسي modèle standard   في كتاب "مظاهر من نظرية في التركيب [2]" فالنموذج القياسي الموسّع   modèle standard Etendu   ما بـــــــــين 1976 و 1977 ثمّ  بروز  نظريات و مفاهيم التحكّم و الرّبـط [3] (gouvernement et liage )   و المبادئ و المقاييس سنة 1980 و انتهاءً  إلى البرنامج الأدنوي[4] (1993)؟
و هل متصوّر الجملة والتركيب في البرنامج الأدنوي يمثّل قطيعة و استدراكا على ما سبق أم هو امتدادٌ وتطوّرٌ طبيعيّ  للنظرية التوليدية  التي ما فتئ تشومسكي يُعيدُ بناء معمارها سواء في ضوء المبررات البيولوجية و العرفانية و الحوسبيّة أو اعتباراً لنقد خصومه و اجتهادات تلامذتـــــه و مُريديه (جاكندوف ، كاين ، لازنيك ... إلخ ) .
و الحقيقة قبل الخوض في مسألة الجملة من حيث الحدُّ و التركيبُ وانعقاد العلاقات الرابطة بين مكوّناتها و استدعاء هذه المكوّنات للسمات النحويّة المميّزة مثل صرافم الجنس و العـــدد و الإعراب والزمن و الجهة و المظهر ... إلخ لا بّد لنا من عرض الفوارق الطارئة في مسيرة النظرية التوليدية التشومسكية بين نموذجيْها  القياسييْن (الأصلي و الموسّع أو المُعدّل)
والبرنامج الأدنوي (MP) .
و لئن ظلّت الجملة في كلّ الحالات عبارة عن مقولة ذهنيّة مجرّدة لها حضور بالقوّة في مستوى العرفان أي ما سماه تشومسكي بالقدرة أو الكفاية "compétence " و لها تجلٍّ ثانٍ في مستوى الأداء و الإنجاز "performance " فإنّ مربط الخلاف بين النـــــــموذج الأوّل و البرنامج الأدنوي هو في كيفيّة التوليد و آلياته و مراحله خاصّة إذا ما تجاوزنا بعض الإشكاليات التي حسمتها التوليديّة بامتياز و قد لخّصها الأستاذ محمد  صلاح الدين الشريف[5] في النقاط التــــالية  :

•"أنّ اللغة البشريّة تتميّز بطاقة توليديّة لا نهائيّة بفضل خصيصتها التوليفيّة
•خضوع جميع الألسن إلى نظام نحويّ يتكوّن من:
•أساس مقوليّ يشمل أصناف الوحدات اللفظيّة وأشكال أبنيتها،
•أساس معجميّ يقوم على مجموعة مفتوحة من الوحدات المحيلة على متصوّرات خارجيّة، ومجموعة منغلقة من الوحدات المحيلة على مقولات دلاليّة مجرّدة،
•خضوع النظام النحوي إلى بنية شجريّة ثنائيّة ذات مستويات متراتبة :
•مستوى إعرابيّ ذي جمل تتركـّب من مركـّبات ذات وظائف إبلاغيّة ووظائف اسميّة وفعليّةالخ
•تتكوّن من مفردات معجميّة تشكـّل مستوى صرفيّا وتتركـّب من وحدات دنيا،
•تتكوّن من وحدات صوتيّة ذات خصائص عامّة مشتركة.
•هذا إضافة إلى مشتركات عدّة لا سبيل إلى ذكرها جميعا لا يخلو منها لسان، رغم تباعد الألسنة وانعزال بعضها عن بعض في قارات وجزر وأدغال. "

في الحقيقة إنّ ما مهّد لظهور البرنامج الأدنوي هو جملة من الرهانات التي قادت مشروع تشومسكي و لعلّ أهمّها : اكتشاف المنظومة النواة للنحو و القادرة على تحقيق تعلّم لغة من اللغات في زمن قياسيّ ما سماه تشومسكي بقابلية التعلّم "Learnability " و هذا يستدعي العثور على البرنامج النواة [6]في شكله الأدنوي الأوّل . و بين سنة 1993 و سنة 1980 و ما سبقها حصلت تغيرات هامّة في النظرية التوليديّة نذكّر بأهمّ نقاطها بشيء من الاخـــــــــتزال و التبسيط :
- مع البرنامج الأدنوي وقع تقليص مستوى تمثيل الجملة إلى أدنى درجاته و صارت تجلّياتها محصورة في : الشكل المنطقي Forme logique  و الشكل الصّوتي forme phonétique 
- كاد يختفي مصطلحا المبادئ و المقاييس
- عوّض مصطلح المزج[7] Merge   المصطلح القديم : البنية العميقة (D-structure) كما استبدل مصطلح البنية السطحيّة (S-strucure) بكلمة "التهجية[8]" (spell-out ou Epel) وعمليّة المزج تكون بين وحدات تركيبيّة أوليّة وتقع على نحو ثنائيّ (binaire) أي بين عنصرين  a و b  لتكوّن عنصرا ثالثا له خاصيات a  أو b . و إذا لم يقع التثبت من السمات النحويّة في مرحلة التهجية و التثبت (check , Epel ) فإنّ المخرجات ستفشل[9] و تعطي جملاً غير مقبولة أو لا نحوية أو لاحنة دلاليا وتركيبيا .

 
مثال : (1) مي يُريد العودة إلى المنزل[10]
 ففي هذه الجملة ليس باستطاعتنا التثبّت في سمة المفعولية (العودة إلى المنزل) من حيث الصحّة و المقبولية لإنّه ليس في استطاعتنا تأويل "مي" ولذلك يمكن أن تكون الجملة فاسدة تركيبا و دلالة . 
و يمكن أن نقارن بين النموذجين : النموذج القياسي الموسّع و نموذج البرنامج الأدنوي بهاتيْن الخُطاطتيْن المُوضّحتيْن :

تحميل كامل المقال من هنا


[1] CHOMSKY,noam.1957.syntactic structures.LA HAYE.Mouton.
[2] CHOMSKY,noam.1965. Aspects of the Theory of Syntax.Cambridge (Mass):MIT Press.
[3] محاضرات في التحّم و الربط : CHOMSKY,noam.1981.Lectures in Goverment and Binding.Dordrecht .Foris
[4] CHOMSKY,noam.1995.The Minimalist Program.Cambridge.MA.MIT Press
[5] محاضرة حول "ملامح الاكتساب اللغوي في النظريةا لتوليدية " ألقاها الأستاذ الشريف لفائدة متفقدي العربية بالمركز الوطني لتكوين المكونين بقرطاج حنبعل.
[6] لا بدّ من الإشارة هنا إلى التماثل الواضح بين البرنامج الأدنوي باعتباره النظام الحوسبي الطبيعي للإنسان و برناج bios  الذي يظلّ قائما في الذاكرة الحيّة لجهاز الحاسوب حتّى و إن قمنا بمسح المعلومات و إزالة نظام التشغيل بكامله .
[7] آثرنا ترجمة الأستاذ منصف عاشور  و التي رأينا أنّها الأنسب و الأقرب إلى المعنى الأنقليزي من مصطلح "الإغصان" لعبد القادر فاسي الفهري  والذي قد يقود إلى شيء من اللبس و التعمية . (انظر : ذرات اللغة العربية و هندستها ، دراسة استكشافية أدنويّة  لعبد القادر فاسي الفهري )
[8] التهجية : هي العملية التي تقع بين الاختيار و التعداد من جهة و عملية تشكّل الجملة في صورتها الصوتية و المنطقية  وهذا التصوّر يذكرنا بجدول الاختيار و جدول التوزيع في اللسانيات السوسيرية .
[9] هذه المرحلة التي تفشل فيها العملية سماها تشومسكي : crash مستعيرا في ذلك فكرة الاصطدام أي التعارض بين الشكل الصوتي و الشكل المنطقي الدلالي في تأويل الجملة .
[10] حاولنا قدر الإمكان الوفاء للمثال الأنجليزي : Me want to go home