دور القارئ في النقد الأدبي الألماني المعاصر ـ أرنولد روث ـ ترجمة: عبد العالي مريني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse0108قال بول فاليري Paul Valéry ذات مرة : « إن قصائدي تأخذ المعنى الذي يعطى لها».
إن هذه الجملة المشهورة تتضمن إحدى البديهيات الرئيسية لنظرية جديدة جعلت العلاقة بين النص والقارئ موضوعا لها، وعرفت باسم "Rezeptionsasthetik" التي أجيز لنفسي ترجمتها مؤقتا بـ"جمالية التلقي" Esthétique de la réception".وعلى الرغم [مما قاله] هذا السلف المشهور وغيره في اللغة الفرنسية، ومن بينهم   "جان بول سارتر" Jean - Paul sartre و" أرتور نزن" Arthur Nisin، فإن هذه النظرية الجديدة -حسب علمي- تظل بعيدة عن أن تجد في فرنسا نفس الصدى الذي وجدته في ألمانيا الغربية التي ارتقت فيها جمالية التلقي إلى مستوى مدرسة إن لم نقل موضة -الموضة ذاتها التي غزت جمهورية ألمانيا الديموقراطية (RDA) منذ 1973.
ومن بين الاستثناءات التي تؤكد [هذه] القاعدة، يجب أن نذكر العمل الجيد   لـ"بروست " J. Proust حول   "قراءات ديدرو" "Lectures de Diderot"، إلا أن هذه الفجوة بالنسبة إلى أحد زملائي، [وهو] "فولفغانغ لينر" Wolfgang leiner، تبدو كبيرة جدا لدرجة أنه اقترح أن يقدم في هذا الموضوع مجلة جديدة باللغة الفرنسية تحت عنوان " أعمال وانتقادات"  Œuvres et critiques  الصادرة عن منشورات "جان ميشال بلاس" Jean -Michel Place . فمن جهة، إن هذه النظرية توجد باستمرار في وضعية مؤقتة، ومن جهة أخرى، خاصة بسبب هذه الوضعية المؤقتة، فقد أدت إلى اتخاذ العديد من المواقف. ولهذا لا يمكنني إلا إعطاء نقطة بداية لمناقشة لاحقة. وللسبب ذاته لن أذكر إلا بعض الأسماء محيلا القارئ إلى البقية في البيبلوغرافيا المختصرة المرفقة [بهذا المقال][2]. [هكذا] فبعد أن أوجز الحديث عن الوضعية السابقة للنقد الأدبي في ألمانيا، سأقوم بجولة في أفق جمالية التلقي وذلك من منظور  نظري وتطبيقي، وبعدها سأذكر بعض الأصوات النقدية التي تندرج ضمن جمالية التلقي، لأنتهي إلى بعض الملاحظات المتعلقة بالمستقبل المحتمل لهذه النظرية.


لتحديد الوضعية التاريخية لجمالية التلقي، ينبغي في البداية استحضار وضعية "الخمسينيات من هذا القرن". ففي ألمانيا كانت السيطرة بلا شك لمنهج تفسير النص المسمى بـ [ التفسير ] المحايث Immanente والمعروف في الولايات المتحدة باسم " النقد الجديد" New Cristicism .
و [قد] أصبح هذا المنهج مشهورا بواسطة باحثين مثل " ليوسبيتزر" Leo Spitzer الذي تأمل النص الأدبي ليس باعتباره وثيقة بيوغرافية أو تاريخية، ولا باعتباره مجموعة من المؤثرات الأدبية الخالصة الممارسة عليه، وإنما بوصفه عملا فنيا خاضعا لقوانينه الجمالية الخاصة. وقد وُجـه هذا المنهج الخاص بالتفسير المحايث للنص، أصلا - وبحق - ضد الوضعية Positivisme المعمول بها. ومنذ 1945 لم يعد أي باحث يستعمل التفسير المحايث للتحرر بكل سهولة من التاريخ.  أي [التحرر] من إجبارية تبرير موقفه من الوضع السياسي السابق.  وعلى الرغم من مزاياه التي لا تنكر، فقد أثار التفسير المحايث قضيتين اثنتين سوف تشغلان اهتمامنا في غضون الصفحات التالية: أولاهما، أنه لم يبرز بما فيه الكفاية الجانب الذي تشغله ذاتية المُؤِول interprète وأذواقه ومصالحه في تفسير النص. وثانيهما، لو سلمنا بأن كل نص يحلل في جماليته الخاصة، فإن منهج التفسير المحايث يبقى محروما من النموذج الذي يسمح بإدراج هذه النصوص المعزولة عن بعضها البعض ضمن سيرورة التاريخ.

إن النموذجين التاريخيين اللذان يدخلان اللعبة يبدوان حينئذ مرفوضين: فالنموذج الماركسي [ مرفوض ] بسبب غائيته Téléologie و[بسبب] التحديد الأحادي الجانب للظواهر الثقافية من خلال الظواهر الاقتصادية. ومن جهة أخرى، النموذج الذي ظهر مؤخرا مع الشكلانيين الروس، فإذا كانوا قد اقترحوا -مع مفهومهم عن التطور évolution أي تسلسل التجديد innovation والأوطوماتيزم Automatisation ورد الفعل réaction  - وسيلة للوصف المشروع، فإنهم مع ذلك لم يهتموا بالتفاعل interaction الصريح بين تاريخ أدبي وتاريخ عام.
وبرجوعنا إلى السؤال الأول الخاص بالجانب الذي يحتله المُؤِِول في تفسير النص، أو بصفة عامة، القارئ في القراءة. فإننا نقر أولا وقبل كل شيء ما يلي: بالنسبة إلى الأشخاص الذين ينتقدون منهج التفسير المحايث في هذه المرحلة لا يتعلق الأمر إطلاقا بتحديد المعنى الموضوعي لنص ما أو العثور على تفسير مقبول نهائيا، ومن ثم السقوط مرة أخرى في الوضعية. إنهم بخلاف ذلك يتموقعون في الاتجاه الذي فتحه"ويلهلم دلتاي"  Wilhelm Dilthey  في بداية هذا القرن. فحسب النظرية المعرفية لويلهلم دلتاي، تتميز العلوم الإنسانية عن العلوم الطبيعية من خلال الفعل الذي يوجب  أن ذات Sujet المعرفة ليست منفصلة عن موضوع  Objet المعرفة في فهم ظاهرة ما أو نص تاريخي مدروس، لسبب بسيط هو أن الذات تظل متأثرة بالتقليد الذي يُـلـَقنه موضوعها. وكمثال  على ذلك : لا يمكن للمؤول الفرنسي " لراسين" Racine التحرر كليا من سلطة التقليد tradition، وخاصة من المعايير اللسانية أو الجمالية الكلالسيكية التي وصلت إلى أوجها لا سيما مع "راسين". ومع ذلك، فإن المدرسة الجديدة - التي سوف تـُعرف بجمالية التلقي- لا تقف عند هذا الحد: ففي الوقت الذي يـُطرَح فيه السؤال الخاص حول مشاركة القارئ،  فإنه تواجهنا مجموعة من المشاكل:

- فأي تأثير مسبق يمارسه الجمهور الذي يبحث عنه المُؤلِف auteur، على إنتاج النص ذاته إنتاج النص ذاته؟ وبماذا ندين إذن، لمدام دوغرينان Madame de Grignan في الرسائل التي تـَـلقتها من أمها؟

     - وما هو الدور الذي تلعبه صورة المؤلف أو صدقه عند قراءة أعماله؟ وإلى أي حد يصبح حكمنا محتشما من  خلال عمل      [فني] موصوف كـ [عمل] كلاسيكي؟
     -  وأية أهمية ينبغي إعطاؤها للأفكار المسبقة الخاصة بجنس أدبي ما، مثلا [تلك] الخاصة بحالتنا، لا بل حتى  رغبتنا في الاستمتاع بالكوميديا؟
     -  وماذا يحدث لنا أثناء القراءة؟ وهل يعمل القارئ على إيجاد ذاته، أم هل هو قادر على فهم شيء ما  خارج ذاته؟
     -  وبأي مقياس يستطيع المؤلف-كما ترى ذلك البلاغة القديمة- توجيه التطابقات التي تنشأ بالضرورة بين  القارئ وبعض الشخصيات التخييلية؟
      -  وما هي الشروط التي على أساسها يستحسن القارئ نصا ما باعتباره [نصا] جماليا؟
      -  وأخيرا: ماهي المعايير الراسخة للحكم على تفسير نص كيفما كان [ نوعه]؟

وإذا تعذر التمييز بين الصحيح والخطأ بعد هذا الذي قدمته، فهل يمكننا التمييز، على أي حال، بين التماسك cohérent والتنافر incohérent  بين المعقول plausible  واللامعقول non plausible، بين التذاوتي intersubjectif والذاتي subjectif؟
إن هذا الجرد الشاق نسبيا يسمح لنا على الأقل بفهم مصطلح "جمالية التلقي" الذي لم يُـوَضح بما فيه الكفاية حتى الآن: فالمسألة لا تتعلق أبدا بمعرفة حسب أية قواعد- تاريخية أو لا تاريخية ahistorique- تم إنتاج نص أدبي ما، وإنما بأية طريقة وفي ظل أية شروط يتم تلقي نص ما، لا سيما من حيث هو عمل فني.
وهذا يعني أنني سأجيز لنفسي الدخول حاليا في وصف التطور الملموس لجمالية التلقي. ونقطة الانطلاق هي بدون شك " الهيرمينوطيقا [ التأويلية ] الفلسفية" «Herméneutique philosophique »  في شكلها الأكثر تطورا كما ركز عليه"هانز جورج غادامير" H.G. Gadamer في عمله المتفوق:"الحقيقة والمنهج" "undMethode" عام 1961.

فحسب "غادامير" إن العلاقة بين النص والقارئ تخضع لمنطق السؤال والجواب. والحالة هذه يصبح النص جوابا عن سؤال، وبعبارة أخرى لا أرى في نص ما إلا ما يعنيني. ومن الثابت أن الجواب الذي يقدمه النص عن سؤالي لا يكون كافيا تماما وأبدا، لأن النص هو أيضا يطرح أسئلة وعلى القارئ الآن أن يجد لها أجوبة. ويترتب على ذلك، أن منطق السؤال والجواب يـُـقَدم في شكل جدلي أو يقدم- بما أن الأمر يتعلق بالابستمولوجيا- في شكل حلقة هيرمينوطيقية. وللسبب ذاته، فإن فهم نص تاريخي ما،  يعني: فهم السؤال الذي  أجاب عنه النص، وبصفة عامة: البحث عما يسميه غادامير بـ " أفق الأسئلة" L'horizon de questions.

وهكذا، فإن الفهم المقترح لنص تاريخي ما لا يعني العودة إلى التاريخانيةhistoricisme الموضوعية؛ لأن أسئلة وأجوبة حقبة معطاة تشكل بالنسبة إلي، إذا صح القول، نصا جديدا يجيب بدوره عن أسئلتي الخاصة. فإيجاد أفق الأسئلة التاريخية ليس إذن، شيئا آخر غير إدراجه ضمن أفقي الخاص للأسئلة حيث  مفهوم "اندماج الآفاق" Fusion d'horizons  الذي اقترحه غادامير في هذا الصدد.
وقد تطورت مبادئ غادامير أو بالأحرى تكيفت مع "النقد الأدبي"  فيما بعد بواسطة العديد من تلامذته القدامى الذين تجمعوا في غضون ذلك حول جامعة كونسطانس. وقد كان "هانز  روبير ياوس" Hans- Robert Jauss الناطق بلسانها بلا منازع، حيث استـُـقبلت مقالته الافتتاحية [ لعام ] 1967 باعتبارها بيانا عاما عن  [هذه ] المدرسة الجديدة. ويسمي"هانز روبير ياوس" أفق الأسئلة [عند] غادامير بـ " أفق الانتظار" [التوقع]  horizon d'attente، وهو مجموع السلوكات والمعارف والأفكار المسبقة التي يواجهها عمل "فني" ما زمن صدوره، والتي على أساسها تقاس قيمته. فبالارتباط بأفق انتظار الجمهور هذا يؤول تلقي نص ما إلى التأكيد confirmation أو بالأحرى إلى التخييب déception  .ويسمي ياوس المسافة الواسعة، إلى حد ما، التي تنشأ بين انتظار الجمهور والنص الذي ينجزها " بالمسافة الجمالية " distance esthétique.ففي حالة تخييب    [أفق] التوقع، يمكن أن يحدث شيئان اثنان: إما إن غضب الجمهور يؤدي إلى تغير في السلوكات والمعايير، لا بل وحتى  "تغيرا في الأفق " " changement d'horizon "،     [هذا ] إذا استرجعنا المفهوم الذي اختلقه "م.ياوس" M . Jauss.
وإما إن التخيـيب  يمكن أن يدفع بالجمهور المعاصر [للعمل] إلى الرفض كما حصل مع " ستاندال " Stendhal  و" فلوبير "  Flauber  اللذان اضطرا لهذا السبب إلى خلق جمهورهما الخاص أولا وقبل كل شيء.
يستخلص من ذلك بعض النتائج [وهي] ذات طابعين، نظري وتطبيقي؛  ففيما يخص [النتائج] ذات الطابع النظري، إن المسافة الجمالية تسمح إلى حد ما بتقييم  évaluationنص ما (تقريبا) بمعزل عن وجهة النظر الذاتية للناقد.
ولو سلمنا بأن المسافة الجمالية قادرة على إثارة غضب الجمهور أو، إلى حد أبعد، تغير في الأفق، فإن معيار التقييم الجمالي ينتج إذا في نهاية المطاف عن الوظيفة التحررية émancipatoire fonction للعمل الفني. أما فيما يخص النتائج التطبيقية، فإن ياوس يؤكدعلى أن إعادة تشكيل أفق الانتظار يمكن من استعادة الخاصية التحررية للأعمال التي قيل إنها كلاسيكية، والتي لم تعد- بفضل قوانينها- تطرح بشكل طبيعي المشاكل التي تقترب فيها القراءة  من الأدب الاستهلاكي Bibliothèque rose.

لم أتحدث إلى الآن إلا عن رد الفعل إزاء إحدى القضايا التي خلفها التفسير المحايث للنص. غير أن اهتمامنا بالجمهور وبأفق انتظاره يمكننا من الإجابة أيضا عن القضية الثانية الخاصة بتاريخانية  النصوص وتسلسلها [التاريخي]. لماذا؟  ففيما يخص الإنتاج الأدبي إن الجمهور وأسئلته يرسخان الإطار لشروطه. أما فيما يخص التلقي، فإن الجمهور يتملك s'approprie  إلى أقصى درجة الأجوبة التي يعطيها العمل لاستخلاص أسئلة جديدة، وفي هذا الاتجاه إثارة أجوبة بل وأيضا نصوصا أخرى. فالجمهور يضطلع إذن، بدور الوسيط سواء على المستوى السانكروني أو على المستوى الدياكروني. فعلى المستوى السانكروني إن الجمهور هو الوسيط بين الأدب والحياة اليومية، وهو الذي يُؤَمِن أيضا الجدلية [القائمة] بين تاريخ الفن والتاريخ العام-  الجدلية التي تبتعد عن نموذج الشكلانيين الروس المشار إليه منذ قليل. أما على المستوى الدياكروني، فبإمكان الجمهور أن يُـفهمنا أسباب الترابط بين نص قديم ونص جديد- وهو ترابط ذو طابع أدبي يتحرر على الأقل من النموذج الماركسي التقليدي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الرؤية التاريخية لجمالية التلقي تتجاوز الغائية وبالأحرى الأخرويات eschatologie  لتحتفظ بوجهة النظر التي من خلالها يجب ملاحظة سير التاريخ ووصفه اعتمادا على حاضر الباحث وحده، وهذا يعني أن كل جيل من الباحثين ملزم بإعادة كتابة التاريخ الأدبي من جديد.
وبعد هذه الجولة في الأفق، يجب علينا أن نتساءل إلى أي حد تتطلب هذه النظرية توجها جديدا للبحث التطبيقي، أو كانت قد أجازته سلفا. ففيما يتعلق بالقضية التي عالجناها أخيرا، وهي قضية التاريخ الأدبي، إن الجواب يكون بالأحرى-وحتى إشعار آخر- سلبيا. وإذا لم نعد نتوخى الاقتصار على إحصاء الأعمال الأدبية بحسب التسلسل الكرونولوجي، فإنه ينبغي أن نعيد تشكيل أفق الانتظار بالنسبة إلى كل مجموعة من النصوص، وإلا فبالنسبة إلى كل نص [على حدة]، هذا الأفق الذي يتكون- كغيره من الآفاق- من القراءات الممكنة أو المنجزة في الحقبة الموالية. وبالنسبة إلأى الرومانسية، فإنه لا ينبغي أن نهتم فقط بـ" هيجو" Hugo و" ألفريد دو فيني "Vigny و"لامرتين" Lamartine وغيرهم، وإنما أن ندرسهم أيضا باعتبارهم معاصرين لحقبة الكتاب المجددين أو الذين أضفوا قيمة جديدة عليها مثل"شكسبير ٍShakespeare، ودانتي Dante وسرفانطس Cervantès في [روايته] "الفارس ذو الوجه الحزين" التي لم تتكيف مع العقل، حتى وإن كان بطلها رومانسيا بامتياز. إن كثرة الدراسات التي تناولتها تمنع لاحقا وإن لم نقل دائما تحقق تاريخ أدبي من هذا النوع.

وقد اقترح "ياوس" بموجب هذه القضية مشروعي حل وسيطين يرتبط أحدهما بالآخر:
فأما المشروع الأول، فيرتكز على [دراسة] تاريخ تلقي مُؤلـَف أو نص ما عبر العصور كما قام بذلك "بروست" J. .Proust في الكتاب المذكور سلفا [وهو] " قراءات ديدرو"، وتأكيدا لرأينا سأجيز لنفسي مع ذلك الاستشهاد بمثال أقل تعقيدا وهو"الشرس"Misanthropeلـ"موليير" Molière. وفي هذا الموضوع ينبغي أن نصف مثلا الكيفية التي يمكن من خلالها لتغير المعايير الاجتماعية- وبالتحديد مساءلة النموذج الارستقراطي للشرف- أن يؤدي إلى تحول من شخصية هزلية إلى شخصية مأساوية كما أثار ذلك "جان جاك روسو" J. J. Rousseau.
وأما المشروع الثاني الذي تصوره "ياوس" فهو الأكثر طموحا: وهو مشروع يقتصر على انتقاء السنوات التي تحدد منعطفات التاريخ الأدبي وتواريخه ومقاطعه السانكرونية التي تتضمن- إذا جاز القول- أفق الانتظار كليا، أي مجموع القراءات التي تمثل فضلا عن ذلك الإنتاج الراهن كما بَينتُ ذلك في السابق. إن مقارنة هذه المقاطع السانكرونية في تعاقبها  [التاريخي] تقدم معرفة عميقة للسيرورة التاريخية. وإذا كان هذا المشروع -مهما كان ضيقا- ما زال لم يتحقق إلى يومنا هذا، فإن ذلك راجع على الخصوص إلى صعوبة إعادة تشكيل أفق الانتظار هذا، وهو الأمر الذي يعيدنا الآن إلى السؤال الأول المتعلق بمعرفة الكيفية التي نعمل بها لتحليل العلاقة بين النص والقارئ في ظرفية ملموسة.
ويبرز بصدد هذا الموضوع سؤالين تمهيديين: فإذا لم يكن معنى نص ما مقررا سلفا- وذلك بهدف استرجاع عبارة "فاليري" المذكورة أعلاه- وعلى العكس من ذلك، إذا تحقق هذا المعنى بشكل جديد وغير متوقع في كل فعل للقراءة ومع كل قارئ، فإنه ينبغي التساؤل فيما إذا لم تكن هناك آفاق انتظار معاصرة إلى جانبه أي معنى نص ما و[كذلك] معاني قرائه. ومن جهة أخرى، فلو سلمنا بوجود أفق انتظار واحد، ومن ثم بمعنى واحد للنص في لحظة ما، فما هو القاسم المشترك الذي يسمح [بإقامة] مقارنة بين المعاني المحققة في مختلف الحقب إذا لم يكن هو النص ذاته- القاسم المشترك الذي يؤكد بمفرده البرنامج التاريخي لجمالية التلقي؟ ولإثبات الوحدة النسبية لأفق الانتظار في لحظة [زمنية] معطاة، فإن ياوس يلح على تفوق نسق الأجناس الأدبية الذي يقدم القارئ من خلاله العمل [الأدبي]. يتعلق الأمر هنا بنسق من التعاقدات conventions التي يخضع لها الأسلوب كما [تخضع لها] البنية والموضوع والمادة والقيم- وبالتالي نسق لا يكون العمل الفني مفهوما من دونه. وعلى سبيل المثال، نستطيع الاحتجاج على الحالة الأخيرة بنص مكتوب بلغة أجنبية، فإذا لم يكن اللسان langue أي التعاقد اللساني معروفا، فإن النص المدروس يبقى غير مقروء. وكذلك [الأمر بالنسبة إلى] نسق الأجناس [الأدبية] الذي يظهر إذن في مجموع أفق الانتظار، فهل يتجه إلى الدفع بالعناصر الذاتية للقراءة إلى المستوى الثاني؟ يبقى أن نعرف كيفية إعادة تشكيل أفق الانتظار هذا. لن نقول إن الوضعية الحالية تعرض نفسها للسبر من لدن القراء. ومع ذلك فمنهج العلوم الاجتماعية التجريبية لم يقدم حتى الآن نتائج مُرضِية على المستوى الأدبي لإهماله التجربة الخاصة للهيرمينوطيقا. وبخصوص الماضي الذي لم يعد يطبق منهج السبر، أي بخصوص الأغلبية المطلقة للنصوص، فقد تصور ياوس طرقا أخرى تُمكِن من إعادة تشكيل أفق الانتظار  ومن بينها طبعا تحليل الوثائق التي تعكس ردود أفعال الجمهور المعاصر. ولسوء الحظ، فإن حالة" موليير"     Molière   التي تصف رد فعل مختلف الطبقات الاجتماعية في [مؤلفه] " نقد مدرسة النساء" Critique de l'école des femmes تبقى حالة استثنائية. ودائما في الحالات التي يكون فيها الصدى غير معروف لدينا- والتي تمثل مرة أخرى الأغلبية- فإن تقليد الجنس الذي يتعقبه عمل فني ما- وهو تقليد معروف من طرف الجمهور- يسمح بإعادة تشكيل أفق انتظار هذا الأخير. وزيادة على ذلك، فهذا الأفق غالبا ما يُذكَر عمدا كما أثبت ذلك ديدرو Diderot في [روايته] " جاك القدري " Jacques le Fataliste. فهو لا يثير تقليدية عن الحب والسفر لحجبها فيما بعد بشكل جذري- بهدف تصور جديد للواقع- وإنما ليجعل من طريقتها موضوع حواره المدرج مع قارئ تخييلي .Lecteur fictif هذا بخصوص إعادة تشكيل أفق الانتظار  [الذي يمثل] الأساس لإعادة تشكيل المعنى التاريخي لنص ما.

يبقى أن نعرف ما هو القاسم المشترك لمختلف المعاني التاريخية لنص ما عبرالعصور. وفي هذا السياق يشارك " فولفغانغ إيزر" Wolfgang Iser-وهو مثل ياوس تلميذ لـ غادامير- إلا أنه مدين في الآن نفسه للظاهراتية. ولفهم      [النص] جيدا، ينبغي أن نميز في البداية معه [إيزر] بين النص texte والعمل Œuvre، أي بين النص من حيث هو إمكانية خالصة والعمل من حيث هو مجموع المعاني التي يكونها القارئ أثناء القراءة. ولا ينتج عن هذا التمييز النسبية الخالصة أو اعتباطية  القراءة والمعنى المكون أثناء هذه القراءة، لأن القراءة، بخلاف ذلك، تُدرَك باعتبارها بناء للمعنى انطلاقا من النص، أو إلى حد ما بحسب قواعد اللعبة المدرجة فيه. وزيادة على ذلك فبناء المعنى لا يتم في لحظة واحدة، مما يجعل المجال مفتوحا للأحكام المسبقة للقارئ، وإنما يتم داخل إجراء كبير يطبعه التغير المستمر لبناءات المعنى ومراجعاته، بما أن إيقاع هذا التغير تحدده بنية النص سلفا. وتتطلب هذه الفرضية الأخيرة عددا لا يستهان به من التفسيرات؛ فإذا افترضنا أن هدف بناء المعنى يكمن في وحدته أو تماسكه، فإن بناء هذا المعنى لا يتم إلا انطلاقا من عناصر النص التي تُنْبئ بهذه الوحدة المطلوبة للمعنى، وبالتالي فبالتدرج انطلاقا من الجملة والفقرة أو البيت الشعري والفصل أو المقطع الشعري.

والفجوة Lacune هي الظاهرة المُكَملة، إن لم نقل،  القطيعة بين اثنين من مجموعات النص المذكورة فيه؛ أي القطيعة التي حدثت في السابق بين جملتين وبالأحرى بين فصلين. ورغم تضليلها الكلي للقارئ، فإن هذه القطيعات تحثه على ملئها أو إغلاقها بواسطة المعنى المكون من قبل جاعلة بذلك منه  مؤلفا مشاركا coauteur. فقد كان قراء" أوجين س" Eugéne Sue واعين جدا بالاضطلاع بوظيفة المؤلف المشارك هاته حينما أبلغوا الكاتب- بعد كل تسليم- بفرضياتهم المتعلقة بتتمة الرواية- المسلسل roman feuilleton.

وبتأملنا لفعل القراءة في كليته، فإنه ينبغي التمييز بين حركة ديناميكية عمودية وحركة ديناميكية أفقية. ففيما تحدد الحركة العمودية بناء معنى ذا نظام متفوق على أساس وحدات المعنى الدنيا، فإن الحركة الأفقية تتضمن تعاقبا لبناء معنى مؤقت، وتكونا لانتظار ما  انطلاقا من هذا المعنى المؤقت، و تأكيدا لهذا الانتظار فيما بعد، و [ أيضا ] مساءلة المعنى المؤقت لا بل وحتى مراجعته، في حالة التخييب، وهكذا دواليك. نستنتج أن وحدات النص التي تُنْبئ بمعنى ما، كما أن القطيعات التي تحث على بناء معنى ما ما هي إلا معطيات موضوعية. وبعبارة أخرى تكون هناك قراءة ما باعتبارها فعلا مدرجا في النص وهو، بحسب إيزر، « القارئ الضمني» " der implizte leser" [أو] القارئ الملازم [للنص] Lecteur inhérent، أو هو بحسب مجموعة من الباحثين من الجمهورية الألمانية الديموقراطية RDAالتي يشرف عليها " [مانفريد] نومان" die   Rezeptions Vorgabe "  Noumann" أي التوجه المسبق للتلقي. لنسجل ما يلي إن بنية نص ما لا تحدد معناه، وإنما فقط إيقاعه أي شكل بنائه. وكذلك مهمة النقد الأدبي فهي لم تعد تفسيرا للنص النموذجي لا بل وحتى المعياري، وإنما أصبحت تتمثل في التحليل الظاهراتي والتاريخي للشروط التي من خلالها يصبح بناء معنى نص ما ممكنا.
في غضون هذا العرض الموجز لنظرية جمالية التلقي وللمناهج التي نشأت عنها لاحظنا وبدون شك بعض نقط الضعف. وسأكتفي بذكر " الاعتراضات"  المتداولة المقدمة في هذا الموضوع بإيجاز.
لنتحدث في البداية عن "ياوس" ومنهجه، لننتقل فيما بعد إلى [الحديث عن] نظريته. فحسب رأي العديد من النقاد لا يعاد تشكيل أفق الانتظار إلا بالنسبة إلى جمهور ضيق ومغلق نسبيا لحقب تقوم على نسق من الأجناس  ثابت نسبيا. وليس من قبيل الصدفة أن يُعد"ياوس" نظريته بدراسة حقبة محددة من الإنتاج الأدبي لمعرفة "رواية المحتال"  le roman courtois"  " وهي حينئذ في غمرة الانحطاط. وحسب نقاد آخرين، ولا سيما النقاد ذوو الأصل الماركسي، فإن ياوس -في مقابل بيانه الافتتاحي الخاص- قد أهمل المكونات التداولية أو الاجتماعية لأفق الانتظار أو قلل من قيمتها مع أنها حسب عبارة الأوبرا دوكاتسو L'opera de quat'sous : «Erst Kommt das Fressen, dann  kammt die Moral ».  وأخيرا كيف نتصور الادعاء القائل بـ " اندماج الآفاق "، وبأية طريقة نحدد مشاركة المُؤِول وأية نتائج نستخلصها من ذلك؟
أما بالنسبة إلى نظرية" ياوس"، فيجب أن نتذكر أنه ضمن المسافة الجمالية والوقع [الأثر]  effet المحرر émancipateur يتكون المعيار النوعي الوحيد. إلا أن مفهوم التحرر المستعمل في مفهومه الحديث، يرجع إلى عصر الأنوار. وإذا كان [هذا المفهوم] ينطبق على الحضارة البورجوازية ابتداء من القرن الثامن عشر، فإنه يمتنع عن التطبيق في العصور السابقة للسبب ذاته، مثلا  يلزم الأدب في العصر الذهبي الإسباني، عندما  كان تصديقيا، أن يكون مقصى، وهو الاعتراض الذي أولاه ياوس اهتماما [خاصا] معتمدا في غضون ذلك على نسق من القيم تتموقع بين قطبي التحرر والتأكيد.   وبالطريقة نفسها فإن مصطلح التحرر، كما هو، قد خضع لنقد جوهري خصوصا من الجانب الماركسي الذي اعتقد أنه قد وجد فيه انعكاسا للمثالية البورجوازية أي انعكاسا للثقة الموضوعة في اكتمالية الفرد وتقرير مصيره. وبالنسبة إلى هؤلاء النقاد أنفسهم، فإن هذه الوظيفة التحررية المزعومة للأدب هي التي سوف تضمن بدقة نجاح جمالية التلقي، بما أن وجهة النظر هاته تسمح بإعادة إدراج الظواهر الاجتماعية في تاريخ الأدب،  مع الاحتفاظ الكلي بالمثالية البورجوازية ومن دون  السقوط طبعا في الماركسية باعتبارها بديلا وحيدا.

لننتقل الآن إلى مخاطبنا الثاني وهو"ف . إيزر" W.Izer. فبخصوصه، نؤكد بالإجماع على حدة الذهن التي استطاع أن يصف من خلالها مختلف الأفعال التي تتكون منها القراءة عامة. إلا أننا بالمقابل نؤاخذه على موقفه اللاتاريخي وهي أيضا المؤاخذة التي وجهناها"لميكائيل ريفاتير" Riffaterre M.الذي يتقاسم بالفعل عدة آراء مع زميله الألماني.
إن ما نشكك فيه ليس هو وجود وحدات النصوص التي تُنْبئ بوحدات المعنى، وإنما هو الخاصية المتماثلة identique لوحدات النصوص هاته عند كل قارئ. وأكثر من ذلك، فإذا كان "إيزر" يؤكد  إلى حد ما موضوعية بنية النصوص، فإن ذلك راجع إلى تركيزه على المظهر التداولي، الحقل الغني بالإيحاءات أو بعبارات مألوفة [الغني] بالتداعيات الذاتية .
ومعنى هذا  أن "إيزر" باستعماله لمفاهيم لسانية بقي في منتصف الطريق. إن هذا النوع من الاعتراضات يصدر عن الجيل الثاني لجمالية التلقي الذي يتبنى النظريات الجديدة اللسانية والسيميولوجية وغيرها بينما اعتمد الجيل الأول بالأحرى على العلوم التقليدية للفلسفة، كما أشرت إلى ذلك سابقا.
غير أن هذا الجيل الثاني لم يقتصر على نقد أسلافه وإنما حاول، مع بعض التعديلات طبعا، تتبع خطاهم الأمر الذي يجرنا إلى نهاية التحليل. فالاتجاه الأول المعاصر يحاول إدماج جمالية التلقي ضمن "السيميولوجيا" ( اًنظر الفصل XII من البيبلوغرافيا)، وهو يسيطر بقوة في البلاد الفرنسية ولهذا اسمحو لي أن أتناوله بسرعة. ففي منظور ممثلي هذا الاتجاه يتكون النص من عناصر غير دالة وعناصر دالة، وتنقسم هذه الأخيرة إلى عناصر ملائمة وأخرى غير ملائمة. ولا تكون الحدود بين هذه الأنماط الثلاث من العناصر ثابتة إذ يمكن لعنصر غير دال فيما قبل، من قبيل تنظيم الخطوط المطبعية، أن يجد دلالته تحت ريشة " أبولينير" َAppollinaire الذي يكتب قصائده الشعرية بالأشكال[3] وللسبب ذاته يمكن لعنصر غير ملائم في منظور المرسل، مثل الكتابة، أن يسترجع ملاءمته في منظور قارئ ما، تصبح الكتابة القديمة  بالنسبة إليه تعبيرا عن نفس تدعي المعرفة أو إنتاجا لحدث  فكاهي. فالعناصر الملائمة التي تكون، بحسب عبارات"ف. إيزر"، العمل [الـفني] أو  "خطابه " لا توجد إذن، من تلقاء نفسها، وإنما بواسطة انتقاء من بين مجموع عناصر النص، انتقاء يقوم به المرسِل أو المتلقي.

وبناء عليه، فإن النقد الأدبي لا يستهدف تحليل النص في ذاته، وإنما  تحليل  خطاب المرسل أو المتلقي. ولو سلمنا إذن، بأن المُرسِل، أي المُؤلِف، هو أكثر شهرة من المتلقي وبأن مرسلا واحدا يتعارض مع عدد كبير من المتلقين، ولو سلمنا أخيرا بأنه ليس هناك من حجة يمنع بموجبها إعطاء أية قيمة لخطاب متلقي ما إلا حجة متلقي آخر، وذلك من أجل وضع قياس مشترك للتلقي عبر العصور وهو خطاب المرسل أي الجزء المعبر في النص بالنسبة إلى المؤلف، حيث يتوجب على التحليل تقديم نموذج للأبحاث السيميولوجية اللاحقة. ويلعب المتلقي دورا كبيرا في ذلك بما أن صورته تشكل جزءا من سنن Code المرسل، وبعبارة أخرى [تشكل جزءا] من نسق علاماته اللسانية كما الاجتماعية والجمالية والايديولوجية إلخ. إن العلاقة بين السنن والخطاب تتطابق مع العلاقة السوسيرية بين اللسان والكلام. وبناء عليه، فالسنن لا يوجد في ذاته، وإنما من خلال تمظهراته في الخطاب. وبالتالي، فإذا تغير سنن سابق بهدف إنتاج خطاب جديد، فإن تحليل النص لا يمكنه الانطلاق أبدا من فرضية المعنى الذي يضعه المرسل سلفا وسننه الثابت بشكل نهائي، وإنما يلزمه أن يفهم الخطاب بوصفه فعلا إبداعيا متمما لفعل القراءة كما وصفه"إيزر". كما لا يفوتنا أن نقول إن هذا التحليل للإبداع يتم بحسب قوانين الحلقة الهيرمينوطيقية، أي بتأملنا لسنن المُؤِول  ذاته.
ويندمج هذا الاتجاه السيميولوجي، على نطاق واسع في الموقف المتطور لـ" هـ.ي جمبرش" H.UGumbrecht الذي يصدر عن "سوسيولوجيا التواصل" Sociologie de communication فليس من الغريب إذن، أن تصبح هذه النظرية الأدبية الأخيرة مجالا للتواصل الذي يشكل بذاته جزءا من مجموع الأفعال الاجتماعية - بما أنه مُوَجَهٌ نحو سلوك الآخرين- ويتموقع من هنا في نطاق البنية الاجتماعية. ففي الإنتاج الأدبي باعتباره فعلا تواصليا أو اجتماعيا، ينبغي التمييز بين دوافع نهائية أو فردية ودوافع سببية أو اجتماعية.فإذا كان "رونزار" Ronsard يرسل سونيتة[4]***بترار كيستيية Sonnet pétrarquiste، لإرضاء سيدة ما، فإن هذا ينطبق على إرادة الإعجاب التي تشير إلى الدافع النهائي. وبالمقابل فلإرضاء "كاسندر" casandre، فإنه يعود إلى ترسانة  البترا ركيست ويستخدم شكل السونيتا التي يختارها باعتبارها موقفا شعريا أكثر من غيرها. وبهذا يتحرر من إرادته الذاتية، ويحدد بالتالي التحول السببي أو الاجتماعي.

ولا ينبغي أن نستنتج من هذا المثال أن الفعل التواصلي acte communicatif يُختصر في إنتاج النص، أي في الفعل التعبيري acte expressif . ومع ذلك، فإذا امتد الفعل التواصلي [ليشمل] القراءة أي فعل التلقي acte réceptif، فإنه من المؤكد إلى حد ما أن يصبح الفعل التعبيري سهلا للتحليل. وبناء عليه، فإن الفعل التعبيري يتمتع بسلطة منهاجية بالنسبة إلى المقاربتين السوسيو- تواصلية والسيميولوجية. فالنص ذاته في تعريفات "جمبرش" يفهم  كمشروع خالص للمُؤلِف أي  كفعل تواصلي يستهدف رد فعل من قبل الآخرين  بينما يمثل الإنتاج الملموس للنص "فعلا" تواصليا.
فإنتاج النص كما هو يقسم إلى عدة مراحل تواصلية، وذلك بهدف تحقيق مشروع المؤلف، أي تثبيت رد الفعل المطلوب من المتلقي. ويترتب على ذلك، أن تحليل نص ما ينبغي أن يكون مسبوقا بوضع فرضية تتعلق بالوقع الذي أراد المؤلف  إنتاجه. وفي رده على "إيزر" لا يكف جمبرش عن التشديد على أنه ليس هناك وسيلة ملائمة لتقسيم نص ما إلى مجموعة من المراحل التواصلية إذا لم يكن ذلك انطلاقا من وظائف النص المرتبطة  بقصدية الكاتب هاته. ومن جهة أخرى، فقد تعهد "جمبرش" بمراجعة نظريته وإعطاء أمثلة لها عبر تحليل الخطابات المذكورة في "مجلس الأمة"  في غضون "الثورة الكبرى" الأُنموذج   paradigme الأكثر ملاءمة؛ لأن رد فعل الجمهور معروف عبر المحاضر الرسمية المحفوظة.
وفي انتظار ذلك، ما تزال هناك العديد من المقاييس المنهجية التي ينبغي وضعها وارتيادها قبل الشروع في جني ثمار هذه الأشجار المعرفية الجديدة .


الهوامش

 -[1]الترجمة التالية هي لمقال:
Arnold Rothe : Le Rôle du lecteur dans la critique
Allemande contemporaine  in : littérature N ° 32 Décembre 1978,
 من الصفحة 96 إلى الصفحة 109
2- نشير إلى أن هذا المقال يعيد إنتاج نص المحاضرة التي ألقاها أرنولد روث في جامعة بول فاليري في مدينة مونبوليي عام 1976، أما البيبلوغرافيا المختصرة المرفقة به فقد نشرت (في غشت 1978) وهي مقسمة تقسيما تقريبيا بحسب المحاور التالية :
- المصنفات الخاصة بقضية الأدب والقارئ – المكانة التاريخية لجمالية التلقي – الأسس النظرية لجمالية التلقي–فعل القراءة – نظرية القارئ الضمني – من أجل سوسيولوجيا للقارئ – مبادئ تاريخ أدبي للقارئ – نقد وتطور جمالية التلقي من المنظور الماركسي والسيميولوجي والتداولي ... والملاحظ أننا لم نتمكن من إدراجها (البيبليوغرافيا) في آخر المقال المترجم، لأنها في معظمها باللغة الألمانية. (المترجم)
3- انظر مثال ذلك في الشعر العربي قصيدة " عن الحمامة " للشاعر التونسي " منصف المزغني " وقد كتبها في شكل حمامة(المترجم)
4- قصيدة من   14  بيتا