تأملات في قصيدة عبد الله زريقة ـ عبد الواحد مفتاح

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse19072تتقدم القصيدة باعتبارها ممارسة ذاتية تتوسل عبر الانتقال من سماء إلى أختها، حتى تبلغ صفحة الإلتماع بالإفصاح سواء البكر أو المُتعالِق، هذا حَدُها، أما ما يثير الانتباه في قصيدة عبد الله زريقة: أنه أخضع البعد اللغوي رُقعتها، لتَحْيِنات عديدة في ممارستها الإبرائية عن شاعرها. ويعتبر ديوان (  فراغات مرقعة بخيط شمس) التجسيد الأول لانطلاق هذا الرهان، الذي سيعرف هذا الشاعر كيف ينميه ويطوره، بهذه البدرة المتأتية عن فضيلة الاختلاف، ليتهيأ لعبور تصرف تام في جسد اللغة كامل قصيدته، بشكل لم تنل منه متعاليات الإخضاع الذي تفرضه على تجارب عديدين لماضيها ومَورُثِها ومتعاقدها القيمي.

يعيد عبد الله زريقة، ترتيب العلائق مع القصيدة السارية بالوجود – وبها تُنكح العلاقات بالعلويات- بما يجدد النظر إليها، ليعتليها كشطح يُعمل احتمالاته، فيما يخلق علاقات سرية بين المتباعد ظاهريا، ومَشهديتها بانتصاب أثر الكشف وازنها، فتمجيد الشعر عبر الاطمئنان به، وإعطائه سيادة إنتاج المعرفة، إلى جانب تعميق هذا الرهان، بتوسيع إمكانيات القصيدة، تجعل الكلمات في معجم هذا الشاعر تكف أن تكون رسوما، وعبارات لتتقدم في ملمح جسد يرتدي الدهشة، ليس التعرية عنها /قراءتها ما يحبل بشبقية تسيل لها إغراءات الكشف عن الرؤية، حيت تجد اللغة ذاتها تتملكها الرغبة ..تهيم بها ..تتغيا الإنكباب الجديد لها في نسقية تشتهي نصغها، ما يكثف مشهد الخِضم التوالدي بتداخله وتشابكه عاملها.

فحرية النثر الذي تتأسس عليه بنية التعبير الشعري هنا، لم يتأتى كعنصر مُجرد يعطي سلطة الباعث لهذا المنجز- مضمون محور السؤال خاصتنا - بغير حاجة تعدد حائل السائد والمجمع عليه.
فالتَّفرُد الذي انبثق منه وتجمهر عنه: صراع أصبح ممكنا، يتقدم عن اختبارات لأمكنة جمالية وفنية عن مركب اللامفكر فيه/ يختبره الشاعر في رحابة الوظائف الشعرية –أوهام شعرية .فالفنية الكيفية التي يعمل بها تؤدي بنا إلى تَبصر علاقة الشعر بتحققه.
فالوصول كالرؤية من سياق إلى سفر، يعيد عبد الله زريقة في جدير بذكره انفتاحه داخل القصيدة بوصفها منعرجات وشلالات وتلال ودروبا، ليباغت سندها كصفة ويملئ المسافة التي تصل الذات الكاتبة به، عبر العشق في لامبالاة لتأنيت البياض خاصته.
  فهو شاعر وكل سلاسته تجسيد اعتمده يعج بطرائقية شبقية، تكف عن كل حنين يبزغ من خلاله أي تعالق ظاهري/سطحي داخل قداسه (الذي نحله عن قصيدة) الأمر الذي يغدو له استراتيجية كتابية في ديوان(سلالم الميتافيزقيا) و(حشرة اللامنتهى) وفيهما يفصح عن موجات الانتقال والبناء، في استلهام لنفس شعري يعشق تكثيف الالتذاذ بمغامرته.
يفيد عبد الله زريقة من التصور السريالي لكائنية الوجود، وبه يعيد كتابة العالم، في هوس السفر لأنه وسيلته للقيا الشعر، وهو لديه ذو وجهين أفقي عبر معراج يَتم في الجملة الشعرية لا بها، وحواري مجده عبور في سياقات متباينة، يتوسل به صوغ متخيل دواله.
فالمقدس وماضيه المتحكم بسيطرته على حاضر العربية يجرد شاعرها حقه في الخلق والإبداع – ما لايُمكِن أن نتجاوزه جميعا - وهو ما يثير اشكاليات - ويشدد عليَ في تجربة هذا الشاعر- فإعادة ترتيبه للمسافة بين عظيم اللغة والاختراق الشعري تجد أن  مساحات معينة منه تتلاشى لفائدة الذات الكاتبة بوصفها حامل هاجس الإبداع الذي لا يفترش سريرة الإتباع.
  لبياض الكلمة لذا هذا الشاعر (كم أطمئن لهذا الكلمة عندما أصف بها عبد الله زريقة) شرقه وغربه، فهو بياض ماكر تماما كما القصيدة التي ترتاح فوقه، له مصاعده ومهابطه شلالاته وأمواجه، يمتطي الحدس لخدمة بنية الجملة الشعرية وإمدادها بحاجاتها وتنوير الطريق لها.
إن هذه الحمم ذات الأشكال الطافحة، التي يكتب بها عبد الله زريقة، موجودة بنسب متفاوتة، تعبر عن حاجاتنا ورغائبنا وتطلعاتنا وأمانينا.    
فالنزقية المثبتة في نسيج الصفحة الشعرية، تتوضح وتندغم حركة المقطع داخلها، وتنطبق مع تقنية التسلق، مع إيقاعات متعددة، بأسلوب شعري متفرد، تنكشف غيبته عن الظاهر والمتعاقد عليه، لينجو بالسكر الذي يَتملك امتداده في شكلانية باردة وأنيقة.
مأزق الكلمة وفعلها، يظل حاضرا بقوة في الحال الذي يُشَغلُه
في اجتلاب يتغيا به الفناء عن الكتابة بها، الواصفة غيرها، في التحول والإستحالة، وعدم الدوام المسترسل: عن اللذة بالمشاهدة التي يَطبعها لتشطب على كل تقدمية زمنية أو تقنية في جسد الرؤية
يتحدد التأويل يُرتب أجزائه، يركبها، لتبلغ صدرت إطلالته، خِضمه التداني/الترقي/التدلي/التلقي إمكانات شعرية حضرته هيأت اعتمادَ دلائلية إنتاجية لقصيدته، تنجو عن المعرفة به وهو يكشف عن وارفِية آلياته التخييلية ..
إنه الشعر
كم كريم هو الشعر يندلق وأتقراه. لا أتكلم عن بعض المعاني التي تحصلت لي منه، وإنما أنعم بأن أنغمس فيه بغيت استعادة ما به أتعرف عليه.
في ديوان (حشرة اللامنتهى) يتحالف عبد الله زريقة بالشاعر فيه. المنطق المضموني لثوب قصيدته، يتخذ شكلانية كل الإنفتاحات فيها، تتغيا الرؤية ليهبها سيادة ستتكفل المجموعات اللاحقة على ترسيخها.