التأصيل اللّغوي للشّخصية ـ إيناس أحمد بن سليم

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse30082الشّخصية بمفهومها المعاصر كلمة حديثة الدّلالة تمازجت فيها مؤثرات من اللغات الغربيّة  مع جذور لكلمة عريقة في لغتنا الفصيحة، حيث تكاد تجمع معاجم اللّغة العربيّة قديمها وحديثها على معنى واحد تدور في فلكه كلّ دلالتها.
فقد جاء في اللسان: "الشّخص:  الإنسان وغيره، مذكّر. والجمع أشخاص وشخوص وشخاص... والشّخص سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد  تقول: ثلاثة أشخص، وكلّ شيئ رأيتَ جسْمانَه فقد رأيتَ  شخصه... والشَخص كلّ جسم له ارتفاع وظهور، والمراد به إثبات الذّات فاستعير له لفظ الشّخص... قال أبو زيد: رجلٌ شخيص إذا كان سيّداٌ، وقيل: شخيص إذا كان ذا شخصٍ  وخَلْق عظيم بيّن الشّخاصة "  . ومايمكن أن نلمسه من دلالة الكلمة كما وردت في اللسان هو دورانها حول محور التجسيم والظّهور، غير أن هناك خيطًا رفيعًا يوحي بصلة الكلمة المعاصرة بمعناها القديم وهو انزياح الدّلالة إلى المعنى الاستعاري عند إرادة تصوير الذّات باستعارة لفظ الشّخص إلى الجسم الذي له ارتفاع وظهور وهذا ما وُظّف فيما بعد بالصّفات التي تميّز الشّخص عن غيره. فكأن هذه الصّفات برزت مرتفعة عن غيرها ظاهرة دون سواها فميّزت هذا الشّخص عن غيره ومن ثمّ اكتسبت حقّ النسبهَ إلى شخص (شخصيّة).

ولعلّ فيها شيئا مما أراده أبوزيد بقولة: رجلٌ شخيص إذا كان سيّدًا، لأنّ السّيد متميّز عن غيره بصفات انفرد بها تُميّزه عن غيره. أما حديثا فقد جاء في الوسيط بأن الشّخصيّية: "صفات تميّز الشّخص عن غيره...وشخُص الشيئ شُخوصاً: ارتفع وبدا من بعيد...وشخُص فلان شخاصة: ضُخم وعظم جسمه، فهو شخيص وهي شخصية...وشخّصَ الشّيئ: عيّينه وميّزه عما سواه...والشّخص كلّ جسمٍ له ارتفاع وظهور، وغلب في الإنسان.." 
من خلال هذا التعريف لا يكاد المعجم الوسيط يضيف جديداً لدلالة الكلمة فقد سار على نهج اللّسان أو كاد، وكل ّ ما يمكن أن نعدّه إضافة وتطوّراً دلاليا لمفهوم الكلمة هو قوله بأن الشخصية عند الفلاسفة هي:"الذّات الواعية لكيانها المستقلّة في إرادتها" فهو هنا يلقي ضوءًا على خروج الكلمة عن مدلولها القديم المحصور في البناء الجسماني، وبعض الانزياح الاستعاري إلى مفهوم أوسع له علاقة بالفلسفة وتصوّراتها وإن لم يبتعد عن مفهوم الظهور والبروز الذي يدور حوله أصل الكلمة.
ثم يخلُص الوسيط إلى الدّلالة الحديثة للكلمة فيعرّف الشّخصية بأنها "صفات تميّز الشّخص عن غيره، ويقال: فلان ذو صفات متميّزة وإرادة وكيان مستقل " ويعقب على هذا المعنى بأنه من المعاني المحدثة.
أصّل هذا المفهومُ للشّخصية في لغتنا الحديثة ماساد الدّراسات النفسيّة من نظرٍ إلى كلمة الشّخصيّة في اللّغتين الفرنسية والإنجليزية "personality"، "personalite"  المستمدّة من الأصل اللاتينيى"persona"  التي تعني القناع الذي يلبسه الممثل لأداء دور معين ليبرز من خلاله مايريد قوله أو فعله أمام المشاهدين،  وهذا ينسجم مع دلالة الكلمة في اللّغة العربيّة قديمها وحديثها التي تعتمد على البروز والظهور والتجسيم بما يوصل إلى مفهوم تكريس الصّفات الخاصة المميّزة في عمومها.
كما أن صاحب المعجم الفلسفي  قد عرّفها بقوله: "الشّخصية عند القدماء هي التشخيص الفردي أو الفردّية، وعند المحدثين جملة من الخصائص  الجسمية والوجدانيّة، والنزوعيّة والعقلية التي تحدّد هويّة الفرد وتميّزه عن غيره."
 وهو في هذا ينطلق من قاعدة مثّلث مع غيرها أساسًا من قواعد الترّجمة والتّعريّب ولا سيّما في مستجدّات على اللّغة العربيّة وهي "البحث عن لفظ جديد لمعنى جديد مع مراعاة قواعد الاشتقاق العربيّ، كأن يستعمل لفظ الشّخصيّة للدّلالة على "personalite" ثم يضيف بأن كلمة الشّخصيّة ومثيلاتها من المصطلحات هي "اصطلاحات حديثة لم يستعملْها القدماء، لكنّنا نستعملها مطمئنين لأنها مطابقة للأصول التي وضعها أصحاب اللّغة "  ومن البيّن أن صاحب المعجم الفلسفي لا يري أن هناك صلة بين دلالة الكلمة
المعاصرة وجذورها في العربيّة، وإنما هو مطمئن إلى جريانها على أصول قواعد اللّغة العربيّة دون أن  ينظر إلى معاني (شخص) ودلالاتها التي ذكُرت سابقاً.




الأخصائية النفسية : إيناس أحمد بن سليم

ماجستير علم نفس – الجامعة الإسلامية العالمية – ماليزيا .

المراجع :   ينظر: ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل محمد ابن مكرّم، لسان العرب، تحقيق: عبدالله الكبير وآخرون (القاهرة: دار  المعارف، د.ط، د.ت). مادة: شخص 
2 ينظر: مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط (القاهرة: مكتبة الشروق  الدّولية، ط4، 2004) مادة: شخص 
3 ينظر: د.سعد رياض، الشّخصيّة، أنواعها وأمراضها وفن التّعامل معها (القاهرة: مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، ط1، 2005)، ص 10.
4 ينظر: جميل صليبا، المعجم الفلسفي بالألفاظ العربيّة والفرنسيّة والإنجليزية واللاتينية (بيروت: دار الكتاب اللبناني، ومكتبة المدرسة، د.ط، 1982م) ج1، ص 692.