أدب الأطفال وثقافتهم : إشكالية المصطلحات والمفاهيم ـ يوسف عمر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse02028تمهيد
      مازال عالم الطّفولة يشغل حيزا مهمّا في الرّاهن الثّقافي، تتقاطعه أنساب وانتماءات إلى أصول تربوية، ونفسية، واجتماعية ولغوية وأدبية، وقد ظلّت الطّفولة لسنوات طوال تستولد الأسئلة باستمرار حول علامة  دونيتها وقهرها ، وكان على الإنسانية أن تجد أجوبة لأسئلتها ''الّتي انتظرت آلاف السنين حتّى أتى الفيلسوف والمربّي الطّبيعي (جان جاك روسوJan jack rossot)  في عصر التنوير ليحرّض من خلال صيحته الشهيرة (اعرفوا الطّفولة)  على ممارسة نظرة مغايرة تتعامل مع الطّفل كطفل لا كراشد صغير''[1] حيث اهتمّ بدراسة الطّفل كإنسان حرّ، وأخرجه من المجال السّلبي الّذي وَسَمه به البالغ.

      ومع حلول  القرن العشرين الّذي يسمّيه البعض بعصر الطّفل، شكّلت الطّفولة محور الكثير من الدراسات التي تناولتها كظاهرة نفسية واجتماعية  الأمر الّذي أدّى إلى ظهور كتابات موجّهة للأطفال، توسم تارة بثقافة الأطفال وطورا بأدب الأطفال، وكأنّ  المصطلحين  يقفان  على  نفس المعنى، فقد لوحظ أنّ هناك من الباحثين والدّارسين الذين يؤلّفون في قضايا أدب الطّفل ''لا يميّزون بين مدلول أدب الأطفال، ومدلول ثقافة الأطفال لذلك نجدهم يقعون في بعص الأخطاء الجسيمة حين لا يدركون حقيقة المقصود في أدب الأطفال، وحقيقة المقصود في ثقافة الأطفال، فيخلطون في أمر المقصودين''[2] دون إعطاء كلّ منهما حقّه في دلالته وفهمه، وتشخيصه؛ لكي لا يلتبس الأمر، ''ناهيك عن التوجّه الغريب لأصحاب العنوانات الآتية تحت مظلة أدب الطّفل: الألوان والطّفل، صحّة الطّفل، التّربية والطّفل، تربية البنين، تربية البنات، أمّية الطّفل الإذاعة والطّفل، السّنيما والطّفل، رعاية الطّفل، صحافة الطّفل، كتاب الطّفل مكتبة الطّفل، فنون الطّفل، ألعاب الطّفل، ثقافة الطّفل، القراءة والطّفل، لغة الطّفل، مسرح الطفل، قصّة الطّفل، التّلفزيون والطّفل، وغيرها''[3] .

فصار أدب الطّفل سلّة ترمى فيها كرات العلوم الإنسانية والوسائط الإعلامية، ممّا أدّى   إلى اختلاط المفاهيم وتداخلها وبالتّالي غياب الرّؤى والأهداف لدى من يكتب للأطفال، ولسنا هنا ننفي عدم استفادة أدب الطّفولة من منجزات العلوم الأخرى ولكن هي دعوة لأَنْ يدرك كل متخصّص في مجالٍ مَوْقِعَه من أدب الطّفولة لأنّ هذا الأخير بأجناسه وأنواعه وأشكال تعبيره في حاجة إلى إسهامات الأدب والنّقد وعلم النّفس وعلوم التربية وغيرها، شرط أن يشبع للطّفولة تذوّقها، مراعيا مراحلها المتتالية.

1-  أدب الأطفال

      إنّ مصطلح (أدب الأطفال) مصطلح إسفنجي يمتصّ عدة تعريفات، وأكثر من تسمية، فهو على مستوى الشكّل يلتصق اسم نوعه باسم متلقّيه، فحين نتكلّم عن أدب الكبار أو البالغين فإنّنا نكتفي بلفظة (الأدب) دون إضافة اسم المتلقّي (الكبار) وهو على مستوى التسمية يتنوّع بتنوّع المؤلّفات والدراسات فمن (أدب الطّفل) إلى (أدب الأطفال) ومن (أدب الطّفولة) إلى (الأدب الطّفلي)  وغيرها من التّسميات، وبالتّالي يثير مصطلح (أدب الأطفال) ومن خلاله (شعر الأطفال) كما سيأتي لاحقا، عدّة تساؤلات حول طبيعة مفهومه وتحديد مصادره ووسائطه، وهل يُقصد به الأدب الّذي ينتجه الطّفل بنفسه، أم ما يكتبه الكبار للطّفل؟ وهل ما يكتب عن الطّفل يعدّ أدبا للطّفل؟ وهو على مستوى التّخصص كفنّ أدبي ''مصطلح حديث النّشأة، وحديث الانتشار، لأنّه بدأ تقريبا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، لينتشر أكثر مع صدور إعلان حقوق الطّفل عن الجمعية العامّة للأمم المتّحدة... فعندما أضيفت كلمة (الأطفال) للأدب، أضيفت معها مواصفات جديدة، مثل: مراعاة مراحل أعمار هؤلاء الأطفال، وميولهم، واحتياجاتهم، وقواميسهم اللّغوية؛ لكي يجدوا فيه المتعة العقلية والعاطفية''[4].

      فإذا كانت النّظرة إلى أدب الأطفال على أنّه كل ما يُكتب للأطفال شعرا كان أم نثرا، فإنّنا سنجد ذلك مبثوثا في الكتب ووسائل الإعلام السّمعية والبصرية، وبالتّالي تتوسّع مجالات أدب الأطفال لتشمل الكتب المدرسية بما حوته  من كتابات للطّفل، وأخرى عن الطّفل،  وجملة من المعارف الإنسانية ويظهر أنّ ذلك ''يحمّل أدب الأطفال أكثر مما يحتمل كمفهوم، ومجال اهتمام ومواضيع ومعارف إنسانية شاملة تفوق مصطلح أدب الأطفال، وتضعه  في مستوى ثقافة المجتمع''[5].

      أمّا إذا كانت النّظرة إليه على أنّه مطلق الكتابة للأطفال، شرط  أن تستهويها أنفسهم ويشغفون بها فإنّ أدب الأطفال يصبح ''كلّ ما يقدّم للأطفال من نصوص أدبية، كُتبت خصّيصا لهم، وفق أسس نفسية وتربوية ولغوية تتناسب مع مميزات كلّ مرحلة من مراحل الطّفولة،  وتعالج الموضوعات التي تهمّ الأطفال، والمواقف والمشكلات التي تلبّي حاجاتهم للمعرفة والاطّلاع والاكتشاف، عبر الفنون الأدبية المتمثلة في القصّة والحكاية والنّشيد والتمثيلية والتي تُقدّم بأساليب مبسّطة، تتّفق مع مستوى تطوّر الأطفال ونموّهم المعرفي وقدرتهـم على الفهم والاستيعاب''[6]  أي أنّ أدب الأطفال بفنونه المتنوّعة هو الذي يَلقَى الإقبال من قبل الصّغار، لانسجامه مع طبيعتهم، ولِما فيه من أدوات تثير خيالهم، وأساليب تجلب لهم المتعة، وتحملهم إلى آفاق مدهشة، تغذّي أرواحهم وتسمو بمشاعرهم، وترقى بسلوكهم.

      فضلا عما سبق يذهب آخرون إلى أنّ ما يكتبه الكبار من أدب للأطفال ليس أدبَ أطفال، وأنّ أدب الأطفال هو ما يكتبه الأطفال أنفسهم، ولعلّ هذا الموقف أُخذ من دعوات التربية الحديثة في الغرب بعد أزمات المجتمع الرّأسمالي، والحرب العالمية الثانية... تلك الدّعوات التي ركّزت على الطّفل ودعت إلى تحرّره من كلّ القيود المرافقـة لتربيته خوفا من الأزمات النّفسية[7] وعلى نفس النهج يرى البعض أنّ أدب الأطفال ''هو الأدب الموجّه  للأطفال سواء من الكبار أو من الأطفال أنفسهم، ويشمل كافة الصّور الأدبية من قصّة وشعر وحكاية وكتب معلومات وكتب عملية وأخلاقية ومسرحية وموسوعات للطّفولة''[8] فإذا كان المقصود بعبارة (أو من الأطفال أنفسهم) نشاط الأطفال الأدبي والفنّـي الذي يعتمد على إظهار الموهبة المبكّرة، والذي يكون عادة على شكل محاولات بدائية للأطفال، إلاّ مَـن أسعفتهم الموهبة أن يكتبوا جيدا   في ظل جهلهم بحدود كل فنّ أدبيّ على غرار علم العروض، فكم سيكون عددهم في عالمنا العربي؟ وإذا كان المقصود هو نشاطهم في كل الصّور الأدبية فذلك ضرب من الخيال يجانب الحقيقة في كل شيء.

      وقد استدلّ أصحاب اتّجاه أنّ أدب الأطفال هو ما يكتبه الأطفال أنفسهم بأسماء وشواهد متنوّعة، على مستوى الأدب العربي والأجنبي، قديما وحديثا ''حيث تشير المصادر إلى أنّ الشّاعر(لبيد العامري) قد كتب الشّعر في سنّ العاشرة، والشّاعر(طرفة بن العبد) كتب أوّل قصيدة له في سنّ السّابعة... و(بدر شاكر السّيّاب) كتب الشّعر وهو في العاشرة، والشّاعر (أبو القاسم الشّابي) كتب الشّعر وهو في العاشرة، وشاعر فرنسا الكبير (رامبو Arthur Rimbaud) كتب الشعر في عمر التّاسعة، والشّاعر الانجليزي (اليوت T.S.Eliot) كتب أول قصيدة وعمره لم يتجاوز العاشرة''[9] والأمثلة في هذا الاتجاه كثيرة، ومعظمها يحيلنا على النّبوغ المبكّر في الكتابة في عمر الطّفولة لأنّ كلّ الذين سبق ذكرهم كانوا شعراء نابغين في كلّ مراحل حياتهم، غير أنّ ما كتبوه في صغرهم لا ينبع من تجاربهم الطّفلية، ولا يدخل ضمن اتّجاهات أدب الطّفل، ذلك ''أنّ هذا المستوى في الإنتاج الأدبي الذي يقدّمه طفل صاحب موهبة كبيرة لا علاقة له بالأطفال، ولا يخاطب تجاربهم، أو وعيهم، لأنّه في مستوى من الرّؤية والتّشكيل أعلى بكثير ممّا يتوافرون عليه''[10] وعلى ذلك لا يمكن أن يكون أدبا للطّفل، ولا يمكن إدخاله ضمن ما يوصف بأدب الأطفال وبذلك يتأكّد لدينا أنّ أدب الأطفال ليس هو الأدب الذي يكتبه الأطفال بأنفسهم إلّا ما ندر منه.

      وإذا تجاوزنا محنة الأسئلة السّابقة التي تطرح نفسها في بلادنا وغيرها ؛ فإنّ هنـاك سؤال آخر يتحتّم علينا أن نقحمه وهو: هل يوجد أدب للأطفال؟ أو بصيغة أخرى: هل يُعدّ أدب الأطفال أدباً ؟ فكثيرا ما أثيرت معضلة (كُتّاب الأطفال) على صفحات المجلّات المتخصّصة وفي النّدوات والمؤتمرات ولعلّ بعضها أقرّ بعدم وجود هذا الأدب ''وكثيرا ما رفض الكُتّاب الكبار والمؤسّسات الجامعية، النّظر إلى أدب الأطفال على أنّه أدب، وقد يتساهل بعضهم فيصفونه بقولهم: إنّه أدب مساعد، أو تجسيد للأدب، أو نائب أو بديل، أمّا كلمة أدب ذاتها فهي كبيرة على الأطفال الصّغار''[11] ومـن الكتّاب من اجتهد وتمخّض اجتهـاده عن مبدأ ''أنّ الطّفل مخلوق يحتاج إلى الحبّ والحنان فأخذته العاطفة الجيّاشة فكتب انطلاقا منها أدبا كلّه عاطفة مفعمة بالحبّ والحنان''[12] إنها نظرة احتقار ودونية واستصغار، وهذه النّظرة الضّيقة كانت ولاتزال سببا مباشرا  في تخلّف هذا الأدب وتقهقره في بلادنا العربية في الوقت الذي شيّد فيه غيرنا صرحا له، بمحاربة تلك الأوهام، حتى غدا واحدا من أهمّ مناشط المؤتمرات يتربّع على مساحة له في المقرّرات الجامعية في أطر موضوعية تحدّد أنماطه وأشكاله.

      وصفوة القول أنّ أدب الأطفال أدب جديد على الأدب في طبيعته ومصادره وغاياته، يتحمّل أعباءه الأدباء والشّعراء والمربّون وعلماء النفس ورجال الإعلام وغيرهم ''وهو جزء من الأدب بشكل عام، وينطبق عليه ما ينطبق على الأدب من تعريفات إلاّ أنّه يتخصّص في مخاطبة فئة معيّنة من المجتمع، وهي فئة الأطفال، وقد يختلـف أدب الأطفال عن أدب الكبار تبعا لاختلاف العقول والادراكات، ولاختلاف الخبرات نوعا وكمّا''[13]. أي أنّ أدب الأطفال لا يكون له تعريف مستقل، بل يندرج تحت مظلّة  الأدب بشكل عام، إلا أنّه يلتزم بضوابط نفسية وتربوية واجتماعية وجمالية، مستعينا بوسائل الثقافة الحديثة للوصول   إلى الأطفال.

      إنّ هـذه الالتزامات تحيل على أنّ أدب الأطفال هو شكل تعبيري من أشكال الأدب، وفنّ رفيع، يوجّه إلى جمهور اسمه الأطفال، يتضمّن كلّ   ''ما كُتـب  وصُوِّر وقُرئ ليقرأه ويراه ويسمعه الطّفل بأقلام أطفال أو راشدين وهو الأدب الوحيد الّذي يلتصق اسم نوعه باسم متلقّيه، ويعـدّ أدبا شائكا لتعدّد وسائطه وأجناسه، ولارتباطه بشكل وثيق بمراحل نمو الطّفل، ولارتباطه في كلّ مرحلة عمرية بنمط من أنماط السّلوك والتّجارب. ولهذا يؤدّي هذا الأدب المتعدّد الأجناس مجموعة من الوظائف السّلوكية والعلاجية والتّذوّقية والاجتماعية والتّعليمية، وتتحقّـق عبره مجموعة من الأهداف الفنّية والتّربوية والعلمية''[14] ممّا يجعله يتّسم بمزايا خاصّة جدّا، يفرضها الواقع الذي نتعامل به مع الطّفل الذي يصدّق كلّ ما يرى ويسمع، ومن أهمّ هذه المزايا أنّه يهتـمّ بميول واحتياجات هذا الجمهور، بإثارة الإحساسات الجمالية، والانفعالات العاطفية، وبالتالي ملاءمة المضمون والأسلوب واللّغـة والإخراج الفنّي لمختلف مراحل النّمو.

2- ثقافة الأطفال

      لم تتعدّ إفادة لفظ (الثقافة) في معاجم قواميـس اللّغة العربية ثلاث دلالات، الأولى تتّصل بصفات المتعلّم كالحذق والفطنة والخفّة[15]؛ والثانية تتّصل بكونها آلة لتسوية المعوج  من الرّماح[16]؛ وأمّا الثالثة فتتّصل بموضوع الثّقافـة كونها العلوم والمعارف والفنون التي يطلب فيها الحذق[17].

      أمّا على المستوى الاصطلاحي فقد باتت لفظة (الثقافة) مما يستعصي حصر تعريفها الدّقيق، لضبابية مفهومها وغمـوض دلالتها واتّساع نطاقها ''فهي لم تبـق في عربيتنا مفردة جامدة  أسيرة  تعريف من الاشتقاق اللّغوي لدينا من نوع (ثقف الرّمح) فتجاوزته لما هو أرحب فكريا وعقديا وحضاريا، فتغـدو وعاء للسّياسة والاقتصاد والتّاريخ والدّين والعادات والتّقاليد والاجتماع، لأنها طريق مميز لحياة الجماعة ونمط متكامل لحياة أفرادها''[18]. فتعريفاتها إذن تتعدّد بتعدّد مناهج المعرفة المستخدمة في كل تعريف، وتعدّد الزوايا المنظور منها إليها، ومن الصّعب احتواءها وبالتّـالي لا يهمّ الانشغـال بهـا، بقدر ما يهمّنا     ما يجمعها من اتّفاق فهي في جلّها تتفـق على أنّ الثّقافـة هي ''ذلك المركّب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعادات وغيرها  من القدرات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضوا في المجتمع''[19] وبالتالي فهي ليست ترفا روحيا قد يتأجّل، بل هي قوّة تبني الشّخصية الإنسانية وتهبُها الخواص والصّفات المكتسبة؛ والمادة المكوّنة من المعاني والمضامين والمعارف والألوان والأنغام التي تصنع روح الإنسان وتصقل عقله وتنير بصيرته وتقـوّم موقفه وتهذّب سلوكه[20]، وما الأطفال في النّهاية إلا صورة  من صور الإنسانية وثمرة تتقاسمها الفطرة والثّقافة؛ والأطفال في كل مجتمع لهم لغة خاصة بهم يتّصلون بها مع غيرهم، وقيم ومعايير وألعاب ينفردون بها، فضلا عن إنتاجاتهم الفنّية والمادّية وكلّ ما هو محبّب لديهم، وهم يتميزون بخصوصية فيما يفكرون به وما يتخيلونه من الأشياء وما يكوّنون من انطباعات في عالم مصغّر مما يشكّل لديهم ثقافـة خاصة، هي ثقافة الأطفال.

     إنّ الكلام عن ثقافة الأطفال ليس كلاما من قبيل اللّهو الفكري، وإنّما هو ضرورة حياتية، كونها ثقافة جزئية متفرّعة عن ثقافة المجتمع، وهي ''تنفرد بمجموعة من الخصائص والسّمات العامّة وتشترك في مجموعة أخرى؛ ومادام الأطفال ليسوا مجرّد راشدين صغارا، فإنّ لهم قدرات عقلية وجسمية ونفسية واجتماعية ولغوية خاصة بهم، ومادامـت لهم أنماط سلوك متميّزة، حيث إنّهم يحسّون ويدركــون ويتخيّلون ويفكّرون في دائرة ليست مجرّد دائرة مصغّرة من تلك التي يحس ويدرك ويتخيّـل ويفكّر فيها الرّاشدون، لذا فإنّ ثقافة الأطفال ليست مجرّد تبسيط أو تصغير للثّقافة العامّة في المجتمع، بل هي ذات خصوصية في كلّ عناصرها وانتظامها البنائي''[21] .

      ومادام الأطفال غير متجانسين في تركيبتهم الاجتماعية، ويتباينون بتباين أطوار نمّوهم في شتى المجالات، فقد تمّ تقسيم الطّفولة إلى مراحل مختلفة سنأتي على تفصيلاتها في فصل مستقل، الأمر الذي ترتّب عنه وجود ثقافة فرعية خاصة بكل مرحلة عمرية، تتوافق وسمات وخصائص الأطفال فيها ولكنّها ليست مقطوعـة عن بعضها، فقد تختلف في سمات عامّة، وتشترك في أخرى وقد تختلف هذه الثقافات الجزئيـة داخل المجتمع الواحد، وداخل الأسرِ تبعا للمؤثّرات الثّقافيـة في كلّ بيئة اجتماعية ''وحتّى لو توفّرت للأطفال في مجتمع واحد ظروف متشابهة فلا يمكن للطّفل أن يتعرّض لكل المؤثّرات الثّقافية في ثقافة مجتمعه، بل يتعرّض لجزء منها كما أنّه لا يستطيع أن يستوعب إلاّ جانبا  من الثّقافة. ومن هنا تظهر في ثقافة الطّفل عموميات وخصوصيات وبديلات ويختلف الأطفال في قَدر ونوع كلّ من هذه العناصر إلى حدّ ما''[22]. فأمّا العموميات فهي تلك التي يشترك فيها أطفال المجتمع، من أفكار عامّة وقيم وعادات ولغة، وهو ما يسمى بالعموميات الثقافية، أو النّمط العام للثقافة ''وسعة العموميات ورسوخها في مجتمع من المجتمعات يولّد اهتمامات ومشاعر وأهدافا وطرقا مشتركة تقود إلى مزيد من التّماسك الاجتماعي، بينما تخفّف قلّة العموميات وضعفها من ذلك''[23].

      وأمّا الخصوصيات فهي تخصّ بعض الشّرائح من الأطفال داخل المجتمع تبعا للانتماء الطّبقي، أو التخصّص المهني، أو التواجد الجغرافي، وتتمظهرفي شكـل مهارات وممارسات وجوانب معرفية ولكنّها ليست بالضرورة لصيقة شريحة دون أخرى بشكل منعزل، فكل شريحة تلمّ بالقدر المتاح بخصوصيات الشريحة الأخرى. وأمّا البديلات أو ما يسمّى بالمتغيرات أو الوافدات، وهي مكوّنات ثقافية دخيلة على الثقافة الأم، وقد  تتموقع بصيغتها الأصلية وتسري بين الأطفال عن طريق التّقليد، لذا وجب الحذر منها والاحتراس والدّقة حين نقلها، وغربلتها بما يتوافق مع سياق الأطفال والخطط الرّسمية المرسومة لهم.

      إنّ الثّقافة الطّفلية ترتبط بثقافة المجتمع السّائدة، حيث يمتصّ الطّفل تلك الثّقافة بطرقه الخاصّة بما يلائم اتجاهاته وميوله، ''وتعتبر البيئة الثّقافية العامل الأساسي في تكوين شخصية الإنسان وتحديد سلوكه وأسلوبه في الحياة. لذا تتّخذ شخصية الطّفل الصّيغة التي تشكّلها المؤثّرات الثّقافية، وهذا يعني  أنّ شخصية الطّفل تنمو وتتبلور في المناخ الثّقافي للمجتمع، بحيث يهيّئ له هذا المناخ فرص النّمو والتّعلّم حيث أنّ تكوين الشّخصية هو عبارة عن عملية يتمّ فيها دمج العناصر الثّقافية المكتسبة مع خصائص الطّفل التّكوينية لتشكّلاَ معا وحدة وظيفية متكاملة''[24] .

     واستنادا على ما سبق يمكن القول أنّ الحديث عن ثقافة الأطفال ليس مقطوعا عن أدب الأطفال إذ إنّ هذا الأخير هو وسيط وأحد العناصر الأساسة التي تشكّل ثقافـة الأطفال، ومرآة لها تعكس مكانتهم في المجتمع، وهو جزء ''من عملية تثقيف الطّفل، هذه العملية التي لا ينهض بأعبائها النّتاج الأدبي وإنّما هي تقوم على عاتق مؤسسات اجتماعية وتربوية أوّلها وأهمّها الأسرة والمدرسة ووسائط الاتصال المختلفة؛ التي تحمل فيما تحمله ثقافة موجّهة للطّفل يكون الأدب أحد عناصرها. وقد يتّسـع مفهوم الأدب تبعا للدّور الوظيفي الذي يملك أن يسهم فيه، أي الأدب، بكلّ ما يُكتب للطّفل وعنه في آن واحد في مختلف فروع الثّقافة الإنسانية بحيث يغطّي كلّ أساليب السّلوك وأنماط التّفكير وعالم القيم والعالم الفيزيائي...''[25] وبذلك يصبح أدب الأطفال لونا  من ألوان الثّقافة للأطفال، ويفارقها في كونه يتصل بالنّفس دونها، فهو كالغصن من شجرة الثّقافة.

      أما الثّقافة فيندرج تحتها كل ما أنتجه وأخرجه الإنسان من بنايات وصناعات واختراعات وأفكارا وعادات وقيم اجتماعية ''فليست الثقافة أدبا وفلسفة وفنّا جميلا فحسب، بل هي كل المعارف والفنون المتّصلة بالنّشاط الإنساني المنتج، وبتطبيقات العلم والتكنولوجيا... وغير ذلك من مظاهر الحياة اليومية...''[26]. ويتجلّى ذلك في الوسائط المكتوبة للأطفال التي تضم فضلا عن أدب الأطفال بما يحويه من حكايات وقصص متنوعة وأغاني وتمثيليات وأشعار ومجلات متخصّصة في الأدب الموجه للطّفل وقواميس وكتب وسير وتراجم، الوسائط المسموعة والمرئية التي ''تتضمن المسلسلات والحكايات والبرامج التي تعرض في الإذاعة، وبرامج التلفزيون على اختلافها: تربوية تعليمية، وثائقية، ترفيهية، مغامرات تاريخية و بوليسية... والوسائط المجسّدة  من مسرح أطفال ومسرح دمى على اختلاف موضوعاتها ومستوياتها، وكذا الفنون الجميلة وتتضمّن الموسيقى والأغاني للأطفال والفنون التشكيلية...''[27] وهذه الوسائط الفنّية والإعلامية والمكتبية والمعلوماتية مجتمعة في مضمونها القيمي، تتكامل وظيفيا فيما تحمله إلى الطّفل من ثقافة، مشكّلة شبكة علائقية تستوعب الطّفل وتحيط به ''مما يجعل دورها في تحديد عالمه وتوجّهاته يفوق كل تصوّر أو نظرة سطحية. وهي في تكاملها تعزّز تأثير بعضها على البعض الآخر، ويتراوح هذا التّأثير ما بين التّوجيه الواعي والفعل الخفي الذي يتوجّه   إلى أعماق نفس الطّفل ويتفاعل مع قواها''[28] غير أنّ هذا التأثير يتباين إلى حدّ كبير، فالبيئة الثّقافية مثلا ليس لها تأثير يذكر على النّمو الجسمي بقدر  تأثيرها في النّمو الانفعالي والاجتماعي، فالانفعال هو استجابة يظهرها الطّفل أثناء تعرّضه للمثيرات التي تعترضه في شكل مواقف، وكلّ سلوك يبديه الطّفل تجاه كلّ موقف هو في الواقع استجابة انفعالية  لها علاقة بهذا السّلوك؛  بمعنى أنّ السّلوك هو نتيجـة للحركة التّفاعلية بين ثقافة المجتمع، والثّقافة الموجّهة للطّفل وشخصيته، التي تفكّر وتستجيب وفق ما تمليه عناصر ثقافته المعيشة وعناصر العالم المحيط به، إذ في تفاعله معها يكتسب عاداته وأفكاره وقيمه واتجاهاته.

      إنّ مفهوم ثقافة الطّفل يتّصل بواقع متغيّر يكتسب وصفه وتوصيفه من خلال تفحّص النّظرة والاهتمام بثقافة الطّفل في بلادنا وفي العالم العربي وكذا معاينة دور كلّ مؤسّسة تحمل أعباء هذه الثّقافة، سواء كانت اجتماعية، أم تربوية، أم إعلامية، وسواء كانت رسمية أو غير رسمية، فضلا  عن  الفعاليات التّثقيفية أو ما يسمّى بالآليات عبر الوسائط المتعدّدة لثقافة الأطفال، ووسائل الاتّصال، والتّواصل مع جماهير الأطفال أي الصّورة التي يتحقّق بها البناء الثّقافي للأطفال الذي يشبه إلى حدّ بعيد ''بناء برج مرتفع، كل حجرة تضاف إليه، أساسية وضرورية، وذات أهمّية في تشييده، لا يمكن الاستغناء عنها، والبرج الثّقافي، يحتاج أوّل ما يحتاج، أجهزة تربوية مؤهّلة تأهيلا جيّدا، ومن دونها لا يمكن البناء على الإطلاق...''[29]. ذلك أن الخطر الأكبر في حياة المجتمع يتمثّل في جهل المربّين بالأصول العلمية لتربية   وتثقيف الطّفل، ففي تربية الأطفال ''قانون صارم هو أنّه إذا كنت لا تربّي تربية علمية صحيحة فأنت تربّي تربية خاطئة، والتّربية الخاطئة تؤدّي إلى تدمير الأطفال نفسيا وعقليا واجتماعيا. وبناء على هذا القانون التّربوي فإنّ أيّة تربية نقدّمها للطّفل تلحق به الأذى وتدمّره إذا لم تكن تربية علمية''[30]؛ أي أنّ هذه التّربية لابدّ أن تقوم على وعي أصيل ينبع من معطيات علم الطّفولة وعالمها الذي في إطاره صاغت الخطّـة الشّاملة للثقافة العربية أسسه الثابتة لتنمية ثقافة الأطفال العرب وهي:

- تأصيل الهوية الثّقافية مع التّطلّع المستقبلي، مع اهتمام خاص باللّغة العربية.                                  – التّأكيد على التّراث العربي الإسلامي وما يزخر به من منجزات.                           – استخدام الثّقافة من أجل إطلاق طاقات النّمو عند الطّفل.                               

– التّأكيد على التّحصين الثقافي العربي ضدّ الغزو الثّقافي والاغتراب.

– اعتماد مبدأ وشمولية التّخطيط لثقافة الطّفل والتّنسيق بين جميع مجالاتها ووسائطها وقيام هذا التّخطيط على دراسات علمية  تتناول جميع جوانب حياة الطّفل، يقوم على جهود المختصّين في مختلف وسائط ثقافة الطّفل. 

– العناية الخاصّة بإعداد الخبراء والفنّيين في مختلف مجالات ثقافة الطّفل وتربيته[31].

      إنّ ثقافة الطّفل هي دعامة التّنمية الشّاملة، التي يصبُو إليها كل مجتمع ويتمنّاها لأطفاله، أجلَ تطوير المعرفة لديهم، ومخاطبتهم من تقاليدهم الثّقافية والاتصالية، وإروائهم من الينابيع التّراثية والشّعبية الممزوجة بالمعاصرة، وكلّ أولئك يستدعي تخطيطا تربويا يرشِّد سبل الخطاب الثّقافي للأطفال في المؤسّسات المتحمّلة مسؤوليته، والنّاهضة بوظائفه، عن طريق التّلقّي الموضوعي، لإضاءة العوالم الخيّرة لدى الأطفال والابتعاد بهم عن ثقافة الاغتراب وفراغ القيم .

3 - شعر الأطفال

            إنّ مصطلح الشّعر في أصل تسميته هو الشّعر الموجّه للكبار، ونَظَمه الكبارُ للكبارِ، ولتمييز ما هو خاص بالصّغار فقد أضيف اسم المتلقي(الأطفال) إلى لفظة الشّعر فأصبح (شعر الأطفال) ومن المتعارف عليه أنّنا نقصد بهذه العبارة الشّعر الّذي ينظمه الشّعراء الكبار للأطفال، غير أن التّداول لهذه العبارة في أدبيات الأطفال، وفي نَظمها اللّغوي تشير في واقع دلالتها إلى الشّعر الّذي ينظمه الأطفال بأنفسهم. ولا ضير في أن يكتب الأطفال شعرا جميلا يعبر عن أحاسيسهم ومشاعرهم التي تنبع من براءتهم وحاجات الطّفولة ومتطلّباتها[32] غير أنّ مسألة الطّفل الشّاعر، أو الطّفل الكاتب تُجافي البعد التربوي للكتابة، ولا توافي الأدب في الوقت نفسه، وقد سمّاها بعضهم (أسطورة) ومنهم من وسم كتابه بـ: (أسطورة الأطفال الشعراء) ورأى أنّ الطّفل الخلاّق غير موجود، لأنّ الخلق يتطلب صفات الرشاد؛ والأَوْلى أن نعنى بتربية إبداع الأطفال ليكون منهم الشّاعـر والكاتب في المراحل المقبلة من العمر[33]. وهذا يعني أنّ تربية الموهبة في وقـت مبكّر من حياة الطّفل المبدع  لها أكبر الأثر في تكوين الطّابـع اللّغوي السّليم،لاكتساب المقدرة على الابداع.

       وللشّعر عند الأطفال نصيب في ذلك حيث ''يخلق عندهم الملكة الابداعية، ويشارك في تنشئتهم وتربيتهم تربية متكاملة، فهو يزودهم بالحقائق والمفاهيم والمعلومات في مختلف المجالات، ما يمدّهم بالألفاظ والتّراكيب التي تنمّي ثرواتهم اللّغوية وأحاسيسهم، وكذلك التذوّق الفنّي والأدبي عندهم، كما يساعد الشّعر على انفتاح عقلية الطّفل وفاعليته مـع ثقافـة المجتمع''[34] من خلال العواطف الإنسانية التي يعبّر عنها، والحياة الاجتماعية التي يشرحها، فيرسم بذلك ''الطّريق إلى المثل العليا في الانفعالات التي تساعد على تكوين اتّجاهات واضحة وقيم متعدّدة، كما ينقل شعر الأطفال الأفكار بتقديم الخبرات البشرية   في صورة نقيّة مهذّبة من خلال التّعبير اللّغوي''[35] فضلا عن الإيقاع الذي يميل إليه الأطفال ويغرمون بحركاته.

      وضمن هذا السّياق يتراءى لنا أنّ الطّفل ''لصيق بالشّعر، وله اتّصال عفوي به، عبر وجود صفات مشتركة عديدة بين الشّعر والطّفل خاصّة في الصّفة الموسيقية، التي تنطلق من الواقع التّنغيمي والإيقاعي في الجرس الموسيقي، وذلك لأنّ الشّعر يقوم على أساس موسيقي، ويُبنى على هذا الأساس بناء إيقاعيا ونغميا وفق نظام لغوي، صوتي موزون، يميّزه عن النّثر، كذلك الطّفل فهو كائن إيقاعي، يميل إلى التّنغيم والأصوات المموسقة في مجمل نشاطه وانفعالاته''[36] وتتميّز حاسة الذّوق عنده حينما يطرق جرس الإيقاع أذنيه منذ ولادته، عن طريق الأساليب الفنّية التي تعرف بأغاني المناغاة والهدهدة  وفي مرحلة تالية  بأغاني التّرقيص؛ حيث ينصت الطّفل إلى أمّه الّتي تغنّيه بإيقاع رتيب بهدف إبهاجه وتهدئته، وبثّ الطّمأنينة في نفسه، وذرّ النّوم في عينيه. وبذلك يصبح الشّعر الفنّ الأسبق إلى إدراك الطّفل، وطبيعة عملية التّذوّق عنده.

      ويرى يعض الباحثين أنّ شعر الأطفال بعامة ينقسم إلى ثلاثة أنواع: شعـر مكتوب عن الأطفال، وظاهره يخاطب الأطفال، إلاّ أنّه ''يحمل خصائص أو جماليات الشّعر المكتوب للكبار سواء من ناحية تركيب الصّورة، أو اللّغة غير القريبة من منال الطّفل، أو الرّمز، أو الإيحاء، أو الإحالة التّاريخية... وما إلى ذلك من تقنيات الشعـر بعامة، الّتي يصعب على الأطفال دون مرشد أو معلّم فهم مراميها، وما ترمز إليه في كثير من الأحيان''[37] كقول نزار قبّاني

في آخر قصيدة (هوامش على دفتر النّكسة):

يا أيّها الأطفال...

من المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمالْ

وأنتم الجيل الذي سيكسر الأغــلالْ

ويقتل الأفيون في رؤوسنا

ويقتل الخيالْ..

يا أيّها الأطفال أنتم – بعدُ – طيّبون

وطاهرون، كالنّدى والثّلج، طاهرون

لا تقرؤوا عن جيلنا المهزوم،  يا أطفال

فنحن خائبون

ونحن، مثل قشرة البطّيخ، تافهون

ونحن منخورون...

منخورون...

منخورون كالنّعال

لا تقرؤوا أخبارنا

لا تقبلوا أفكارنا

لا تقتَفوا آثارنا

يا أيّها الأطفال:

يا مطر الرّبيع، يا سنابل الآمال

أنتم بذور الخصْب في حياتنا العقيمة

وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمة [38].

       إنّ النّظر إلى هذا النّوع من الشّعر على أنّه يدخل ضمن الشّعر الموجّه للأطفال هو نظر قاصر، ولا يعي حقيقة وسمات وأهداف شعر الأطفال بمعناه العلمي. ولو صحّ هذا النّظر لأصبح أغلب النّتاج الأدبي العام، في واقعنا وواقع المجتمعات الأخرى، أدبا للأطفال...فالمطالع لهذا النّتاج سيجد نصوصا كثيرة تتضمّن رموز ودلالات الطّفل والّطّفولة، بمعانيها واتّجاهاتها[39]، وهو أمر طبيعي لأنّ الطّفل صورة جميلة، وآية إنسانية، ورمز اجتماعي يمكن لأيّ فنّان استعمال صورته في تعابيره.  

      وشعر يحمل خصائص وجماليات الشعر المكتوب للأطفال، كاستخدام الصّورة الشّعريـة البسيطة وسهولة الألفاظ وخفّتها، وتوافر عناصر البناء الموسيقي الدّاخلي والخارجي في قولبة موسيقية مجزوءة البحور، مع رسم صورة شعرية جميلة وجذّابة للموضوعات، فضلا عن التّقليل من أفعال الأمر والإرشاد والنّصح، كقول الشّاعر جمال الطّاهري(1947-1999م) في قصيدة (العب يا طفلي):

العـــبْ أيا طفلــــــــي
   

 
   

في جنّــة  الحقــــــل

يا فرحـــة الأهــــــــل
   

 
   

في خفّـــة الظّـــــــلّ

العـبْ معي  واسعــــدْ
   

 
   

باللِّعْــبِ ذا تَشْــتَــــدّْ

أرجــوكَ لا تَبْعَــــــــدْ
   

 
   

عن مسـرح الحقـــلِ

اركضْ معي اركـضْ
   

 
   

بالطُّولِ أو بالعرْضْ

زَيَّنْتَــــهَا ذي الأرضْ
   

 
   

يا وردة  الحقــــــــلِ

اركـضْ معــي  خبَبَا
   

 
   

وازرع هنا طــــربَا

سبحــان من وهـــــبَا
   

 
   

إشراقــة الحقــــــــلِ

قــمْ وابْـدإِ الحفْــــــــلا
   

 
   

وامــرحْ به نحْـــــلاَ

فاليـــومُ ذا أحْلَـــــــى            في حفلــة الحقـــــلِ[40]

      أمّا النّوع الثّالث وهو الشّعر البسيط الذي كتبه الشّعراء الكبار للكبار وهو في مضمونه وشكله يصلح أن يكون شعرا للأطفال دون قصدية أن يكون لهم حيث لجأ إليه المربّون ومخطّطو المناهج المدرسية  قبل أن يتبلور شعر الأطفال على صورته المعاصرة، فأعملوا فيه التّبسيط والشّرح ليناسب الأطفال؛ من ذلك قصيدة (الشّاعر) لجمال الطّاهري؛ التي يتحدّث في مضمونها عن تجربته في نظم الشّعر، ومدحه لمختلف تركيبات المجتمع الجزائري، وهي في ظاهرها وشكلها موجّهة للصغار يقول فيها:

إِننِي فِي الجَمْعِ شَاعِرْ
   

 
   

شَاعِرُ الشَّعْبِ اَلْمُظَفَّـرْ

وقَصِيدِي اليومَ يَشْـدُو
   

 
   

لِلْغَدِ الزَّاهِي اَلْمُنَــــوَّرْ

يَمْدَحُ الْفَـــــلاحَ حُــرًّا
   

 
   

طَافِحَ الآمالِ أكثَــــــرْ

يمدحُ الجنــــدِيَّ فهـدًا
   

 
   

في سبيلِ اللّه يــــــزأرْ

يمدحُ العمّــــالَ جمـعًا
   

 
   

إنّهم جندُ نوفمبــــــــرْ

بِهِمُو تزهُـــــو بلادِي
   

 
   

حُرَّة في كلِّ منبَـــــــرْ

يـا بــلادي يـا بــلادي
   

 
   

كبّري فالشّعبُ كبَّــــرْ

واذكُري فيـــنَا شهيـدًا
   

 
   

عانقَ الأرضَ وحـرَّرْ

دمُهُ في كـــــلّ شبْــرٍ                           يلثِمُ الأعـلامَ أحمــــــرْ [41]

      إن شعر الأطفال هو الشّعر المكرّس لهم، وينطبق عليه ما ينطبق على الشعر عامة من تعريفات ومفاهيم، وعلى ذلك فهو ''لون من ألوان الأدب يحقّق السّرور والبهجة والتّسلية، والمتعة للأطفال، ويتضمّن الخبرات التّربوية المناسبة، وجوانب الطّبيعة التي تتّفق والميول الأدبية للأطفال، والتي تتّصف بالحركة والنّشاط والحيوية ذات الإيقاع الموسيقي، ويأخذ هذا الشّعر الشّكل القصصي، أو المسرحي، أو الغناء، ولا يشترط فيه أن يكون المؤلّف متخصّصا للأطفال، بل يشترط فيه أن يكون مناسبا للأطفال''[42] غير أنّ مسألة التخصّص هذه تثير اشكالات كثيرة، لأنّ الكتابة للأطفال عموما مسألة محفوفة بالصّعوبات وتخضع لشروط، ولعلّ الشّعر الموجّه للأطفال من أصعب فروع الشّعر ''لأنّ شروطه كثيرة جدّا، ومن أجل ذلك كان كُتَّاب هذا النّوع قلّة قليلة مقارنة مع كتّاب القصّة والحكاية والمسرحية...ليس بالنسبة إلى العالم العربي  فحسب، بل في كلّ دول العالم... ولذا، لا غرابة في أن نقرأ بعض العبارات المجازية التي يستخدمها شعراء الأطفال من دون أن يدركوا خطورة توظيفها كما لو كانوا يخاطبون رجالا أو أدباء أو راشدين كقولهم: الشّجرة تبكي، وأيادي الشجرة، وللمساء منامة كاملة، وعيْنا الوطن وزنداه...فهذه العبارات لا يستسيغها الطّفل، لأنّها تحمل معاني مجازية''[43] وكثير من هؤلاء هم في الأصل متحوّلون من الكتابة للكبار إلى الكتابة للصّغار، بعد تجربة طويلة ورغم الإيجابيات في ذلك ''فإنّ أولئك الأدباء لا يتحرّرون من عالم الكبار فيما يكتبون، فتأتي مؤلّفاتهم حول ما يهتمّ به الطّفل، دون الولوج في عالمهم الخاص''[44] فضلا  عن المثالية المفرط فيها، حيث يصوّرون للطّفل الجمال في كلّ شيء، ويبتعدون به عن الواقع.

       إنّ الشّعر الموجّه للأطفال يلتزم بضوابط فنّية ولغوية، ونفسية وجمالية واجتماعية وتربوية، ويهدف إلى تصوير الحياة بالتّعبير المتميّز، وعرضِ أفكار وأحاسيس وأُخْيُولاَتٍ تتّفق ومَدَارِكَ الناشئة وميولاتهم. ويتناول كل ما يمكن لألوان الأدب الموجّه للأطفال الأخرى أن تتناوله، إلا أنّه يتشكّل في صيغ أدبية متميزة تمكّن الأطفال من خلاله أن يحلّقوا بعيدا في أجواء الفضاء، ولذلك فهو يتطلّب رؤية وخبرة تراعي الاعتبارات السّابقة الذّكر بالإضافة إلى التّمرّس النّوعي في فنّ التّعامل مع الأطفال من حيث الأسلوب، والفكر، والسّلوك، وهي اعتبارات شرطية لابدّ أن تجتمع في شخص كاتب الأطفال؛ حتّى يصل بكتاباته إلى الأهداف المرجوّة.

       وتتجلّى الصّعوبة في شعر الأطفال في كونه فنّا مقيّدا بجمهور خاص جدّا، وتظهر هذه الخصوصيات في نوعية المتلقّي؛ لأنّ الأطفال كجمهور يتفاوتون في الخصائص النّمائية والقدرات اللّغوية، ودرجة النّمو النّفسي بالإضافة إلى الفارقة من حيث المستوى الثّقافي والتكّيّف الاجتماعي، والتّواجد الجغرافي فأطفال المدن الكبرى وبعض الأحياء الراقية يختلفون عن أطفال الصّحراء والقرى والأرياف والمداشر النّائية التي تفتقر إلى الثّورة التّكنولوجية والوسائل التّقنية    بل إنّ من المناطق العميقة التي لاتزال تجهل معالم الحضارة المعاصرة في أبسط وسائلها كالكهرباء الذي بانعدامه تحتجب كثيرا من وسائط أدب الأطفال كالتّلفاز وهنا ''تبدو الصّعوبة من جديدٍ في الشّعر، ومهما حاول الشّاعر أن يكون حريصاً على التّقريب بين هذه الفروقات الفردية والاجتماعية  والثّقافية، ومهما حاول مراعاة الشّمول وتعميم النّظـرة الواسعة، فإنه يظلّ في كثيرٍ من الأحيان مقصّـراً عن الوصول إلى جمهوره وصولاً كاملاً. لذلك يمكن القول، إنّ الشّاعر عندما يكتب للأطفال فإنه يدخل (متاهـةً جميلةً) قد تتقلّب فيها الفصول الأربعة كل يوم، ولهذا فإن جميع المربّين والقادة والعظماء، طالبوا بالبحث عن الطّفولة واحترام إنسانيتـها، ودغدغةِ مشاعرها، وتنمية مواهبها وقدراتها، وتأمين السّلامة والأمان لها''[45] فخصّتها الأمم المتّحدة بيوم عالمي، واجتهدت المجتمعات في تخصيص يوم وطني لها، ورأى كثير من النّقاد أن تّتصف الكتابة للطّفولة بتقنيات عاليـةٍ، ولعلّ أرقاها في الشعر.

      إنّ شعر الأطفال يلتقي مع شعر الكبار، أو ما يسمى شعر الرّاشدين  في عدّة نقاط، ويفارقه في نقاط أخرى، فأُولى نقاط الالتقاء ترتبط بطبيعة المتلقّي نفسه، سواء كان طفلا أم راشدا، فداخل كلّ شاعر صورة طفل تدغدغ جوانحه وتنطبع على صفحات وعيه ولا وعيه، ولعلّ ما ذهب إليه (بابلو نيرودا Pablo Neruda) الشّاعر الشّيلي يصبّ في هذا الاتجاه إذ يقول: ''إذا فَقَدَ الشّاعرُ الطّفلَ الذي يعيش بداخله، فإنّه سيفقد شعره''[46] أي أنّ الذّاكرة الطّفولية للشّاعر تحفـر في تجاويف وعيه نقوش الزّمان والمكان، وحركة الإنسان في ثناياها  حاملة معاناته وفرحه، ومن البديهي أن تكون ''مواد الصّورة الطّفولية في الذّاكرة الطّفولية، غزيرة متدفّقة فيّاضة، ذلك أنّ المخزون الطّفولي من أهم مصادر المعرفة إن لم يكن أغزرها ''[47] وللصّورة الطّفولية أثر نفسي يتحوّل إلى قوّة قادرة على إثارة عواطف الشّاعر والتّلاعب بها أحيانا، وتحويلـه إلى طفل بريء يجتذب كلّ ما سمعه أو شاهده عبر مراحل طفولته، ويخزّنه في ذاكرته، فالشّاعر لا ينسى حتى أبسط النّغمات التي سمعها في طفولته؛ أي أنّ المخزون المنقوش على جداريات الذّاكرة لا يتلاشى في ظلّ ظروف طبيعية يحياها الشّاعر أو في حالة التوهّج الإبداعي النّفسي بكلّ محتوياتها وتقلّباها؛ وعلى ذلك لا غرابة في أن تحتشد المواد اللّغوية في صور الشّعـراء وتنوّعها حين عودتهم إلى ذكريات الطّفولة، وقد عبّر عن ذلك ( فرنسيس جامسf. james ) بقوله: ''الشّاعر طفل، وإذا لم يكن طفلا ساذجا بريئا يتكلّم قلبه، بَطُلَ أن يكون شاعرا عظيما''[48] وعلى ذلك فعالم الطّفولة عالم مغناطيسي يجتذب إليه الشّعراء للتّخفيف من سلطتهم كراشدين، واستقطاب عواطفهم لمنح الأطفال أُبوّة الإحساس وتجسيد أحلامهم بالعودة إلى العالم الطّفولي، عالم الامتلاء  الّذي إذا ما غرّد في موحش الرّمل أَعشب، فما بالك بروح الشّاعر وهو يتعطّـر بمعاني الدّهشة والبراءة، ويكتحل بالطّهر والحنين والألفة؛ في ملعب الأحلام والحرية ليعيد إنتاج الطّفولة باستدعائها وتكثيف نماذجها، لأنّها المرآة التي لا تهرم .

       أما ثاني نقاط الالتقاء فتتعلّق بالشّعر كشكل أدبي وبنشأته؛ فالشّعر على ما يبدو هو الفن الأدبي الأول الذي سيطر على الحياة البدائية حتّى عُدَّ لغة الطّفولة الإنسانية، وأسبق فنونها إلى الوجود، حيث نشأ بدافع من حاجتها إلى التّعبيرعن المشاعر والهموم والأحاسيس[49]، وهذه الحاجة هي مطلب غريزي يخلق مع الإنسان، ويرتقي كلّما ارتقت الحاجة، أي أنّ الشّعر نشأ مع الإنسان، وترعرع مع مجتمعاته، ونما بنموّه، وتطوّر بتطوّره،  فهو''مرتبط ارتباطا وثيقا بطفولة الإنسانية، فقد كان هو السّائد عندما كانت الإنسانية تخطو خطواتها الأولى...فقد وجد هذا الإنسان ملاذه في الشّعر؛ لأنّه مساحة تسمح له أن يشكّل واقعه ويغيّره، كان بالشّعر يغير مكانه الطّبيعي المحدود إلى مكان نفسي يساعده على إقامة توازنه النّفسي ليستمرّ في البقاء؛ ولذلك يعتبر الشّعر عنده الزّمن الذي يجسّد به المكان، والعلاقـة بين الزّمان والمكان هي الطّفولة فالشّعر طفولة الإنسانية، وطفولة الإنسان هي بدايتها''[50]. وأجْلَ ذلك كلّه يعود الشاعر إلى زمن الطّفولة، يريد بوهم جميل أن يقلّل من خسائر العمر المتقدّم بالتّعويض والنّكوص إلى الماضي في حنين موجعٍ لكنّه لذيذ حينما يجد ضالّته في شعره الموجّه للأطفال؛ والعكس فقد وجد الأطفال ضالّتهم في الشّعر الموجّه للراشدين متنفَّسا، حين كانت ينابيع الإبداع لهم جافة ولم تتبلور بعدُ في شكل مفاهيم معاصرة.

      ومن أبرز نقاط الالتقاء وهي الثالثة فتعود إلى طبيعة الشّعر كفنّ لغوي يتوافر على مختلف أساليب السّحر والإدهاش وبالتالي التّأثير والإقناع، وإشباع الحاجات الفكرية والعاطفية للإنسان، باستعمال اللّغة التي يفهمها المتلقّي، وهو تقاطع يلتقي فيه الطّفل مع الرّاشد، مع الإشارة إلى اختلاف مستويات التّلقّي فالطّفل في حاجة إلى أدوات تمكّنه من تلقّي الشّعر الموجّه له لا تتجاوز في أقصاها فهم المعجم في دلالته الأولية؛ عكس الرّاشد الذي يتجاوز في تلقّيه للشّعر إلى مستويات الرّمزية والتأويلية، والغوص في البنية الجمالية والمعرفية وفكّ شفرات النّص.

       بالإضافـة إلى ذلك فإنّ محتوى الشّعر هو إثارة الانفعال والشّعور لدى المتلقّي  باستعمال الوسائل الفنّية في صياغته أي الشّعـر، وذلك ''بتأليف أصوات موسيقية، تضيف موسيقاها إلى قوة التّصوير، فتترسّل بها المشاعر، وهذه المشاعر بدورها طريق بثّ أفكار تتمكّـن من النّفس عن طريق التّصوير بالعبارات الموقّعة... فقوّة الشّعر تتمثّل في الإيحاء بالأفكـار عن طريق الصّور  والعنصر الموسيقي يضيف إلى الإيحاء ويقوّي من شأن التصوير''[51].

      أمّا الفروقات التي تميّز شعر الأطفال من شعر الكبار فليست كثيرة لأنّ العناصر البنائية واحدة في كليهما، لكن الاختلاف قد يرتبط بطبيعة المتلقّي أيضا، على مستوى درجة توظيف هذه العناصر وأساليب التّواصل، فالطّفل ''يحتاج إلى خطاب ثقافي نتواصل به معه، بشكل مخالف لأساليب التواصل مع الرّاشدين اعتمادا على ما يعرف بخصائص المراحل العمرية النمائية، التي تحدّد ما يمكن أن يتلقّاه الطّفل ويدركه اعتمادا على مستوى نموه العقلي وقدراته العقلية في كلّ مرحلة عمرية''[52] حسب معطيات علوم التّربية وعلم نفس الطّفل وقائمة الممنوعـات التي تتدخّل لتضع حدّا فارقـا بين دلالات الألفاظ في شعر الأطفال، وفي شعـر الكبار، وبخاصة في جانبها العاطفي.

      كما يكون التّباين في الموضوعات والأهداف، إذ إنّ شعـر الأطفال يهتمّ أكثر ما يهتمّ بالموضوعات التي تثير اهتمامات الأطفال وتعبّر عن بيئتهم المحيطة بهم، وعالمهم المعيش، وتساؤلاتهم، واحتياجاتهم، في شكل قصصي  أو درامي أو تعليمي، ويتجلّى هذا الاختلاف ويبدو واضحا في ''مسرح الطّفـل الشّعـري والأناشيـد والأغاني، ومع أنّه لا يمكن حصر الموضوعات إلاّ من خلال منظومة القيم، فإن طبيعـة جمهور الأطفال في مراحلها المختلفة تتطلّب حساسيةً خاصةً، وبراعةً في استلهام التّراث وشخصياته التّاريخية، ومن ثمَّ التوجّه إلى العصر وما يطرحه من موضوعاتٍ على السّاحة الثّقافية؛ كحبّ الوطـن والتشبّث بالأرض، وجمال الطّبيعة والحفاظ على البيئة، وحبّ الوالدين، وصلة الرّحم، واحترام المعلّمين وكبار السّنّ، والحفاظ على الممتلكات العامة، والرّفق بالحيوان، والحرص على الأخلاق، والدّين''[53] وكل ما من شأنه أن يدغـدغ أحاسيس الأطفال، ويزرع بذور الخير والعدل في نفوسهم. فهذه الموضوعات خارج اهتمامات الكبار، ولا ترتبط بعالمهم الّذي يهتمّ بموضوعات أوسع وأصعب في مضامينها كالشّعر الثّقافي، والحماسي، والهجاء، والرثاء، وغيرها من الأغراض الشعرية التي تبدعها قرائح الشّعراء في ظلّ مطالب الحياة.

       أمّا علـى مستـوى الأهداف فمآله إلى أنّ شعر الكبار هو وجع الذّات الذي يضيء من شفافية روح الشّاعر، وينعكس عن مرآة نفسه، محلُّه قَلبه وشاهِـدُه عقله، في علاقة جوهرية بينه وبين المتلقّي في نقل عواطفه الإنسانية وخبراته الذّاتية، وذلك لبّ مضمون شعره، أمّا بالنّسبة لشعر الأطفال فالأمر ليـس سيـان، فهو ليس تعبيرا عن عاطفة ''بقدر ما هو تعبيـر عن وجهـة نظر عقلانية يحاول الشّاعـر أن ينقلها إلى الأطفال بقصدية، من أجل طرح وجهة النّظر الخاصّة بالشّاعر تجاه موقف، أو شخصية، أو قيمة، أو مفهوم، أو سلوك      ما وبهدف تعليمي تربـوي في أغلب الأحيان؛ لهذا يأتي شعر الأطفـال: وصفي سريع، واضح، متماثل مع عالم الطّفولة''[54]؛ أي أنّ شاعر الأطفال لا يعيش تجربة بشرية متكاملة، وإنّما يعيش موقفا تربويا، يغذّيه برؤية إنسانية أخلاقية تحسّن كلّ ما سبق الإشارة إليه.

      وهناك فارقة أخرى تتّضح على مستوى عملية النّقد، إذ تتباين المعايير التي على أساسها يمكن الحكم على شعر الأطفال، فهذا الأخير له مميّزاته وخصائصه الّتي يدور حولها فلك النّقد، مثل: المرح، مناسبة الطّباع والميول الوضوح والإيقاع والحركات، التّكرار، اللّحن المشوق، السّهولة، ومناسبة الموضوع، بينما شعر الكبار له استمراريته وحريته وعملية نقده تتبلور في قيمه وجمالياته ونظرياته الأدبية المبثوثة في كتب النّقد.

      ونخلص إلى أنّ شعر الأطفال يعتبر وسيطا تربويا؛ لأن التّربية ترى في الطّفل فيلسوفاً صغيراً، يتمتّع بخيال غير محدود، ويتميّز هذا الشّعـر بالأفكار ذات المغـزى والهدف التّربوي، معانيه حسّية قابلة لإدراك الطّفل، وبعيدة  عن التّجرّد الذي يستعصي عن الفهم، ألفاظه بسيطة لا تثير استشارة المعاجم إلاّ ما قلّ منها، متجانسة مع الأفكار في أسلوب واضح، ورقيق، وشفّاف وجميل؛ ينمّي الذّوق الأدبي عند الأطفال، ويعالج موضوعات قريبة من عالم الطّفولة وثقافتها، وتنأى عن عالم الكبار، يتشكّل أكثره في طابع غنائي، بلغة شاعرية مناسبة، سهلة المعنى والمبْنَى، عذبة الموسيقى والإيقاع، مبهرة الخيال ولها مغزى عظيم وشريف؛ وكل أولئك إشباعا لحاجات الأطفال، وتكوين اتجاهاتهم، بتقديم الخبرات في صورة نقية مهذّبة، تتسامى بالرّوح وترقى بالوجدان، وذلك أقصى ما تتمنى كلّ أمّة لأطفالها.

المراجع:
1- إبراهيم محمود وآخرون: ثقافة الطّفل واقع وآفاق (د، ط) دار الفكر، دمشق، 1997،
2- أحمد زلط: أدب الطّفولة بين محمد الهراوي وكامل الكيلاني (د، ط) دار المعارف، القاهرة، 1994.
3- أحمد سويلم: ثقافتنا في مفترق الطرق، ط1، مكتبة الشروق الدّولية، القاهرة، 2004.
4- أحمد علي كنعان: الطّفولة في الشعر العربي والعالمي مع نماذج شعرية لأطفال شعراء، ط1، دار الفكر، دمشق، 1995.
5- أحمد فرشوخ: الطفولة والخطاب، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، 1995.
6- أحمد فضل شبلول: الطفل والحرب في فضاء الشعرية العربية المعاصرة (د، ط) الاسكندرية، 2004 .
7- إسماعيل الملحم: كيف نعتني بالطّفل وأدبه، دار علاء الدّين، ط1، دمشق، 1994.
8- إسماعيل عبد الفتّاح: أدب الأطفال في العالم المعاصر، ط1، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة 2000.
9- آشتي شوكت: القيم الاجتماعية في أدب الأطفال، ط1، دار النّضال، (د، ب) 1999.
10- أنور عبد الحميد الموسى: أدب الأطفال... ((فن المستقبل)) ط1، دار النهضة العربية، بيروت، 2010 .
11- جمال الطّاهري: الزهور، ط1، ج3، دار الحضارة، المدية، 1992.
12- جمال الطّاهري: الزهور، ط1، ج5، مؤسسة أشغال الطّباعة، المدية، 1993.
13- حدّاد علي: اليد والبرعم، دراسات في أدب الطّفل، ط1، مركز عبّادي للدراسات والنّشر، اليمن، 2000 .
14- سمير عبد الوهاب أحمد: أدب الأطفال (قراءات نظرية ونماذج تطبيقية) ط2، دار المسيرة، عمّان 2009.
15- عبد الرزاق جعفر: أسطورة الأطفال الشعراء، ط1، دار الجليل، بيروت، 1992.
16- عبد اللطيف الصّوفي: فـن القراءة، ط2، دار الوعي للنشر والتوزيع، الجزائر، 2009.
17- عمر أحمد الربيحات: الشاعر وذاكرة الطّفل في الشعر العربي الحديث (دكتوراه مخطوطة) جامعة مؤتة 2010.
18- عمر بن قينة: المشكلة الثقافية في الجزائر، ط1، دار أسامة للنشر والتوزيع، عَمّان، 2000.
19- العيد جلّولي: النّص الشعري الموجّه للأطفال في الجزائر، دراسة، ط1، موفيم للنّشر، الجزائر، 2008.
20- عيسى الشّماس: أدب الأطفال بين الثقافة والتربية، ط1، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 2004 .
21- فاضل الكعبي: كيف نقرأ أدب الأطفال، ط1، مؤسسة الوراق، الأردن، 2012.
22- فوزي عيسى: أدب الأطفال (الشعر-مسرح الطّفل- القصة) ط1، دار الوفاء، الاسكندرية، 2008 .
23- الفيروز آبادي مجد الدّين محمد: القاموس المحيط، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، ط8، مؤسسة الرسالة بيروت، 2005.
24- كمال الدين حسين: أدب الأطفال (المفاهيم، الأشكال، التطبيق) ط2، دار العالم العربي، القاهرة   2010.
25- مجمع اللغة العربية: المعجم الوجيز (د، ط) دار التحرير للطبع والنشر، مصر، 1989.
26- مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط (د، ط) مكتبة الشروق الدّوليـة، مصر، 2004.
27- محمد السيد حلاوة: الرعاية الثقافية وأدب الطّفل (مدخل إلى أدب الطفل) (د، ط) دار المعرفة الجامعية الاسكندرية، مصر،2011.
28- محمد علي سعد: المنجد في الأدب والنّصوص (د، ط) دار العلم والإيمان، مصر، 2007.
29- محمد غنيمي هلال: النّقد الأدبي الحديث، (د، ط) دار نهضة مصر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، القاهرة 1997.
30- محمد قرانيا: قصائد الأطفال في سوريا (د، ط) منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003 .
31- مريم سليم: أدب الطفل وثقافته، ط1، دار النهضة العربية، بيروت، 2001.
32- منيرة صالح: راهن أدب الطّفل في الأردن، ط1، دار غيداء، عمّان، 2011.
33- نجلاء محمد علي أحمد: أدب الأطفال، ط1،  دار المعرفة الجامعية، مصر، 2011.
34- نجيب محفوظ: حول الثقافة والتّعليم، ط1، الدّار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1990.
نزار قبّاني: الأعمال السياسية الكاملة (د، ط) ج3، منشورات نزار قباني، بيروت (د، ت) .
35- هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأطفال (د، ط) المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1988 .
36- هاشمية حميد جعفر الحمداني، وعبد الإله عبد الوهاب العروادي: أدب الأطفال بين المنهجية والتطبيق ط1، دار الرضوان للنّشر والتوزيع، عمّان، 2014.

الهوامش:                                                                                         
[1]- أحمد فرشوخ: الطفولة والخطاب، ط1، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، 1995، ص:13.
[2]- فاضل الكعبي: كيف نقرأ أدب الأطفال، ط1، مؤسسة الوراق، الأردن، 2012، ص:49.
[3]- أحمد زلط: أدب الطّفولة بين محمد الهراوي وكامل الكيلاني (د، ط) دار المعارف، القاهرة، 1994 ص:7-8.
[4]- إسماعيل عبد الفتّاح: أدب الأطفال في العالم المعاصر، ط1، مكتبة الدار العربية للكتاب، القاهرة 2000، ص:22.
[5]- أنور عبد الحميد الموسى: أدب الأطفال... ((فن المستقبل)) ط1، دار النهضة العربية، بيروت، 2010 ص:11.
[6]- عيسى الشّماس: أدب الأطفال بين الثقافة والتربية، ط1، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 2004 ص:33.
[7]- أنور عبد الحميد الموسى: أدب الأطفال... ((فن المستقبل))  ص:13.
[8]- محمد السيد حلاوة: الرعاية الثقافية وأدب الطّفل (مدخل إلى أدب الطفل) (د، ط) دار المعرفة الجامعية الاسكندرية، مصر،2011، ص:61.
[9]- فاضل الكعبي: كيف نقرأ أدب الأطفال، ص:29-30.
[10]- حدّاد علي: اليد والبرعم، دراسات في أدب الطّفل، ط1، مركز عبّادي للدراسات والنّشر، اليمن، 2000 ص:32.
[11]- إبراهيم محمود وآخرون: ثقافة الطّفل واقع وآفاق (د، ط) دار الفكر، دمشق، 1997، ص:71-72.
[12]- إسماعيل الملحم: كيف نعتني بالطّفل وأدبه، دار علاء الدّين، ط1، دمشق، 1994، ص:5.
[13]- هاشمية حميد جعفر الحمداني، وعبد الإله عبد الوهاب العروادي: أدب الأطفال بين المنهجية والتطبيق ط1، دار الرضوان للنّشر والتوزيع، عمّان، 2014، ص:11.
[14]- آشتي شوكت: القيم الاجتماعية في أدب الأطفال، ط1، دار النّضال، (د، ب) 1999، ص:64.
[15]- الفيروز آبادي مجد الدّين محمد: القاموس المحيط، تحقيق: محمد نعيم العرقسوسي، ط8، مؤسسة الرسالة بيروت، 2005، ص795.
[16]- مجمع اللغة العربية: المعجم الوجيز (د، ط) دار التحرير للطبع والنشر، مصر، 1989  ص:75.
[17]- مجمع اللغة العربية: المعجم الوسيط (د، ط) مكتبة الشروق الدّوليـة، مصر، 2004 ص:98.
[18]- عمر بن قينة: المشكلة الثقافية في الجزائر، ط1، دار أسامة للنشر والتوزيع، عَمّان، 2000، ص:11.
[19]- أحمد سويلم: ثقافتنا في مفترق الطرق، ط1، مكتبة الشروق الدّولية، القاهرة، 2004، ص:15.
[20]- نجيب محفوظ: حول الثقافة والتّعليم، ط1، الدّار المصرية اللبنانية، القاهرة، 1990، ص:119.
[21]- هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأطفال (د، ط) المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1988 ص:30.
[22]- هادي نعمان الهيتي: ثقافة الأطفال، ص:31.
[23]- محمد السيد حلاوة: الرعاية الثقافية وأدب الطّفل، ص:22.
[24]- مريم سليم: أدب الطفل وثقافته، ط1، دار النهضة العربية، بيروت، 2001، ص:18.
[25]- إسماعيل الملحم: كيف نعتني بالطّفل وأدبه، ص06.
[26]- محمد السيد حلاوة: الرعاية الثقافية وأدب الطّفل، ص:18.
[27]- مريم سليم: أدب الطفل وثقافته، ص:30-31.
[28]- مريم سليم: المرجع نفسه، ص:31.
[29]- عبد اللطيف الصّوفي: فـن القراءة، ط2، دار الوعي للنشر والتوزيع، الجزائر، 2009، ص:73.
[30]- سمير عبد الوهاب أحمد: أدب الأطفال (قراءات نظرية ونماذج تطبيقية) ط2، دار المسيرة، عمّان 2009، ص:33.
[31]- إبراهيم محمود وآخرون: ثقافة الطّفل واقع وآفاق، ص:24.
[32]- أحمد علي كنعان: الطّفولة في الشعر العربي والعالمي مع نماذج شعرية لأطفال شعراء، ط1، دار الفكر، دمشق، 1995، ص:160.
[33]- عبد الرزاق جعفر: أسطورة الأطفال الشعراء، ط1، دار الجليل، بيروت، 1992، ص:36.
[34]- إسماعيل عبد الفتّاح: أدب الأطفال في العالم المعاصر، ص:52.
[35]- سمير عبد الوهّاب أحمد: أدب الأطفال، ص:113.
[36]- فاضل الكعبي: كيف نقرأ أدب الأطفال، ص:176.
[37]- أحمد فضل شبلول: الطفل والحرب في فضاء الشعرية العربية المعاصرة (د، ط) الاسكندرية، 2004 ص:5.
[38]- نزار قبّاني: الأعمال السياسية الكاملة (د، ط) ج3، منشورات نزار قباني، بيروت (د، ت)     ص:96-97-98.
[39]- فاضل الكعبي: كيف نقرأ أدب الأطفال، ص: 32.
[40]- جمال الطّاهري: الزهور، ط1، ج5، مؤسسة أشغال الطّباعة، المدية، 1993، ص:13.
[41]- جمال الطّاهري: الزهور، ط1، ج3، دار الحضارة، المدية، 1992، ص:04.
[42]- نجلاء محمد علي أحمد: أدب الأطفال، ط1،  دار المعرفة الجامعية، مصر، 2011، ص:109.
[43]- أنور عبد الحميد الموسى: أدب الأطفال...((فن المستقبل)) ص:426.
[44]- منيرة صالح: راهن أدب الطّفل في الأردن، ط1، دار غيداء، عمّان، 2011، ص:76.
[45]- محمد قرانيا: قصائد الأطفال في سوريا (د، ط) منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003 ص:24-25.
[46]- فوزي عيسى: أدب الأطفال (الشعر-مسرح الطّفل- القصة) ط1، دار الوفاء، الاسكندرية، 2008 ص:75.
[47]- عمر أحمد الربيحات: الشاعر وذاكرة الطّفل في الشعر العربي الحديث (دكتوراه مخطوطة) جامعة مؤتة 2010، ص:23.
[48]- العيد جلّولي: النّص الشعري الموجّه للأطفال في الجزائر، دراسة، ط1، موفيم للنّشر، الجزائر، 2008 ص:8.
[49]- محمد علي سعد: المنجد في الأدب والنّصوص (د، ط) دار العلم والإيمان، مصر، 2007، ص:05.
[50]- العيد جلّولي: النّص الشعري الموجّه للأطفال في الجزائرص:09.
[51]- محمد غنيمي هلال: النّقد الأدبي الحديث، (د، ط) دار نهضة مصر للطّباعة والنّشر والتّوزيع، القاهرة 1997، ص:356.
[52]- كمال الدين حسين: أدب الأطفال (المفاهيم، الأشكال، التطبيق) ط2، دار العالم العربي، القاهرة   2010، ص:40.
[53]- أنور عبد الحميد الموسى: أدب الأطفال...((فن المستقبل)) ص:428.
[54]- كمال الدين حسين: أدب الأطفال: (المفاهيم، الأشكال، التطبيق) ص:132.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟