ضَمِيمَةُ الإيقاعِ في شرح الزوزني للمعلقات السبع ـ د. يماني مبيريك

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse17024ملخص:
بعد قراءتي شرح الزوزني للمعلقات السبع، تبين أنه  تعرض إلى توضيح ما علق في هذه القصائد من مغلق اللفظ ومبهم المعنى ، من حيث مستوياتها اللسانية سواء أكانت تركيبية  ، دلالية  ،معجمية أم صوتية،وكان اختياري لهذا الأخير ، وفقا لما احتوى عليه من ظواهر صوتية تقارب الدراسة اللسانية المعاصرة.
الكلمات  المفتاحية:  اللفظ ، المعنى ، اللسانيات ، التركيب ، الدلالة ، المعجمية، الصوتيات...الخ

مقدمة
قال ابن فارس في لفظة "الصوت" والصوت من الصاد والواو والتاء أصل صحيح وهو الصوت وهو جنس لكل ما وقر في أذن السامع[1]
  ونحن حينما نتناول عنصر الصوت فإنما نتناوله في ظل الشعر وبالخصوص الشعر العمودي،ومن نماذجه البدائية وصوره الإبداعية الأولى متمثلا في الشعر الجاهلي وقصائده الغر الطوال،فاكتسب ذلك الشموخ الفني الذي أشار إليه عز الدين منصور بقوله:(و ظل الشعر العربي العمودي شامخا يؤدي رسالة بأنماطه القديمة والجديدة التي لها أصالتها في الأداء الشعري)[2] ،وهذه الأصالة نابعة من العلاقة بين الشعر وموسيقاه.
اقترن الشعر في العصر الجاهلي بإيقاع خطوات الإبل وبخاصة إيقاع بحر الرجز وأصله(مأخوذ من البعير إذا شدت إحدى يديه فبقي على ثلاث قوائم،وأجود منه أن يقال مأخوذ من قولهم ناقة رجزاء .
لذلك فان أوزان الشعر التي نظمت فيها الأعاريض جميعا مع حركة من حركات الإبل في السرعة والأناة،ومما جاء من الحركات المتمهلة قولهم: ارتعشت عند قيامها لضعف يلحقها أو داء)[3]

مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدا           أجنْدلًا يَحمِلْن أَمْ حَدِيدا.

إذا كانت الأصوات ظاهرة كونية تتآلف وتتخالف تسرع وتتئد،فان ما بهمنا منها مسألة الإيقاع فحاجتنا إلى الموسيقى تجعل أرواحنا تميل ميلا عجيبا إلى الأصوات والألحان دون إدراك كنهها،وهي تهتز لقصف الرعد ولخرير الماء،ولحفيف الأوراق، لكنها تنكمش من الأصوات المتنافرة وتنبسط بما تآلف منها[4]

إذا كان للروح الإنسانية ميول فطري وانجذاب سليقي نحوا لأصوات هادئة كانت أم مزعجة بالرفض أم القبول بالانبساط أم الانكماش ،فإن شوقي ضيف وضح ما للشعر العربي من جميل الأثر فيما تنجذب إليه النفوس البشرية من قوى خفية للشعر كامنة في قراراتها متوطنة في خلدها تتحرك إثر التسمع لها أو الاقتران بصداها وترجيعها.فقال:(حتى كأن الإيقاعات تعد عدا،فهي دائما عدد منتظم لا نقص فيه ولا زيادة عدد بعينه من الاهتزازات الصوتية والموجات الموسيقية عدد يأخذ شكل قانون صارم ففيه تكمن القوى الخفية للشعر العربي)[5] ،ومن الأنماط التي حافظ عليها الشعر الجاهلي وتنبه لها الشارح حينما تناول القصائد الجاهلية بشرح الأوزان الشعرية،استقامتها،وإقامتها وقضايا القافية وما تتضمنه من قواعد عروضية،وكذلك مسألة الإيقاع الموسيقي لكن بمفهوم آخر ومصطلح يناسب هذا العنصر الفعال في بناء النص الشعر العربي الذي يعد في مقدمة البنى التي تتكون منها القصيدة الشعرية عند العرب لأن الشائع و المقابل لهذه اللفظة عند اللغويين في العصر الحالي هي كلمة((rythme)) الفرنسية
        لعل الخوض في مجال الأصوات أمر لا يتسع المقام للإحاطة به،غير أنه مالا يدرك كله لا يترك جله،كما قيل.و الصوت يعد صانع الألفاظ ومبدع معانيها بعد خروجها، لذا فان معنى اللفظ الذي هو جنس للشعر موجود فيه، وهو حروف خارجة بالصوت متواطئا عليها[6]

وارتأيت إظهار ما وقف على معالجته في هذا العنصر المهم في بناء النص والعامل الأساس في بنية القصيدة العربية،ومما تعرض له الشارح مسألة الوزن، والقافية والإيقاع بصورة مماثلة.
 وكان الوزن من المسائل الصوتية التي سال حولها الحبر واسودت في البحث عن دورها السجلات دراسة وتحليلا والوزن عندهم ذلك الأساس الباني لعضوية النظم في شكله الخارجي، وهو الفصل الذي يختص به الشعر دون سائر الأجناس الأدبية وفيه يقول أحد الكتاب:(الوزن في الأدب العربي القديم ركن من الأركان الأساسية التي يقوم عليها بناء الشعر فللانتقال من النثرية إلى الشعرية مشروط بالوزن)[7]
إذا كان هذا حال الوزن في بناء القصائد فلا ضير في وجودنا إياه مهتما هذا الاهتمام حتى ذهب به الحال في معالجة وشرح هذا البيت بالاتكال على مزاعم الآخرين في إثبات ما نحن بصدده
قائلا:وزعم صنف منهم أنه أراد كجوف الحمار فغير اللفظ إلى ما وافقه في المعنى لإقامة الوزن: وهو يقصد بذلك قول امرئ القيس:

ووَادٍ كَجَوْفِ العَيْـرِ قَـفـٍر قـطَعـْتُـه    ****      بهِ الذَّئـْبُ يعوي كَالخَلِيعِ المُعَيـّـلِ.

        والبحث عن حقيقة الصوت في المنطوق العربي تصدى لها كثير من الباحثين،وخاض ساحتها العدد العرمرم من المهتمين فمنهم من اختص بالحروف في مخارجها وصفاتها، ومنهم من عمل على ترسيخ فكرة الضرورات الشعرية لأغراض تعلقه بالقافية والروي، وما يعتريها من عيوب قد يلهج بها الشعراء والناظمون وطائفة أخرى لها ما تقوله في التنغيم ،الإيقاع،النبر،وما شابه هذه الموضوعات في فنون تتعلق بموسيقى الشعر وحداءا ته ومن هؤلاء الدارسين ما انتبه إليه ابن الحسين من مسائل تعلقت بالصوت اللغوي، وما أمده بها من مصطلحات  عولنا عليها في تقسيم هذا الجانب إلى فروع منها  إثبات القافية واستقامة الوزن وما تجلى من ظواهر صوتية لغوية مثل عملية الترخيم،والامتصاص وغيرها من سندات التحليل الصوتي في شروحه ،ذلك ما جعلنا نقتصر في دراسته على هذه الجوانب التي أثارها بالتوضيح والتفسير،مثلما سيأتي تبعا للمنهجية التي سار عليها في معالجته لدرر النظم في المعلقات وحري بنا معرفة مصطلح اللسان وهو من مادة لسن ومنها اللسان المِقْوَل[8]... واللغة والرسالة ، والمتكلم عن القوم ... واللِّسْنُ : بالكسر الكلام ، واللغة ذلك ما نروم منها مصطلح اللغة وهو موضوع دراستنا في هذا البحث .
-إقـــــامة الوزن:
 والشارح للألفاظ و المعاني لم يفته ما للوزن من فائدة في رصف وتنظيم الكلم في بناء القصائد فأعطى لهذه القضية حقها من التحليل والتوضيح،فها هو أجده يلفت انتباه القراء إلى مسألة اختلاف اللغات في البيت الموالي، لعله يريد من وراء ذلك إقامة الوزن في قول طرفة بن العبد[9]                   فَـإِنْ كـُنْتَ لاَ تستطيع دَفْعَ مَنِيـَّتِي     فَدَعْنِي أُبَادِرْهَا بِمَا مَلَكَتْ يَدِي.

فَإِنْ كُنْ    //0 /0  فَعُولُنْ    سالم
تَلاَ تَسْطِي      //0/0/0   مَفَاعِيلُنْ     سالم
عُدَ فْعَ   //0/    فَعُوْل    مقبوض
مَنِيَّتـــي    //0//0    مَفَاعلن     مقبوض

يقول في الشرح إن الفعل لا يسطيع لغة في استطاع، وعليه يمكن أن نقطع البيت ،ونرى مدى صحة ما إذا كان يقصد بهذه الالتفاتة اللغوية إقامة الوزن
ما يستنتج من التقطيع هو إقامة الوزن بلفظة :(لا تسطيع) على بحر الطويل فجاءت الأجزاء الأولى سالمة و الأجزاء الثانية مقبوضة ،كما هو مبين في الجدول أعلاه القبض:(ما سقط خامسه الساكن)[10]
 بخلاف لو استعملت كلمة(تستطيع) لاختل الميزان  الإيقاعي لبنية البيت ،ومن الشروح في جانبها الصوتي والمتعلقة بإقامة الوزن ،ما وقف عليه مثل معالجته لهذا البيت[11]:
يَنْبَاع مِنْ ذِفْرَى غَضُوبٍ جَسْرَةٍ               زَيَّافَةٍ مِثْلَ الفَنِيق المُكْدَمِ.
(أراد ينبع فأشبع الفتحة لإقامة الوزن فتولدت إشباعها ألف)،ومثله قول إبراهيم بن هرمة بن الحارث:

مِنْ حيثما سلكوا   أَدْنُو فأنظر....

يَنْبَاع مِنْ     /0 مُسْتَفْعِلُنْ           مضمر
ذِفْرَي غَضُو    /0/0//0   مُسْتَفْعِلُنْ      مضمر
بَن جَسْرَتِنْ     /0/0//0  مُسْتَفْعِلُنْ   مضمر

 أراد فانظر فأشبعت الضمة فتولدت من إشباعها واو ومثله قولنا آمين،فأشبعت الفتحة فتولدت من إشباعها ألف،يدلك عليه أنه ليس في كلام العرب اسم جاء على فاعيل،وهذه اللفظة عربية بالإجماع،فتراه يغمر هذه بالقرائن اللغوية،والأدلة الحركية من أجل مسألة صوتية ابتدر بها الشرح كانت قضية "إقامة الوزن"، ولنا أن نتأكد من صحة هذه المقولة بوسيلة التقطيع العروضي للبيت المعالج.

أما تقطيع البيت بتوظيف كلمة ينبع المشبعة الفتحة فنجد:
يَنْبَعُ مِنْ       /0///0      مُتْفعلن       مجزول
ذِفْرَى غَضُو          /0/0//0    مُسْتَفِعــــــلُنْ           مضمر
بْن جَسْرَتِنْ           /0/0//0    مُسْتَفِعــــــلُنْ         مضمر

المجزول : ما سقط رابعه بعد سكون ثانيه.[12] المطوي :ما سقط رابعه الساكن[13]. الاستنتاج بعد التقطيع أن الوزن قائم سواء كان الجزء مجزولا أم مضمرا ،ويمكن أن أدخل هذه الحالة في قولنا استقامة الوزن وخفة الإيقاع بسرعة زمن الحركات،أما الوزن فهو لا محالة قائم بكليهما، والصواب ما ذهب إليه من معنى ينباع على وزن ينفعل من البوع وهو طي المسافة، والمضمر : « ما سكن ثانيه المتحرك ». وعده صاحب العقد من الزحافات التي تطرأ على ثاني الجزء[14]
ولم يكن وحدَه معلنا عن هذه المسألة الصوتية واستعماله لمصطلح إقامة الوزن،بل شاركه في ذلك علماء كثر،وآخرون منهم ما قام به الباقلاني اثر تحليله لبعض الأبيات من معلقة امرئ القيس،وفي تعريضه بهذا البيت وتفنيده لما جاء به من معان لا فائدة فيها ولا ملاحة كما قال،ذكر عبارة (لإقامة الوزن) ذلك وهو يتقدم  بالتحليل لهذا البيت:

وَيَوْمَ دَخَلْتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ                  فَقَالَتْ لَكَ الوَيْلَاتُ إنَّك مُرْجِلـــِـــــــــي.

يقول الباقلاني قوله:((دخلت الخدر خدر عنيزة)) ذكره تكريرا لإقامة الوزن لا فائدة فيه غيره ولا ملاحة ولا رونق))[15] ،وأما الشارح فيرى أن خدر عنيزة بدل من الخدر الأول والمعنى: يوم دخلت خدر عنيزة ...وصرف عنيزة لضرورة الشعر،وهي لانصرف في غير الشعر،وذلك بالتأنيث والتعريف فكلا الرأيين صائب الباقلاني أقام الوزن بكيفية تامة وذلك  شوهد بعد تقطيع البيت على النحو التالي:

وَيَوْمَ     //0/ فعول
دَخَلْتُ لخِدْ  //0/0/0  مفاعيلن
رَخِدْرَ //0/ فعول
عُنَيْزَتِنْ   //0//0 مفاعلن
فَقَالَتْ    //0/0  فعول
لَكَ الوَيْلاَ  //0/0/0  مفاعيلن
تُإنـَّـــــــــ   //0/ فعول
كَمُرْجِلِي  //0//0 مفاعلن



         لو حذفنا اللفظة التي عدّ الباقلاني وجودها إقامة للوزن وهي كلمة الخدر المكررة لفسد نظام البيت وانهارت بنيته الشعرية،وأما ملاحظته في صرف كلمة "عنيزة"فهي الأخرى كانت صائبة فبصرفنا لهذه الكلمة أقمنا الوزن على الشكل التالي:

وَ يَوْمَ       //0/     فعول
دَخَلْتُ لْخِدْ       //0/0/0    مفاعيلن
رَخِدْرَ   //0/        فعول
عُنَيْزَتِنْ      //0//0     مفاعلن

وأما منعها من الصرف فعلى الشكل الآتي:

وَيَوْمَ     //0/     فعول
دَخَلْتُ الخِدْ       //0/0/0     مفاعيلن
رَخِدْرَ    //0/    فعول
عُنَيْزَةٍ          //0//     مَفَاعِلُ

المعروف عند العروضيين أن بحر الطويل له عروض واحدة وثلاثة أضرب [16]والعروض لا تأتي إلا مقبوضة،وعروض هذا البيت خالفت القاعدة في حالة الإتيان بصيغة المنع من الصرف ووافقت القاعدة في الحالة المعاكسة،وبصرف لفظة "عنيزة" تم المراد وصحت القاعدة وأقيم الوزن.
استقامة الوزن:
واستعمالي لهذا المصطلح في المسائل الإيقاعية أخذ معناه من الكلمة نفسها استقام أي وكأن به اعوجاجا نريد إصلاحه وذلك بالزيادة أو النقصان أوفك إدغام أو بتحريك ساكن أو بإسكان متحرك ليستقيم الوزن ويعتدل ويستوي، ذلك ما كان يقف الشارح عنده في معالجته لبعض الأبيات وهو يستعمل المصطلح نفسه(استقامة الوزن) ومنها قول الشاعر:
إِذَا نَحْنُ قُلْنَا أَسْمِعِينَا انْبَرَتْ لَناَ     عَلَى رِسْلِهَا مَطْرُوقَة لَمْ تَشَدَّدِ.

وقال طرفة أيضا:
سَتُبْدِي لـَكَ الأَيَامُ مَا كُـنْتَ جَاهِلاً    وَيَأتِيكَ بالأَخْبَاِر مَنْ لَمْ تُزَوّدِ.

وقال زهير بن أبي سلمى:     
أَمِنَ أَمّْ أَوْفىَ دِمْنَة لَمْ تَكَلــَّـــــــــــمِ      بِحَومَانَة الدُّراج فالمُتَثــلِـــــــــــــــــــم.
      يريد لا تتشدد في شرحه للبيت الأول من هذه المجموعة وبالضبط في تحليله لكلمة "لم تشدد"فحذف إحدى التاءين استثقالا لهما في صدر الكلمة ومثله تنزل الملائكة،ونارا تلظى وأنت عنه تلهى، وما أشبه ذلك،هذا رأي بعد تقطيع البيت:تبين أن البيت من بحر الطويل ذي الضرب المقبوض.
عَلَى رِسْلها  مطروقة لم تشدد //0/0 //0 /0/0 فعولن مفاعيلن   
//0 /0 //0//0     فعولن   مفاعلن

         كما ذكرنا سابقا فبحر الطويل له ثلاثة أضرب،سالم،مقبوض،محذوف،لا غير أما إذا أظهرنا التاء فسنحصل على تفعيلة لبحر آخر وهو بحر الكامل وهي متفاعلن في ضرب هذا البيت وحجتنا في عدم إظهار التاء في "تشدد" لاستقامة الوزن واستوائه على القاعدة المعروفة وذلك ما وجدناه واقعا في عدم الإظهار، وأما البيت الذي جاء بعده فلم يشر فيه إلى مسألة الاستقامة بل أبدى خفيا من البيت نفسه في شرحه له بقوله وسينقل لك الأخبار من لم تزود، فتجلت تلك الهاء الغائبة في النص إلى الوجود في الشرح والتحليل،وهنا عندنا مسألتان أحدهما سبب عدم إظهار المفعول به "الهاء" وثانيهما تحريك حرف "الدال" رغم أن الفعل مجزوم لمجيء  (لمْ) قبله.
    تبين بعد التقطيع العروضي مع إبقاء "الهاء" أن الوزن مستقيم بوجودها،وجاء الضرب سالما لكن الباعث في إخفائه ربما المحافظة على حرف الروي الباني للقصيدة وهو حرف الدال،وأما تحريكه فان القافية غير مقيدة:

وَيَأْتِـيـــــــــــــــــــ كَبالأخْبَا //0/0 //0/0/0  فعولن مفاعيلن     سالــــــم  سالــــــــــم
رمِنْلمْ تزَوْوِدْهُو.    //0/0 //0/0/0   فعولن مفاعيلــــــــــن       سالــــم   سالـــــــــم  

 يصدع الشارح بالأمر في البيت الثالث صراحة ويتبنى الفكرة علانية بقوله"ليستقيم الوزن"وهو يحلل قول الشاعر:"لم تكلم" جزم بلم ثم حرك الميم بالكسرة لأن الساكن إذا حرك كان الأحرى تحريكه بالكسر ولم يكن بد ههنا من تحريكه-ليستقيم الوزن-ويثبت السجع ثم أشبعت الكسرة بالإطلاق لأن القصيدة مطلقة القوافي.
وقد أضاف الزوزني لعملية اعتدال الوزن واستوائه قضية صوتية أخرى في قوله:-ويثبت السجع- والسجع:الكلام المقفى غير الموزون[17]جمع أسجاع وسجوع،هكذا عهدناه لا يتردد في الكشف عن القضايا الصوتية في اللفظ أو المعنى أو هما معاً.

إثبات القافية:
      تعرض أبو عبد الله   لمسألة إثبات القافية،موضحا ما كان من بابها في تفسيره ومعالجته لقول طرفة بن العبد حيث يقول:

فَمَالِي أرَانِي وابْنَ عَمِّي مَالِـكًــــــــــــــــا                   مَتَى أَدْنُ مِنْهُ يَنْأ عني ويَبْعُــــــــــــدِ.

الشرح: النأي والبعد واحد فجمع بينهما للتأكيد واثبات القافية كقول الشاعر:  وهندٌ أتَى منْ دونِها النّأْيُ والبُعْدُ... لم يشر الشارح إلى مسألة وهي الحركة التي تحلت بها كلمة"يبعد" الشيء الوارد أنها تأتي مجزومة بالعطف على الفعل "ينأ"المجزوم بحذف الألف المقصورة لأنها وقعت في جواب الشرط فجزمت بالأداة "متى"وفعل الشرط"أدنو" علامة جزمه حذف الواو ولما كانت لفظة"يبعد" معطوفة على المجزوم صارت مجزومة بالضرورة.
لكنها حركت بالكسر لاجتناب الإقواء، والقافية مطلقة فحقها الإطلاق، وعلامة السكون إذا حركت كان أولى بها التحريك بالكسر كما قيل سابقا،وقد أشار ابن سلام الجمحي( 232ه):( ومن العيوب الفنية في الشعر التي تشير إليها كتب الطبقات:الإقواء وهو اختلاف الإعراب في القوافي حين يرفع الشاعر قافيته وينصب أخرى، وقد أطلق عليه بعضهم الإكفاء)[18]
تنبه ابن سلام من منطق الحرص على الناحية الموسيقية في الشعر لإقواء النابغة في شعره فإن ما تعرض له ابن سلام من عيوب القافية وصفها بالعيب الفني لخير دليل على انتهاجهم للطرائق النسقية في معالجتهم للنصوص الشعرية ،آنئذ.

وقد تحدث قبل هذا عن إقامة القافية وإثباتها في قول الملك الضليل في هذا البيت:

كَأَنَّ دِمَاءَ الهَادِيَاتِ بنَحْـــــــــــــرِهِ                         عُصَارَةُ حِنَّاءٍ بشيب مُرَجَّلِ.

    وهو يقول : وأتى بالمرجل لإقامة القافية وتفاديا للإقواء الذي يعد عيبا من عيوب القافية ملتمسا ذريعة للابتعاد عن هذا النقص الذي وقع فيه الشاعر في قوله:  كَأَنَّ ثَبيرًا فِي عَرَانِين وَبْلِــــــــــــه                     كَبِيرُ أُنَاسٍ فِي بجَادٍ مُزَمَّـــــــــــلِ.
ألا ترى أن "مزمل" صفة لكلمة "كبير" والصفة تتبع الموصوف في الإعراب والصواب"كبيرٌ مزملٌ"وبرر المخالفة بما يلي: وجر مزملا على جوار بجاد و إلا فالقياس يقتضي رفعه لأنه وصف"كبيرأناس" ثم دعم رأيه بأمثلة من هذا النوع ليسلم الشاعر من الإقواء الذي وقع فيه.

خفة الإيقاع:

الإيقاع فهو الجرْس الموسيقي، وحركة الأصوات الداخلية الناتجة عن النبر الخاص  بالمقاطع الصوتية للكلمات...بل هو الروح التي يحملها ذلك الهيكل.[19]
    أيْ:خفة النغمة، وسلاسة يحسها السامع في جرس الكلام وأصواته ومنه صوت موقّع والعرب كانوا يعرفون أن شعرهم موزون ولكن لم يعلموا ما لذلك من الصلة بالإيقاع(فالعرب على عهد الخليل كانوا قاصرين ومقصرين في ميدان الموسيقى لم يعرفوا  عنها إلا النزر اليسير الذي لا يفي بالحاجة)[20]

فالإيقاع فن له مقوماته التي يرتكز عليها وتخول له الخطوة بمكانته داخل النسيج المعماري للقصيدة العربية و بالخصوص الشعر العمودي. 
      نبه السعيد الورتي إلى ذلك بوصفه إيقاعا فنيا: (يتكون مما يمكن أن نسميه بالإيقاع الداخلي المؤكد للحركة ، ومن النغم الخارجي ومن التتابع اللفظي)[21] ، وإذا لم يصرح في شرحه بمفهوم الإيقاع وعدها وسيلة موسيقية وأداة صوتية تفطن لها ذوو الحس المرهف من علماء العرب المسلمين، وفي ذلك يقول كمال النجمي (وهم يعرفون أيضا الفارابي الذي كتب عن تأليف الموسيقي...وشرح معناه وعناصره وما يحتويه من تركيب وتضعيف في الأنغام والإيقاعات وغيرها)[22]،ونظيره من التراكيب والقلب والتضعيف واختلاف اللهجات أو الحروف نبه إليه الشارح في تحليله لهذه الأبيات :[23]
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّا تَمَطَّى بصُلبه                        وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَ نَاءَ بكَلكَلِ.

وقول طرفة بن العبد :
أَمُون كَأَلْوَاحِ الإرَان نَصَأْتُهَــــــــــــا                       عَلَى لَاحِبٍ كَأَنَهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ.

وقول زهير بن أبي سُلمى :
وَمَنْ يك ذا فَضْلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِه                  عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْن عَنْهُ ويذمم.

       ويتصدى في بيت الملك الضليل لمفردة "تمطى" على الطريقة الموالية:تمطى أي تمدد، ويجوز أن يكون التمطي مأخوذا من المطا وهو الظهر فيكون التمطي مد الظهر ويجوز أن يكون منقولا من التمطط فقلبت إحدى الطاءين ياء كما قالوا تظنى تظنيا والأصل تظنن تظننا وقالوا تقضى البازي تقضيا أي تقضض تقضضا ، والتمطط التفعل من المط وهو المد. وفي المعجم الوسيط:تقضى تقضيا [24]بإبدال الضاد الثالثة ياء استثقالا لاجمتاع الأمثال فكذلك الأمر في كلمة تمطى حدث استثقال لاجتماع الأمثال أي "الطاء" مرتين ، فقلبت ياء لتفادي الاستثقال وجلب الخفة التي تسمح بنغمة سريعة تطرب الآذان بخلاف الثقل الناجم عن توالي الأمثال وتأثيره سلبا في خفة الإيقاع في بنية البيت.ويرى رمزي محمد أن الحديث عن الجانب الإيقاعي يندرج ضمن الحديث عن السياق... وهو توازن يدعو بدوره إلى مراعاة العلاقة بين اللفظ والمعنى[25]
حيث تعرض في قول طرفة بن العبد لكلمة "نصأتها" بالصاد زجرتها، ونسأتها بالسين أي ضربتها بالمنسأة وهي العصا  هذه مسألة صوتية كان الشارح يعالجها مرتبطة بالإيقاع الموسيقي فتنبه الشارح لما أحدثه التغيير الحرفي من المعاني ،لكن سكت عن الجرس الإيقاعي وما تضمنه كل حرف من صفات يوافق الموقف الشعري ويخالفه فالصاد مثلا :انمازت بالإطباق أي اللسان يتقعر مع هذه الكيفية الجديدة ، ومن نتيجة التقعر : تفخيم الصوت ويعدون "السين" من الأصوات المفتوحة.
      وكذلك الصاد من الحروف المستعلية فالاختلاف في المعنى أولا ثم في الصورة النطقية ثانيا ،ذلك ما يجعل الإيقاع مع "السين" أسرع وأخف من النغمة الحاصلة مع نطق "الصاد" في البيت المذكور.
وقد تناول الشارح قضية صرفية في بيت زهير ،وهي إيقاعية أيضا وساعدت هي الأخرى على خفة الإيقاع بالبيت المذكور، وهي مسألة التضعيف، وفيها يقول عبده الراجحي:( يجوز فيه الإدغام والفك إذا أسند إلى اسم ظاهر أو مستتر وكان مجزوما فنقول لم يمر محمد ،ولم يمرر محمد ،ولم يمرّ، ولم يمرر)[26].
 يقول الشارح في هذا الشأن: فأظهر التضعيف على لغة أهل الحجاز،لأن لغتهم إظهار التضعيف في محل الجزم والبناء على الوقف.
نجيء على نهاية هذا المبحث بهذه المسألة الإيقاعية التي تتبعنا أجزاءها وعناصرها البنائية في شرح الزوزني للقصائد السبع

خـــاتمة  : 
إن الاستقراء الاستقصائي لعملية الوظيفة الصوتية في شرح الزوزني للمعلقات السبع ،  تنوعت ضروبها ، وتشظّت فروعها، فأوقفنا الاصطفاء على جزء نزر منها ، في منظومها الشعري ، لمضامين المذهبات ،  من خلال المعاني الدلالية ، والألفاظ المعجمية ، واتساقاتها في ضميمة النصوص الشعرية.
وهنا نتوصل الى حقيقة ثابتة اعترف بها واقع الحال ، بتوالي السنين، وتداعيات الأيام، أن حاسة السمع أداة لالتقاط الصوت جميله ،وهجينه، حسنه ورديئه، لذا فإن الإنسان مطالب  بالإكثار من السمع والإنصات ،أكثر مما يتكلم ، وكانت حاسة التصنت والاستماع لدى الناقد الفذ الزوزني  ابن الحسين تقنية بحثية  امتاز بها ، جعلته يقف على ما نحن بصدده من التنقيب في مضمار هذه النتائج للدراسة الصوتية، حيث صنفها في رواق  الموازين العروضية ، بوصفها أصواتا اندرجت في تنظير علمية  امتازت بموضوعية ، دِقةً، فأعطى الشارح لكل ضرب منها نعتا، تخلل شروحه للسبع الطوال ،فمرة نعتها بخفة الوزن ،وأخر بإقامة القافية أو استقامتها ،ومرات أخرى قرر أبو عبد الله  تسمية العملية :إثبات القافية ،مثل  ما جاء في شرحه  لقول طرفة
فمالي أراني وابن عمي مالكا                     متى أدن منه ينأ عني و ويبعد .
وما الترادف الحاصل بين اللفظتين –النأي،البعد إلا واحدا لولا مقصدية الإثبات التي تحدث عنها .
ثم إن الزوزني يردف قضية تعلقت بالجانب الصوتي مشيرا فيها إلى خفة الإيقاع.
ولم يقف الزوزني عند هذا  الحد بل تطرق إلى وسائل متعددة تروم الحقل الصوتي في جوانب مختلفة ،منها دلالة الصفة بدلالة الصوت ،وكذا عملية الترخيم التي تخللت شروحها للمعلقات وأنواع أخرى يقصر المقال عن ذكرها بحجمه وزمانه تبقى مثار بحث لاحق للإثراء و الاستزادة للكشف عن أغوارها والوصول إلى كنهها ومظانها في اتجاهات صوتية غائرة في تراثنا العربي التليد .

قائمة المصادر والمراجع
1.    أحمد بن فارس ، معجم المقياس في اللغة شهاب الدين أبي عمرو ، دار الفكر ،لبنان ( د ت) .
2.     احمد بن محمد بن عبد ربه (328ه) ، العقد الفريد ، مج 3 ، ت ، محمد سعيد العريان ، دار الفكر لبنان ، ط 1
3.    ، أحمد العياشي ، إيقاع الشعر العربي ، مطبوعات الإسكندرية ، مصر ، د ط ، 1973
4.    جعفر يايوش ،الدرس الصوتي عند الخليل مجلة الآداب العدد الثاني، جامعة قسنطينة،1995 الطبعة 1 .
 5. جهاد المجالي ،طبقات الشعراء في النقد الأدبي عند العرب ،دار الجيل بيروت،لبنان ،ط1، 1992
6-الخطيب التبريري (502) حققه الحسان حسن عبد الله ، كتاب الكافي في العروض والقوافي ، الناشر ، مكتبة الخانجي بالقاهرة مصر )طــــــ3 ( ، 1994 .
7- الزوزني ،شرح المعلقات السبع ،  بيروت ، لبنان ، سنة1969
8-المصدر السابق.
9-شوقي ضيف، النقد الأدبي،دار المعارف،القاهرة،مصر،ط5، 1977.
10-ماهر مهدي هلال ، رؤى بلاغية في النقد والأسلوبية ، المكتبة الجامعية ، الإسكندرية مصر 2006.
11-عزا لدين منصور دراسات نقدية ونماذج حول بعض قضايا الشعر المعاصر مؤسسة المعارف بيروت لبنان
12- عبدا لقادر هني ، نظرية الإبداع في النقد العربي القديم ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر،(د ط) 1999
13-الفيروز آبادي محمد بن يعقوب (ت 817هـ ) ، القاموس المحيط ، دار الفكر ، بيروت (د ط ) 1995  ..
14-يُنْظَرُ : إحسان عباس ،تاريخ النقد الأدبي عند العرب ،دار الثقافة بيروت ،لبنان ،ط5، 1986، 352.
15-المعجم الوسيط، - مصطفى إبراهيم وآخرون.المكتبة الإسلامية، إسطنبول ، تركيا.
16-السعيد الورتي ،لغة الشعر العربي الحديث ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان ،ط 3، 1984 .
17-كمال النجمي ،التكوين الفني للموسيقى العربية ،مجلة العربي ، الكويت ، العدد 313 ،1984 .
18-زمري محمد ، مجلة الأثر ، جامعة ورقلة ، الجزائر ، العدد الثالث ، 2004 .
19-عبده ألراجحي ،التطبيق الصرفي ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان ،(د ط) ،1979 .

1.      أحمد بن فارس، معجم المقاييس في اللغة شهاب الدين أبي عمرو ، دار الفكر ،لبنان ( د ت) ص 580
2.      عزالدين منصور دراسات نقدية ونماذج حول بعض قضايا الشعر المعاصر مؤسسة المعارف بيروت لبنان ، الطبعة 1  1985،ص 19
3.      الخطيب التبريري (502) حققه الحسان حسن عبد الله ، كتاب الكافي في العروض والقوافي ، الناشر ، مكتبة الخانجي بالقاهرة مصر )طــــــ (3 ، 1994 ص  77.
4.      ينظر سعد الدين كليب ، النقد الأبي الحديث مناهجه وقضاياه ، مرجع سابق ص 57.
5.      شوقي ضيف،في النقد الأدبي،دار المعارف،القاهرة،مصر،ط5، 1977،ص101.
6.      ماهر مهدي هلال، رؤى بلاغية في النقد والأسلوبية، المكتبة الجامعية، الإسكندرية مصر 2006 ص184.
7.      عبدالقادر هتي ، نظرية الإبداع في النقد العربي القديم ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر،(د ط) 1999 ص57 1
8.      الفيروز آبادي محمد بن يعقوب (ت 817هـ ) ، القاموس المحيط ، دار الفكر ، بيروت (د ط ) 1995  ص1109.
9.      الزوزوني ،شرح المعلقات السبع ،مصدر سابق ،ص138.
10.  الخطيب التبريري (502ه) ،الكافي في العروض والقوافي ،مصدر سابق ،ص143.
11.  الزوزوني ،شرح المعلقات السبع ،مصدر سابق ،ص287.
12.  الخطيب التبريري ،كتاب الكافي العروض والقوافي ،مصدر سابق ،ص64.
13.  الزوزوني ،شرح المعلقات السبع ، مصدر سابق ،ص144.
14.  احمد بن محمد بن عبد ربه (328ه) ، العقد الفريد ، مج 3 ، ت ، محمد سعيد العريان ، دار الفكر لبنان ، ط 1 ، 2008 ،ص1365
15.  انظر إحسان عباس ،تاريخ النقد الأدبي عند العرب ،دار الثقافة بيروت ،لبنان ،ط5، 1986، 352.
16.  االخطيب التبريري   -16
17.  لتبريزي، كتاب الكافي في العروض والقوافي،مصدر سابق ،ص22-17
18.  جهاد المجالي ،طبقات الشعراء في النقد الأدبي عند العرب ،دار الجيل بيروت،لبنان ،ط1، 1992 ،ص205.
19.  جعفر يايوش ،الدرس الصوتي عند الخليل مجلة الآداب العدد الثاني، جامعة قسنطينة،199519
20.  حمد العياشي ، ايقاع الشعر العربي ، مطبوعات الاسكندرية ، مصر ، د ط ، 1973 ، ص 40
21.       السعيد الورتي ،لغة الشعر العربي الحديث ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان ،ط 3، 1984 ،ص159.
22.  كمال النجمي ،التكوين الفني للموسيقى العربية ،مجلة العربي ، الكويت ، العدد 313 ،1984 ، ص14.
23.  الزوزني ،شرح المعلقات ، مصدر سابق ،ص 85-119-183.
24.       المعجم الوسيط ، مرجع سابق ، ص 742
25.              المعجم الوسيط ، مرجع سابق ، ص 742
26.  عبده الراجحي ،التطبيق الصرفي ،دار النهضة العربية ،بيروت ،لبنان ،(د ط) ،1979 ،ص 49.