هل من هُويّة للخطاب في الرواية المغاربيّة ؟ ـ عبد الباقي جريدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse22052يحمل البحث المقترح عنوان ( هل من هويّة  للخطاب في الرواية المغاربية ؟ ). وهو عنوان يثير من الاشكاليات ما لا يُحصى ولا يعدّ من ذلك مصطلح  الخطاب وتشعب مباحثه اللّغوية والأسلوبية وارتباطه بمجالات مختلفة ومعارف متنوعة ،كما لا يرتبط هذا الاشكال بمصطلح الخطاب بل يحضرُ كذلك وربما بشكل أكثر وضوحا وقوة في مصطلح   " الهوية " ، وهو من المصطلحات الفلسفية بالأساس والتي ارتبطت بجملة من الأفكار والقضايا والرّؤى، وقد خاض فيها الفلاسفة بدءا بأرسطو وأفلاطون ومرورا بدافيد هيوم وديكارت وصولا إلى سبينوزا وداريدا وقادمير و غيرهم  بل نكاد نجزم أن موضوع الهوية من المواضيع التي قلّ وندر أن نجد باحثا أو فيلسوفا لم  يدل فيها بدلو .
كما لا يخلو الحديث عن الهوية من الوقوع في تعميم وتجريد فعادة ما تستدعي مثل هذه المقُولات مقولات متشابهة مثل الذاكرة والقومية والتراث والخصوصية والكونية " وهي مقولات لا تأخذ بالاعتبار التحولات العميقة التي اخترقت مجتمعاتنا منذ بدايات النهضة واطراد المثاقفة " [1].
ولا يقتصر سؤال الهوية على المجال الفلسفي فحسب بل نجده موزعا بين علوم شتى بدءا بالعلوم الطبيعية والدراسات الأنثروبولوجية التي ترتبط بعلم " الإناسة " وكلّ الأنساق الثقافية من عادات وتقاليد وغناء ورقص وسينما وغيرها ، حيث يتسم موضوع الهوية بالتشعب والتفصيل وهو ما يمكن أن يربك عملية البحث ويضعنا أمام طريق متشعبة محفوفة بالمخاطر.


ويرتبط موضوع الهوية بمفاهيم كثيرة تبدو على درجة كبيرة من التعميم والتجريد من ذلك التراث ، الأصالة ، المعاصرة ، الذات ، الشخص، الذاكرة الانتماء ، الحداثة.... وما يمكن أن تطرحه هذه المفاهيم من ضبابية   و تحديات تمسّ من هذا المفهوم وتضعنا أمام سؤال ظلّ منذ عقود يحُرك السّواكن ويُسيل من الحبر الكثير دون الوُصُول إلى نتائج مُثمرة. فهل نأخذ بأسباب الحضارة الغربية ونتخلّص من هوية مُعيقة وكابحة  تمنعنا من اللّحاق بالركب الغربي فنكون كما قال طه حسين " غربيين في كلّ شيء قابلين في ذلك من حسنات وسيئات " أونتشبّثُ بهويتنا باعتبارها الثابت والدّائم فتكُون درعًا واقيا من الانحلال والاغتراب والتّفسخ، فبعض الأنساق والتّصورات ترى هويتنا في الماضي وليست في المستقبل وهو ما يجعل التاريخ يرتدّ بنا إلى لحظات الماضي المشرق لتطرح مسألة الهوية الاسلامية ويحضر من جديد مفهوم  الخلافة والماضي الذهبي " ولن يفلح أمر  هذه الأمة إلا بما صلح به أولها " وغيرها من المقولات ،هذا بالإضافة إلى الهوية العربية ومشروع الوحدة  على أساس الهوية العرقية المحققة للقوة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ما جسدته من تجارب سياسية على أرض الواقع السياسي العربي مثل التجربة الناصرية والوحدة بين مصر وسوريا منذ عقود ليست بالبعيدة . وهو ما جعل  مأزق الهوية مأزقا عصيّا على الحلّ بل هناك من يعتبر الهوية وهما وزيفا سرابا خلبا يحسبه الظمآن ماء فلا يمكن الحديث عن الهوية بمعزل عن الآخر أو عن الغيرية ذلك أن تحقق الوجود الذّاتي إنما ينبعُ من إحساس الآخرين بوجودنا ومن إحساسنا بوجود الآخر فالإنسان موجود بغيره ومنفتح على ما ليس منه" وفي هذه الحالة تصبحُ هوية الشيء واحدة لا بمعنى التجانس والانغلاق،بل بخرقها غيرها وتصبحُ بفعل ذلك حاملة للغير كمكوّن لها " [2]  .

 ولا يرتبط مفهوم الهوية بالقضايا الكبرى أو المسائل والمفاهيم المجردة بل نجده يرتبط كذلك  بالتّفاصيل اليوميّة من ملابس وطريقة عيش ووسائل اتّصال وغيرها إذ يتحقّقُ المفهوم في أبسط مظاهر العيش فنحنُ نعيش تداخل هويات حتى  في ملابسنا وأجسادنا  " على الرأس قبعة ملفوفة بعمامة . وعلى الجسم قميص ورابطة عنق تعلوها لحية مسترسلة وبذلة عليها دشداشة .وفي الرجلين جوارب عليها خفّ عربي ، أو حذاء رياضي بلا جوارب .أو سروال دجينس وقميص قصير الكمين يغطيهما حجاب أسود من قنة الرأس إلى أخمص القدمين .الجبة للصلاة يوم الجمعة ، والبذلة والسبحة في اليد ، للبار يوم السبت ؟ خليط عجيب من العناصر والمكونات والرؤى والتصورات والأوهام والأحلام "  [3] هذا السؤال المتاهة الذي يطرحه يقطين يُحيلُ على هذه الفسيفسائية المربكة ولا يزيدنا سوى المزيد من الحذر من أجل  التصدي لمثل هذه التساؤلات .

 ولعلّ الهوية تكمن في هذا الخليط  والقدرة على التكيف والاستمرار لمواجهة تمزقات الذات وتشعب مصادر التكوين وسرعة المتغيرات في ظل صراعات عرقية ومذهبية تعصف بكل ما هو جميل وشيق .
هل يمكن أن يؤدي البحث في الهوية في الرواية إلى نتائج ترتبط بهوية الرواية المغاربية  أم أنّ هذه الملامح لا تكفي للوصول إلى نمط مخصوص من الكتابة لا يمكن أن يجعل لهذه الرُّقعة الجغرافية  خصوصية روائية مميزة بل هي مجرد تفريع عن أصول عامة فلا هوية ولا خصوصية للرواية المغاربية بل هي الرواية  العربية عموما ومن الشّطط الحديث عن حضور مستقل للرواية المغاربية .
غير أن المتأمل في الأعمال المغاربية ومن خلال دراستنا لنماذج مُحدّدة يمكن أن نجد فوارق وملامح مميزة و فوارق ونقاط اختلاف فالمسألة لا تقتصر  على النظر في " الوُجود الذاتي " الهوية في الرواية بتعبير يقطين بل يتعدى ذلك إلى هوية الرواية  " الوجود الموضوعي " بمعنى البحث في كيفية تشكُّل خطاب الهويّة في الرّواية المغاربية بدءا بالعتبات والنُّصوص الموازية ثم البحث في النّص المحايث بالوقوف على كيفية حضور خطاب الهوية في النص السردي من أفعال وشخصيّات وفضاءات ورؤى تؤسس لخطاب الهوية وتسم النصّ بفرادة وتميز تجعل من الهوية الخيط الناظم الذي يشدّ أشتات النص ، خاصة وأن  سؤال الهوية يزداد إلحاحا وضراوة مع بروز تيارات دينية متشددة تحتكر مسألة الهوية والانتماء وتختزل الحقيقة في مجموعة من المقولات وتعتبر الهوية في العودة الصريحة إلى الماضي بحذافره دون الانتباه إلى متغيرات الحياة بل تختزل الهوية في قراءة أحادية للنص الديني،  هذا بالإضافة الى الصراع القائم في العالم اليوم  ( 2017) والذي لا يخلو من صراعات هويات يحيلنا إلى كتاب لأمين معلوف الهويات القاتلة [4]  في استعادة واضحة لسوء استخدام مفهوم الهوية  في التجربة اللبنانية حيث وُظّف مفهوم الهوية والانتماء من أجل القتل والدمار وتحولت بمقتضاه الهوية إلى وحش قاتل حولها التعصب والحقد إلى آلة دمار وتخريب.  " فعادة ما يرتبط مفهوم الهوية بالوحدة والقوة والنقاء والأصالة والجذور وهو ما انعكس على البعد الفكري والديني والسياسي ثمّ الاجتماعي "‘إنّ تفكير الهوية بالواحد وبضرورة سيادته داخل حقل الفكر لم يكن منفصلا في تفكير الهوية بالمنطلق نفسه داخل الحقل السياسي والمجتمعي .وتاريخ المجتمعات العربية الحديث والقريب جدّا ...  " [5] و فكثيرا ما خيضت حروب باسم الهوية ونشأت صراعات مذهبية مقيتة أشعلت الأخضر واليابس.
ننهي هذا  المدخل  بمجموعة من الأسئلة التي تفتح على امكانات متعدّدة للفهم تزيدنا إصرار على السؤال أو بالأحرى التُّسآل بشدّ حرف التاء  لأنّه حركة لا تهدأ مستمرة بعيدة عن الاستكانة والرّكون .
كيف حوّل الرّوائيون المغاربة  مفهوم الهوية  إلى نصّ روائيّ ؟ وكيف كتبت الهوية ضمن جنس أدبيِّ مخصُوصٍ هو الرّواية ؟ وما هي الخصائصُ الفنّية المُميزة لكتابة الهوية أو هوية الكتابة في الرواية المغاربية  ؟ وإلى أيِّ حدّ يُمكن الرّكون و الاطمئنان إلى مفهوم الهوية ؟ وهل يمكن الحديث عن الهوية بمعزل عن الغيرية  ؟. هل الهوية إقصاء وعزلة وجمود أم هي تفاعل وحوارية وانفتاح ؟ هل يمكن الحديث عن هوية ذاتية للرواية المغاربية ؟ ومالذي يميزها عن بقية الروايات العربية ؟

[1]  : محمد برادة الرواية ذاكرة مفتوحة، القاهرة ، جمهورية مصر العربية  آفاق للنشر والتوزيع   2008ص 38
[2] نور الدين الزاهي الهوية بين المضمر والواحد  مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 98-99ص 24 ،
[3] : سعيد يقطين قضايا الرواية العربية الجديدة ، الرباط  ، دار الأمان ، الجزائر ، منشورات الاختلاف ، بيروت ، الدار العربية للكتاب  ، 2012 ص10.
 [4]: malouf  (Amine) ; Les identités meurtrières ;France ; Editions Grasset & Fasquelle, 1998..
[5]   : نور الدين الزاهي الهوية بين المضمر والواحد  مجلة الفكر العربي المعاصر.