مناخات القمع في مجموعة "فحيح حواء لحسين لحفاوي: أقصوصة "الصمت" أنموذجا - بوعزة رياحي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

 مدخل:
      تأخذنا أقصوصة الصمت عبر مناخات وحشية القمع وجحيميته إلى مرجعيات نصية ضاربة عميقا في وجدان القارئ العربي، مخترقة بقوة نص الأقصوصة آخذة بتلابيبها نحو إحالات شتى وأجناس كتابية متنوعة منها الشعري ومنها القصصي على غرار روايات "اللص والكلاب" و"الشحاذ" لنجيب محفوظ، و"شرق المتوسط" و"الآن هنا" لعبد الرحمان منيف، وأقاصيص زكريا تامر ومحمد الماغوط... أما من النصوص الشعرية فيمكن أن نذكر على وجه الخصوص أشعار مظفر النواب. وهي نصوص تظل مهما سعى النص المبدع إلى طمس معالمها تطل لمحا من وراء الغيب فاتحة أرشيف الكتابة كاشفة كواليسها. وهي ملامح تشمل مختلف العناصر القصصية. ونعني بها أبنية السرد والزّمان والمكان والشخصيات. وحسبنا التأنّي لدى هذه الأبنية للوقوف على ملامح تلك المناخات وسبل صياغتها، غير أن ولوج النص يلبث رهين التوقف عند عتباته .
1- في عتبات النص:
     نقف في هذا النص على عتبتين اثنتين هما العنوان والتصدير.
1-1- عتبة العنوان: الصمت

       اختار القاصّ الصمت عنوانا لنصّه، والصمت لغة وموقف شأنه شأن الكلام، لكنه يلبث لغة مخصوصة تنأى بقوانينها عن لغة الكلام (وربما عن لغوه خاصة)، وتستحيل حسب ما يخبرنا به المتن القصصي قلعة ممانعة ومقاومة يتحصن بها السّجين أمام سجّانيه، مختزلة بذلك جماع العالم القصصي الذي يتجه فيه الإنسان نحو التوجّس والاحتماء بالسّرّيّة، بما يجعله عالما يساوي الكلامُ فيه الموتَ. وتلك مفارقة أساسية يقوم عليها نظام الأقصوصة من حيث أن الصمت يلبث البؤرة الحدثية المركزية فيها. وهي مفارقة لا نجد لها من مسوّغ سوى ورودها في سياق عالم القمع والرّعب، وما يحفل به من لا معقولية لا تصنع إلا المتنافرات. فالجمع بين السجين والمحقق لم ينتج حوارا كما كان مفترضا، وإنما يستمر الصمت من قبل السّجين الذي بدل أن ينخرط في حوار مع المحقق - كما تهيء لذلك الأقصوصة على سبيل الإيهام - يغرق في حوار صامت مع الذات مضاعفا بذلك من وجودها. فإذا التعبير بالصمت لا بالكلام هو الذي يمثل جوهر الإرادة الإنسانية في أقوى تجلّياتها في مواجهة الموت لدفعه أو لتأجيله  وذلك مدار دلالة عتبة التصدير في الأقصوصة.
1-2- عتبة التصدير: "الجبناء يموتون عدة مرات قبل أن يدركهم الموت" (شكسبير)
      ترحل بنا عتبة التصدير عبر عبارة شكسبير هذه إلى فن المسرح لا من خلال الحضور الرمزي القوي للعَلَم (شكسبير) فحسب، وإنما أيضا من خلال حضور الشكل المسرحي في المتن القصصي بفضائه وديكوره وحركات شخصياته وهيآتها، وبوجه خاص من خلال درامية حواره. ونعني به جدل الكلام والصمت والوعي العميق  بالبعد التمثيلي. إذ يغيّر المحقق أقنعته في تلك الجلسة مرارا، بينما يستمر السجين في تمثيل دور الأبكم متحديا سلطة المحقق كاسرا بصمته إرادته. ومن ثمّ يأتي معنى الجبن الذي يغدو في نص التصدير صنوا للموت، بل لتكراره بلا هوادة. وذلك على سبيل الشجب والاستهجان، مقابل الإشادة بقوّة الإرادة لا سيما أن أعمال شكسبير "تسرف في إظهار...المثاليّ من المواقف" . فلعله لذلك يعلّق المسرح بالوظيفية التوعوية (أعطني مسرحا أعطك شعبا عظيما).
      تغدو العتبات النصية من المداخل الضرورية لما تنهض به من كشف استباقي لمكامن العمل الأدبي الجمالية والدلالية بما ترسمه من آفاق انتظار قد يعمل المتن القصصي على بنائها أو على تقويضها، بما يجعل تلك العتبات جزءا من أدبية النص باشتغالها تفاعليا مع سائر العناصر والأبنية.
2- الشكل البنائي للسرد:
لعل اللافت في هذا البناء ما اتسم به من شكل دائري. إذ ينفتح النص حدثيا بخروج السجين من زنزانته نحو مكتب المحقق وينغلق بإعلان عودته إليها ثانية، في إيحاء بتواصل فعل القمع وانسداد الآفاق أمام التحرّر والتغيير، مشكّلا بذلك النواة الدلالية المركزية للنص برمته. غير أن هذا البناء يلبث فضاء مخترقا من جوانب مختلفة تمثل سلسلة انفتاحات في جسد هذه البنية الدائرية المغلقة، فاتحة فيها كوى استباقا واسترجاعا وتخيّلا وافتراضا. ويمكن أن نضيف إلى هذه الاختراقات جميعا الاختراق التناصّي. وهي سلسلة اختراقات فرضتها هيمنة الحوار الباطني في ظل انعدام التواصل بين السجين والمحقق.
2-1- الاختراق الاسترجاعي (Analepse):
    يسترجع السارد ردهات من حياة التهميش التي عاشها السجين قبل دخوله السجن موظفا السرد المؤلف (Récit Itératif) عند الإجمال على غرار قوله "ظل لسنوات يجدّف في بحيرات الوهم" ، أما عند التفصيل فيلجأ إلى السرد المفرد (singulatif Récit)، لا سيما خلال استحضار ليلة فراره من السجن والقبض عليه ثانية: "مع انبلاج فجر تلك الليلة وصل المخيّم...تسلل بين الأكواخ المتداعية...حتى وصل إلى الكوخ الذي آواه وإخوته ردحا من الزمن. وما إن داعب النعاس جفونه حتى أزّ الرصاص من كلّ الجهات واحتكت عجلات العربات العسكرية بالإسفلت في عنف وقسوة" . إذ تنهض تقنية الاسترجاع بإنارة ما بقي معتما من ماضي الشخصية لتفسير حقيقة وضعها الرّاهن، من خلال سرد ارتدادي يكسر أعنة السرد المنساب ويقوّض خطّيّته، إذ يرتد عن تلك اللحظة التي بلغها السرد للضرب في ماضي الشخصية للتأشير على أن قمع الحاضر له امتداداته في الزمن الماضي، مشكلا بذلك ما تعيشه من حالة نفسية جعلتها بحكم "عنف الأحداث المستعادة"  تسوي من خلال عجزها وإحباطها بين الماضي والحاضر، بين وضعها خارج السجن ووضعها داخله، إلا من بعض ما يلم بها من لحظات حلم استباقية تومض في ذهنها، لكنها سرعان ما تنطفئ مؤكدة دوام حالة القهر والاستلاب والوعي المفجع بالراهن .
2-2- الاختراق الاستباقي (Prolepse):
      تتطلع الذات الساردة إلى لحظات حالمة تنتزعها من عمق لحظة القهر التي تعيشها الشخصية الشقية بوعيها. ويتكثف هذا التطلّع في العمل على كسر إرادة المحقق بالصمت، ومن ثمّ فرض إرادة الذات وإكسابها كفاءة لكسب التحدّي: "يدرك أن المحقق سيسأله ويوغل في أسئلته حتى ينهار، لكنه سيصمت، لن يتفوه بكلمة، سيرفض الإجابة عن أي سؤال، سيكون أبكم وأصمّ، سيفقد كلّ حواسه بل سيتخلّى عن إنسانيته...سيتحصن بالكتمان. فذاته تتسع لكتمان أسرار الكون" . فيلبث الزمن المستشرَف زمنا قريبا وثيق الصلة بجلسة التحقيق، فلا تنفتح الذات المقهورة على زمن استشرافي بعيد ممتد لانسداد الآفاق أمامها من جهة، وتركيز أمرها في لحظة التحدّي الحاسمة تلك التي غدت بالنسبة إليه مسألة حياة أو موت من جهة أخرى، لا سيما وهي تظل لحظة تنبئ بالانفجار على الدوام. فالصمود يلبث رهين كلمة ليكون السقوط مدويا. فلو تكلم "سينفرط العقد وتتناثر حبّاته، ولن يتركوه ساعتها حتى يعترف بكل ما فعل وما لم يفعل" .
     إن تذبذب الذات القاصّة بين الاستباق والاسترجاع يجعل اللحظة الراهنة في توترها لحظة هلامية لا تصمد أمام الاختراقات المتنوعة التي يوقعها بها الراوي فتستحيل افتراضا وتخيّلا.
2-3- الاختراق الافتراضي:
     يعمد السارد إلى اقتناص اللحظة الأشد قسوة من خلال استحضار مشاهد القمع والإذلال التي طالت الذات السجينة ويكسبها عمقا فكريا بتنزيلها ضمن الطرح المتصل بالوعي السياسي، وذلك عبر افتراض النقيض الذي قد يجعل وضعها على خلاف ما هو عليه لو هادن السلطة مقدما بعض التنازلات: "كان يمكن له أن يكون أفضل حالا مما هو فيه الآن  لو أنه تنازل قليلا أو أنه سافر إلى أروبا عندما عرض عليه السفر وعيش حياة البذخ" . لا يعبّر حضور هذا الزمن الافتراضي ووقائعه المحتملة عن توق الذات إلى هذا الخيار الذي كان متاحا وقائما من جانب السلطة، بقدر ما ينحو  نحو النقيض مؤكدا أن واقع القمع الذي يعيشه لم  يكن إلا اختيارا واعيا ومسؤولا، بما يعني أن تلك الحياة الافتراضية التي استعرضها في ذهنه صنو لخيانة المبادئ التي من أجلها زج به في أتون التعذيب والتدمير، مستحضرا التيمات المتصلة بها مما يعجّ بها الأدب السياسي، ولا سيما التي تعنى بأدب القمع، مما يجعل الأقصوصة تنفتح تناصيا على طائفة من النصوص لا سيما الروائية منها.
2-4- الاختراق التناصّي:
     سبقت الإشارة إلى نصوص روائية بعينها أقامت الأقصوصة معها علاقات تناصية مع إمكان توسيع دائرة التفاعل النصي لتشمل غيرها من النصوص، مما يعني أن الأقصوصة تتكئ على خطابات هي بمثابة جزء من ثقافة كاتبها يستثمرها فنيا لبناء الشخصية المحورية، لا سيما في ما يتعلق بتأملاتها وهواجسها، متشبهة بأبطال تلك الرّوايات وما تستبطنه من وعي يعود بالنقد على التجارب السياسية التي خاضتها النخب العربية، وما تخللها من الانتكاسات والخيبات لخلل في وعي النخب ذاتها باصطدام طوباوية أفكارها بالواقع المرير، أو وحشية القمع الذي طالها، وربما للأمرين معا. يقول السارد: "أراد يحيا في وطنه حرا كما يحيا الآخرون...لم يكن وحده بل كانت معه فيالق من الناس يؤازر بعضهم البعض، لكنه فجأة وجد نفسه وحيدا، فقد تراخت الأيدي التي كانت تدفعه إلى الأمام، فنظر أمامه فبدت له الآفاق قصية والتفت خلفه فرأى الجماجم متناثرة يصدم يعضها بعضا في غضب جارف، ظن أن السيل المتدفق كفيل بجعل الأشجار تورق في غير أوانها وأن الأزهار الذابلة ستستعيد نضارتها، لكنه كان واهما" .
يحيلنا هذا المقطع المفعم شعرية على نظير له في رواية "الشحاذ: "اندفعنا برعشة حماسية إلى أعماق المدينة الفاضلة...واتفقنا هلى ألا قيمة لأرواحنا، واقترحنا جاذبية جديدة غير جاذبية نيوتن يدور حولها الأحياء والأموات في توازن خيالي لا أن تطاير البعض وتهاوى الآخرون. وعندما اعترضتنا دورة فلكية معاكسة انتقلنا من خلال الحزن والفشل إلى المقاعد الوثيرة" .
    إن ما ينبغي استنتاجه من خلال هذه العلاقة التناصية بين النصين، أننا أصبحنا إزاء ما يشبه التراكم الإبداعي في ما يتصل بتيمة القمع وفشل الثورات. ولعل من أبرز المقاطع ذات الطاقة التناصية العالية في هذه الأقصوصة استعادتها لمناخات التعذيب والتفنن فيه من خلال مشاهد وحشية عجت بها رواية "شرق المتوسط" واجه خلالها البطل سجانيه بالصمت. فمما جاء في الأقصوصة بهذا الشأن: "ظل صامتا...وهو يعلم أنه سيمرّ عبر حلقات ألعابهم: سيمر عبر لعبة قلع الأظافر، سيمر عبر لعبة الجلد، أو لعبة نتف شعر اللحية والعانة، سيمّر عبر ألعاب كثيرة تفننوا في اختراعها...لكنه لن يتكلم...لن يعترف" . ومما جاء في "شرق المتوسط":"قررت أن أصمت. بدأت ألمح في وجوههم آثار الصمت دامية مفزعة: قل أي شيء...أصرخ، اشتم، أما أن تبقى صامتا..فهذا لن نسمح به أبدا...كنت في ذلك الوقت مستعدا لأي شيء، ليفعلوا ما يريدون، سوف أقتلهم بصمتي" . فتردّد بذلك الأقصوصة أصداء الرواية على سبيل الاستلهام في إشارة إلى تواصل هذه المناخات المرعبة في عالم المرجع، واستمرار اضطهاد المثقف والتنكيل به وتحوّل طاقة الوعي لديه إلى مجرّد رغبات مجهضة تفضي به إلى ارتياد اللامعقول، فرارا من جحيمية واقعه المرعب، من ذلك لجوؤه في هذه الأقصوصة إلى التخيّل السّاخر.
2-5- الاختراق التخيّلي الساخر:
    يقترن التخيّلي لدى السجين بالسّاخر لما بينهما من سمات مشتركة أبرزها إعادة تشكيل الواقع وفق إرادة المتخيِّل أو الساخر من أجل اكتساب كفاءة تمكنه من استخفاف واقع الرعب. ومن ثم مواجهته باقتدار، لا سيما وأن إرادة السجين في مواجهة سجانيه تلبث المدار الدلالي العميق لنص الأقصوصة. وهي إرادة يشكلها الواقعي مثلما يشكلها المتخيّل، إذ يتبادل السجين مع المحقق المواقع والأدوار: "تخيله وهو خاضع للتحقيق وتخيله وهو يقاد عبر الأروقة المظلمة ككلب مروض أو ينتقل من زنزانة إلى أخرى والأصفاد في يديه وساقيه، تخيله وأعقاب السجائر تطفأ في رقبته وفخذيه، حتى يفقد القدرة على الإحساس تخيل جسده عاريا والعصى المتربصة تنتظر الأوامر لتنقض عليه في هيجان محموم، تخيل حجم الخجل الذي سيصيبه عندما...تنفجر الأفواه بضحكات مدوية ساخرة...كانت الصوة التي رسمها للمحقق كفيلة بأن تجعله يبتسم في سره، فقد كانت صورة عارية، مضحكة، مفزعة" . يبدو هذا المقطع بمثابة مركز الحيوية في نص الاقصوصة باعتباره يمثل لحظة محاكمة خيالية ساخرة للسلطة القمعية ممثلة في شخصية المحقق تستعيد عبرها الذات المقهورة توازنها إذ تعيد الأمور من منظورها إلى نصابها من خلال هواماتها، لا سيما وأن السارد تتطابق رؤيته مع رؤية الشخصية بما يجعل يجري المعمار الفني للأقصوصة يتشكل وفق الرؤية بنفسها من حيث الزمان والمكان والشخصيات.
3- البناء الزماني:
تنشئ الأقصوصة عوالم متضادة العناصر متناظرة تناظر تقابل يشي بالتوتر والصراع المحتدم بينها ولا يشذ البناء الزمني عن هذه القاعدة، إذ يتقابل فيها زمنان اثنان، يمثل أوّلهما القاعدة أي تواصل القمع وامتداده إذ يعيش فيه السجين "الزّمن وكأنّه استمرار" ، فيلامس "فيه ليله نهاره حتى لا حدود بينهما" ، وهو زمن السجن، ويمثل ثانيهما استثناء باعتباره لحظة انعتاق من الزمن الأول من منظور السّجين. لذلك يقع تبئيره في "تلك الليلة المفزعة المرعبة" ، لاحتضانها الحدث المركزي الذي تدور بقية الأحداث في فلكه وهو فرار السجين من السجن إلى الملجأ.
3-1: زمن السّجن:
ركب القاص هذا الزمن تركيبا مخصوصا بجعله وثيق الصّلة بمناخات القمع إذ لا علامة تدل على زمنيته سوى ما يستدل به السجين عليه من مفردات تلك المناخات. فقد كان "يدرك حلول النهار بارتفاع الصرخات في قاعات التحقيق الفسيحة، أما الليل فكان يعرف حلوله بارتفاع آهات المعذبين في الزنازين المجاورة " ، فبدا الزمن بدائريته مؤكدا عزلة السجين، "ففي عتمة (تامّة) كان يعيش" ، بعيدا عن الجريان الزمني المعتاد، بما يضاعف القمع ويهمش صوت الوعي، لتنهض الأقصوصة بفضح ما يقع من فظيع القمع في تلك العتمة، وتسليط أضواء الكشف عليها، ومنح الذات المقهورة بذلك صوتا وفضاء للانعتاق عبر الفرار من فضاء القمع.
3-2: زمن الفرار :
     على الرغم من أن هذا الحدث قد وقع ليلا، فإن زمنه يبدو مفارقا لزمن السجن، لذلك يحتفي السجين بليلة الفرار إلى حدّ التقديس الذي يستحيل أحيانا تناقضا وجدانيا يجعل تلك الليلة المفزعة الفظيعة المرعبة"  تتحوّل "عنده الى حلم لذيذ، إلى أنشودة عذبة" ، فهي الزمن المخصب، على خلاف زمن السجن المجدب، حتى أن معجم النماء والإخصاب قد تكثف فيها على نحو لافت من قبيل (الأشجار / البرق / ممطرة / هطل المطر/ السيل / الأنهار...). بل إن الاحتفاء بهذا الحدث الاستثنائي، بما هو زمن مركزي "يجمّد الزّمن في الآنيّة، يوقف سيولته، ويحتويه بماضيه وحاضره في إطار متماسك" ، قد حوّل الأقصوصة في بعض المواطن من لغة القصّ إلى لغة الشعر من ذلك على سبيل المثال: "في تلك الليلة كان على موعد مع السفر والعذاب...لا بدّ أن يولد من رحم الموت" .
     إن انشطار الزمن بين القاعدة والاستثناء يجعله في الاقصوصة موزعا بين الزمن إطارا تجري فيه الأحداث والزمن موضوعا للتأمّل، أو ما يمكن أن نطلق عليه الزمن والوعي بالزمن باعتبار ذلك من المسائل الجوهرية لدى السجين الذي ناسب عكسيا بين زمن السجن الممتد (سنوات)، وزمن الفرار المختزل (الليلة). فإذا الأوّل يتسم بالضمور نصيا، في حين يتضخم الثاني ويتمدّد احتفاء وتغنيا، إذ على قدر نعيه " تلك السنوات السّاكنة العجفاء الحادة النافثة للسمّ الزعاف" ، كان انتشاؤه بالليلة. وكأن الزمن الأول فراغ وضياع والثاني امتلاء وامتلاك. ولعل ثنائية الضمور والتضخم أن تختزل جوهر الصراع الذي يخوضه السّجين من جهة، وأن يمنحه كفاءة تخييلية تجعله المتحكم في الزمن قبضا وبسطا من جهة أخرى. وكأن الخلاص من سجن الزمان لا يقل أهمية لدى السجين عن الخلاص من سجن المكان، باعتبار أن القمع اشتغال على لعبة تناسب بين المكان والزمان.
4- بناء المكان:
     المكان في الأقصوصة شأنه شأن الزمان مكانان متقابلان: أمكنة السّجين المتسمة بالضيق والانغلاق تقابلها أمكنة السّلطة المتسمة بالاتساع والامتداد في تكثيف رمزي لحدّة الصراع بين الطرفين.
4-1- أمكنة السّجين:
تنشطر بدورها إلى مكانين: المعتقل والملجأ، وبينهما تختزل حركة السّجين في إشارة رمزية إلى أن فضاءات التهميش مرتبطة عضويا بفضاءات السّجن والقمع، فهما كالوجه والقفا لذلك يفضي كل منها إلى الآخر إفضاء تشاكل وتكامل.
4-1-1- فضاء السّجن:
   اعتنى الراوي بتوصيف هذا الفضاء من وجوه مختلفة من حيث الأشكال والألوان والروّائح والأصوات. ففضاء الزنزانة والممر المفضي إليها "ضيق ذو جدران سوداء ذات مخالب حادّة ورائحة مقززة...قذر تسمع فيه أصوات بشرية دون تبيّن ملامح أصحابها" . فتشكيل فضاء القمع على هذا النحو يظل استنساخا لتلك الفضاءات المتواترة في مجموعة النصوص التي أشرنا إليها. لذلك كان إلحاحنا على المسألة التناصية منذ مدخل هذه القراءة، باعتباره السّجن دلالة متكررة ورمزا مكثفا يشد إليه أدب السجون عامة بما هو فضاء لسلب رغبات السجين وإجهاضها، وهو في المقابل حيّز لصموده وثباته وفرض إرادته من حيث تسعى السلطة إلى كسرها، الأمر الذي يجعل فضاء الرعب مقياسا للأمرين معا. إذ تظل ملامح الفضاء السجني إيحاء رمزيا بأهوال القمع وقوة الإرادة في آن، تشكلهما إحاطته بالغموض والغرابة، بما يفقده الحميمية، وهي الحقيقة التي يعيها السّجين بعمق غير أن هذا الوعي يجعل صورة السجن تلك وصورة الفضاء الخارجي تتداخلان لديه تداخل ازدواج. فإذا كان السجن فضاء لفظاعة التعذيب، فإن فضاء الملجأ فضاء التهميش والحرمان .
4-1-2- فضاء الملجأ:
    لا تختلف ملامح الملجأ كثيرا عن ملامح السّجن، لدى السجين لا سيما وأن علاقته بكليهما علاقة إكراه  لا إرادة  فمثلما اقتيد إلى السجن كرها كذلك كان الأمر بالنسبة إلى "الملجأ الذي زرع فيه ظلما واقتلع منه ظلما" . فكلاهما فضاء للموت، حتى أن الراوي يرسم صورة للملجأ تكاد تستنسخ صورة المعتقل. فإذا كان الأوّل "ساكنا كمقبرة مهجورة [مكوَّنا] من الأكواخ المتداعية وجدران الطين ذات الأسقف المنهارة " ، فإن الثاني كان "جاثما تشهد جدرانه على أفظع ممارسات البشر ضد البشر...الشاهد الوحيد الأخرس على رحيل أرواح الأبرياء والمذنبين" .
    إن هذا التداخل والإفضاء بين فضاء القمع وفضاء التهميش ينتصب شاهدا على الوعي المفجع لدى السّجين بانهيار الحواجز بين المفهومين (القمع والتهميش). فواقع المهمّشين يظل صنوا للموت سواء داخل السجن وخارجه، الأمر الذي يجعل الطرح السياسي من الأسس الدلالية التي تدور عليها الأقصوصة هي مقابلتها بجلاء بين أمكنة السّجين و أمكنة السلطة.
4-2- أمكنة السلطة :
 تتكثف هذه الأمكنة في غرفة المحقق التي تقابل في ملامحها كلا من زنزانة السّجين والملجأ الذي كان يؤويه فهي تضج حركة وحياة " قاعة فسيحة تغطي أرضيتها موكيت تمنع تسرّب البرودة ... وفي الوسط تربع مكتب مغطى ببلور وضعت تحته صور لفنانات شبه عاريات، وأطفال يحدقون في الفراغ بعيون ذابلة، وحيوانات أليفة مكشرة عن أنيابها في عدائية مرعبة. أمّا الجدران فأسدلت عليها ستائر حجبت أشعة الشمس المتسللة في احتشام أو في خوف، خلف المكتب رفوف صففت فيها علب أرشيف على كل واحدة كتب محتواها بخطّ جميل" .
     فجل ملامح المكان وأشياؤه ومتعلقاته تطل منها سحنة السلطة في شراستها وعدوانيتها وما تحمله تناقضات ورؤى مزدوجة قيم متضاربة، مختزلة صورة السلطة التي تكيل الأمور بمكيالين وتنظر إلى شعوبها بمنظارين متناقصين: فلمن والاها الحياة ولمن ناوأها الموت. لذلك تتدافع في ملامح المكان قيم القبح والجمال، والفوضى والنظام داخل حيّز واحد، إلحاحا على هيمنة الوعي الزّائف الذي توظفه السّلطة. وهو ما يناظره الوعي الحقّ لدى السّجين في سموّ مبادئه. لذلك ضم هذا المكان شخصيتين ترمز كلّ منهما لنمط من الوعي المضاد للآخر: المحقق رمز الوعي السلطوي الزائف، والسّجين الرّمز النقيض المنحاز للمهمشين المقاوم لإغراءات السّلطة بالرفاه الزائف.
5- بناء الشخصية:
تنحو الأقصوصة عامة منحى التكثيف والتركيز في جميع الأبنية السرديّة، لا سيما في ما يتعلق بالشخصيات فلا يمكنها - انسجاما مع هذا المبدأ - أن تتسع وتتشعب، شأن غيرها من أجناس الأدب، وإنّما قصاراها أن تستوعب الشخصيّة أو الشخصيتين. على أن المتواتر أن تستأثر الشخصية الأقصوصية الواحدة بالأحداث، بينما تدور في فلكها شخصيات أخرى أقل حضورا تعقد معها علاقات عادة ما يكتنفها التوتّر، شأن العلاقة بين المحقق والسجين في هذه الأقصوصة التي تبني على مطلق التعارض الرّمزي والدلالي بينهما.

5-1- شخصية السّجين:
      تقترب هذه الشخصية من شخصية "البطل الإشكالي" بالمفهوم اللوكاتشي. وينبغي ههنا التمييز بين مفهوم الشخصية الرئيسية ومفهوم البطل، "فالشخصية الرئيسية تكتسب صفتها من دورها...أما البطل فيكتسب صفته لا من دوره فقط، ولكن من خصاله أيضا".  فقد كان السّجين تجسيدا للثبات على المبادئ والمثل في صفائها الثوري الذي يجعل الشخصية تنذر نفسها للهلاك من أجل تحقيقها، مما يدفع بشخصية السجين في الأقصوصة نحو مصاف الرمز. فلا ملامح تدل عليه، وإنما يصنع ألفته مع القارئ عن طريق علامات الجسد الذي تغيب فيه ملامح الوجه، بينما ترسخ بكثافة آلامه وبشاعة التعذيب المسلط عليه "في الأقباء المظلمة وإطفاء أعقاب السجائر"  في مناطق مختلفة منه. لكأن الذات السّجينة إذ يُفقدها الراوي الملامح، ويلحّ على أعطاب جسدها، إنما تتحوّل إلى رمز لكل سجين سياسي. فتحل بذلك عذابات الجسد محل ملامح الوجه، مع الإلحاح على وعي السجين ومبادئه وانتمائه الاجتماعي. فهو من طبقة المسحوقين المهمشين ابن "الأكواخ الذابلة"  الغارقة في بؤسها وشقائها الذي لم يجد من حيلة غير "أن يواجه الموت بموت أشدّ فظاعة" . غير أن اللافت لدى هذه الشخصية قوّة حضور مفردات الجسد ومتعلقاته باعتباره مدار التحدّي الأساسي الذي فرضه عليها واقع القمع. وهو حضور يصل إلى درجة الوعي الحادّ به الذي بلغ به حد السخرية من منطق السلطة التي تريد إجباره على الاذعان والاعتراف يقول ساخرا: " أطربته هذه المقايضة العجيبة إما التنازل عن كلمات أو عن جسد" .
 ولعل من مناورات السلطة ما يتجسد في شخصية المحقق.
5-2- شخصيّة المحقق:
   سعى الراوي على خلاف أمره مع شخصية السجين إلى رسم ملامح شخصية المحقق ببعض التفصيل: "رجل وسط لا هو بالبدين، ولا هو بالنحيف، يضع فوق عينيه نظارات طبية تعطي لعينيه بريقا يخفي ضيقهما"   أما حركته فغلب عليها التوتر والتشنج، على نقيض السّجين في هدوء حركته وصمته الذي تسلح به على سبيل التحدّي. فمن علامات اضطراب حركة المحقق أن كان "ينزع نظاراته عندما يتكلم، ويعيدها عندما يدقق في الأوراق المتناثرة أمامه أو عندما يلتفت إلى الكومبيوتر ويشرع في النقر على لوحة المفاتيح بأصابعه الغليظة المتردّدة" ، أو "يدور خلفه (السجين) يضع يده على كتفيه...وهو يبتسم عائدا لاحتلال كرسيه"  أو "تطحن أضراسه للغضب بصوت مسموع" . وهي حركة ممعنة في الفجاجة والتناقض والاضطراب إيحاء بمنطق السلطة المزدوج إزاء مخالفيها المراوح بين القمع ومساعي الاحتواء. وذلك ما تؤكده أقوال المحقق التي راوحت بين الوعيد المبطن سخرية على غرار قوله: "قد نضطر إلى الترحيب بك على طريقتنا" ، والوعد المشروط بالتعاون: "إذا اعترفت ستكون خطوة منك نحو التعاون الجيّد معنا، وسنراعي ذلك في المراحل الآتية" ، ثم يغدو التهديد أجلى حين يستوفي المحقق جميع مناوراته مع السجين من خلال قوله: "سنعرف كيف نجعلك تتكلم يا ابن الكلب" ، وقوله: "ترفض الاعتراف يا ابن الزانية ستعترف يوما مّا" .
    يلبث التضاد إذن على أشده بين شخصيتي الأقصوصة، حتى يغدو الصراع بينهما صراع وجود، لا مجرّد اختلاف حول فكرة أو مبدأ. ولعل لعبة تبادل الأدوار التي عمد إليها السّجين تخيّلا أن تندرج ضمن مبدأ الصّراع هذا الذي يختزل التطاحن بين الفئة المهمشة والفئة المتنفذة أيهما أحق بالإنسانية والإنسانية التي ظل كل منهما يسعى إلى نزعهما عن الآخر بكيفية متبادلة من خلال إطلاق صفة الكلب على الطرف المقابل. فمما جاء على لسان السّجين: "تخيله وهو يقاد عبر الأروقة المظلمة ككلب مروّض" . أما المحقق فيعلن انتهاء جلسته موجها كلامه إلى الضابط: "أعد هذا الكلب إلى الزنزانة" . وهو ما يعد بمثابة المقدمة لإلغاء الآخر وطمس معالم بشريته. لذلك يتبادلان الإفناء بوسائل مختلفة: بالترويع والقمع من قبل السلطة مع الاشتغال على وسائل أخرى كزائف الوعود، وبالعنف على سبيل ردّ الفعل من قبل السّجين على غرار "قتل السّجان طعنا بعد كسر ذراعه...ثمّ رمي جثته في إحدى البالوعات" . وقد يلبث العنف لديه رغبة مجهضة مثل "الرغبة في الانقضاض على المحقق وإنشاب أظافره في رقبته وكشط جسمه المترهل" . فيلبث الإفناء المتبادل رغبة جامحة تستبدّ بطرفي الصراع وترسم مآلاته وتحدّد وعي كل منهما بالآخر.
على سبيل الاختتام:
    تلبث أقصوصة "الصمت" حيّزا لتوتر حاد بنائيا وغرضيا لارتيادها مناخات الرعب والقمع في أقبية السّجون وما يوازيها خارجها من مناخات البؤس والتهميش، ممّا انعكس في بناها المرجعية تناصيا بترديدها لصور الرعب التي عدّت نماذج يستلهمها أدب السّجون وسياقات يستعيد تنويعاتها مثلما انعكس ذلك في مستوى أبنيتها السّردية التي جاءت منشطرة على ذاتها بناء نصيا وفضاءات مكانية وزمانية وشخصيات قصصية منبئة بتواصل الصراع ومطلق انفتاحه بين إرادة التسلط وإرادة الوعي والإيمان بعدالة قضايا المهمشين والمقهورين. إذ بقدر ما كان جدل المتناقضات داخل تلك الأبنية مخصبا خلاقا منبئا بانفتاح الآفاق، كانت المآلات والمصائر في مستوى الوقائع على نقيض ذلك موحية بانغلاقها. إذ كنا ننتظر من القاصّ أن يوقع بنا في نهاية الأقصوصة باعتبارها "بؤرة التوتر الأقصى"  صدمة انفجارية مهلكة تقوّض آفاق انتظاراتنا وتعصف بممكنات القراءات النمطيّة، غير أنه آثر الاستعاضة عن ذلك الإرباك بإرخاء العنان لدائرية المشهد القصصي تحقيقا لرؤية مّا. تلك مشيئته، وتلك انتظاراتنا وبينهما تتخلق الأقصوصة جماليا ودلاليا معدّلة ميثاق قراءتها باستمرار.

الهوامش:
 )  صدرت هذه المجموعة عن مطبعة قطيف، قفصة - تونس، 2012
2) نبيل راغب: دليل النّاقد الأدبيّ، القاهرة،  دار غريب للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1998، ص 171
3) حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص 96
4)  المصدر نفسه، ص 103
5) الأمين بن مبروك: القصّة القصيرة عند زكريا تامر، مكتبة علاء، الدّين، صفاقس - تونس، 2008، ص 29
6)   حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص 98 - 99
7) المصدر نفسه، ص 105
8) م . ن ، ص 97
9)  م . ن ، ص 98
10) نجيب محفوظ: الشحاذ، دار القلم، بيروت – لبنان، د.ت، ص 31
11) حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص ص 104- 105
12) عبد الرحمان منيف: شرق المتوسط، تونس، دار الجنوب للنشر، 1983، ص ص 129 - 130
13 حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص ص 102-103
14) ميشال بيتور: بحوث في الرّواية الجديدة، ترجمة: فريد أنطونيوس، بيروت، منشورات عويدات،
     ط3، 1986، ص 103
15) حسين لحفاوي: فحيح حواء،  ص 95
16) حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص 101
17) المصدر نفسه، ص 95
18)  م . ن ، ص 95
19) م . ن ، ص 101
20) م . ن ، ص 103
21) محمود طه محمود: القصّة في الأدب الانقليزي، القاهرة، القوميّة للطّباعة والنّشر، 1966 ، ص161
22) حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص 99
23)  المصدر نفسه، ص 101
24) م . ن ، ص 95
25)  م . ن ، ص 99
26)   م . ن ،  ص 103
27)  م . ن ، ص 101
28)  م . ن ، ص 96
29)  لطيف زيتوني : معجم مصطلحات نقد الرواية ، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، دار النهار للنشر، 2002، ص 35
30) حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص 101
31) المصدر نفسه، ص 103
32) م . ن ، ص 102
33)  م . ن ، ص 100
34) حسين لحفاوي: فحيح حواء، ص 96
35) المصدر نفسه، ص 96
36) م . ن ، ص 99
37) م . ن ، ص 104
38)  م . ن ، ص 98
39) م . ن ، ص 100
40)  م . ن ، ص 103
41) م . ن ، ص 105
42)  م . ن ، ص 42
43) م . ن ،  ص 105
44) م . ن ، ص 105
45)  م . ن ،  ص 97
46) الأمين بن مبروك: القصّة القصيرة عند زكريا تامر، صفاقس - تونس، مكتبة علاء، الدّين، 2008. ص 76

المصادر والمراجع:
المصدر:
- لحفاوي(حسين): فحيح حواء، قفصة - تونس، مطبعة قطيف، 2012
المراجع:
- بيتور (ميشال): بحوث في الرّواية الجديدة، ترجمة: فريد أنطونيوس، بيروت، منشورات عويدات،
     ط3، 1986
- راغب (نبيل): دليل النّاقد الأدبيّ، القاهرة،  دار غريب للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1998
- زيتوني (لطيف) : معجم مصطلحات نقد الرواية، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، دار النهار للنشر، 2002
- بن مبروك (الأمين): القصّة القصيرة عند زكريا تامر، مكتبة علاء، الدّين، صفاقس - تونس، 2008
- محمود (طه محمود): القصّة في الأدب الانقليزي، القاهرة، القوميّة للطّباعة والنّشر، 1966
- محفوظ (نجيب): الشحاذ، دار القلم، بيروت – لبنان، د.ت
- منيف (عبد الرحمان): شرق المتوسط، تونس، دار الجنوب للنشر، 1983