التكنولوجيا التي تدعونا للتساؤل ـ يحيى البوبلي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

التكنولوجيا التي تدعونا للتساؤل ـ يحيى البوبلي  على الرغم من أن اليوم هو عيد ميلاد سعاد، فقد كانت تشعر بالحزن؛ لأن ثلاثة وأربعين فقط من أصدقائها على الفيسبوك (الذين يزيد عددهم عن الألف بقليل) قد كتبوا لها التمنيات بعيد ميلاد سعيد على حائطها.

بعد عدة أيام قررت سعاد أن تغير ال“بروفايل بكتشر”. أعطت الآيفون لصديقتها، وقفت في حديقة منزلهم، وضعت يدها اليسرى على خصرها، دفعت بصدرها قليلاً للأمام، زمّت شفتيها المطليتين بالروج زهري اللون، وتم التقاط الصورة. شعرت سعاد بالرضى لأن صورتها الجديدة قد حصدت ما يفوق المئة “لايك” بعد مضي ساعتين على وضعها. إلا أن شيئاً ما كان يزعجها، فزميلها في الجامعة ( الذي تكن له مشاعر الحب بالسر) لم يضع “لايك” للصورة، على الرغم من أنه قد شاهدها بالتأكيد. هو لم يعبّرها يوماً، لا ب“لايك” ولا “كومنت” ولا غيره، هي أصلاً من عملت “آد” من البداية، وهو قد قبلها بعد مرور عدة أيام.


بعد عدة أيام أمسكت سعاد الآيفون، وقررت أن تبعث برسالة على الواتساب لزميلها الذي تحب، وتعترف له بمشاعرها. كانت ترتجف أثناء كتابة الرسالة، بل وقامت أكثر من مرة بمسحها، إلا أنها بالنهاية أرسلتها بكل شجاعة. بعد لحظات فقط ظهرت إشارة الصح الثانية التي تعني أنه قرأ الرسالة. انتظرت سعاد الرد، الرد بأي شيء، وطال انتظارها. كل خمس دقائق تمسك الآيفون لتتأكد من أن شيئاً ما وصل من زميلها، لكن لا رد. شعرت سعاد بكآبة كبيرة. كانت دموعها تمتزج بأعقاب السجائر الثلاث عشرة التي دخّنتها تلك الليلة، وهي تأكل نفسها ندماً على إرسال الرسالة. نامت سعاد وفي بالها أنها لن تذهب للجامعة لبقية الأسبوع.

على الرغم من أن قصة سعاد من نسج الخيال، إلا أنها تبدو مألوفة جداً. في الحقيقة نحن نعيشها كل يوم بطريقة أو بأخرى. منذ ظهور شبكات التواصل الاجتماعي ـ الفيسبوك والتويتر وغيرها ـ أصبحت حياتنا تتعلق بها بشكل متزايد. ومنذ انتشار الهواتف الذكية، أصبح الولوج لهذه الشبكات سهلاً للغاية. نحن نرى الناس في كل مكان يمسكون هواتفهم الذكية ويتابعون ما يحدث على صفحاتهم وصفحات أصدقائهم، ويقرؤون ما وصل إليهم من رسائل جديدة.

إن جزءاً من ذواتنا أصبح موجوداً في هواتفنا، وربما سيبقى الأمر كذلك للأبد. لقد أصبحت مشاركة أفكارنا وتفاصيل حياتنا وصورنا على شبكات التواصل الاجتماعي تشكل هاجساً عندنا. نحن نهتم كثيراً بآراء الناس، نفرح عندما يضع أحد ما “لايك” أو “كومنت” يمدح ما كتبناه أو يبدي إعجابه بجمال الصورة، ونشعر بالضيق أكثر ما يمكن عندما يتم تجاهلنا. تخيل أن تأخذ كثيراً من وقتك لكتابة شيء ما على الفيسبوك مثلاً، وبعد ساعات لا يكتب لك أحد أي تعليق ولا حتى “لايك”. ستشعر بالحزن، صح ؟

كلنا قد قرأنا في روايات الخيال العلمي، أو شاهدنا في أفلام السينما، تنبؤات بسيطرة الآلة على الإنسان في المستقبل. كانت هذه الآلة تتخذ بالغالب شكل الرجل الآلي. ربما قد بدأت هذه النبوءة بالتحقق أخيراً، لكن ليس تماماً بالشكل الذي تم تخيله. إن الهواتف الذكية تمارس علينا بالفعل سلطة من نوع جديد، إنها تتحكم حتى بالطريقة التي أصبحنا ننتج بها أفكارنا ومشاعرنا، ولا أبالغ إن قلت إنها أثرت بلغتنا وأعطت مفهوماً جديداً لوجودنا.

أعتقد أنه من الضروري أن نبدأ بالحديث بشكل أكبر عن تأثير الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي على حياة الإنسان. علينا أن نتحدث بهذا الموضوع ونكتب عنه، بل ونقوم أيضاً بالدراسات العلمية لفحص هذه المنتجات الجديدة للتكنولوجيا وعمق تأثيرها في عقل الإنسان. إن هذه الوسائل قد سهلت الاتصال بين الناس إلى حد ما كان يمكن تصوره قبل ظهورها. لقد ظهرت بمثابة المفاجأة السارة لكل البشر، بحيث تعلقنا بها كثيراً. إن العديد من التساؤلات يمكن طرحها الآن، لكن الإجابة عنها تحتاج مزيدأ من التأني والصبر. هل أصبحنا عبيداً لهواتفنا؟ هل نستطيع العيش بعد الآن دون وسائل التواصل الاجتماعي؟ ما الذي ينتظرنا في المستقبل؟