دولوز وسؤال الديمقراطية ـ ادريس شرود

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse26024"حاول فقط مرة واحدة أن تلمس صنم الديمقراطية، وسترى ماذا سيحدث"  سلافوي جيجيك
    تزايد الإهتمام بالديمقراطية مع تفكك الإتحاد السوفياتي وانهيار المنظومة الإشتراكية ، وسيادة القطب الوحيد ممثلا في الولايات المتحدة الأمريكية، وإحساس الغرب الأوربي/الأمريكي بانتصار منظومته الرأسمالية الليبرالية وقيمها، ودخوله في مرحلة تاريخية جديدة أطلق عليها إسم"العولمة". يؤكد الفيلسوف النمساوي فريتس فالنر أن العولمة هي فكرة عتيقة في حلة قشيبية جديدة، فهي توزع الوعود الجميلة بحل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية وبدوام السلم الإجتماعي. لكن كل هذا مجرد تدليس وعواء بدون مضمون فعلي. من بين هذه الوعود الجميلة التي صارت عنوانا لكل الخطابات، وحلا لجميع المشاكل:الديمقراطية. لم تعد الإشتراكية مفتاح التخلف السياسي والإقتصادي والإجتماعي، بل أصبحت الديمقراطية غاية السياسة، ومحور شعاراتها: الديمقراطية أولا ، الديمقراطية أخيرا، الديمقراطية هي الحل. لكن الخبر اليقين يقول: لا يكفي رفع شعار الديمقراطية حتى تتحقق دلالاتها الخلاصية في الواقع، بل يجب أن يقرن كل ديمقراطي أفعاله وأقواله دوما بالإعتراف بأنه في مجتمع غير ديمقراطي، كما أكد جاك دريدا. يثير موقف دريدا هذا، مواقف مفكرين غربيين آخرين من الديمقراطية، ومن بينهم موقف الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، موضوع مقالتنا.

دولوز والسياسة
     لاحظ أنطوني نيغري حضور المشكل السياسي في الحياة الثقافية لجيل دولوز. فعلى مستوى الممارسة النضالية، تميز نشاطه السياسي بمشاركته في الحركات المناهضة للسجون، ومناصرته للمثليين وللفلسطينيين ولاستقلال إيطاليا.... أما على مستوى الممارسة النظرية فنحن نجد في فلسفته السياسية، أشكلة ثابتة للمؤسسات والقانون(1) تخترق جل كتبه، وإشادة بعمل صديقه ميشيل فوكو بخصوص القطع مع التجريدات الجوفاء للدولة ولل"قانون"، وتجديده لمعطيات التحليل السياسي. من جهة الدولة، فالمسألة بالنسبة لدولوز، كانت دائما تنظيمية ولم تكن إيديولوجية بتاتا: هل من الممكن تحقيق تنظيم لا يتشكل وفق جهاز الدولة، حتى وإن تعلق الأمر بتصور مسبق لدولة مستقبلية؟(2). أما من جهة القانون، فالمهم بالنسبة لدولوز ليس هو القوانين أو الحقوق، بل الإجتهاد القضائي، الذي وجب أن لا يعهد للقضاة(3). لم يكن دولوز مأخوذا بصراع الطبقات، وبالطموح الثوري الذي ينادي بقلب النظام القائم، أو النضال من أجل الإنتقال إلى نمط إنتاج جديد، بل كان مشغولا بتلك العلاقات التي تربطنا بالدولة وبكل تجهيزات السلطة التي تمارس عملها على أجسادنا، وبخطوط الهروب التي يتحدد بها المجتمع والتي تؤثر على الجموع بمختلف أنواعها. لذلك كان دولوز وصديقه غتاري يرفضان عملية التعميم التي يتم من خلالها تحويل طبقة اجتماعية إلى تجريد يسمو عن أعضاء تلك الطبقة ويجعل من الحزب ممثلا لها. بالمقابل، يعتقدان أن الإرادة الثورية تتدفق من المجموعات الصغيرة وتنتج عملا جماعيا، أي أنه لا يكفي أن نحارب الفاشية في الشوارع بل يجب محاربتها في رؤوسنا أيضا باستعمال فصامنا الثوري ضد بارانويانا الفاشية(4). يتم المرور إلى السياسة ،حسب  دولوز، بالإرتكاز على المشاكل الواقعية التي يمكن أن تضطلع بها مجموعات، تقيم بينها ارتباطات وعلاقات، تحالفات وامتزاجات، تنتج عنها سيولات و تنسيقات. إنه عمل مشترك، لا ينجز ضد الدولة والسلطة فحسب، وإنما ينجز مباشرة على الذات(5). تثير نظرة دولوز للدولة والمجتمع، وللممارسة السياسية، تساؤلات حول شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم، بل يفاجأ القارئ بمواقف غريبة مثلا حول الديمقراطية. إذ يبدو أن التفكير في الديمقراطية لم يلعب دورا مركزيا في فكر دولوز الفلسفي والسياسي حتى اتهم بمعاداته للديمقراطية(6). لكن ما يهمنا هنا، هو مصاحبة بعضا من أفكاره حول الديمقراطية، منذ اللحظة الإغريقية حتى لحظتنا الراهنة، اعتبارا  لدور آرائه الفلسفية  في زحزحة تصوراتنا القبلية وطريقة تمثلنا لمفهوم الديمقراطية.
دولوز والعلاقة الملتبسة مع الإغريق
    كثيرا ما اشتكى جيل دولوز من ضعف الفكر، بحكم  عودته إلى منطق التجريد ومشكلة الأصول(7)، في ظل حقبة تاريخية فقيرة وارتكاسية، وفي وقت اعتقدت الفلسفة في حسمها النهائي مع مشكلة الأصول والقيم الأبدية. لكن إحساسه هذا، لم يمنعه من العودة إلى الأصول، عن طريق محاورة الفلاسفة الإغريق كلوكريس وأبيقور وأفلاطون والفلاسفة الرواقيين، وكذا التساؤل عن ماهية الفلسفة وأصلها. ففي خضم ترحلاته في أرض اليونان ولقائة مع حكمائها وفلاسفتها، كان دولوز مجبرا على الإقرار بالأصل اليوناني للفلسفة، حيث اجتماع  الخصائص الإغريقية الثلاث: المحايثة والصداقة والرأي...، رغم أن للنزعة الإجتماعية قساوتها، وللصداقة منافساتها، وللرأي تعارضاته وتقلباته الدامية(8). لا يتوقف دولوز عن الإعجاب بالأصل والمنبع، بل يشيد بتلك العلاقة الأكثر عمقا التي كانت بين المدينة الإغريقية الديمقراطية والإستعمار والبحر من جهة، وإمبريالية جديدة من جهة ثانية،، إمبريالية لم تعد ترى في البحر حدا لإقليمها أو حاجزا لمشروعها، وإنما حوضا واسعا تسوده المحايثة(9). تثير مواقف دولوز من الإغريق كأصل للفلسفة، ومن العلاقة التي ربطت الديمقراطية والإستعمار والإمبريالية ، إشكالات حقيقية حول فلسفته عن الوجود والإختلاف، وحول مناهضته للذات والتمركز الذاتي ولمنطق الهوية، وكذا مشروعية انتقاده لعلاقة هيغل وهايدغر بالإغريق كأصل للفلسفة(10). لا تهمنا كثيرا مواقف هيغل وهايدغر وفلاسفة آخرين من علاقتهم الشخصية بالإغريق، بل غايتنا متابعة جيل دولوز وهو يلاحق انتشار الأصل خارج أرضه وموطنه، مزودا برغبة  قوية لتحقيق ما سماه ب "استعادة جديدة"، في درجة كانت غير معروفة من قبل، وتحت شكل مغاير وبوسائل مغايرة، تعيد إطلاق التأليف الذي وضع اليونان بدايته، بين الإمبريالية الديمقراطية، والديمقراطية الإستعمارية(11). هناك إذن علاقة بين أصل الفلسفة وربط دولوز الديمقراطية بالتوسع، على اعتبار أن الأوربي يعتبر نفسه، كما فعل ذلك الإغريقي من قبل، لا كنموذج نفسي-اجتماعي ضمن النماذج الأخرى، وإنما كالإنسان المتميز، لكنه يتميز بقوة توسعية، وبإرادة تبشيرية تفوقان بكثير المستوى الذي عرفناه عند الإغريق(12).
آثينا الجديدة: تناقضات مجتمع الإخوان والأصدقاء
    تعتبر "الإستعادة الجديدة" التي ألح عليها دولوز، لازمة لاستعادة القول الفلسفي(13)، ومفتاحا لولوج عصر الرأسمالية والديمقراطية(14)، وفتورا في التعاطي مع مرحلة تاريخية متميزة طبعتها المسيحية(15).
حين تساءل جيل دولوز عن الأسباب التي مكنت ثلاث دول فقط من إنتاج الفلسفة داخل العالم الرأسمالي، أكد على دور الكنيسة الكاثوليكية (الكرسي الرسولي⁄ المقر البابوي) في إجهاض محاولة إيطاليا لإبداع فلسفة خاصة بها، رغم أنها سجلت لفترة  معينة بداية فلسفة لا مثيل لها. أما إسبانيا، فكانت شديدة الخضوع للكنيسة(16). كانت إسبانيا وإيطاليا تفتقدان "الوسط" الملائم لتطور الفلسفة بحيث أن فلاسفتهما ظلوا مجرد توابع، وكانتا مستعدتين لإحراق التوابع لديهما. كانت إسبانيا وإيطاليا البلدين الغربيين اللذين يستطيعان تطوير النزعة التوفيقية بقوة، أي هذا التوفيق الكاثوليكي بين المفهوم والصور(17). لا ينسجم هذا التوفيق مع طموح  دولوز لجعل الفلسفة إبداعا للمفاهيم، لذلك سيستنجد بالمشروع البراغماتي في أمريكا والمتجاهل كثيرا في فرنسا، حتى يمنح نفسه  حق الكلام مرة ثانية عن زواج مدني –وليس كاثوليكي- بين المفهوم والديمقراطية ومجتمع الإخوان الجديد. لكن تحقيق هذه الإمكانية يتطلب أرضية، لن يلقاها دولوز إلا في تمجيده لرأسمالية، تجر أوربا نحو انتشال إقليمي نسبي رائع يحيل على المدن-الدول الإغريقية، و نحو انتشال نسبي شاسع لرأسمالية عالمية في حاجة إلى ارتجاع إقليمي في إطار الدولة الوطنية التي تجد اكتمالها في الديمقراطية، أي في مجتمع جديد من "الإخوان" وفي صياغة رأسمالية لمجتمع الأصدقاء(18).
 رغم تأكيد جيل دولوز على مسايرة المشروع الفلسفي البراغماتي في أمريكا،  للثورة الديمقراطية ومجتمع الإخوان الجديد، واعتباره أنجلترا وأمريكا وفرنسا بمثابة الأقاليم الثلاثة لحقوق الإنسان. فهو ينفي وجود دولة ديمقراطية شمولية، ويرى أن الشئ الوحيد الذي يملك طابع الشمولية في الرأسمالية هو السوق. على هذا الأساس، يوجه دولوز انتقاداته للنموذج الديمقراطي، ويشكك في قدرته على ابتكار وسط اجتماعي خالص، قادر على استيعاب المختلف والمتعدد والبروليتاري والمقصي والمهاجر.... إن مطالبة دولوز بنقد الديمقراطية ينبني على أحداث تاريخية مؤلمة ومرعبة شهدتها أوربا، وتشهدها حاليا الدول الرأسمالية. يكفي التذكير بالحروب الإستعمارية ويوميات الحرب العالمية الأولي، وانعكاسات أزمة 1929، والخسائر البشرية والمادية والمعنوية  للحرب العالمية الثانية، والجرائم التي اقترفتها النازية، والفاشية والعنف وإهمال الكلام. ومظاهر البؤس والإضطهاد، والكراهية والحقد والعنصرية، والتدهور البيئي. لذلك يتساءل دولوز بنبرة حادة ومتشائمة قائلا:
"من يتمكن من الصمود أمام البؤس وإدارته، (وممارسة عملية) انتشال الأقلمة وإعادة الأقلمة لمدن الصفيح، من دون الإستعانة بقوى الأمن والجيوش القوية المتعايشة مع الديمقراطيات؟  أي ديمقراطية اشتراكية لم تعط الأمر بإطلاق الرصاص عندما يخرج البؤس من منطقته أو من معزله؛ فلا تنقد الحقوق البشر، ولا الفلسفة التي تستعيد أقلمتها في إطار الدولة الديمقراطية"(19). ليعلن في الأخير عن موقفه من النظام الرأسمالي: "لن تجعلنا حقوق الإنسان نبارك الرأسمالية"(20).
من نقد الرأسمالية والديمقراطية إلى المناداة بالأرض الجديدة والشعب الجديد
    لم تساهم إنتقادات جيل دولوز للرأسمالية والديمقراطية، في بلورة تصور جديد للنظام العالمي الجديد الذي أخذ يتشكل أمامه، ولطبيعة التحولات التي مست مجتمعات التأديب. لقد عايش دولوز بمعية صديقه ميشيل فوكو بروز شكل جديد لتنظيم المجتمع مبني على آليات الإخضاع والمراقبة. كانت تفترض هذه الوضعية ردا شموليا، ومنسجما مع موقف دولوز من علاقة الفلسفة بالطوباوية، يقول:"إن الطوباوية فعلا هي التي تربط الفلسفة بعصرها، أي بالرأسمالية الأوربية، ولكن أيضا ومسبقا بالمدينة الإغريقية, فدائما تغدو الفلسفة مع الطوباوية سياسية، وتذهب في نقد عصرها إلى أقصى حد"(21). إن علاقة الطوباوبة باللحظات الحساسة والمقلقة، وبالوسط النسبي الحاضر، وبالقوى المكبوتة في هذا الوسط، يسمح بمطالبة فيلسوف كبير باقتراح حلول ومخارج لوضعية ملتبسة قائمة؛ قد يكون الإقتراح طوباويا، أو حلما بنمط إنتاج جديد أو نظام سياسي قادر على تجاوز تناقضات "عصر الإمبراطورية" بتعبير أنطوني نيغري. تبدو المشاريع السياسية الطوباوية بعيدة عن انشغالات فيلسوف المحايثة، فيما يشدد على دور الفلسفة في تأسيس أرض وشعب مفقودين كأمرين متلازمين للإبداع(22)، وينفي وجود هذه الأرض وهذا الشعب في الديمقراطية الحالية. يختلف تصور دولوز لكيفية عمل الرأسمالية ومآلات الدولة الوطنية، عن تصورات أخرى يسارية أو يمينية. فالرأسمالية –حسب دولوز- تشتغل كأكسيوماتية [كمعيارية متحققة في الواقع] محايثة مكونة، من سياقات مقروءة الرموز (حركة النقود والعمل والمنتوجات...). في حين لم تعد الدولة الوطنية عبارة عن نماذج [معيارية] من الترميز المكثف، وإنما أصبحت تنشئ «أنماطا من التحقق» لهذه المعيارية، المحايثة. يؤكد دولوز أن أنماط التحقق هذه، يمكن أن تأتي جد متنوعة: ديمقراطية، ديكتاتورية، كليانية.... لهذا، تكون الدول الديمقراطية ، كما تمت ملاحظة ذلك مرارا، شديدة الإرتباط بالدول الديكتاتورية ومتورطة معها، بحيث يصبح من الضروري أن يمر الدفاع عن حقوق الإنسان أولا بنقد داخلي لكل ديمقراطية(23). 
 لقد ساهم الطابع الديمقراطي الذي وسم الرأسمالية خاصة في أوربا وأمريكا-رغم الحروب والأزمات الإقتصادية والمالية واختلاف أنماط تحقق الدولة- في الإعلان عن "نهاية التاريخ"، وانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي. لكن الأمل في التغيير استمر مع دولوز، بوسائل جديدة لم تكن معروفة من قبل. يختلف تصور التغيير الثوري عند دولوز عن تصور الطوباويات الكبرى التي شهدها العالم، فالأمر السياسي عنده يتعلق دائما بتحرير الحياة حيثما هي أسيرة. فلا علاقة للمشكلة السياسية في عصر الرأسمالية العالمية والليبرالية الجديدة وعولمة الإقتصاد، بانتصار البروليتاريا والقضاء على الدولة. بل أن في فلسفة دولوز السياسية يخلي فن حكم البشر، أي فن تنظيم المجتمع بواسطة الدولة مكانه لصالح شكل جديد من النشاط النقدي والممارسة الثورية يمكن أن نطلق عليه السياسات الصغرى أو النومادولوجيا(24)..يرتبط هذا التصور السياسي والنقدي، بمختلف المشاكل الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية، التي تضع موضع تساؤل ومن داخل النظام ذاته، الإقتصاد العالمي للآلة، وتنسيقات الدول الوطنية(25). فمن ناحية الدولة، من اللازم مقاربة هذا الجهاز كتنسيق ملموس ينجز آلة مضاعفة التسنين لمجتمع ما، ليست هذه الآلة بدورها إذن هي الدولة ذاتها، وإنما هي الآلة المجردة التي تنظم الملفوظات المهيمنة والنظام القائم لمجتمع ما، وتنظم الألسنة والمعارف المهيمنة، والأفعال والإحساسات السائدة، والقطع الخطية المتفوقة على القطع الأخرى(26). أما من ناحية الإقتصاد العالمي للآلة، فالأمر يتعلق بما بعد الدولة الوطنية، وتطور السوق العالمية وقوة الشركات المتعددة الجنسيات، وتهيئ نظام عالمي، وامتداد الرأسمالية إلى كل جسم المجتمع، يشكل كل هذا بالتأكيد، آلة مجردة كبرى لمضاعفة سنن السيولات النقدية والصناعية والتكنولوجية(27). رافق تشكل هذه الآلة بروز أشكال ثورية حديثة تروم الدفاع عن قضايا متعلقة بالأقليات، كالقضايا اللغوية والإثنية والأقلية الجنسية والشبابية، والتي تنتظم كخطوط انفلات داخل النظام الرأسمالي نفسه، تنجز فوقها مقاومات قطاعية هدفها مناهضة الهيمنة والطغيان وابتذال الحياة، والدفاع عن ما سيميه دولوز: الحق في الرغبة.
    تطرح أفكار دولوز حول الديمقراطية أسئلة راهنة حول وضعية الدولة الوطنية وصيرورتها في ظل الرأسمالية والليبرالية الجديدة المطبوعة بعولمة متسارعة. لقد عملت الهندسة الإغريقية كآلة مجردة على تنظيم المجال الإجتماعي، وذلك في ظل شروط التنسيق الملموس لسلطة المدينة الإغريقية. ويتم اليوم التساؤل عن الآلات المجردة لمضاعفة السنن، والتي تعمل وفق أشكال الدولة الحديثة. لكل هذا، وجب الذهاب أبعد من المقاربة المؤسساتية والقانونية لتحليل الدولة، نحو التمييز بين تجهيزات الدولة التي تسنن القطع الخطية المتنوعة، والآلة المجردة التي تضاعف تسنينها وتنظم علاقاتها، ثم جهاز الدولة الذي ينجز هذه الآلة(28).
الهوامش:
1-Gilles Deleuze: le devenir révolutionnaire et les créations politiques , Entretien avec Toni Négri , Wikipidia.
1-"ما يظل مشتركا بين هايدغر وهيغل هو تصورهما لعلاقة الإغريق والفلسفة  كأصل"، انظرجيل دولوز وفيلكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، ص108.
2- جيل دولوز- كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ترجمة عبد الحي أزرقان-أحمد العلمي، أفريقيا الشرق، 1999، ص184
3- Gilles Deleuze: le devenir révolutionnaire et les créations politiques, Idem.
4- مادان ساروب: بعض التيارات فيما بعد البنيوية أو شجرة الأنساب النيتشوية، ترجمة خميسي بوغزارة، مجلة نزوة، عدد20، 1999.
5- جيل دولوز- كلير بارني: حولرات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص175.
6-عادل القرمطي: التفكير بالدولة عند الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز: مدخل، الحوار المتمدن، العدد 3907، 10-11-2012.
7-Gilles Deleuze : Les Intercesseurs, http://www.multitudes.net.
8- دولوز وفيلكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص102.
9- دولوز وفيلكس غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص102.
10- رغم الإنتقادات التي وجهها دولوز إلى هيغل وهايدغر فيما يتعلق بموقفهما من الإغريق كأصل للفلسفة، فإنه لم يتمكن من زحزحة هذا الأصل أو الإنفلات منه. فالأصل أسطورة، والشعوب تكون حريصة على الإشادة بها، وإثباتها، ولن يعود التاريخ إلا انتشارا لذلك الأصل، الغاية. وهكذا يصبح الإغريق قدر يجئ صوبنا، لأننا معرضون إليه ولأنه قدرنا كما يؤكد هايدغر. في هذا السياق يقول دولوز-غتاري:" كانت الفلسفة نتاجا إغريقيا حتى وإن أتى بها مهاجرون"، ما هي الفلسفة؟، ص106. ويقول جان بوفري:"إن المنبع موجود في كل مكان، غير محدد، إنه صيني كما هو عربي وهندي. لكن هناك المرحلة الإغريقية كحالة خاصة، كان لليونان الإمتياز الغريب في منح كينونة  للمنبع"، انظر الهامش رقم 6، ص107، دولوز-غتاري: ما هي الفلسفة؟.
7-Marc  B Delaunay : Deleuze et Nietzsche ou L’inverse…, Magazine Litteraire,N°257, Septembre 1988, p44. 
11- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة، ص110.
12- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة، ص110.
13- يقول:"إن علاقة الفلسفة الحديثة مع الرأسمالية تنتمي إلى الجنس نفسه الذي تنتمي إليه علاقة الفلسفة القديمة باليونان: فهناك اقتران مسطح محايثة مطلق مع وسط اجتماعي نسبي يعمل هو أيضا وفق المحايثة" جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة، ص111.
14- يوضح دولوز العلاقة التي تربط الفلسفة بالرأسمالية والديمقراطية بقوله:"إن الإنتشال الإقليمي النسبي الشاسع للرأسمالية العالمية في حاجة إلى ارتجاع إقليمي في إطار الدولة الوطنية الحديثة التي تجد اكتمالها  في الديمقراطية، أي في مجتمع جديد من "الإخوان"، وفي صياغة رأسمالية لمجتمع الأصدقاء(...). تعيد الرأسمالية إحياء العالم الإغريقي على هذه الأسس الإقتصادية والسياسية والإجتماعية. إنها آثينا الجديدة( ...). تمثل أمريكا وروسيا، أي البراغماتية والإشتراكية، وهما قطبا الغرب، عودة أوليس، والمجتمع الجديد للإخوان أو الرفاق الذي يحيى ثانية الحلم الإغريقي ويعيد بناء "الكرامة الديمقراطية"، ص111.
15- "لا يعني الأمر، من وجهة نظر تطور الفلسفة، استمرارية ضرورية تمتد من الإغريق إلى أوربا عن طريق المسيحية؛ وإنما يتعلق ببداية جديدة للعملية الممكنة عينها، ولكن بمعطيات أخرى مختلفة"، جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص111.
16- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص115.
17- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص116.
18- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص111.
19- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص119و120.
20- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص120.
21- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص113.
22- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص121.
23- جيل دولوز-فيليب غتاري: ما هي الفلسفة؟، ص118 و119.
.http://nadyelfikr.org 24- أنوار مغيث: سياسة الرغبة: دراسة فلسفة دولوز السياسية،نادي الفكر العربي،
25- جيل دولوز-كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص186.
26- جيل دولوز-كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص165.
27- جيل دولوز-كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص185.
28- جيل دولوز-كلير بارني: حوارات في الفلسفة والأدب والتحليل النفسي والسياسة، ص165.