الحداثة عند عبد الله العروي : معيقات التأخر التاريخي العربي وسبل تجاوزها ـ الحسن المرغدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse11017تقديم
في سياق   الوعي بالوافد الجديد الذي كشف عن صياغة جديدة للتاريخ العالمي ،وأمام إشتداد الوعي بالتخلف ووعي بضرورة مجابهة الركود و الأخطار الجديدة ،وأمام وعي لا يستطيع أن يتجاهل أن عالما جديدا شق طريقه نحو التقدم، أجبر الفكر العربي النهضوي على القراءة الجديدة والطموحة لذاته ولتاريخه .فطرحت أسئلة واعية تبحث عن تحديد حقيقي للذات والهوية ،هل هي أمامنا أم وراءنا ؟ في ماض ناجز،أم في مستقبل نريد تحقيقه ؟هل تكون بقياس الغائب على الشاهد و الإحتماء بالخصوصية الحضارية والقيم التي كانت وراء مجد حضارة العرب.أم تكون في استعادة و استلهام وتبني تاريخ الآخر المتقدم ليحل محل تاريخنا الخاص؟  .
أمام هذا الإختلاف الواقع في كيفية تلقي وإستيعاب الحداثة الغربية، إرتأينا أن نرصد موضوع الحداثة، إنطلاقا من الفكر الفلسفي المغربي، كفكر إهتم بحاضره، وانشغل بهموم زمنه، مشكلاته آفاقه وتطلعاته، خصوصا وأنه إنخرط في الإشكالية المركزية، التي فرضها وضع التخلف العربي، "لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟". فالمفكرين المغاربة أمثال عبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، والخطيبي وغيرهم، جعلوا مشاريعهم الفكرية خدمة لموضوع الحداثة المغربية/ العربية، لكن نظرا لشساعة الموضوع (موضوع الحداثة) ،الذي يتجاوز محدوديتنا كأفراد، وإختلاف شاكلة / صيغة تناوله من طرف المفكرين المغاربة، إرتأينا توخيا للدقة واقتصاد الزمن، الإعتماد/الإكتفاء على أحد المحاولات الجادة والرائدة، في الإجابة على سؤال التخلف والنهضة في العالم العربي، وهي محاولة المفكر والمؤرخ المغربي عبد الله العروي؛  الذي أقصر جهده للعناية بموضوع التأخر العربي، والتنظير لكيفية تجاوزه،و الذي نشكل نحن الآن رمزا لاستمراره، فالعروي  دعا منذ كتاباته الأولى (الإيديولوجيا العربية المعاصرة، العرب والفكر التاريخي...) إلى ضرورة إنجاز ثورة كوبرنيكية في الوطن العربي، ثورة بالمعنى الذي يجعل العرب يتجاوزون تقوقعهم حول ذاتهم، والقيام باستيعاب منطق التجربة الحداثية الغربية، كتجربة أتبثت نجاحها تاريخيا وذات بعد كوني، وتمثل مكاسبها الإنسانية العلمية والعقلانية والحضارية، للدخول في المشاركة الفعلية في عملية التقدم والتطور البشريين، بل ذهب به الإعتقاد، إلى أنه ليس لتقدمنا طريق غير هذا الطريق المشرعة أبوابه " فالحداثة موجة العوم ضدها مخاطرة. ماذا يبقى؟ إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة، وإما نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون من الناجين في أي رتبة  كان" ([1]).


وترتكز إشكالية مداخلتنا هاته، المدرجة تحت عنوان،"   الحداثة  في فكر عبد الله العروي  " حول ما يلي: كيف يمكن إعتبار إشكالية تلقي الحداثة وجه من أوجه الصراع الفكري حول حاضر التفكير الفلسفي المغربي ؟ وإلى أي حد يمكن للتاريخانية بالفعل أن تمكننا من إستيعاب الحداثة كمطلب اجتماعي مازال يستغرقنا؟ وكيف جعل منها صاحبها(عبد الله العروي) الحل الأمثل/ طريق الخلاص لشق السبيل نحو تحديث العقل العربي ؟.

لماذا موضوع الحداثة؟ وبالضبط، لماذا الإشتغال بموضوع الحداثة من خلال المفكر المغربي عبد الله العروي؟ السبب واضح، السعي إلى الإجابة على السؤال المركزي، الذي ظل يراودنا طيلة إشتغالنا بالموضوع نفسه: إلى أي حد يمكن للتاريخانية أن تمكنني من فهم حاضري، ورفع الغشاوة عنه، في ظل التقابل و التفاضل الذي تقيمه بين الثقافات والمراحل الزمنية. مع العلم، أن مسألة الحداثة ليست هي  أفق الفكر الفلسفي المعاصر،بقدر ما هي  توسيعا لرحبة الوجود وفرحا بأشكاله المتعددة؟  وكيف  يمكن  مواجهة   سؤال الحداثة  أو  مواجهة تمظهراته المختلفة   بدون استحضار  جملة  التحولات التي تهم  التفكير في الفكر  ذاته؟

  هكذا، فإنني سأحاول في هذه الورقات التي تدور حول الموضوع الشائك الاشكالي المتشابك المسارات، ان اكثف  كلامي في   لحظات أو محطات كبرى يقترن فيها السؤال  بالتأمل في  الموضوع ، بغية الوقوف على محددات التأخر التاريخي العربي ومنهج تجاوزه عند العروي. غير  انه  قبل  الشروع  في الحديث عن هذا الموضوع، اسمحو لي بإبراز الملاحظة الاتية:  كيف يمكن تقديم عرض كيفما كانت صيغته  ( تحليليا ، نقيدا...) حول الانتاج النظري والفكري  الغزير في هذا الموضوع، أو بصيغة أخرى كيف  يمكن صياغة خطاب حول الحداثة عند العروي علما ان هذا الموضوع  يسكن كل مؤلفات العروي؟ سيكون الجواب السليم و المعقول على هذا السؤال يتمتل في القول بصعوبة المغامرة  باعتبار ان ادعاء القيام بهده المهمة تعرض صاحبها للسقوط اما في الاختزال أو الانتقائية  واما في  نوع من أنواع التخنذق الايديولوجي وهذا ما اتمنى ان لا اسقط فيه. لكن  سنحاول ان  نجازف عسانا  نلامس  ولو  غيض من فيض، بما  جاد  به  فكر استاذنا العروي .

       I.            العرب والحداثة.

تأثرت البلدان الغير أوربية بمد الحداثة الجارف اثر الاستعمار،لان الغرب مند القرن 19 صار يفرض نفسه على غيره كنمط حضاري كوني للحداثة.مما جعل المثقف العربي يبحث عن مكانة لمجتمعه في هذا الواقع التاريخي الجديد.فالتأخر هو من جعل هذه البلدان ترى في الغرب الحديث ملاذا للخروج من رواسب التخلف ،لأن الخضوع لسطوة الغالب هو ما جعل أجيالا تدعوا بقيم الحداثة  من عقلانية ,ومدنية وحرية ,وتقدم....

هكذا يكون ميلاد هذه الأجيال التابعة مصداقا لنظرية ابن خلدون "في أن الغالب يقلده المغلوب"، يقول ابن خلدون:" المغلوب مولع أبدا بالإقتداء بالغالب ، في شعاره وزيه ، ونحلته وسائر أحواله وعوائده." .لذلك كانت نشأة الحداثة في البلدان العربية ليست نابعة من رغبة ذاتية أو إقتناع, بقدر ما أنها إرتبطت بتجربة الصدمة الإستعمارية، كما يقول محمد سبيلا.ومن ثمة إنطبعت الحداثة بطابع مخصوص، أي أنها "حداثة دخيلة متسللة وليست أصيلة متولدة من الداخل, بقدر ما هي مرتبطة بالصدمة وبإحتلال الأرض.مما جعلها برانية وعنيفة وغير مسالمة.», لأن الحداثة الغربية وإن مكنت بلدانها من الرقي والتقدم فان البلدان العربية لم تعرفها إلا غازية.

وإثر هذه الصدمة،وما تلاها من إنكسارات، ظهرت الدعوة الإصلاحية منادية حينا بإتباع الحداثة وحينا آخر بنبذها بدعوى الحفاظ على الموروث

     II.            الوعي العربي في محكمة  النقد ( نقد العروي لانماط الوعي)

  ما يميز كتابات الأستاذ عبد الله العروي، هو جدية الطرح وعقلانية الرؤية ،في هذا الصدد يقول في حقه المرحوم الجابري ."كتابات العروي غنية حقا، موحية حقا، إنها من الكتابات القلائل في العالم العربي التي تعدت مرحلة التجميع، فهو يكتب عن معاناة  وعن إطلاع ولو أن معاناته ذهنية فقط"([2])  لأنه يكتب بجرأة فكرية وحرقة على واقع متخلف، وهي ميزة وخصلة تفتقد عند الكثير من المثقفين العرب.  ومن بين أهم الإشكالات التي اهتم العروي بها كثيرا هي مسالة التأخر التاريخي وربطه لهذا التأخر بالوعي العربي، هذا الأخير الذي وقف عائقا وحاجزا أمام الخوض في غمار الحداثة، كما عاشتها أوربا، حيت أن مفكرنا هذا اجتهد كثيرا في بناء وبلورة رؤية محكمة مستهدفا وقبل كل شيء العمل على تدارك التأخر التاريخي الحاصل في الواقع، وفي الثقافة العربية. وراغبا من كل هذا الأمر محاولة تجاوز هذه العقبة، وبناء مقومات الإنخراط الفاعل والمبدع في التاريخ الكوني والمحلي وهذا أمر مرهون:"باستيعاب المكاسب التاريخية للبشرية ،والعمل على أغنائها في ضوء التجارب الإنسانية."([3]). بعبارة أخرى؛ ما يهم العروي هو تعيين جذور الإشكالات التي يتخبط فيها المثقف العربي، ومجتمعه,لذلك اعتبر –أي العروي -أن إنتاجه" يشكل طفرة عظيمة ,وثورة ثقافية حقيقية اذا قارناه بإنتاج القرن الماضي ".([4]).

كل هذه الأمور وغيرها؛ هي ما جعلت من أطروحة هذا المفكر تحتل مكانا متميزا في الخطاب العربي، حيت إن العروي استطاع أن يصوغ أطروحة متكاملة عن واقعنا التاريخي وآفاقه المستقبلية، مقدما بدلك تحليلا معمقا لأسباب تأخرنا، وعوائق حداثتنا . فالتأخر العربي هو تأخر شامل، سببه أن الوعي العربي لم «يستوعب بعد مكاسب العقل الحديث من عقلانية وموضوعية.» هذا التخلف هو ثقافي بالأساس. لذلك نجد العروي يؤكد مرارا على أن المجتمع العربي في عالم اليوم لن يتجاوز حدود محيطه المسحور إلا "بقفزة كوبرنيكية تخرجه من الذات إلى الموضوع"([5]) هذه الثورة التي يعقد عليها الآمال شبيهة بتلك التي عرفتها أوربا مند عصر النهضة، والتي مهدت للثورات اللاحقة من ثورة علمية,صناعية,..هذه الثورة لا يقصد بها العروي "قلب أوضاع الحاضر،وإنما إمكانية الدؤوب في المستقبل ."([6])       

 
أصناف الوعي العربي.
لقد كان الهدف الأساسي من إصدار كتاب "الإيديولوجية العربية المعاصرة"،حسب العروي هو دراسة " المنطق العام للوعي الإيديولوجي قصد تبين أشكال الوعي التي منعت الفكر العربي من أن يجد النظرية الموضوعية التي تسمح له بفهم واقعه فهما موضوعيا ، وبالتاتير في هذا الواقع في إتجاه تغيير يسير به نحو تجاوز التأخر التاريخي ."([7]). حيت أن العروي في هذا الكتاب قام بمهمة تشخيص الوعي العربي السائد من خلال ثلاثة نماذج ،إذ وقف  على كل نموذج على حدة، ووقف أيضا على الهفوات التي وقع فيها كل صنف من هده الأصناف ومكامن ضعفه. حيت إن العروي إنتقد هده الأصناف وهي على التوالي: .الأول يفترض أن المشكلات التي يعيشها المجتمع مرتبطة أساسا بالعقيدة الدينية . وثاني أصناف هذا الوعي يربط مسالة التخلف بالتنظيم السياسي, أما آخر هذه الأصناف فهو يربط مسالة التخلف بضعف التقنية.

1 الداعية السلفي( الشيخ )

 يرى بأن التخلف واقع  بالابتعاد عن اقوال السلف  الصالح، فهو يتحدث عن التأويل السني للإسلام باعتباره التأويل الصحيح، هذا التأويل يضرب عرض الحائط مبادئ الحداثة فهو "يتنكر للفرد، اعطاء قيمة  المحكوم لصالح الحاكم، تقديس الماضي واحتقار المستقبل، اضفاء القداسة على  الحاكم باعتباره  ظل الله في الارض، تمييز الافراد على  ما هو ديني، محاكمة الفرد باسم الارادة الإلهية –القضاء والقدر-، إقامة الاقتصاد على  مفهوم الرزق واعتباره مقادير الهية .." ([8]) هذا التأويل حسب العروي لا يزال سائدا  ويفسر بان كل ما اتى من الغرب  بدعة، وكل  بدعة  في النار.  الشيخ حسب العروي يعيش ازدواجية على مستوى الشخصية يسب الغرب ليل نهار  ويستفيد من منتجاته ليل نهار ، ويجعل  من المستقبل هو الماضي  وبهذا الرأي  فهو  لم يدخل الضرورة التاريخية  في الزمن لذلك  يتعارض مع التأويل الماركسي الذي يدخل الضرورة  ويرى  بان الحقيقة  بنت  زمانها.

ينتقد العروي هده الرؤية أو الدعوة؛ و التي يسميها بالفكر المحافظ و الرجعي السائد، معتبرا بأن الإرتباط بحقيقة مضت قد إنتهى عهدها وهي الآن سبب التخلف. و كل مناداة بالرجوع لهذا الأصل تقف عائقا  أمام التقدم. "لان الغرور بذلك السراب و عدم رؤية الإنفصام الواقعي يبقي حتما الذهن العربي مفصولا عن واقعه، متخلفا عنه بسبب إعتبارنا –أن – الوفاء للأصل حقيقة واقعية ،مع أنه في الحقيقة أصبح حنينا رومانسيا مند أزمان متباعدة"([9]). هذا قول صريح وواضح يلخص لنا فيه العروي موقفه من كل ما هو سلفي، فهو يؤكد لنا بان هدا النمط من الوعي هو نمط لا تاريخي، لأن كل ارتباط بأصل موهوم هو دعوة لا تاريخية كما يقول هيغل. كما  ان تحليله لتلك الشخصية مبتغاه  هو:"انفصل الخصوصية عن الأصالة فالأولى متحركة ومتطورة والثانية سكونية متحجرة ملتفتة إلى الماضي ."([10])

إن غاية العروي من هدا الموقف الصريح  ضد الفكر السلفي والتراث عامة ،ليس هو في الحقيقة إقصاء هذا الإرت كحقيقة .فالتراث كزخم فكري ,وثقافي كان وأعطى أكله لكنه في واقعنا الحالي يفرض علينا موقعنا كأمم متخلفة إنتقاء ما هو ملائم، لهذا الزمن الذي يشهد تخلفا على كافة المستويات ،وبعد إنتقائنا لما يفيد زماننا نقطع مع هذا الارت قصد الإنفتاح على ما هو متاح للبشرية جمعاء والانخراط في العقل الكوني .

2 الداعية  الليبرالي (السياسي )
هذا  الداعية  مثل  سابقيه لكن بطريقته  خاصة ويرى  ان التخلف واقع ، والحل هو الإصلاح السياسي، والانتقال من الهيئات  التقليدية  إلى  الاحزاب والنقابات .. ويقول  بتحديث الدولة  على أسس سياسية  ليبيرالية ، لكن هذه الاصلاحات  ليست خلفها  ذهنية  حداثية  ومن تم فما يحتاجه الواقع  حسب العروي هو ثروة  ثقافية وليست سياسية  هدا الداعي ما يفتأ يعمر طويلا  انه حسب العروي حتى يظهر شخص آخر يدعوا للتقنية بعد أن يلجا رجل السياسة للصمت بعد أن "خانته أعصابه وأعياه عبت الأقدار "([11]).

3داعية التقنية ( التقني  )

أما ثالث أنواع الوعي العربي في تصنيف العروي، فهو داعية التقنية الذي يقول في حقه" هذا الشخص الذي يبدوا على المسرح ،رجل غريب خارج من لا مكان ،عبوس صامت متغطرس ،عائد من عصور غابرة ،سليل فلول قبائل مشتتة ، يبغض أقرانه وأسلافه ،يعادي الأجانب يرفض التاريخ العربي والغربي ،يعرف كلمة وحيدة لا يفتأ يرددها بلا ملل وهي التقنية ."([12])  . الحل الذي يقترحه  هو ان ندير  ظهرنا للترات  لأنه لا يفيد  في انتاج التقنية ،  حيث ان هذا الداعي  يرى ان الح هو التقنية  ويرى في الغرب مستودع التقنيات  متغافلا  ان وراء تلك التقنيات  روؤية وعقلية  فتحت المجال  ام كشوفات  علمية   وتقنية هائلة.
الفرق بين الشرق والغرب حسب وعي هذا الرجل ،يتجلى أساسا في الصناعة وليس في شيء غيرها كما قال سلامة موسى .إلى درجة انه جعل من الحضارة مفهوما تقنيا .إن الداعي إلى التقنية يقطع  بالمرة مع التاريخ  الإسلامي لدرجة انه حسب العروي  يشرعن  الإستبداد  ويرى انه ليس هو "العائق الحقيقي للتحضر بقدر ما يكون في بعض الأحيان الشرط اللازم له".
 بعد ان بين العروي هذه الانماط الثلاثة  اكد بان كل  شكل  من هذه الإشكال يرتبط  بطبقة معينة، فوعي الشيخ  الذي مثل له بمحمد عبده، مرتبط بالمجتمع الخاضع للاستعمار، ووعي السياسي الليبرالي الذي مثل له بلطفي  السيد مرتبط بالطبقة البورجوازية المتولدة عن تفكك النخبة القديمة، وأخيرا وعي داعية  التقنية الذي مثل له  بشخص سلامة موسى يتناغم  مع منطق الدولة القومية  التي تسيطر فيها البورجوازية الصغيرة.
نخلص مع  العروي في نقده للايدولوجيا العربية السائدة ،إلى أن هذه الأخيرة يتقاسمها منطقان هناك منطق سلفي وآخر انتقائي، وكلا هدين المنطقين حسب العروي يوصلان إلى "نفي وحذف العمق التاريخي"([13]). فالمنطق السلفي يجسده العروي في  شخص الشيخ الممجد للماضي,والمهتم بالوساطة الروحية والرافض للأفكار المستوردة ،فالشيخ ينصب نفسه دوما كمدافع /محامي عن تلك الرؤية  اللاّتاريخية ،عن شمولية الدعوة الدينية ،لأنها تجسد الحقيقة المطلقة ،المكتملة ،والمتعالية . وهنا يكون وعي الشيخ بعيدا عن متطلبات وأولويات الفكر التاريخي .وفي هذه النقطة يوجه العروي نقده اللاذع للحقيقة المطلقة التي يمجدها الشيخ باستمرار يقول: " لا يمكن لأحد أن يدعي ,فردا أو جماعة ,انه يمتلك الحقيقة المطلقة ,عن طريق الوحي والمكاشفة ويفرضها على الآخرين". أما داعية التقنية والليبرالي فإن مأساتهم أعمق  بكثير ،يتابعون حركية الغرب بصورة  لاهثة .وبالأخص داعية التقنية الذي إكتفى بدور المقلد الخنوع ،والمواكبة السطحية والنداء المستلب كما قال كمال عبد اللطيف لأنه لم يفهم بعد ،أن تحديث الذهن يتطلب من الوقت أكثر مما يتطلبه تحديت الإقتصاد ...فهو داعي إغتر اكتر من اللازم بالغرب .
بهذا الأساس يتجلى العقم الثقافي الملازم للثقافة العربية المعاصرة ،مما يؤدي في أخر المطاف إلى تحجر الذهنية العربية ويضاعف في النهاية من مستويات التأخر في مختلف جوانب  الحياة .من هذه الزاوية قدم العروي نقده للايدولوجيا السائدة بصدق وإخلاص وبكثير من المعاناة ،لكن الأهم عند العروي هو أنه لم يكتف فقط بدور الناقد  وكفى بقدر ما انه شخص الداء وانتقد ما هو سائد فقدم البديل للخروج  بالواقع مما هو عليه إلى واقع اكتر رحابة وإنفتاحا . والبديل الذي طرحه العروي كمخرج من كل هذه الأزمات هو الوعي التاريخي أو التاريخانية كمنهجية وكدليل ,والتي تجد سندها في الماركسية  بإعتبارها مدرسة للفكر التاريخي إذن فما هي ملامح هذا البديل المقترح من قبل العروي ؟ وأين تتجلى فاعلية وأهمية هدا البديل ؟وهدا الأمر هو ما سيكون مدار نقاشنا في النقطة الاثية.

     III.            التاريخانية

ننتقل إذن من مجال النقد الإيديولوجي، إلى مجال الدعوة التاريخانية، و كأننا ننتقل في فكر العروي، من مرحلة اليأس، إلى مرحلة الثقة و الأمل. التاريخانية، بما هي دعوة رامية إلى الدفاع عن واحدية التاريخ البشري، من أجل أن تتمكن الإنسانية في كل مكان، من التعلم من دروس الحداثة الغربية. لذا فالتاريخانية تكتسب  حجيتها ومبررها انطلاقا من مستويين :مستوى يتحدد بالإيمان بأن للتاريخ غاية ,والتاني يتحدد انطلاقا من الصيغة التي يطرح بها المصلحون العرب مشكل التخلف والتأخر,انطلاقا من تبنيها كدعوة وكبرنامج للنهوض والتحديث فما  هي مبررات التاريخانية التي، لا يمل العروي ، يدعوا إليها ؟.
لا يختلف اثنان على أن الوضع الحديث في العالم العربي هو وضع متخلف قياسا إلى الوضع المتقدم للغرب،وقياسا أيضا إلى الوضع المزدهر للعالم العربي الإسلامي في الماضي .هذا التأخر التاريخي الذي يعيشه العرب هو ما أراق العروي كثيرا ،ومنه ابتدأ مشروعه الإيديولوجي ويقصد العروي بالتأخر التاريخي هو العجز عن السير في ركاب التاريخ الناجز،وهذا التأخر الذي يعرفه الوعي العربي يتحدد عند العروي بأربعة محددات  أو تتجلى صورته أساسا انطلاقا  من العناصر التالية:

اللاتاريخية  والإنتقائية تم النقص الإديولوجي تم أخيرا تخلف الذهنية .وهي عناصر ومحددات متداخلة في ما بينها، ويودي بعضها إلى البعض الآخر. لان تخلف الذهنية راجع بالأساس إلى النقص الإيديولوجي، الذي كان نتاجه الانتقاء، وكلها أمور توحي بلا تاريخية الفكر.

يقول عبد الله العروي متحدثا عن أهمية التاريخانية "علينا أن نقول بكل صراحة إن المجتمع الذي يتمشى على ضوء النظرة التاريخانية يسود العالم، ولم يستطع أي مجتمع كان المحافظة على مقامه وحقوقه إلا بالخضوع للمنطق الجديد .أما الوفاء لرؤية خصوصية بدون ادنى أمل في تعميمها وفرضها على الغير ،فإنه لا يؤدي إلا الى كلام غير مسموع، أي الى اللغوفي ميدان العلاقات الدولية ،الوعي التاريخي هو منطق العمل والإنجاز "([14]). التاريخانية بهذا المعنى هي  أفق المجتمعات التي ترفض الاستسلام . ويحددها- العروي- أي التاريخانية باعتبارها، "نزعة تاريخية تنفي أي تدخل خارجي في تسبب الأحداث التاريخية، بحيث يكون التاريخ، هو سبب وخالق ومبدع كل ما روي ويروى عن الموجودات".([15]). نستنتج من هذا التعريف أن التاريخ هو علة نفسه، وأن مغزاه هو من داخله، وهذا التشديد، هو الذي لربما دفعه إلى تحديد التاريخانية في موضع آخر، من حيث هي الاعتقاد بأن "التاريخ هو وحده العامل المؤثر في أحوال البشر" . لقد جعلها الأفق الفلسفي الذي يسمح للعرب عند اختياره وتمثله، بالمشاركة في الحاضر الكوني، كما يهيئهم في الوقت نفسه مثل باقي الإنسانية للتفكير في المستقبل بصورة مشتركة، كما قدمها كإختيار واضح يتيح للعرب عند تبنيه، إستيعاب وامتلاك أسس المعاصرة .يقول العروي "التاريخانية ليست إحدى الفلسفات والنظريات بل إنها منطق التاريخ ... مرحلة تتوج مراحل سابقة, مكسب يغني مكاسب أخرى"([16]).

لذلك فمن خلال كتابات العروي الكثيرة نلمس حماس هذا الأخير وجرأته على ضرورة  الجدال الإيديولوجي والدفاع عن التاريخانية  يقول العروي " لم ارفع أبدا راية الدين ولا التاريخ  ,بل رفعت راية التاريخانية ,في وقت لم يعد احد يقبل بإضافة اسمه الى هذه المدرسة الفكرية رغم كثرت ما  فندت وسفهت ....فعلت ذلك بدافع الواقعية والقناعة."([17]) . التاريخانية  كوعي همه الحاضر  لأن الحاضر هو من يعطي للماضي معنى حقيقي ومن تم ننخرط  بكليتنا في التاريخ ولن يستطيع  احد أن "يخاطبنا من خارج التاريخ بعد أن اتضح أن الإنسان لا يغادر التاريخ إلا بالتخلي عن إنسانيته "([18]) ،لأنه لا أمل للفلسفة أن تدرك ما فوق التاريخ إلا بإتباع طريق التاريخ كما قال ليو شتراوس .

إن الوعي التاريخاني هو المنقد الوحيد الذي يستطيع المثقف العربي أن يتسلح به لأنه وعي يجعل من الباحث والمثقف يرى  أن للتاريخ وجهة وحيدة وواحدة وهي السير قدما نحو الرقي والإزدهار .ولجوء المثقف لهده الرؤية هو نتاج لمعاناته الحياتية , وهدا الوعي يجد سنده في الماركسية  عندما يقول " إن الأمة العربية محتاجة في ظروفها الحالية لتلك الماركسية بالذات {الماركسية التاريخانية}، لتكوين نخبة مثقفة، قادرة على تحديثها ثقافيا، وسياسيا، واقتصاديا ، ثم بعد تشييد القاعدة الإقتصادية، يتقوى الفكر العصري و يغذي نفسه بنفسه"([19]). فاستيعاب هذه الماركسية في نظره وسيلة وليست غاية في ذاتها ، نظرا للوضعية التي تمر منها المجتمعات العربية وضعية التأخر. إنها ماركسية تاريخانية تسلم بمجموعة من الأسس والمبادئ، وهي على الشكل الأتي :
-          "صيرورة الحقيقة.
-          إيجابية الحدث التاريخي.
-          تسلسل الأحداث .
-          مسؤولية الأفراد.
-          ثبوت قوانين التطور.
-          وحدة الاتجاه.
-          إمكانية اقتباس الثقافة.
-          ايجابية دور المثقف والسياسي

الماركسية التاريخانية حسب العروي  تكتيك مطلوب في العالم العربي ودلك لعدة أسباب :

-          لكونها المعبر عن مكتسبات العقل الحديث
-          تقدم صورة وافية عن الآخر
-          تساعد على إكساب الفكر العربي حسا ووعيا تاريخيا
-          تفصل بين الليبرالية كمنهج وثقافة ,وبين الليبرالية  كامبريالية
-          تفرق بين الثقافة وبين الطبقة ، نستلهم الثقافة وننبذ الطبقة .
-          تعطي الأولوية للثقافة قبل السياسة ...

لكنه حسب العروي متى " ما تحققت المنفعة وإستوعب المجتمع المتخلف الذي يعتنق الماركسية أصول الفكر الحديث، تفقد الماركسية عندئذ  جاذبيتها وتستنفد صلاحيتها التاريخية "([20]).

وراء هذا الإختيار الواضح ينهج العروي اذن سبيل الماركسية التاريخانية .وذلك باعتبارها الإستراتيجية التي تتيح للعرب إمكانية استيعاب أسس المعاصرة وهو يوضح هذا الاختيار عندما يقول "لا أقو لان الماركسية  التاريخانية هي لب الماركسية  وحقيقتها المكنونة –المصانة – وإنما اكتفي بتسجيل واقع والتقيد به، وهو أن الأمة العربية اليوم محتاجة في ظروفها الحالية الى تلك الماركسية  بالذات لتكوين نخبة مثقفة  قادرة  على تحديثها ثقافيا وسياسيا واقتصاديا .تم بعد تشييد القاعدة الاقتصادية يتقوى الفكر العصري ويغذي نفسه بنفسه"([21]) .ماركسية بيداغوجية توضيحية تقرب لأفهام غير أوربية تطور العالم الحديث مند عصر النهضة.

نستنتج مما سبق، أن تاريخانية العروي، تدفعنا إلى التطلع المتفائل نحو التقدم، لكونها تحاول تحديد التأخر التاريخي، كمسألة نسبية بالضرورة، وكوضع تاريخي يتحدد مفهومه قياسا على تاريخ آخر ناجز**، من تم فعلاج أسبابه ونتائجه أمر ممكن، إستنادا إلى مبررين أساسيين: معرفي، وتاريخي. فالأول، يحدده في كونية العقل البشري ووحدة المصير الإنساني المرتبطة به، فطالما أن هناك قاسم مشترك بين بني البشر، سميا بين العرب والغرب، فان مستقبل الإنسانية واحد. أما المبرر الثاني، فيجد في تاريخ أوربا نفسه، ما يسوغ دعوته التاريخانية، ويؤكد جدواها بالنسبة إلينا، حين حاولت التعويض عما فاتها من التاريخ في العصور الوسطى(ازدهار الثقافة العربية الإسلامية)،فكذلك على المجتمع العربي اليوم، النزوع نحو "مستقبل ماض"([22]) ارتسمت ملامحه الكونية في ماضي فضاء تاريخي آخر، وهو تاريخ الغرب القريب بكل منجزاته الإنسانية. إنه قدر تاريخي يستوجب على العرب أن ينكتبوا ضمنه، من أجل هدف محدد هو الانخراط والمساهمة في بناء التاريخ الكوني، من موقع المبادر الفاعل،لا من المنفعل التابع، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلا بتخلص العرب كما يقول العروي من  أساطيرهم الثلاثة التي أساءت إلينا كثيرا وهي": تحجير اللغة، وتقديس التراث، وتمجيد الماضي " ([23]).

   IV.            دور المثقف في تحديث الواقع.
إن  التخلف الذي يعيشه العرب، لا يكمن في طبيعة الأنظمة ولا في الممارسات السياسية ولا في غياب الديمقراطية ومؤسسات المجتمع  المدني، أي لا يكمن في الاستبداد السياسي،بل يكمن فقط في ضعف النخب التي لم تستطع أن تنتج أيديولوجيا تحارب بها الثقافة السلفية المتخلفة .وطالما أن المسألة هي مسألة ثقافية ** بالدرجة الأولى فهذه من مهمة النخبة .لكن كل ما إستطاعت أن تفعله هذه النخبة هو إنتاج أيديولوجيا متخلفة ضيقة الأفق وضعيفة.المثقف العربي إزاء هذا الوضع المتردي سيتحمل مسؤولية جسيمة يتحتم عليه إنجاز ما هو مطلوب منه وذلك بإنتاج إيديولوجيا تسعى لتغيير الأوضاع ،وتجنب  الوقوف موقف مدافع عن الأنظمة السياسية وذلك بإنتاج إيديولوجيا تبريرية تجد فيها القوى المحافظة خير وسيلة لتتقوى وتسترجع المكانة اللائقة بها ؟؟ إن المثقف ملزم بفضح ما هو مسكوت عنه وذلك بإنتاج فكر ثوري يغير الذهنية وينقلها من ذهنية خرافية طوباوية ،الى ذهنية تاريخية تؤمن بنسبية الحقيقة ،وإمكانية الطفرة في التاريخ المثقف الموكول إليه الأمر هنا يجد سنده في الماركسية التاريخانية  باعتبارها ماركسية  كونية تتجاوز الخصوصيات الضيقة من جهة ، ومن جهة أخرى تكون تاريخانية لأنها  تحترم جميع المراحل لأنها  الوحيدة القادرة على الإجابة عن سؤال التأخر التاريخي.

 تلعب الماركسية التاريخانية دور أساسي في تحديت الواقع .من خلال تكوين نخبة مثقفة قادرة على تحديته ثقافيا وسياسيا  واقتصاديا هذا أولا , وبعد  أن تتكون القاعدة الاقتصادية سيقوى الفكر العصري ويغذي نفسه بنفسه  

العروي لا يخفي عتابه للفئة المثقف لأن المثقف في البلاد العربية مزدوج الشخصية  ,فهو يدعوا لتطبيق المنهج الموضوعي  على مجتمعه  ,  وفي الآن نفسه يستخدم التقليد لتبرير كل ظاهرة في الواقع، فهم عاشوا دورا مزدوجا  يتأثرون في الصراعات التي تمزق مجتمعهم  ويقاسونها، لكنهم في الوقت ذاته يبدعون أو يقتبسون  أو يروجون للأفكار والرموز والشعارات التي تقدم للفئات الاجتماعية كي تستخدمها للدفاع عن المصالح  .والعروي في هذا الصدد يدعوا الى وجوب دراسة للنخبة العربية من حيت المنهج المتحكم فيها وفي تفكيرها  ويحصرها بين منهجين الأول ميتولوجي والآخر موضوعي  ,وطبقا لهدا التصنيف يرى العروي انه اذا تغلب المنهج الموضوعي تحصل ثورة كوبرنيكية، في حين يبقى المنهج  الميتولوجي   المجتمع في مكانه  ،ولا يترك للجديد سوى هامش قليل وهزيل في إحداث وعي جديد. وهذه الثورة حسب العروي تتطلب من الوقت الكثير..([24]).

ففي حال- كحالنا – المجتمع العربي حيت سيادة الفكر  التقليدي  اللاتاريخي يصير رفض كل ما يتعلق بالليبرالية بدعوى أنها حليفة الامبريالية ، مجرد خدمة يقدمها المثقف العربي الى القوى المحافظة   قصد الانتشار وبسط هيمنتها ، وفي هذا الرفض يضيع المثقف فرصة حقيقية لمواجهة العوائق التي تتربص به من كل جانب  ، إن الاهتمام  بالثقافة قبل السياسة  له فائدة لا تقل أهمية من المسألة السابقة، وهي مسالة الفصل بين البورجوازية كثقافة وبين البورجوازية كطبقة  ،لأن الثقافة يمكن للكل أن يستفيد منها لكن على الكل أن يحارب قيام طبقة بورجوازية  مستغلة ، وهذه احد أهم الدروس الماركسية التي دعت الى تضمين الليبرالية بمعنى الإستفادة منها، بوصفها ثقافة إنسية وفي نفس الوقت حذرت من تبني الطبقة البورجوازية  لأنها استغلالية .**

لكن على  الرغم من جعله-العروي - الثقافة الليبرالية شرطا لتحديث المجتمعات العربية، فهي تبقى- في نظره، مرحلة مؤقتة أو انتقالية نحو اشتراكية عصرية، لا تنبني على أسس تقليدية ولا تكرس منطق الماضي، وعلى هذا الأساس انتقد الدولة القومية القائمة في الوطن العربي، لكونها زاوجت بين الثقافة الإشتراكية والتقليد، ورادفت بين العروبة والتصنيع، وأرادت بذلك جمع المجد من أطرافه، والتصالح مع كل شرائح المجتمع .

     V.            ضرورة القطع مع التراث والأخذ بأسباب الحداثة
إن تمسكنا بالتراث والنظر إليه على أنه مفخرة وعز لنا، والقول بأنه لا يصلح حال الأمة إلا بما صلح به أولها.. إن هدا التبجيل المفرط للتراث ما هو في الحقيقة الا  "..إنصياع للعواطف القومية واستسلام للنزعة الخطابية التي لا تخلوا من نفاق، وعجز، ونرجسية."([25]). ولتجاوز كل عقبات الواقع المتعثر والمتخلف هناك حل واحد توصل إليه العروي من خلال مشروعه التاريخاني وهو مسالة القطيعة مع التراث أو كما يسميها هو في كتاب مفهوم العقل ب"طي الصفحة "، وأحيانا "بالقطيعة المنهجية "  ،القطيعة مع التراث أو مضمونه أو غيرها من التسميات ،كلها تسميات لمقصد وغاية واحدة وهي القطع مع هذا الموروث الذي هو السبب الحقيقي في تعترنا على المستوى السياسي ،ومن تم الإنفتاح على ما هو متاح للإنسانية جمعاء ،على الحداثة ،لأن الداء العضال الذي ألم بالمجتمع والواقع "لا ينفع معه تزييف ولا ترميق بل يجب أن نجبّ /نقطع  ،الصلة بماضينا جبا ،وليس يعني هذا أن نضرب الصفح عن الماضي فلا نهتم  به ،وإنما المقصود أن لا نعتبره معيننا على ما نحن عازمين عليه من تحديث "([26]).

العروي ظل دوما يصرح في ثنايا كتاباته أن الحاجة الى الحداثة أصبحت أمرا ضروريا  ولازما ،داعيا الى أخد العبرة ممن سبقونا في هذا المجال ،ومن تم جاءت جل كتب العروي هي كتب حوارية مع التراث ،لذلك جعل سبب التأخر التاريخي وتعثره ناجما بالأساس عن الركود  والجمود ،والتشبث بالأصل،لان سبب نكساتنا المتكررة هو الإرتباط بالماضي والرغبة  " في العودة الى شرنقة الثقافة التقليدية "([27]) .

إن سبب تخلفنا هو الارتباط بالأصل كحقيقة واقعية، والتعلق بالفكر السلفي وجدانيا، ورفض الإنصياع للواقع.لذلك ينبغي استيعاب الفكر الحداثي الغربي كخطوة أولية نحو تجاوز التأخر التاريخي ،وبناء قيم الحداثة الواقعية عوضا من تقليد الحداثة ظاهريا، وعدم فهم منطق الحداثة مسؤولية تقع على عاتق المثقفين الذين ساندوا السلفية .هذا الأمر هو ما دفع العروي الى التأكيد على أن المثقف لعب دورا في تخلف الواقع لأنه ساهم في ترسيخ الفكر التقليدي مما عمق الأزمة ،لان المفكرين داخل المنظومة العربية منهم من يفكر بالمنطق السلفي ،ومنهم من يفكر بالمنطق الانتقائي، وسواء سلكوا هذا الاتجاه أو ذاك فان الأمر لا يقود إلا الى حذف ونفي ،العمق التاريخي .

 يمكن القول باختصار أن هذه القطيعة التي ينادي بها العروي ليست هي القطيعة الباشلارية كما حدثت في العلوم الطبيعية ،حيت أن النظرية الجديدة تلغي وتقطع من النظرية السابقة نهائيا .أما القطيعة التراثية التي نادى بها العروي فهي على خلاف ذلك حيت إن العروي يتماشى مع طرح الفلسفة المعاصرة في تصورها للزمن حيت أنه يرى بان الماضي ليس هو من يمضي ولا يعود ومن تم يكون في طي المنسيات ، الماضي ملازم لنا حيت نجده دوما يوجه الحاضر ويفعل فعله فيه أي أن الماضي القطيعة مع التراث لا تأتي بجرة قلم ، بل إن القطع مع الماضي يستوجب منذ البداية  الدراسة العميقة قصد الفهم والإستيعاب ومن تم النقد وبعدها القطيعة مع الموروث الذي أثبت عدم صلاحيته وإمكانيته في حل مشاكل الحاضر ،بمعنى أنه لا يمكن القطع مع التراث إلا إذا تم إسترجاعه  وتملكه  ، ومن تم فان قطيعة العروي هي قطيعة تملك تم تجاوز أي السلب بلغة هيغل .

يلخص العروي مفهوم الحداثة في الثورة المستديمة، المعتمدة على العقل والرافضة للأصوات المناوئة للحداثة ولكونيتها، فبقدر ما أن الحداثة تتقدم وتستمر، بقدر ما تتعالى الأصوات الرافضة لها. فلا يمكن للحداثة حسب العروي أن تقبل بدون معارضة لا سواء في موطنها الأصلي أو غيره، والعروي ما يفتأ يذكرنا بأن هناك "تلاقحا بين رفض الحداثة أو معاداتها وبين تجاوزها "([28]) . ويرى بأن الطريق الوحيد للتحديث هو الأخذ بأسباب الحداثة الغربية "لأنه لا يمكن معارضة الحداثة إلا بتجاوزها ولا يمكن تجاوزها إلا باستيعابها " ومن تم صارت الحداثة أمر محسوم لا يمكن تجنبه ،أو عدم السير في مجراه أو في وجهته . يقول العروي في كلام جميل ألقاه في محاضرة بعنوان عوائق التحديث  "لست من الذين يقفون اليوم على قبر لينين وماو• لكني أرى اليوم أن تجربة القرن العشرين تشير إلى أنه لا يمكن معارضة الحداثة إلا بتجاوزها، ولا يمكن تجاوزها إلا باستيعابها. قلت هذه الكلمة قبل سنين وهاجمني من أجلها من هاجمني، فأنا أعيدها اليوم وأتأسف لضرورة التكرار، الحداثة موجة العوم ضدها مخاطرة، ماذا يبقى؟ إما الغوص حتى تمر الموجة فوق رؤوسنا فنظل حثالة، وإما نعوم معها بكل ما لدينا من قوة فنكون مع الناجين في أية رتبة كان..."([29]).

إن الحديث عن الحداثة في الفكر العربي المعاصر يقودنا الى الحديث عن مقومات وأسس الحداثة ،  والتي لامناص لنا من التعرض لها .وهي مقومات ثلاث مقوم العقل، تم الفرد، والحرية

 العقل: العقل الحداثي فهو عقل الوقائع ،عقل أفعال البشر المتجددة ،عقل الأمر النسبي والممكن والمحتمل .وبالتالي فلا مناص لنا في نظر العروي اذا أردنا طرق باب الحداثة من بابه الواسع ،من تبني العقلانية الغربية كعقلانية لا تخرج الحقيقة من دائرة النسبي . إن العقل الحديث هو عقلانية علمية عملية، أبطلت الادعاء بان عالم السياسة وعالم التاريخ ميدان للصدفة.إنها عقلانية السياسة والمجتمع ومؤشر ورمز للمجتمع الحديث والمعاصر .

 الفرد: العروي لا يرى حداثة من دون نزعة فردية ،حيت اعتبر بان الحداثة تنتصر وتنتصر معها النزعة الفردانية . ويعود سر الحداثة التي حصلت في الفكر الغربي الى  تسلل مفهوم  الذات  ،ذات الأصول الفلسفية .هذا التصور الذي اعتبر بأن الفرد هو الفاعل وصاحب الاختيار، كما أنه هو العاقل والمالك لحياته وبدنه..

 الحرية :    ثالث مقوم من مقومات الحداثة في فكر العروي هو الحرية ،وهذا الأخير يدافع عن الحرية الليبرالية كما تجسدت في أوربا كتنظيمات سياسية ،واجتماعية مند القرن 18 ومن تم فالدولة "الكاملة والمعقولة هي التي تعترف بحرية الذات ،وتعمل على غمس الذات في المبدأ العام  وتترك الفرد حرا يفعل ما يريد في الوقت الذي يطبق فيه تلقائيا القانون العام  "([30]). من هنا فلا معنى لحرية الفرد دون ممارستها داخل الدولة ،ولا مشروعية لهذه الأخيرة إلا باعترافها بحرية الأفراد  يقول العروي في كلام جميل "الدولة بلا حرية ضعيفة متهافتة ،والحرية خارج الدولة طوبى خادعة ".

كما  ان الحديث  عن مقومات الحداتة، لا يستقيم  دون  الحديث عن تجليات الحداثة . هذه التجليات يحصرها العروي  في ما  يلي:

الأسرة: يولي العروي إهتماما كبيرا للمرأة ودورها في الأسرة الحداثية لأن "قضية المرأة هي في العمق قضية الأسرة، والحياة الزوجية، والتربية العائلية ،وهي أساس المجتمع الديمقراطي العصري إذ لا يمكن أن نبني مجتمعا عصريا بدون نواة عائلية –بدل العشيرة – مكونة من زوج وزوجة لهما مشروع في الحياة "([31]).إنها أسرة المصالحة بين الجنسين مصالحة المشروع المشترك في الحياة والحقوق والواجبات والحميمية...الخ

المجتمع: اما في ما يتعلق بالمجتمع الحداثي الذي يعي تاريخيته أي المجتمع الذي سيشرع في "الوعي بوضعه التاريخي وبمنزلته بين الأمم ،وله مشروع مجتمعي هادف وبالتالي تعي نخبته فعل التحديث المستدام "([32]) انه مجتمع تخترقه العقلانية مجتمع يستوعب أفراده التفكير العقلاني عن طريق التنشئة الاجتماعية ،بعيدا عن أي تفكير متعالي على الواقع ،كما أن مجتمع الحداثة هو مجتمع الديمقراطية والقانون ،وبالتالي فتقدم أي مجتمع رهين بتمثله لهذه القيم كقيم كونية ليست حكرا على احد .

 الدولة:  ينظر الأستاذ العروي الى الدولة الحديثة كتنظيم سياسي وإجتماعي واقتصادي ، تعمل على تدبير شؤون الأفراد داخل المجتمع ، إنها دولة تعايش فيها الفرد مع المجتمع بموجب تعاقد ،بمقتضاه يحدد كل واحد منهما ما له وما عليه

خلاصة
اذا كان هناك من أمل في تحقيق نهضة سياسية أو تجديد صحيح  فهو اليوم معقود حسب العروي على :
"اعتماد الديمقراطية المحلية .
التعرض للمنافسة الدولية في إطار عولمة الاقتصاد .
تطور الأحزاب السياسية عن طريق تكوين نخبة سياسية تتأهل وتتجدد باستمرار.
تنشيط ما يسمى بالمجتمع المدني أما بمبادرة ذاتية أو بايعا ز أو تشجيع من الخارج."([33]).
وكل هذه الأمور إن لم تكن ورائها ذهنية حداثية، فانه بالرغم من وجود كل هذه الإصلاحات فستظل المجتمعات العربية متخلفة سلفية في تفكيرها، إن كل هذه الأمور من نقابات وانتخابات وكل أشكال الديمقراطية الفرنسية متوفرة وقائمة في المجتمعات العربية لكن الذهنية هي تقليدية ، الحل الحقيقي لكل إصلاح منشود هو الثورة على مستوى الأفكار والذهنيات ، نقطع مع كل ما ترسخ في ذاكرتنا له أصول في الماضي  هذه الثورة الفكرية هي من سينقلنا من ظل التخلف والجمود الى نور العقل والحداثة  حتى إن لم يتحقق هذا الأمر فانه أكيدا سيظل دوما في جدول أعمال المثقفين العرب الثوريين .
 
 المصادر :
-          العروي عبد الله ، الإیدیولوجیا العربیة المعاصرة، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء – المغرب،الطبعة الثالثة، 2006.
-          العروي عبد الله ، العرب و الفكر التاریخي، دار الحقيقة ،بيروت ،الطبعة الثالثة ،1973 .
-          العروي عبد الله ، ثقافتنا في ضوء التاریخ ، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء – المغرب، الطبعة  الأولى، 1983
-          العروي عبد الله ، مفھوم التاریخ، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء- المغرب، الطبعة الرابعة،2005 .
-          العروي عبد الله ، مفھوم العقل: مقالة في المفارقات، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء- المغرب،الطبعة الثانية ،1997 .
-          العروي عبد الله ، مفھوم الحریة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء – المغرب، الطبعة الرابعة،.1988
-          عبد الله العروي ،مفهوم الإيديولوجيا ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء – المغرب الطبعة السابعة ،2003 .
-          عبد الله العروي ، السنة والإصلاح، المركز الثقافي العربي،الدار البیضاء_ المغرب،الطبعة الثانية ، 2010.
-          العروي عبد الله ، من دیوان السیاسة، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء- المغرب، الطبعة الثانية ،2010 .
-          العروي عبد الله ،خواطر الصباح ،يوميات [1974-1981 ]،الجزء الأول ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء –المغرب،   الطبعة الأولى ،1987 .
-          العروي عبد الله ،أزمة المثقفين العرب تقليدية أم تاريخانية ..؟ ،ترجمة ذوقان قرقوط ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،الطبعة الأولى ،1987 .

لائحة المراجع .

1.        أفاية نور الدين ،أسئلة النهضة في المغرب ،منشورات الزمن عدد 15 ،يونيو 2000 .
2.        بن عبد العالي عبد السلام ،التاريخانية والتحديث ،دراسات في أعمال العروي ،دار توبقال للنشر،الطبعة الأولى ،2010 .
3.        بن عبد العالي عبد السلام ،بين الاتصال والانفصال ،دراسات في الفكر الفلسفي بالمغرب ،دار تبقال للنشر ،الطبعة الأولى ،2002 .
4.        بن عبد العالي عبد السلام، ومحمد سبيلا، الحداثة، سلسلة دفاتر فلسفية، رقم6، الطبعة      الثالثة، 2008
5.        بن عدي يوسف ،قراءات في التجارب الفكرية العربية ،العربية المعاصرة ،رهانات وآفاق ،الشبكة العربية
6.        التليدي بلال ،العقل وسؤال النهضة ،الطبعة الأولى ،2002 .
7.        الكردي بسام ،محاورة فكر عبد الله العروي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء- المغرب ،الطبعة الأولى ،2000 .
8.        كمال عبد اللطيف ،الفكر الفلسفي في المغرب ،قراءات في أعمال الجابري والعروي ،إفريقيا الشرق ،الدار البيضاء – المغرب ،الطبعة الأولى 2003 .
9.        كمال عبد اللطيف ،درس العروي في الدفاع عن الفكر التاريخي –الحداثي ،سلسلة المعرفة للجميع رقم 11 ،دجنبر 1999
10.     كمال عبد اللطيف ،نقد العقل أم عقل التوافق –قراءة في أعمال الجابري - ،سلسلة شراع رقم 53 ،

([1]) :عبد الله العروي ،عوائق التحديث ،محاضرة نشرت في مجلة مدارات فلسفية عدد 14 سنة 2006 الصفحة 237 .
([2]) : بسام الكردي محاروة فكر عبد الله العروي المركز القافي العربي, ط 1 ص .133.
([3]) :  كمال عبد اللطيف ،الفكر الفلسفي في المغرب ،قراءات في أعمال الجابري والعروي ،إفريقيا الشرق ،الدار البيضاء – المغرب ،الطبعة الأولى 2003. ص 13.
([4]) : عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي, دار الحقيقة بيروت .ط 2, 1973, ص32.
([5]) ::المصدر نفسه ، ص 25
([6])  : المصدر نفسه ،.ص 14.
([7])  : محمد وقيدي حوار فلسفي, قراءة نقدية في الفلسفة العربية المعاصرة .ط 1 .1985 .ص140.
([8]) محمد مزيان، محاضرة حول: الفلسفة السياسية  في الفكر الفلسفي المغربي  ، جامعة القاضي عياض مراكش سنة 2011
([9]) :  كمال عبد اللطيف ،درس العروي في الدفاع عن الفكر التاريخي –الحداثي ،سلسلة المعرفة للجميع رقم 11 ،دجنبر 1999 .ص 74- 75.
([10]) : عبد الله العروي ، العرب والفكر التاريخي مصدر سابق. ص 47.
([11]) المصدر نفسه  ص 46 .
([12])  : المصدر نفسه. ص59
([13])  : عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي, مصدر سبق ذكره. ص 262 .
([14]) : عبد الله العروي ،العرب والفكر التاريخي مصدر سابق ص 61 .
([15]) : نفس المصدر . ص 126.
([16])عبد الله العروي، مفهوم التاريخ  مصدر سابق . ص 357 .
([17]) :  عبد الله العروي ، السنة والإصلاح، المركز الثقافي العربي،الدار البیضاء_ المغرب،الطبعة الثانية ، 2010. ص 6 .
([18]) : عبد الله العروي،  مفهوم التاريخ مصدر سبق ذكره ص 364.
([19]) :  الكردي بسام ،محاورة فكر عبد الله العروي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء- المغرب ،الطبعة الأولى ،2000 .
 ص 112 .
([20]) :  العروي عبد الله ، الإیدیولوجیا العربیة المعاصرة، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء – المغرب،الطبعة الثالثة، 2006.
 ص 16
([21]) : الايديولوجيا العربية المعاصرة  مصدر سابق .  ص 16 .         
([22])  : نفس المصدر ، ص 89
**: يرى العروي أن الغرب يقدم لنا وجهين وجه حقيقته الواقعية .ووجه آماله وأهدافه, وغرب الظاهر يتخذ كسلاح ضد غرب الحلم. نفس الشيء بالنسبة لليبرالية  التي لا تنظر إلى دلك الوجه المشرق بل ننظر إلى ماسيها على العالم  وهدا الخلط وعدم التمييز بين الضار والنافع  من الغرب  يزيدنا تخلفا ونفوت عن أنفسنا فرصة ثمينة نحن في حاجة إليها {مثلا نابليون  مع الثورة الفرنسية }.
([23]) : عبد الله العروي ، العرب والفكر التاريخي. مصدر سبق ذكره.ص 228
([24]) : عبد الله العروي ، العرب  والفكر التاريخي  مصدر سبق  ذكره. ص 14 -15
([25]) : حسن حنفي التراث والتجديد ،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ،ط 4. ص 28-29 .
([26]) :  الشيخ محمد، المغاربة والحداثة، قراءة في ستة مشاريع فكرية مغربية، سلسلة المعرفة للجميع، رقم 34، مارس 2007 ص 52.
([27]) : عبد الله العروي ،خواطر الصباح (1981-1974) ط1المركزالعربي سنة 2007، ص18.
([28]) : عوائق التحديث محاضرة لعبد الله العروي نشرت في مجلة مدارات فلسفية رقم 14 سنة 2006 ص237.
([29]) :عبد الله العروي، عوائق التحديث، مصدر سبق  ذكره، ص 237 .
([30]) : عبد الله العروي .مفهوم الدولة ط 1 المركز الثقافي العربي.الدار البيضاء.ص 22.
([31]), :محاورة فكر عبد الله العروي مقالات رتبها  بسام الكردي مرجع سابق ص 28 ,
([32]) :محمد الشيخ ،مسالة الحداثة في الفكر الفلسفي المعاصر مرجع سابق ص 75.
([33]) :عبد الله العروي، من ديوان السياسة، المركز الثقافي العربي، الدار البیضاء- المغرب، الطبعة الثانية ،2010 .  ص 148-149