ذَاكَ اللَّمْعُ يُحرِّكُ جُنُونِي ـ شعر : عبد اللطيف رعري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

الأبوَابُ مُترعَةٌ علَى هَلَعٍ
والأشْجَارُ يُحرِّكُهَا هَلَع
 والهَلعُ وَمَا هَلَعْ
بَينِي وبَينَ طَائرَ الورْوارِ مسَافَةُ الخواءِ المُطلقِ...   
وذاكَ اللَّمعُ  يحَركُ جُنُونِي
 لحَصدِ الرَّوابي الثَّلجِية.ِ..
 بأوْمَأةٍ وَحِيدةٍ مِن شَيْطَانِي ...
بشَفطةٍ طَاحِنة منْ عُقمِي
 بِخزْرَةِ  عَينٍ مقلُوبة وراءَ البحرِ...
 قُولُوا تدمَع...
قُولُوا تلمَع...

قُولُوا تلسَعْ
 فتخرُّ من حَولِي الجِبالُ ماءًا ...
ويتَرَمَّدُ الصَّفصَافُ بألوانِ الشِّتاءِ
 وتَتهَشَّشُّ الأحْجَارُ بِطِينِ الخَلاءِ
 فمَنْ يضَعُ للمَاءِ حدًا في المَاءِ...
ومن يُلحِّفُ أشجارًا في السَّماءِ
 ومَن يَرِقُّ له المَوَّالُ بقرعِ صَخرَةِ البَلاَءِ ...
 ويا أيُّهَا الأفُقُ القَصِّي تحتَ نَبتةِ الشَّوقِ
 من يتَلذّذ عرَاءَ شَمْسِي بيْنَ الحُفرِ
 وذاكَ اللّمعُ الآخرُ يُعوِّدُ لهْفتِي عَلى الرَّحِيلِ
  علَى متْنِ قَوارِبَ هَلاكٍ مُنتَظرٍ
 خَلفَ نَهْرٍ يشْتَهِي دِماءَ الغَدرِ...
 فمَا أشْتَهيه أزلًا بَياتٌ علَى قارِعةِ ظِّلٍ شريدٍ
كُلَّمَّا أفاقَ من خُمُولهِ
 أطَاحَ ومْضَةً تحْترِقُ ...
 وهِي تقترِبُ مِن فُسَاتِينِ الحُورِياتِ
ما أعُدُّهُ حتّى الآنَ سَرَابًا يُداعِبُ البُعدَ
هُو حَقيقَتِي...
 وَأنَا أمُوتُ كَمَا تُمْلِيهِ طُقُوسُ الشَّعيرَةِ ..
مَلفُوفًا فِي عِنَادِي بِكُلِّ الألْوَانِ
برَحِيقِ الفَرَاشَاتِ عَطَّرَتنِي الفَراشَاتُ
 وشيَّعَتنِي الفراشَاتُ
 وصَلَّتْ علَى قَبْرِي الفَراشَاتُ ....  
ما تَدُوسُهُ قَدَمِي بغَضبٍ 
وتُشْرِفُ مَعَالِم حُمقِي علَى نَحْثهِ طَيفًا لمَا هُو قادِم ...
هُو ذَاكَ قدَرِي..
هُوَ ذَاكَ يَقِينِي...
هُوَ ذَاكَ مَنْ أكُونُ حَقًا...
وَهُوَ ذاكَ أيضًا مَا كُنتُ سَأكُونُ عَلَيهِ قَبلَ بِدايةِ التَّكْوِينِ....
لمْعٌ يُحَرِّكُ الجُنُونَ ....
يَعرفُ الرِّيحَ حِينَ تَثُورُ ...
والبَحرُ حِينَ يَفُورُ ...
يعْرِفُ النّهرُ حِينَ يغُورُ..
الأبْوَابُ مُترَعَةٌ علَى الأرْصِفَةِ
تَتلصَّصُ ذَبيبَ السَّكِينةِ فِي عُيُونِ الجَمَاجِمِ
والرِّيحُ تحْرُسُ مُلُوكَ الظَّهيرَةِ مِن عُزْلةِ الخُلدِ
كَمْ مِن عثْرةٍ رمتْ علىَ الّرَّصِيفِ بصْمَةٌ
كَمْ مِن دَمعَةٍ تحْفُرُ علَى الخَدِّ وَشْمَةٌ
كم مَن نَبرَةٍ حَزِينَةٍ تَصَدَّتْ لهَا الأعْذارُ ..
كَم منْ بسمةٍ بريئةٍ عَرَّتْ قَرارَ الأشْرارِ
  وذَاكَ اللَّمعُ يُحركُ جُنُونِي
 الأبوَابُ مُترعَةٌ علَى هَلَعٍ
والأشْجَارُ يُحرِّكُهَا هَلَع
 والهَلعُ وَمَا هَلَعْ ....
مَا افقَدَنِي هَالتِي وَأنَا أعُدَّ أصَابِعِي
 كَافِيًا أنْ يُمَيُّزُنِي عَنْ غَيْرِي
 مِنْ أهْلِ المَقَابِرِ...
 ويُرِيحُ هَامَتِي عَلى نَعْشِي...
 فِي كَفِكَ أيَّتُهَا النَّائياتُ لمَّا غَرَّرَتْ بِي الشَّهَواتُ ...
 مِنْ أهْلِ المَنابِرِ...
ويُغْلِي فِي نَاظِري شَهْوَةَ  الاخْتِفَاءِ ....
بيْنَ مَطَامرِ العُهُودِ السَّحِيقةِ حِين هلَّلَتُ بِفنائِي...
 فبُشْرَى للأرْحَامِ الحُبْلَى بِمَخَاضٍ عَسِيرٍ..
فَاليَومْ مِيلادِ شَهِيدٍ
.وبُشْرَى للأسْرَى فِى مَعَاقلِ الحُمْقِ بِهَوسٍ كَبيرٍ
فالحُلمُ طَّل مِن بَعيِدٍ  
وبُشْرَى لِلشُعَرَاءِ فِي مَآتمِ الكلِمَاتِ بنُورٍ السعِيرِ
   فعُمرُ القَصيدةِ مَدِيد
وهَا قَد مَرَّ علَى العُمرِ زُهَاءَ قُبلَةٍ
أو قُبْلَة ونِصْف
 وهَذا اللَّمْعُ يُحَركُ جُنُونِي
 بِحُزنٍ.....
 لمُجرَّد أنهُ إبنُ الشَّمسِ التِّي أهْوَاهَا
 فَكَيفَ لِي أنْ أقطَعَ صِلتِي بأحْبَالِي
فمن يدري؟
فهَذَا اللَّمْعُ الحَزينُ هِدايَةٌ ...
.بِدَايةٌ ....
نِهَايةٌ...
وَهَذا أنَا الحَزينُ مُهتَدَى...
مُبتَدَى...
مُنتَهَى.....
 سَأغْلِقُ الابوابَ المُترعَةِ
لاَ عَلَى هَلَعٍ...
وأقْتلِعُ الهلعَ مِنَ الهَلعِ
 لتَهْدأ الأشْجَارُ .