شبّاك موسيقى بعيد ـ شعر : طالب همّاش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

يا ليتني شبّاكُ موسيقى
يسافرُ خلفَ أحزانِ البعيدْ !

ياليتني قنديلُ ياقوتٍ
على شبّاكِ سهرتها الوحيدْ !

لأقولَ للبنتِ الوحيدةِ
حينَ تهدأُ هدهداتُ الليلِ
عن شجني
ويحملني جناحُ الريحِ من طللٍ
إلى طللٍ

كإنشادٍ فراقيٍّ طويلْ ..

كوني قرنفلةَ الخريفِ
وزهرهِ الذاوي
ليرجعَ عندليبُ الدمعِ من حزنِ البعيداتِ
اللواتي ينتظرنَ مرورَ أيّامِ الرحيلْ !

كوني حفيفا هادئاً كالريحِ
في شجرِ القرى الغافي
لأسمعَ كالغريبِ ترقرقَ الآهاتِ
في ناي الهديل ْ !

كوني غديراً للأغاني
كي يصيرَ العشقُ غيتاراً قتيلْ !

وتقولُ لي البنتُ الوحيدةُ
ليتني شبّابةٌ مجروحةُ النبراتِ
تعبرُ كلَّ ريحٍ حقلَ وحشتكَ  الوحيدْ  !

ياليتني شبّاكُ موسيقى
يسافرُ خلفَ موّالِ البعيدْ !

لو أستطيعُ عزفتُ في الطرقاتِ
موسيقى الوداعِ مع الرواحلِ
كلّما عبرَ الطريقَ مسافرانْ ..

ولو الطريقُ اليومَ يوصلُ عابريهِ
إلى الغياب ِ
لضمَّ قلبي طفلَ قلبكِ كالغريبِ
وسارَ قلبانا على دربِ الغروبِ
كما يهاجرُ راهبانْ .

لو كنتُ أعرفُ أنَّ عمركِ راحل كالغيمِ
ما اخترتُ الرحيلَ
ولا مشيتُ اليومَ منسيّاً
على شطآنِ هذا البحرِ
أسألهُ الأمانْ !

أو كانتِ الأشجارُ تذكرُ زارعيها
عدتُ فلاّحاً نحيلا ً في حقولِ الليلِ
أزرعُ حسرتي في كلِّ آنْ !

لكنَّ أيّامي وداعٌ ضائعٌ
ورسائلي ضاعتْ تباعاً في جواريرِ البريدْ !

يا ليتَ ليْ كالريحِ مفتاحا
لأفتحَ راحلاً
بوّابة َالبحرِ البعيدْ !

أأظلُّ أدشرُ في الدروبِ
ولا أرى خلفَ الرواحلِ
 غيرَ أبوابٍ مشرعةٍ على الفقدانِ
تهجرها القرى ؟

أأظلُّ أملأُ بالدموعِ محابري
وأخطُّ في ورقِ الضياعِ
قصائدَ الهجرانِ
لا المعنى يُباعُ ولا القوافي تُشترى؟

أأظلُّ أنبشُ في ترابِ الصيفِ
بحثاً عن كلامٍ متعبٍ
أخفيهِ في كتبي
وأودعُ في الشتاءِ جميعَ أقلامي الثرى ؟

أأظلُّ أنصتُ للرياحِ ورجعها
في الحورِ إذ ترثي الأُلى ضاعوا
وأرجعُ كالغريبِ إلى دياري
القهقرى ؟

أأظلُّ أنتظرُ الرحيلَ
وحينَ تبدأُ آخرُ العرباتِ رحلتها
يطولُ وقوفيَ الرعويُّ 
في أطلالِ ماضيَّ السعيدْ ؟
وتشدّني البنتُ الوحيدةُ
كي أفكّرَ  من جديدْ ؟

ياليتنا طيرانِ بريَّانِ
يندفعانِ بالتحليقِ في حلمٍ سعيدْ !

يا ليتنا ماءٌ يسيلُ على الحصى الصافي
نقيّاً ..( أزرقاً ) .. مترقرقاً
بينَ الجداولِ والحفافي
ليتنا سهلٌ  وينبوعٌ صباحيٌّ
وموسيقى مموسقةٌ
تُسيّلُ في الغديرِ توائمَ الغيماتِ
والصورَ السعيدةَ في سماءٍ طاهره !

يا ليتنا قمحٌ لتنقرَ قبّراتُ الحقلِ أعيننا ،
ويلتقطَ القطا قلبي وقلبكِ
مثلَ حبّاتِ النجومِ المسكره !

يا ليتني بَوَّابُ بستانِ الخريفِ
لأسألَ الشجرَ الجريحَ
متى يحينُ مرورُ أسرابِ الغيومِ العابره ؟

ومتى سيرجعُ ذلكَ المطرُ العتيقُ
بدمعهِ المدرارِ
كي تبكي نواعيرُ الغروبِ الدائره ؟

يا ليتني بَوَّابُ أيّامٍ بلا أسماءَ
تؤنسني أواخرُ أمسياتِ الصيفِ
هبّاتُ الرياحِ الداشره  !

لا آخرُ الأعشاشِ في الأشجارِ تعرفني
ولا أيلولُ ذو الشجنِ الشريدْ .

يا ليتني شبّاكُ موسيقى
يصفّي الليلَ في كأسٍ بعيدْ  !

عُدْ بيْ إلى شجرِ الحواكيرِ العتيقةِ
يا حفيفُ
لكي أربّي صوتيَ المبحوحَ في أعشاشِ قبّرةٍ
إذا جاءَ البكاء ْ !

عدْ بي إلى أيلولَ
كي أتأمّلَ الصفصافَ
وَهْوَ يهرهرُ الأوراقَ صفراً
قبلَ أن تصلَ النعوشُ مع الشتاءْ !

عُدْ بي إلى الماضي
لأجلسَ بانتظارِ كهولتي
ووصولِ مركبةِ  الوداعِ
 يجرُّها فرسُ المساءْ !

عدْ بي إلى عمرٍ تطيرُ شهورُهُ
كالغيمِ مسرعةً
بأجنحةِ الرثاءْ !

عدْ بي إلى ليلِ المواويل ِ
الذي نضبتْ بهِ
من كثرةِ الإنشادِ حنجرةُ الغناءْ !

عدْ بي إلى نايٍ فراتيٍّ
تسيلُ دموعُهُ بينَ المرارةِ والبكاءْ !

عدْ بيْ إلى قمرِ الطفولةِ
في المساءات ِالبعيدةِ
كي أقطّرَ خمرةَ الأقمارِ في قدحي السعيدْ !

عدْ بيْ بعيداً في البعيدْ !

لأقولَ للبنتِ الوحيدةِ
حينَ يرتحلُ القطا
لا تُرجعي قلبي إلى قمحِ الطفولةِ
في نهاياتِ  الحقولْ !
لا تتركي ريحَ الكمنجاتِ الجريحةَ
تملأُ الأحراشَ
ترجيعاتُهَا ترثي مصيراً ضائعاً
وقتَ الكآبةِ في الأفولْ  !

عيناكِ عنقودا دموعٍ أزرقانِ
وصوتكِ جرسُ السنونو
حينَ يسبحُ في السهولْ .

أرخيتِ نهرَ الليلِ مجروحاً
على قَمَرَيْ غروبٍ نائمينِ
كنومِ عصفورٍ على شبّاكِ موسيقى بعيدْ  .

يا ليتنا أغنيّةٌ منسيّةٌ كالشوقِ
في ذاكَ البريدْ !
يا ليتنا غيمٌ يسافرُ كالقطاراتِ الحزينةِ
كلّما ابتدأَ المسافرُ من جديدْ !

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟