بعض أوجه العلاقات التجارية المرينية مع بعض دول الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ـ د. محمد عمراني زريفي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

zerifiأصبح تجار الضفة الشمالية للحوض الغربي للبحر المتوسط، منذ القرن السابع الهجري / القرن الثالث عشر الميلادي يعملون على تجاوز الوساطة المغربية (وساطة بلاد المغرب الكبير)، فالنهضة الاقتصادية التي عرفها الغرب المسيحي خلال هذه الفترة، مكنتهم من تحسين وسائل إنتاجهم الفلاحية والتجارية والبحرية(1).
    لقد عرف الحوض الغربي للبحر المتوسط نشاطا تجاريا بين ضفتيه حيث شاركت فيه بلاد المغرب الكبير والجمهوريات الإيطالية وبرشلونة ومرسيليا(2)، غير أن أوربا الغربية  شهدت خلال القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي أزمة اقتصادية، ناتجة عن وباء الطاعون الأسود الذي أودى بحياة نصف السكان(3)، وعلى إثر ذلك تدهورت الفلاحة بسبب نقص في اليد العاملة(4).
   

موازاة مع هذه الأزمة، بدأ التجار الأوربيون يعملون على تخطي الوساطة المغربية، خاصة وأن سياستهم المالية أضحت ترتكز على مادة الذهب، ويذكر أحد الباحثين أن الضفة الشمالية من الحوض الغربي للبحر المتوسط عرفت مجاعة مالية لم يسبق لها مثيل خلال القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، لم يعد المغرب المريني أمامها قادرا على تلبية مطالبهم من التبر(5).
    وعملت بعض الدول الأوربية الغربية المطلة على البحر المتوسط على عقد بعض المعاهدات التجارية مع المغرب المريني لتتزود بسلع تجارة العبور، وبالمواد الخام التي كانت تحتاجها في صناعتها.
وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات التجارية بين البلدان الإسلامية لم تكن تحتاج إلى معاهدات حتى يقوم التاجر بصفقات تجارية، لذا لا تتحدث العديد من المصادر العربية على معاهدات بين المغرب المريني وباقي البلدان الإسلامية المطلة على الحوض الغربي للبحر المتوسط(6). على العكس من ذلك جمعته مع بعض الدول الأوربية معاهدات تجارية خلال الفترة موضوع الدراسة، والجدول التالي يبرز ذلك:
جدول: بعض المعاهدات المرينية مع بعض دول الضفة الشمالية للحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط ( انظر صورة الجدول ضمن قائمة صور المقال اعلاه )
TABLEAU-MERR

يبرز الجدول أن العدد الأكبر من المعاهدات كان مع الأراغون، حيث أضحت خلال القرنين السابع والثامن الهجريين/ الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين من أهم الأطراف المتاجرة مع المغرب الأقصى(19)، ويظهر ذلك من خلال جدول وضعه أحد الباحثين في العلاقات الأراغونية مع دول الحوض الغربي للبحر المتوسط، حيث يتضح أن الحركة التجارية البحرية بين البلدين كانت نشيطة جدا(20)، وكانت أراغون تعرف أزمة في مادة الحبوب، حيث نجدها تلح عند توقيع أية معاهدة مع المغرب الأقصى على ضرورة السماح لها باستيراد الحبوب(21).
وبالرغم من أن قشتالة وجنوة وبيزة لم يوقعوا معاهدات تجارية كثيرة مع المرينيين إلا أن الحركة التجارية معهم كانت نشيطة، حيث كان المغرب المريني يصدر إليهم الصوف التي ذاعت شهرتها لدى الجنويين، وكانت تعرف باسم مرينـوس  merinus(22).
ويذكر بعض الباحثين أن دول أوربا الغربية المطلة على البحر المتوسط كانت تستورد من المغرب الخيول والحديد والصوف والقطن والكتان والنسيج والتمر والعنب اليابس والعسل والحبوب والذهب والصمغ(23)، وكان المغرب يستورد الأرز من البلاد الأوربية(24)، والفضة من سردانية والأندلس(25)، والآلات الحديدية والسكاكين والأمقاص والأحواض الرخامية من الأندلس(26). كما استورد المغرب الورق الإفرنجي، فالمنتوج المغربي من هذه المادة كان يحتل المراتب الأخيرة أمام الورق البغدادي والمصري والشامي(27)، وفي القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي بدأ الورق الأجنبي يزاحم الورق المغربي حيث جلب من البندقية والمدن الإيطالية الأخرى، وقد توجس بعض الكتاب من استعمال الورق الأجنبي خشية أن يكون نجسا، وما رسالة ابن مرزوق المسماة " تقرير الدليل الواضح المعلوم على جواز النسخ في كاغد الروم " إلا دليل على أن استعمال الورق الأجنبي أضحى شائعا في بلاد المغرب(28)، وفي هذا يقول « إذ لا أعلم من يجد من مدينة طرابلس المغرب إلى مدينة تلمسان من بلاد السواحل وبلاد الصحراء ورقا يستعمل غير الرومي، ولا أدري ما حال باقي بلاد المغرب غير مدينة فاس وغير جزيرة الأندلس فإنهم يستعملون الورق»(29).
كانت الدولة المرينية تعول على التجارة الخارجية مع دول الحوض الغربي للبحر المتوسط، وشكلت الضرائب الجمركية أهم مورد مادي للبلاد خلال تلك الفترة، لأن مداخيلها كانت مرتفعة، وكانت سهلة التحصيل مقارنة مع الضرائب الفلاحية(30). ولم تخل المعاهدات التجارية التي وقعها المغرب المريني مع بعض دول الحوض الغربي من إشارات إلى الجانب الضرائبي(31)، ومن منع  تصدير بعض السلع كالقمح والسلاح والخيل والجلود المملحة والمدبوغة(32).
ويبدو أن التجارة المرينية مع دول الحوض الغربي لم تكن متكافئة، فمن خلال المعاهدات المبرمة، يتضح أن المرينيين صدروا المواد الخام واستوردوا المواد المصنعة، وفي هذا الصدد يقول السلطان العبد الوادي أبو حمو « ومن سواهم يحمل منها [ أي من بلاده ] الذهب ويأتي إليها بما يضمحل عن قريب ويذهب»(33)، وهذا النص يبرز عدم التكافؤ في الصادرات والواردات بين دول بلاد المغرب و الدول الأوربية، كما يبرز أن واردات بلاد المغرب من البلدان الأجنبية كانت من الكماليات.
وأهم استنتاج يمكن أن يخرج به الباحث من خلال هذه المعاهدات هو غياب تجار مغاربة بحريين، فأغلب التجار الذين كانوا يسافرون بالسلع المغربية هم تجار أجانب(34)، وفي هذا الإطار يتساءل الدارس حول سبب هذا الغياب ؟
 ويبدو أن السبب ليس فقط هو غياب أسطول بحري تجاري كما يرى أحد الباحثين(35)، ولكن هناك مجموعة من الأسباب يمكن أن ندرج ضمنها الاجتهادات الفقهية حول تحريم وتكريه التجارة مع النصارى باعتبارهم من " دار الكفر".
    لقد استفادت الدولة المرينية من تجارة العبور ومن المعاهدات التجارية مع دول الحوض الغربي للبحر المتوسط ، فنشطت التجارة الخارجية، ووفرت للدولة مبالغ مالية مهمة استطاعت أن تغطي بها نفقات الحملات العسكرية التي قامت بها سواء في الأندلس أو في المغربين الأدنى والأوسط.
--------------------------------------
الهوامش:
1) بوشرب ( أحمد )، المخططات البرتغالية خلال القرنين 15و 16م، النهضة والتراكم، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط 1، 1986، ص 184.
2) HEERS (JACQUES ), L’occident aux XIVème et XVème siècles aspects économiques et sociaux, PUF Paris 1973, pp 170,179.
3) بوشرب، المخططات...، م.س، ص 185.
Voir aussi PERROY ( EDAOUARD ), Etudes d’histoire médiévale, Publications de la Sorbonne, Paris 1979, p 381. et  MORERA ( JEAN CLAUDE ), Histoire de la catalogne, Editions l’harmattan, Paris 1992, p 48. et KABLY ( MOHAMED ), Société, pouvoir et religion au Maroc à la fin du Moyen-âge, Maisonneuve & larose, Paris 1986, p 159.
4) بوشرب،  المخططات...، م.س، ص 186.
Voir aussi PERROY, Etudes…, op.cit, p 381.
5) بوشرب، المخططات...، م.س، صص 185-187.
6) نشاط ( مصطفى)، جنوة وبلاد المغرب منسنة609 إلى 759هـ ( 1212 – 1358م )، أطروحة مرقونة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة، 1997، ص 157.
7) DUFOURCQ ( CH .E ), L’Espagne catalane et le maghrib aux 13ème et 14ème siècles, presse universitaire de France, 1966, p 166 .
8) ابن خلدون (عبد الرحمان أبو زيد)، تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس خليل شحادة وراجعه سهيل زكار، دار الفكر لبنان، الطبعة الثالثة 1996، ج 7، ص 279.
9) DUFOURCQ, L’Espagne…, op.cit, p386.
10) ماريانو ( أريباس بالاو)، بنو مرين في الاتفاقيات المبرمة بين أراغون وغرناطة، مجلة تطوان، سنة 1963، العدد الثامن، ص 196.
11) نفسه، ص 196.
12) عزاوي أحمد، الغرب الإسلامي من خلال رسائله، أطروحة مرقونة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس الرباط، 1996، القسم الثاني، السفر الثاني، الرسالة رقم 277، صص 682-683.
13) نفسه، القسم الثاني، السفر الثالث، الرسالة رقم 292، ص712.
14) السـلامي ( رشيد)، وثائق مرينيـــة " مراسلات، معاهدات، ظهائر "، رسالة مرقونة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس الرباط، 1989، الجزء الثاني، صص203-204.
15) عزاوي، الغرب...، م.س، القسم الثاني، السفر الثالث، الرسالة رقم 344، صص 884-886.
16) نشاط، جنوة...، م.س، ص 158.
17) نفس المرجع والصفحة.
18) AMARI ( DI MICHELE ), I diplomi  Arabi del R. A rchivio fiorentino, Tome I, pp 1-8.
19) نشاط، جنوة...، م.س، ص 158.
20) DUFOURCQ, L’Espagne…, op.cit, pp 596-597.
21) المنوني ( محمد)، ورقات عن حضارة المرينيين، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 2، 1996، ص 143. 
Voir aussi DUFOURCQ, l’Espagne…, op.cit, pp 166,386.
22) الطيبي ( أمين توفيق )، دراسات وبحوث في تاريخ المغرب والأندلس، الدار العربية للكتاب، لبيا – تونس، 1984، صص 340-341.
23) GENICOT ( LEOPOLD ), Le XIIIème siècle européen, PUF France 1968, p 200. Voir aussi PERROY, Etudes…, op.cit, p 395. HEERS, l’occident…, op.cit, p 170.
والحريري (محمد عيسى)، تاريخ المغرب الإسلامي والأندلس في العصر المريني (610هـ/1213م –869هـ/1465م)، دار القلم للنشر والتوزيع الكويت، ط 1، 1985، ص 294.
24) المنوني (محمد)، وصف المغرب أيام السلطان أبي الحسن المريني، مجلة البحث العلمي، المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط، 1964، ص 16.
25) المنوني، ورقات...، م.س، ص 144.
26) الحريري، تاريخ المغرب...، م.س، ص 295.
27) المنوني (محمد)، تاريخ الوراقة المغربية صناعة المخطوط المغربي من العصر الوسيط إلى الفترة المعاصرة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 1، 1991، ص 58.
28) الونشريسي ( أبي العباس أحمد بن يحيى)، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب، خرجه مجموعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب،1981، ج 1، صص 75-85. والمنوني، تاريخ الوراقة...، م.س، ص 58.
29) الونشريسي، المعيار...، م.س، ج 1، ص 85.
30) نشاط (مصطفى)، قراءة في كتاب سبتة الإسلامية دراسات في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، مجلة تاريخ المغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، العدد التاسع، السنة التسعة عشر 1999، ص 161.
31)  نفس المقال والصفحة.
32) المنوني، ورقات...، ص 143. وعزاوي، الغرب...، م.س، القسم الثاني ، السفـر الثالـث، الرسالة رقم 277، صص 682-683. 
33) المقري ( أحمد بن محمد التلمساني)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968، ج 5، ص 206.
34) نشاط، قراءة، م.س، ص 164.
35) نفس المقال والصفحة.
-----------------------------------------------------
لائحة المصادر والمراجع والمقالات المعتمدة:
1. ابن خلدون (عبد الرحمان أبو زيد)، تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس خليل شحادة وراجعه سهيل زكار، دار الفكر لبنان، الطبعة الثالثة 1996، ج 7.
2. بوشرب ( أحمد )، المخططات البرتغالية خلال القرنين 15و 16م، النهضة والتراكم، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط 1، 1986.
3. الحريري (محمد عيسى)، تاريخ المغرب الإسلامي والأندلس في العصر المريني (610هـ/1213م –869هـ/1465م)، دار القلم للنشر والتوزيع الكويت، ط 1، 1985.
4. السـلامي ( رشيد)، وثائق مرينيـــة " مراسلات، معاهدات، ظهائر "، رسالة مرقونة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس الرباط، 1989.
5. الطيبي ( أمين توفيق )، دراسات وبحوث في تاريخ المغرب والأندلس، الدار العربية للكتاب، لبيا – تونس، 1984.
6. عزاوي أحمد، الغرب الإسلامي من خلال رسائله، أطروحة مرقونة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس الرباط، 1996.
7. ماريانو ( أريباس بالاو)، بنو مرين في الاتفاقيات المبرمة بين أراغون وغرناطة، مجلة تطوان، سنة 1963، العدد الثامن.
8. المقري ( أحمد بن محمد التلمساني)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1968، ج 5.
9. المنوني ( محمد)، ورقات عن حضارة المرينيين، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية محمد الخامس الرباط، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط 2، 1996.
10. المنوني (محمد)، تاريخ الوراقة المغربية صناعة المخطوط المغربي من العصر الوسيط إلى الفترة المعاصرة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1،1991.
11. المنوني (محمد)، وصف المغرب أيام السلطان أبي الحسن المريني، مجلة البحث العلمي، المركز الجامعي للبحث العلمي، الرباط، 1964.
12. نشاط ( مصطفى)، جنوة وبلاد المغرب منسنة609 إلى 759هـ ( 1212 – 1358م )، أطروحة مرقونة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية وجدة، 1997.
13. نشاط (مصطفى)، قراءة في كتاب سبتة الإسلامية دراسات في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي، مجلة تاريخ المغرب، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، العدد التاسع، السنة التسعة عشر، 1999.
14. الونشريسي ( أبي العباس أحمد بن يحيى)، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب، خرجه مجموعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغرب،1981، ج 1.
15. AMARI ( DI MICHELE ), I diplomi  Arabi del R. A rchivio fiorentino, Tome I.
16. DUFOURCQ ( CH .E ), L’Espagne catalane et le maghrib aux 13ème et 14ème siècles, presse universitaire de France, 1966.
17. GENICOT ( LEOPOLD ), Le XIIIème siècle européen, PUF France 1968.
18. HEERS (JACQUES ), L’occident aux XIVème et XVème siècles aspects économiques et sociaux, PUF Paris 1973.
19. KABLY ( MOHAMED ), Société, pouvoir et religion au Maroc à la fin du Moyen-âge, Maisonneuve & larose, Paris 1986.
20. MORERA ( JEAN CLAUDE ), Histoire de la catalogne, Editions l’harmattan, Paris 1992.
21. PERROY ( EDAOUARD ), Etudes d’histoire médiévale, Publications de la Sorbonne, Paris 1979 .

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟