الحضور المسيحي في المغرب الكبير ـ عزالدّين عناية

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse140851- يمنى القدّيس أوغسطين العائدة
يعود حضور المسيحية في المنطقة الممتدّة بين ليبيا والمغرب إلى عهود سحيقة، وقد حاز الفضاء قصب السبق من حيث الريادة التأسيسية، في ما يخصّ صياغة النص المقدّس التوراتي الإنجيلي، باللغة اللاتينية؛ وبالمثل في بلورة الخطّ الإصلاحي، أكان ذلك مع الموحِّد القدّيس أريوس اللّيبي (ت336م) المبعَد، أو في بلورة الخطّ المنعوت بالأرثوذكسي، مع القدّيس أوغسطين (354-430م) المحتَفى به. إذ تبقى المسيحية الغربية مدينةً في أصولها التكوينية للصياغات اللاهوتية، التي تطوّرت في قرطاج وثاغست (سوق أهراس) وهيبون (عنّابة)، خصوصا مع مدرسة القدّيس أوغسطين. غير أن أسْلَمة المنطقة شكّل تحوّلا انقلابيا باتجاه ديانة توحيدية مستجدّة لم تضاهيه غيرها من التحوّلات، سواء في بلاد النيل المجاورة أو في منطقة مهد المسيح وما جاورها، من حيث اكتساح الدين الوافد -الإسلام- لسابقيه نسخًا وإلغاءً.
ولئن اندثرت المسيحية الأهلية من بعض أقطار المنطقة مبكّرا، منذ مطلع القرن التاسع الميلادي، كما الشأن في المغرب، فإنها عمّرت حتى عصور متأخّرة بين الأهالي في تونس، حيث تواصل أداء النصارى الجزية بالجنوب التونسي، إلى حدود القرن الرابع عشر الميلادي. تعرّض لذلك الفقيه أحمد بن محمد المعروف بالبرزلي (المتوفى سنة 1438م)، في كتابه: "جامع مسائل الأحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكّام".

مع الكنيسة الحديثة، الوافدة مع الاستعمار، اشتدّ الحرص على بعث تلك الريادة المسيحية في الغرب الإسلامي. ونشط ذلك الإحياء إبّان الحضور الاستعماري الفرنسي، بما مثّله من فرصة منقطعة النظير، منذ تواري المسيحية من بلاد أوغسطين. فقد بادرت الكنيسة بتجميع عدّها وعتادها، من البحث الأثري إلى النشاط الاجتماعي، لبعث تلك الذكرى الحميمة لديها لإفريقية المسيحية.

وانطلق رجالات الكنيسة، كغيرهم من شتى المؤرّخين الغربيين، في تفسير حالة الذوبان المسيحي في الغرب الإسلامي، من ادّعاء يحمّل الحكام الموحّدين (1147-1269م) السبب، عمادهم في ذلك نص وحيد وموجز لا يتعدّى السّطر ونصف السطر، متح منه أغلبهم، ولا يتعلّق سوى بتونس، لا بمنطقة الشمال الإفريقي عامة. أورد النصّ ابن شداد (توفي بعد 1186م)، واستعاده ابن الأثير (1160-1233م) بقوله: "عرض الإسلام على من بها من اليهود والنصارى: فمن أسلم سلِم، ومن امتنع قُتِل". فمع القرن الحادي عشر انتهت علاقة الصداقة الرّسمية، التي كانت تربط كنيسة روما بالحاكم المسلم في شمال إفريقيا، فيما يتعلق بالنصارى الأهليين، ومنذ ذلك التاريخ دخلت المسيحية في حالة ذوبان تدريجي. والمرجّح أن اختفاء المسيحية سببه داخلي وليس خارجيا وإلا للاقت اليهودية نفس المصير. يقول المؤرّخ محمد الطالبي: إن المسيحية الإفريقية ذبلت كمصباح جفّ زيته، فلم تشهد تطوّرا فكريا يسمح لها بالتواصل. فليست العاصفة الموحّدية التي أطفأت جذوة المسيحية في إفريقية، بل نقص الزيت.

مع الفترة الحديثة كان التعلّل بالمدخل الأوغسطيني، أساس طروحات مشروعية البعث لكنيسة إفريقية، في التصوّر الكنسي، فمنذ تعيين المونسنيور ديبيش "Dupuch" أسقفا في الجزائر سنة 1838م، على إثر احتلال البلد، بادر الرجل بإذابة وصهر قطع برونز مدافع تركية متبقية وتحويلها إلى تمثال للقدّيس أوغسطين. وتمادى في حشد الرّموز المسيحية ذات الصلة بالمنطقة، فاستجلب بعضا من رفات أوغسطين، يده اليمنى. انطلقت عملية الترحيل في 12 أكتوبر 1842م من مدينة بادوا الإيطالية، وطافت عدة أبرشيات أوروبية، كانت فيها محل حفاوة من الكاثوليك. في طورينو خرج لتشييعها الملك كارلو ألبرتو، لتسْتَلم البقايا البحريةُ الفرنسيةُ في الجزائر وتحطّ الرّحال في مدينة عنّابة في الثالث من نوفمبر، أين أقيم حفل بهيج عقده والي المدينة الفرنسي ورجالات الكنيسة. كانت إعادة بعض من رفات القدّيس أوغسطين تحديا لاعتقادات الأهالي، وما كانت العملية ذات قيمة إلا لدى الأجانب وكنيستهم.

فرغم العداء المستحكم بين الكنيسة والدولة الفرنسية، وحدّة التنافر القائم بينهما فوق الأرض الفرنسية، استوجب الحضور في بلاد مسلمة توحيد الصفوف من أجل استئصال شأفة دين محمّد. وعليه اتّفق المبشّرون والسّاسة أن الإسلام في إفريقيا عدوّ فرنسا والكنيسة ولا مهادنة معه، وأن تمسيح الشعوب الإسلامية يندرج في إطار مصالح السياسة الأوروبية وضمن تطلّعات الكنيسة والفكر المسيحي عموما.

جاءت أهداف الكنيسة متناغمة مع الاستراتيجيات الكبرى لفرنسا، فقد كان الدخول البدئي للمبشّرين مؤمنا قطعا بقلب الأهالي إلى المسيحية، ثم بعد محاولات متنوّعة سيدبّ التشكّك، وفي مرحلة أخيرة، مع اليقين برحيل الغازي المستعمر، ستحاول الكنيسة التأقلم مع الأمر الواقع والمحافظة على ما أمكن في شمال إفريقيا. ولذلك يمكن الحديث في استراتيجيا الكنيسة عن مراحل متنوّعة، تقلّبت خلالها مع شوكة الاستعمار وتوجّهاته. من طموح لفرْنَسة الأهالي التي سترافقها مسْحَنتهم، عبّر عن مطامح تلك الفترة شارل لافيجري (1825-1892م) بعد أن تولى شأن الكنيسة في كل من الجزائر وتونس، ولكن أوج تلك التطلّعات سيكون مع ثلاثينيات القرن الماضي، فقد شهدت الفترة مئوية احتلال الجزائر، إضافة إلى عقد المؤتمر الأفخاريستي الثلاثين بقرطاج، وهو ما صادف الذكرى المئوية الخامسة عشرة لرحيل القدّيس أوغسطين[1]؛ إلى تشكّكات، بعد تيقّن من رفض المغاربي للفرنسة والأنجلة برغم شتى المحاولات، عبر عن تلك الفترة ليون إيتيان ديفال مع تنصيبه أسقفا على رأس كنيسة قسنطينة سنة 1947؛ ومع ترقيته في الرابع من فبراير 1954 إلى رئيس أساقفة الجزائر، كان انطلاق مرحلة أفول الكنيسة الغربية في سائر البلدان المغاربية، بحصول اليقين بغروب الفرنسة. والواقع أن تلك الاستراتيجيات ما كانت مشروطة بالواقع الفرنسي فحسب، بل كانت متشابكة مع أوضاع عالمية خارجية.

2- قرن ونصف من التبشير في الجزائر
أ- العربية والأمازيغية
حين حلّت الكنيسة ببلدان المغرب، ما كانت درايتها بثقافة المنطقة ولغاتها تسمح لها أو تؤهلها لاختراق النسيج الاجتماعي، وما كانت بشاشة المبشّر ولا ابتسامته تكفي للدخول مع النخب التقليدية في حوار، غير أن الكنيسة كان يحدوها أمل كبير في قلب الأهالي للمسيحية. يصف المؤرّخ فيديريكو كريستي في كتابه الصادر بالإيطالية "المبادرة الاستعمارية والصراع الديني في الجزائر 1830/1839" ذلك الحماس الكنَسي بقوله: كانت إيديولوجية القلب الديني ونشر البشارة، بين غير المؤمنين، متجذّرة بين رجال الدين الذين نزلوا بالضفّة الإفريقية، ممن أرسلتهم البلدان الأوروبية أو تابعوا ذيول جيوش الاحتلال. إذ يمكن قول إن فكرة التبشير –أو ما يسمونه بالكرازة- التي تستحوذ على رجال الدين متأتية من أسطورة بعيدة لم تجد تكذيبا بعد، لأنها لم تتوفّر لها فرصة التواجه مع الواقع.

فعملت الكنيسة منذ البداية على اختراق التحصّن الاجتماعي، الذي ميزه الاحتراس، بتوظيف عرب مسيحيين إلى جانبها، باعتبارهم الأقرب للأهالي. إذ رافق الحملة الاستعمارية نحو الجزائر، 14 يونيو 1830، ستة عشر قسيسا، معهم القس السوري زكّار وأخ بطريرك بيت المقدس، مع مسيحيين عرب آخرين تولوا مهمة الترجمة.

وبنزول الكنيسة بالجزائر كلّفت عربا مهمّة تعليم المبشّرين العربية، ثم في مراحل لاحقة أستعين بالجزائري محمّد بن سديرة سنة 1879، جنب كاهن لبناني من أتباع المذهب الملكاني يدعى بطرس الشامي. كان إصرار الممسكين بزمام البعثات التبشيرية على تعلّم العربية بناءً على يقين، أن ما يُقدّم بالفرنسية يبقى دخيلا على المخيال الثقافي للأهالي، في حين عرضه بالعربية والعامية أو باللّهجات الأمازيغية فهو مدعاة للقبول. ضمن هذا السياق أنشأ لافيجري "السيمينار العربي" لتكوين مبشّرين في الجزائر. وقد كان ذلك جليا منذ أن بعث معهد "الشبّان الزنوج" -Jeunes Nègres- بمالطا، المتخصّص في تكوين السود لغرض التبشير في أواسط إفريقيا.
اشترط لافيجري على الآباء البيض أن "يكونوا عربا بين الأفارقة"، بحسب قوله: "Se faire arabe avec les africains"، واشترط ألاّ يرسم قسّا ما لم يتقن العربية بشكل جيد، وما لم يعبّر بها بطلاقة. ثم في مرحلة لاحقة انصبّ اهتمام الكنيسة على الأمازيغية، لما منّت به النفس من فصل الأمازيغ عن العرب، في مواكبة لسياسة "الظهير البربري" التي اتبعتها فرنسا. وقد كرّس ذلك التوجه وايناشتر –Weinachter- (1926- 1934م) من رجالات الكنيسة في الجزائر، حيث ألح على تعلّم الأمازيغية ونظّم دورات تعليم أثناء عطل 1930م، كما أقام درسا منتظما في منطقة بونوح، وسعى في إرساء مركز لتدريس اللغة والعادات للمبشرين بتيزي وزو، مع دراسة العربية والإسلام.

كانت التوصيات المتكرّرة التي ينقلها العارفون بالتبشير في الجزائر، أن الأنجلة لشعب ما لن يتيسر لها النجاح إلا عبر لغته، ولن تكفي فيها بشاشة المبشّر. رغم ذلك لم يبذل المبشّرون الأوائل ممن عملوا في منطقة القبائل بالجزائر، طيلة سنين عدة، سعيا جادا لتعلم لغات الأهالي، لعامل نفسي متمثّل في الاحتقار والتعالي، الذي لم يستطع حتى رجل الدين التخلّص منه.

ولكن للحاجة الماسة للغات المحلّية، دشّنت الكنيسة لاحقا في المغرب الأقصى تجربة مستجدة. انطلق فيها توظيف اللغة والحضارة العربية عبر الاستعانة بألسن أبنائها، فقد لعب النشاط الصحفي المشرقي، الذي تولاّه بعض المسيحيين العرب، دورا فاعلا في تجسير الهوة بين الكنيسة الغربية الغازية والمجتمع المغربي. من بين هؤلاء النشطين في الميدان الصحفي نجد عيسى فرج وسليم القصباني من صحيفة "المغرب، 1889"؛ وديع كرم من صحيفة "السعادة، بدءا من 1906"؛ الأخوان المارونيان أرثور وفرج الله نمور من "لسان المغرب 1907-1909".

ب – لافيجري بين حماس التبشير وعراقيله
حين حلّت الكنيسة الغربية بشمال إفريقيا كانت مسكونة بوهْم مستحكم، يصف فيدريكو كريستي ذلك بقوله: ما كان المبشّر ينظر للدين الإسلامي كبنية عقدية متكاملة تحتضنها حاضنة اجتماعية، بل حشد متداخل من الأوهام والأكاذيب، سيذوب كالثلج أمام الشمس، أمام نور المسيحية الساطع. يمكن القول دون وجل، إن رجال الدين ما كانت لهم أية معرفة بالدين الإسلامي، وما كانت لهم الكفاءة لخوض أية مجادلة بشأنه. ولكن كانت تجارب الآباء في مناطق أخرى دافعا لاستلهام مناهج، ما كانت تتوفر لها الدعامات الموضوعية والقدرات اللازمة للسيطرة على فضاء مزمَع اختراقه وقلبه. وكان الهدف الذي يحدو الجميع، مشروع الكنيسة الواسع المتمثل في بعث كنيسة إفريقية، مقدّرين أنه لن يتيسر بلوغ "تونس المسيحية" و"المغرب المسيحي" إلا عن طريق بوابة المشروع الاستعماري "الجزائر الفرنسية"، الذي سيفرز طبيعيا "الجزائر المسيحية"، وتزاحمت التنظيرات للعملية حينها بدعوى أن الأهالي لن يكونوا فرنسيين حتى يصيروا مسيحيين.

كان المخطّط الذي يجول بخاطر المبشّرين يتمثل في خلق قرى عربية وأمازيغية مسيحية مغلقة، فالجزائر في منظور الكنيسة هي البوّابة الرئيسية لمسحنة مئتي مليون إفريقي. ومع وصول مكلّف الكنيسة الأساسي، الكردينال شارل لافيجري (1825-1892م)، الجزائر العاصمة في 15 مايو 1867 –مرّت على الجزائر حينها سبع وثلاثون سنة من الاستعمار الفرنسي-، لخّص مشروعه في قوله: "تكون المبادرة مع المبشّرين، لكن المهمة الثابتة والدائمة يتولاها الأهالي الأفارقة بأنفسهم، ممن سيصيرون مسيحيين ومبشّرين". كان الرجل في البداية حذرا من ردود فعل السلطات الفرنسية، التي نظرت لعمليات التمسيح بعين الريبة، لما تشكّله من تهديد للأمن العام، من شأنه أن يولّد حزازات بين الديانات المتواجدة، خصوصا وأن تجارب الأسقفين السابقين اللذين سبقا لافيجري، دوبيش وبافي، كانت ماثلة أمام أعين السلطات الفرنسية.

توفّرت للافيجري بعض الدراية والإلمام بشؤون العرب والمسلمين، على إثر إقامته السابقة بالمشرق طيلة الفترة الممتدة بين 1855 و 1862م، تولى فيها مهمة "أنشطة مدارس الشرق"، التي تطلّعت لجلْب مسيحيي المشرق إلى حاضنة كنيسة روما، بعد تراجع التأثير الروسي الأرثوذكسي هناك وفتور سلطان الإمبراطورية العثمانية، كما عاد لاحقا لتولي مهمة رعاية كنيسة سانتا آنّا بالقدس. كان قرار لافيجري لأعوانه بالإيحاء للمسلمين في شمال إفريقيا، بالإحساس بالتواضع، والتشبّه بهم بغرض جلبهم إلى يسوع المسيح. دعا معاونيه ما أن تتوفّر لهم الفرصة المناسبة لاختراق قبيلة ما، حتى يقلّدوا ما أمكن عوائدهم في الملبس والمأكل، ونهاهم عن التعرض لمسائل الدين والسعي للفوز بقلوب الناس وثقتهم. فضلا عن تعليماته للمبشرين بتقليد الأهالي في ارتداء الشاشية والبرنس وأكل الكسكسي، عوائد العرب والأمازيغ الضاربة في القدم، كما حضّهم على استعمال المسبحة أمام الأهالي، تشبّهًا بالمسلمين، حتى يتوهّم الناس تقواهم، والتي سيعدّها أتباعه المراجعون لنهجه من"التوصيات الفلكلورية".

كان لافيجري حذرا في تعامله مع الحكومة الاستعمارية، حتى لا يثير ثائرتها، ففي بداية نزوله بالجزائر اصطدم حماسه التبشيري بسياسة فرنسا التي يتولاها الماريشال ماك-ماهون، إذ بشأن الجزائر، تربط الكرسي الرسولي بفرنسا معاهدة تنظم سير أنشطة الكنيسة، تتلخّص في أن مهمّتها تقتصر على مساعدة الكاثوليك فحسب. وقد مكّن حزم الرجل نقل الخلاف القديم بين الكنيسة والدولة من إطار ضيق إلى إطار أوسع، ربطه بفلسفة الاستعمار الفرنسي. ولن تعرف تلك العلاقة انبساطها إلاّ لاحقا، على إثر اتفاقات لافيجري مع قادة الجيش الفرنسي في الجزائر، في ما يعرف في الأدبيات التاريخية بجلسة "على نخب الجزائر"–Toast d’Alger- في 18 نوفمبر 1890، كمقترح مصالحة وتحالف دائمين بين الكنيسة وفرنسا.

صادف في السنة التي حلّ فيها لافيجري بالجزائر 1867م، أن تفشّى وباء الكوليرا بين الأهالي واجتاحت البلاد مجاعة، خلّفت عدة ضحايا. تحوّلت الكارثة إلى فرصة سانحة للافيجري وأعوانه، لافتكاك تصريح من نابوليون الثالث، يسمح لهم بـ"ممارسة الإحسان"، بدعوى مساعدة المشرّدين والمعوزين من الأطفال واحتضانهم في مياتم ترعاها الكنيسة.

 بحسب المعاهدة التي تنظّم علاقة الكنيسة بفرنسا، والتي تتلخّص في برامج -Congregazione di Propaganda- كانت الأنشطة محدودة، إضافة أن التطبيق الواقعي ما كان مراعى. ففي رسالة مؤرّخة في 13 جوان 1832، أرسلها المونسنيور كاستراكاني، السكرتير العام للكونغرغاسيون إلى سكرتير الدولة الكردينال برنِتّي، بعد سنتين من السيطرة على الجزائر العاصمة، جاء فيها: "أرست البروباغاندا بالجزائر العاصمة بعثة تبشيرية، يتابع بإذنها المبشرون العمل الروحي بين العساكر والمعمّرين الفرنسيين، ولكن بناء على مهامهم الأساسية عليهم الانشغال بقلب البدو، وفسح الطريق إلى إيمان المسيح للدخول من جديد في أوساط إفريقيا".

تلك العوائق الإدارية جعلت لافيجري في البداية يجمح عن تعميد الأطفال الذين يرعونهم من ضحايا المجاعة والوباء، باستثناء من يتهدّدهم خطر الموت. ولكن ذلك المنع في الجزائر كان مسموحا بالتخلّص من تبعاته في أوروبا، لذلك تم تعميد عبدالقادر بن محمّد وأحمد بن عائشة في جانفي 1870م، من طرف الكردينال بونابرت بروما، ولم يعمَّد ثالث رُحِّل معهما خشية من عشيرته، لأنّ والدته لا زالت على قيد الحياة.

كانت المجموعة الجزائرية الأولى التي حاولت الكنيسة تربيتها برعاية لافيجري، تتركّب من 34 يتيما، أنتقوا بعناية أختبرت فيها قدراتهم الذهنية. وقد تطوّر ذلك العدد سنة 1874 إلى 62 فردا، حيث استمرّ تعليمهم قرابة خمس سنوات من 1869 إلى 1874م. ثم في مرحلة لاحقة قرّرت الكنيسة ترحيلهم إلى فرنسا لإطلاعهم على المجتمع المسيحي الحقيقي وهناك جرى تعميدهم. عانت مجموعة التجربة الأولى من الغربة جراء الاجتثاث من واقعها، فعبر جمع منهم عن رغبة في العودة للجزائر، فكان الحدث فشلا مبكّرا للكنيسة.

غير أن مراعاة تعاليم الحيطة والحذر الصادرة من الأسقفية العليا، ما كان بالانضباط الكافي في كافة الدور التربوية، سواء في "Maison-Carrée" أو في "السيمينار العربي الصغير" بسان أوجان، المنتشرة في المناطق الجزائرية، وفتح باب التعميد على مصراعيه لاحقا، وجرى تعميد العشرات بمرسيليا ممن احتضنتهم مؤسسة سان بيار أوليان، بعد وصولهم، وحدث في 26 جانفي 1872 أن عُمِّد 24 منهم بيدي رئيس أساقفة الجزائر. وبعد أشهر من ذلك، في الثاني من جويلية، ترأس أسقف كاتدرائية شمال إفريقيا الزّواجان الأولان بين هؤلاء الأيتام.

كما تم تعميد ثلاثة شبّان من منطقة القبائل في روما، وجرت المراسم في كنف السرية بكنيسة سان نيكولا دي لوران، في 24 مايو 1888، ثم عرضوا في اليوم الموالي على البابا ليون الثالث عشر، يتقدّمهم لافيجري، بصفة العملية إحياء لكنيسة شمال إفريقيا، كان ذلك بمناسبة اليوبيل. من هؤلاء المسمى امحند عكلي واثنان آخران، وبعد إعادتهم للجزائر حرصت الكنيسة على تزويج المتنصّرين، بنية التكاثر. كما جرت مراسم زواج ممسَّحين جدد آخرين خلال شهر ديسمبر 1888. فكانت بذلك أولى الزيجات المسيحية بمنطقة أوداهيا التي انطلقت فيها البعثة التبشرية سنة 1873.

يذكر جوزيف كوك أن عدد المعمّدين الأوائل في تلك الفترة بلغ مئتي صبي وصبية، من جملة ألف، كانت ترعاهم الكنيسة. وقد تم انتقاء 12 منهم أرسلوا إلى السيمينار الرسولي سان أوجان، قرب الجزائر، على أمل رعايتهم حتى يكونوا كهنة أو أطباء.

تواصل إصرار الكنيسة لصنع نخبة كهنوتية جزائرية مسيحية، فكان من بواكير إنتاجها "بن ميرة" الذي صار يسمى برتوليمي بن ميرة، والذي قدّم للبابا بيو التاسع يوم 6 ماي 1885، بمناسبة عيد الصعود، وقد توفي في 12 ماي 1931. كما نجد آخر، المسمى ميشال العربي، ترقّى إلى رتبة دينية للقيام بمهمة التبشير، توفي في أوّل أكتوبر 1911م، وثالثا لقّب بروش الصغير، توفي في 2 فيفري 1909، فضلا عن تراجع آخرين في مسيرة التكوين الديني.

رغم تلك المساعي الحثيثة، ما كانت النتائج مرضية، فقد كتب الراهب ديباش Dupêche، بعد اشتغال خمسين مبشرا، من سنة 1873 إلى سنة 1892، كانت حصيلة المعمَّدين قليلة. والحقيقة أن لافيجري أدرك صعوبة عمله منذ البداية، فقدّر أن العمل التبشيري التمهيدي سيمتد على مئة سنة، حتى يتيسر التحوّل إلى المسيحية.

ج - مشروع القرى المسيحية

مثّل التحول إلى مشروع "القرى المسيحية" التي تدعمها المشافي نقلة في العمل التبشيري، فما كانت النقاط الصحيّة منشأة في حد ذاتها بغرض مساعدة الأهالي، بل توسلوا بها إلى بلوغ مطامعهم. وكانت التوصية للعاملين ألا يعرضوا أنفسهم بصفتهم أطبّاء بل رجال الرب في خدمة المعوزين.

فبعد نجاح الكنيسة في خلق نواة مسيحية من الأهالي، كان التفكير في خطوة لاحقة، عبر إنشاء قرى محمية تعيش داخلها الزيجات الجديدة وتشتغل فيها، بغرض "رعاية القطيع الناشئ"، وجرى تفادي دمجهم مع الأوروبيين، نظرا للاحتقار الذين يكنّونه للأهالي. اقتنى لافيجري سنة 1869 في سهول منطقة الشلف بالجزائر، على بعد 120 كلم من العاصمة، أراض فلاحية للغرض، وفي 1872 حلّت مجموعة من المبشرين والمبشرات بعطّاف لتشييد قرية "سان سبريان"، وشرعوا في تسليم الزيجات المنصَّرة من الأهالي مساكن متواضعة وأراض لزراعتها، ثم توالت التجربة في عدة مناطق في "ملجأ القبائل" وفي "تعاونية منڤلاّت"، لكن تلك التجارب بقيت محصورة ولم تتطوّر حسب المرجو، مما أجبر الكردينال لافيجري على استبدال استراتيجيته بعد فشله في إنشاء قرى الأطفال العربية المسيحية، معتبرا الإحسان واللّطف والإخلاص والعدالة، الخصال التي فرضتها العقيدة المسيحية، وحدها الكفيلة بإنجاز الأعمال التي فرضت بادئ الأمر.

 

د - مستقبل الكنيسة رهين الإكليروس الأهلي

حين استتبّ الأمر لفرنسا بإرساء نظام الحماية في تونس والمغرب، اللتين ألحقتا بالجزائر السائرة في طريق الفرنسة، احتدّت رغبة الكنيسة، لتطوير وخلق مسيحية محلية يتولى شأنها الأهالي. وللتسريع بهذا الإنجاز، استلزم الأمر تكوين نخبة تمرّ عبر المؤسسة التعليمية الفرنسية والكنسية، تتشرّب خلالها الدونية للهوية الذاتية والإيمان والتماهي في فرنسا حضارة ودينا. انشغل المقيم العام الفرنسي في المغرب الماريشال ليوتاي -Lyautey- بهذا البرنامج على أمل تولية هؤلاء شأن البلاد بعد رحيل المستعمر. كان المسمّى جون محمّد عبد الجليل (من مواليد فاس 1903-1979م): أبرز تلك الوجوه. عادة ما فسّر رجالات الكنيسة ندرة تنصّر المسلمين المغاربة بصرامة ضغط المؤسسة التشريعية الإسلامية، والواقع أن الأمر بعيد عن أي ضغط مؤسسي. ففي الحالات القليلة التي نكص فيها مسلمون وبدّلوا دينهم، كانت العملية ناتجة أساسا عن انهزام حضاري هزّ البنية النفسية لدى من أطلّوا على الغرب أو التحقوا به، في ظلّ واقع حضاري يرزح تحت التخلّف الشامل، تقابله هيمنة للمستعمر على الأفق التصوّري والمعرفي. ربما حالة المسمى جون محمّد عبد الجليل، الفتى المغربي الذي تعمَّد في سن الرابعة والعشرين، سنة 1928، من الحالات المثقلة بالدلالة، التي تتفسّر ضمن أدوات التحليل النفسي والسوسيولوجي، بعيدا عن تعليلات الاهتداء الغيبي التي روّجها الكهنة بشأنه. لسنا بصدد عرض السيرة الذاتية للرجل، بل في معرض حديثنا عن مساعي الكنيسة لخلق إكليروس أهلي. فلا يخفى أن تنصّر ذلك الشاب قد أجّج حماسا بين أصحاب مجلّة "Le Maroc catholique"، التي باتت تدعو لهجران "التبشير الصامت" وبدء "التبشير الناطق".

ونظرا لأسبقية التجربة الجزائرية الكنسية في محيطها المغاربي، طرحت مسألة خلق إكليروس من الأهالي منذ 1915-1918، غير أن الناكصين الجدد ما كان بينهم من سيم كاهنا، بل ترقّوا إلى رتبة معلّمين أو مرشدين، ولم يتيسر سوى لاحقا مع 1950 و1960، ضمن ظروف مغايرة، أن صار بعض الشبان من منطقة القبائل كهنة.

ولكن مما يبدو، أن الكنيسة لم تحرز نجاحا لافتا في إنشاء إكليروس محلّي، رغم ما بذلته من جهود هائلة، سواء في تلهفها على تعميد الأهالي أو عبر إنشاء القرى المسيحية المغلقة. فقد أقرّ عديد رجالات الكنيسة أن تلك الأنشطة الكنسية كان أثرها سطحيا، ولم تتعدّ الظاهر الاجتماعي، وهو ما جعل بعض الآباء يعارضون مواصلة ذلك النهج المتلهّف، والعمل على خوض غمار تجربة أكثر نفاذا وأثرا، يعوّل فيها على العمل الفكري والثقافي.

سنة 1926، تحت تأثير الأب مَرْشال (1875-1957)، جرى سعي لإرساء معهد للدراسات التبشيرية، يمدّ حملة التنصير في شمال إفريقيا بالأدوات اللازمة. يُلزَم فيه المبشّرون الشبان بمداومة أطول لدراسة الدين والعادات الإسلامية وعلوم الشريعة وأخلاق الشعب. وهو ما سيكون بالفعل شهادة ميلاد معهد "إبلا" المتواجد حتى الراهن بتونس العاصمة، بمنطقة جامع الهواء. كان الكاهن مرْشال من أوائل الذين سعوا إلى ترجمة بعض أسفار الإنجيل إلى العربية الدارجة، أثناء إقامته بالمزاب بالجنوب الجزائري، مستعينا بمزابي أعمى في عمله. وكان من أبرز تعاليمه الإلحاح على تحويل الوسط الإسلامي إلى مجتمع مسيحي بدل السعي إلى تعميد أنفار. وقد شرح أطروحته تلك في كتابه: "الحضور الخفي للكنيسة" -Invisibile présence de l’église-، المنشور بالجزائر سنة 1950. حاول الرجل توظيف آليات علم الاجتماع وعلم النفس، للإجابة عن أسئلة محورية: لِم لا ينقلب المسلمون إلى المسيحية؟ وكيف السبيل لاختراق المسلمين الذين يبدون غير قابلين للاختراق؟ في محاولة لتفكيك تحصّن المسلم وراء ترانسندتاليا الإسلام، خلص الرجل، أن السبيل إلى ذلك ليس عبر متحوّلين إلى المسيحية بل بخلق أشباه مسلمين.

إذ كان ينظر إلى التعليم بصفته الفرصة السانحة لغرس بشارة الإنجيل، سواء عبر دروس الأخلاق المباشرة، أو عبر تكوين ملكة الحكم والتربية بصفة غير مباشرة. وضمن ذلك السياق صيغت مؤلّفات بحسب العقلية الجزائرية مثل مؤلّف الأب لويس فيدال "الأخلاق الفاعلة لتربية الأطفال الأهليين في المدارس والمؤسسات التكوينية"، والذي نشر سنة 1926 في 170 صفحة، بالأمازيغية المحكية وبالفرنسية في التبّاس.

 

هـ- الاستعمار في القراءة السياسية للكنيسة

مع احتلال الجزائر سنة 1830م، شهدت الكنيسة إحداثيات لا عهد للعقلية الكاثوليكية بها، كما شهد اللاهوت نوَازِل تجاوزت قدراته وإمكانياته، فلا مراء أن يتعامل المبشّر مع الواقع المستجد في البداية بمحدودية خبرة وضيق أفق، تسنده أوهام عن دين محمّد، أنه سيذوب كالثلج أمام نور المسيحية الساطع. يعود الأمر بالأساس لافتقاد الفكر الكنسي للاهوت أديان في التعامل مع الديانات الأخرى والحضارات المغايرة، فحصيلة قرون من التحوّلات اللاهوتية، لم تفرز ما يشبه "مؤسّسة أهل الذمة" لدى المقابل الإسلامي. فقد كان اللاهوت الكنسي لاهوتا اتّباعيا للسلطات الزمنية، وهو ما عطّل فيه قدرات الصياغة لمؤسّسة تعامل مع الآخر، تدعمها مستندات نصية وتجارب واقعية. فمع مطلع القرن العشرين بدت طروحات التعامل مع الآخر تثار في الأوساط اللاهوتية، كانت فيها الثقافة الكاثوليكية، بين عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، تجاري التوسع الاستعماري الأوروبي وتضفي مشروعية على التدخل العسكري للبلدان الأوروبية، في فضاءات عُدَّت متدنِّية حضاريا.

و- زعزعة الثورة للاّهوت

بعد قرن من التبشير في الغرب الإسلامي، كانت حصيلة الكنيسة مخيّبة ولم تبلغ الآمال المرجوّة، فما ان وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وبدت تلوح في الأفق سياسة دولية مستجدة، أساسها حق الشعوب في تقرير مصيرها، حتى دبّ وهن في تحفزّات الكنيسة وتراجعت في دعمها اللامشروط للسياسة الفرنسية.

ففي المغرب الأقصى مثلا، مع تسمية المونسنيور لويس أميدي لوفافر نائبا رسوليا في الرباط، في العاشر من أبريل 1947م، غيرت الكنيسة وجهها من الغازي إلى المحاور، لتخوض مغامرة جديدة، اضطرت حينها شهرية "المغرب الكاثوليكي"، لسان الكنيسة، للتوقّف في ديسمبر 1948، لتفسح المجال لنشاط مستجدّ. واختتم هذا المسار التحولي بنشر رسالة رسولية للمونسنيور لوفافر، في 15 فيفري 1952، بعنوان: "متطلّبات الحضور المسيحي في المغرب" تضمّنت نداء للكاثوليك بمراجعة تعاملهم مع المجتمع المغربي، ليكون في جو من الوئام والعدل.

 وفي الجزائر بات الحديث في الأوساط الكنسية عن الظلم والتمييز الذي يعاني منه الأهالي، رغم تواصل إدانة كل عمل ثوري يستهدف تحرير الشعوب المستعمَرة. فأثناء اندلاع ثورة نوفمبر، سنة 1954، التي رمت لتحرير الجزائر، كانت الصحافة الكاثوليكية، منها "الحضارة الكاثوليكية" "La civiltà Cattolica"، تصف العمليات العسكرية لجبهة التحرير الوطني بـ"الفتنة" و"الإرهاب".

ولكن عموما، كان هرم القيادة في الكنيسة الكاثوليكية حذرا من إعلان مواقف سياسية من حرب التحرير. فقد كان البابا مشغولا بتطورات الكنيسة، دون صياغة مباشرة ورسمية لموقف حول موضوع الاستعمار. فكل ما يشغل الكنيسة بالأساس حرصها للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، وهو ما كان مقدَّما على المصلحة الفرنسية المنادية بالجزائر فرنسية أو الأطراف الجزائرية المنادية بالجزائر حرّة. ولكن في ظل تلك الأوضاع المضطربة كان تعويل الكنيسة على الاستعمار أشدّ، لما بينهما من وشائج، رغم العداء العلماني المستحكم بينهما. فقد صرّح ممثّل البابا في الجزائر ليون إيتيان دوفال، رئيس الأساقفة منذ 1954، والذي تولى قيادة أسقفية قسنطينة وعنّابة مدة تسع سنوات، إن الكنيسة مدعوة لطاعة السلطات العامة التي تلجأ إلى القوة حفاظا على الأمن، وقد كان يردّد باستمرار إدانته للإرهاب العربي.

 لقد طرحت داخل الأوساط الكاثوليكية مسألة مشروعية الثورة ضد القوى الاستعمارية، عبرت عن ذلك الانشقاق "اللجنة اللاهوتية بليون"، منذ جوان 1955، حيث خصّصت ملفّا بعنوان "ملاحظات عقدية بشأن مسألة شمال إفريقيا"، جرى التطرّق فيه بالمقارنة بين حالتي الجزائر وإيرلندا، الخاضعة للنفوذ الإنجليزي.

رغم ذلك، بقيت بعض الأجنحة الكاثوليكية المتطرّفة، مثل منظمة "La cité catholique"، ترى في فرنسا موكّلةً من العناية الربانية لرعاية الحضارة المسيحية، وكانت تعتبر القمع الاستعماري للثورة حربا عادلة وضرورية. ولكن لم يخف هذا مواقف بعض رجال الدين الإيجابية من الثورة ومن تقرير المصير، مثل مواقف روبار دافيزيي، التابع إلى "بعثة فرنسا التبشيرية"، مما عرضه لتتبعات القضاء الفرنسي سنة 1959، بتهمة مساندة جبهة التحرير الوطني.

 

3- تجربة الكنيسة في الدول المجاورة

مثّلت الجزائر اختبارا طويل المدى للكنيسة في التعامل مع العقلية المغاربية، ولذلك جاءت التجربة في تونس والمغرب أكثر ثباتا منذ انطلاقتها، بناء على ما تجمّع من خبرة للكنيسة، برغم ما هزّ التجربة من تعثر في ليبيا. فنظرا لوحدة المدرسة التبشيرية، الآباء البيض الفرنسيين، في تونس والجزائر، والجناج التبشيري الفرنسيسكاني الفرنسي في المغرب، تيسّر التنسيق بين المدرستين ضمن الوحدة الثقافية واللسانية الرابطة بينهما. فقد تواجدت بالمغرب منذ 1630م "بعثة رسولية" تابعة للفاتيكان مقرّها طنجة، أعيد تنظيمها سنة 1859م لتتولى أمرها رهبانية "إخوة إسبانيا الصغار" -Frères mineurs d’Espagne- على إثر احتلال تطوان من طرف القوات الإسبانية، وهو ما جعل الهيمنة للفرنسيسكان الإسبان تستمرّ حتى تاريخ انتصاب الحماية الفرنسية على التراب المغربي سنة 1912، ليتولى المهمة الجناح الفرنسي الفرنسيسكاني لاحقا. فبعد أن تجاوزت الكنيسة في المغرب الثنائية التبشيرية الموزّعة بين الفرنسيسكان الإسبان والفرنسيين، كان تحقيق إنجازات متقدّمة في العمل التبشيري على المستوى المغاربي.

في حين نجد الكنيسة في ليبيا برغم اتصالها المباشر والقريب بحاضرة الفاتيكان، فقد انكمشت وبقيت "كنيسة عسكر"، تتابع حشود الجيوش ولا تتجرأ على الدخول في المجتمع. فالاستعمار الإيطالي في ليبيا كان يفتقر لبنية ثقافية تدعمه، رغم ما كان يدفع أهله من تطلّعات وحوافز استعمارية.

أ- ليبيا:

صارت ليبيا مبكّرا محمية دينية مسيحية تتْبع فرنسا، منذ إرساء معاهدة مع الإمبراطورية العثمانية 1740م، خوّلت لفرنسا رعاية كاثوليك البلاد العربية وصيّرت شأنهم شأنا فرنسيا، وهو ما جعل الجماعة الفرنسيسكانية المتواجدة بتريبوليتانيا، منذ 1641م، تعيش في ظل حماية الدولة الفرنسية، رغم ميولاتها الثقافية الإيطالية. ولكن مع تأسيس تنظيم "الآباء البيض"، الفرنسي الثقافة واللغة والمنبت، بدأ التطلّع للاستحواذ على الفضاء الليبي، ولم تتوقف تلك المطامع إلا باحتلال ليبيا من طرف إيطاليا، واهتداء المبشّرين الإيطاليين التام إلى ضرورة مزاوجة الثقافة الاستعمارية مع تعاليم الإنجيل.

رغم أن ليبيا شهدت تعيين أسقفها الفرنسيسكاني الأول، لودفيكو أنتومَلّي، بطرابلس مبكرا، في 3 أكتوبر 1913، إلا أن الاضطرابات التي عرفها الاستعمار الإيطالي نتيجة المقاومة، وجراء الحرب العالمية الأولى والثانية، جعلت الكنيسة لا تخلّف أثرا يذكر، سواء على مستوى الخدمات الاجتماعية بين الأهالي أو على مستوى التنصير.

ب- تونس:

منذ القرن السابع عشر، تواجدت جالية كاثوليكية معتبرة في تونس الحاضرة وفي أغلب المدن الكبرى، انتظمت أنشطتها على إيقاعات جماعة "إخوان المذهب الكاثوليكي" من الإيطاليين، المعروفين بالكبوشيين. وقد كانت أنشطة الجماعة داخلية بالأساس، تتوجّه لأبناء الجالية المسيحية المقيمة بتونس، بقي ذلك النشاط محدودا وظلّ كذلك إلى سنة 1830م، غير أن احتلال الجزائر مثل منعرجا حاسما.

فما إن استتبّ الأمر لفرنسا في الجزائر، حتى تطلّعت لبسط نفوذها على الأطراف المجاورة. وقد سبقها المبشّرون الغربيون في إرساء أنشطتهم في شتى أنحاء البلاد. فمنهم من كان يدين بالولاء لفرنسا، ومنهم من كانت صلته بروما أوثق. وأول ما سعى إليه قنصل فرنسا في تونس حينها –ماتيو دي ليسبس-، مستغلاّ شعور الفزع الذي استولى على الباي حسين وحاشيته حين بلغه خبرُ سقوط الجزائر، أن فرض عليه في 8 أوت 1830م معاهدة، نصّ فصل منها على التنازل الأبدي لفائدة فرنسا عن ربوة في منطقة بيرصة، قصد إنشاء معبد تخليدا لذكرى ملك فرنسا لويس التاسع –سان لوِي- الهالك في ذلك الموضع سنة 1270م.

لذلك عرفت حركة نشر المسيحية بتونس في عهد حكم أحمد باشا باي غفلة من جانبه، ورعاية من طرف جوزيف رافو وزير الخارجية التونسية أنذاك، ومن مترجم الباي الرسمي بوﭬور وكذلك إلياس مطلى في عهد محمد الصادق باشا.

يعتبر الكاهن فرانسوا بورغاد (1806-1866م) من أنشط المبشّرين الذين حلّوا بالبلاد، فقد نزل بتونس سنة 1840م مرافقا راهبات "أخوات الصفاء" إثر نشوب خلاف مع أسقف الجزائر، فهو مؤسّس معهد سان لويس، ومن أشهر مؤلّفاته ثلاثيته الموجهة لتنصير التونسيين: "مسامرات قرطاج" (Soirées de Carthage)، وقد ترجمه إلى العربية بمعية سليمان الحرايري، أحد خرّيجي معهد سان لويس، و"مفتاح القرآن" (Le clef du Coran)، وثالثهم "العبور من القرآن إلى الإنجيل" (Passage du Coran à l’Evangile). فقد حرص الرجل في كتابه الأول على تبسيط لغته، باستعمال مفردات عامية مستعينا بتونسي، إذ ما كان غرضه نشر كتابه في أوساط المثقّفين، وإنما تطلّع لتوزيعه في الأوساط الشعبية، مقدّرا أنهم الأوفر حظّا في تلقّي دعواه. أثار نشاط الرجل ضجيجا دون أن يخلّف تأثيرا، فهو أوّل أوروبي قلّده باي تونس نيشان الافتخار، حتى طلب منه منحه قسيسيْن، يشرفان على تعليم أبناء البلاط والحاشية بقصره بالمرسى. يعلّق عبد المجيد الشرفي على أنشطة بورغاد بقوله: ولكن انعدام أصداء "الحملة الصليبية السلمية" بين التونسيين وإن دلّ على حالة هي للموت أقرب منها إلى الحياة فإنه يدلّ أيضا على فشلها. وكان هذا الفشل من العوامل التي دفعت الكاهن بورغاد إلى مغادرة تونس نهائيا سنة 1858م والاستقرار بالعاصمة الفرنسية حيث مات في سن الستين فقيرا منسيا.

ولفهم الإيديولوجية المسيحية التي كانت وراء تطلّعات الكنيسة بإفريقيا الشمالية خلال العصور الحديثة، وخاصة بعد احتلال الجزائر، الذي مثل تحوّلا عميقا لسياسة الكنيسة تجاه الدول المغاربية المجاورة، تونس والمغرب بالأساس، ينبغي ربطها بالسياسة الاستعمارية. فقد كان الساسة ورجال الدين، يمنون الأنفس باستئصال الطابع الإسلامي لهذه الشعوب خدمة للمسيحية ولفرنسا.

فعلى إثر تطورات العمل المسيحي في الجزائر، تطلّع شارل لافيجري إلى تونس، وهو الذي لعب دورا أساسيا في التمهيد لنظام الحماية فيها، لما تمثله من رهان لبعث كنيسة قرطاج. وبدخول تونس تحت نظام الحماية، صار الشأن المسيحي من مشمولات الكنيسة الفرنسية، فولّى البابا ليون الثالث عشر لافيجري مهام تونس إضافة للجزائر. وقد أنشئت للغرض عدّة مدارس وبعثت عدّة مجلات في عهده ولاحقا، لعل المتبقية منها إلى اليوم مجلّة IBLA، التي بعثت سنة 1937. فلم يفتأ لافيجري يلحّ على إنشاء المشافي والملاجئ، فضلا عن تشييد المدارس على طول البلاد وعرضها، بمدن بنزرت وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس وباجة وجربة، وعهد بالتدريس فيها إلى كهنة "إخوان القديس يوسف"، بلغ به الحدّ إلى الإنفاق من ماله الخاص على هذ المشاريع، كما أنشئ أكبر معهد من طرف "أخوات صهيون" "Soeurs Sion" بتونس سنة 1882.

ذكر لوي ماشوال، أوّل مدير للتعليم بتونس في عهد الحماية، تواجد أربع وعشرين مدرسة سنة 1881، عشرين منها يشرف عليها رجال الدين المسيحيين، أما الأربع المتبقية، فهي المعهد الصادقي وثلاث مدارس إسرائيلية، عهد بالتدريس فيها إلى معلّمين وأساتذة لائكيين.

ولم يغب عن المشهد البروتستانت أيضا، إذ تشير إحصائيات إلى تواجد 950 عائلة بروتستانتية بتونس حتى قبيل الاستقلال، سكن جلّها في المنطقة الواقعة بين تونس العاصمة والكاف والقيروان والوطن القبلي، وأغلبها من أصول سويسرية وفرنسية. وكانت تلك الجالية تتوزّع بين المذهب الأنغليكاني والكنيسة الميتودية، ولم ينحصر نشاط المشرفين بالجالية، بل تشكّلت نواتات للتبشير بين الأهالي. فقد انشغل الأنغليكان بالخصوص بتنصير الجالية اليهودية بتونس وسوسة، في حين توجّهت الكنيسة الميتودية إلى المسلمين بالأساس.

* نصب لافيجري في مقابل جامع الزّيتونة
ما ان صادقت السلطات الاستعمارية على نصب تمثال الكردينال لافيجري عام 1925، في باب تونس بالعاصمة، باتجاه الجامع الأعظم، شاهرا صليبه فوق رؤوس المارة بيده اليمنى، والإنجيل بيده اليسرى، احتفالا بمئوية ميلاده (15 نوفمبر 1925)، حتى انتظمت مظاهرات حاشدة نادت بتنحية التمثال، شارك فيها طلبة جامع الزيتونة يتقدّمهم المصلح الطّاهر الحداد. وما أن دنت المظاهرات من مقر السفارة الفرنسية حتى هاجمتهم قوات الاحتلال، فوقع منهم جرحى وخلّفوا وراءهم كمّا هائلاً من الشاشيات والبلاغي والعمائم. كما طالت عددا آخر من الزواتنة عقوبات مختلفة، توزّعت بين الرّفت من الدراسة والسّجن والنفي.

* المؤتمر الأفخاريستي

عقد المؤتمر بين 7 و 11 ماي من العام 1930م، بمساندة معنوية ومادية من السلطات الاستعمارية، وقد رافقت عقده مظاهرات ندّدت بتصريحات كبار رجال الدين المسيحي المعادية للعرب والمسلمين، ووضْع المؤتمر تحت سامي إشراف أحمد باي وصدور اسمي الشيخين أحمد بيرم، شيخ الحنفية، ومحمد الطاهر بن عاشور، مفتي المالكية، مع أسماء أخرى ضمن القائمة الشرفية للمؤتمر. ومن ردود الأفعال الشعبية الأخرى على المؤتمر، تولّي الشيخ محمد الخضر حسين توسيع دائرة الاحتجاجات لتشمل مصر، فأصدر مكتب الأخبار التونسية بالقاهرة كتابا بعنوان "ظاهرة مريبة في سياسة الاستعمار الفرنسي – الحملة الصليبية التاسعة في المؤتمر الأفخاريستي".

عُدّ المؤتمر الأفخاريستي المنعقد بقرطاج ملحمة الكنيسة بتونس، غير أن تداعيات المؤتمر، الذي كان يعوّل أن يكون نقطة انطلاق الكنيسة، شكّل نقطة تراجعها. بما خلفه من تنبه لما تتطلّع له الكنيسة، ومن تأجيج للحس الوطني، خصوصا بين طلاّب الزيتونة وأبناء الحركة الوطنية. كان الأب الأبيض ديمرسمان، مؤسّس معهد الآباء البيض بتونس، من أشدّ المعارضين لخطة المؤتمر وتوْقيته، ليقينه بما سيمدّ به المحتجّين من ذرائع لتأجيج الشعب التونسي ضدّ الكنيسة والمستعمِر.

 

ج- المغرب:

ربطت المغرب بأنجلترا معاهدة سنة 1856م ضمن بموجبها للرّعايا والتجار الأنجليز حرّية العبادة وإقامة صلوات الجنائز على موتاهم، وهي من المعاهدات الأولى التي التزم فيها المخزن بضمان حقوق دينية للمسيحيين الأجانب. كما تلتها سنة 1861م معاهدة أخرى عقدت مع الإسبان ضمنت لهم حرية إقامة الشعائر الكاثوليكية فوق أراضي المملكة. لكن البعثات الفرنسيسكانية ما قنعت بدور ديني وإشفائي وثقافي، في التواصل مع المغاربة، بل كانت عنصرا رئيسا في التأثير على سياسة إسبانيا في المغرب. وبفعل ما ميز الكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا من متابعة وإلمام بالشأن المغربي، أهّلها ذلك للعب دور فعّال في التحريض والحث على برنامج "حرب إفريقيا" -la Guerra de Africa-.

ومع دخول المغرب تحت نظام الحماية الفرنسية في 30 مارس 1912م، قسّمت المملكة إلى ثلاث مناطق: فرنسية وإسبانية وثالثة دولية، وتبعا لتلك التقسيمات توجّب على الكنيسة التأقلم مع أوضاع النفوذ المستجدّة. وهو ما جعل الكرسي الرّسولي بالفاتيكان، سنة 1920م، يعين نائبا أسقفيا بالرباط، المونسنيور ماري لوسيان داني، من بين رجال الدين الفرنسيين. والذي سيخلّف تنسيقا وتعاونا بين رجالات الكنيسة، على مستوى الدول المغاربية، من بينه بعث مجلتين بالفرنسية بعنوانين متشابهين: "المغرب الكاثوليكي" و"تونس الكاثوليكية"، في كل من المغرب وتونس خلال 1921م.

* البعثات البروتستانتية في المغرب

شهد المغرب حضور البروتستانت مبكّرا منذ 1839 و 1847م، لكن نشاطهم بات أكثر تنظيما وفاعلية بحلول الراعي كريغتون جنسبيرغ، الروسي الأصل والبريطاني الجنسية، بأغادير، حيث ضمّ إلى جانبه فريقا من المبشّرين المتحمّسين. كان عمل ذلك الإنجيلي موجّها بالخصوص نحو الطائفة اليهودية المغربية، والتي حقّق بينها بعض النجاحات، ما دفع أعيان الطائفة للرد على الحملة بإصدار تعليمات عرفت بنص "التقانا"، والتشكّي للسلطان مولاي حسن، الذي أصدر أوامره بإبعاد هؤلاء الإنجيليين عن المغرب، مما أجبر جنسبيرغ على مغادرة البلاد سنة 1879، لتتولى زوجته وبعض المتنصّرين من اليهود مهامه بعده.

خلال 1882م، شهد المغرب موجة ثانية من التبشير الإنجيلي بمقدم الراعي ماكنتوش وانطلاق أنشطة تنظيم "British and Foreign Bible Society"، الذي تولى طبع إنجيل متّى بلندن في طبعة أمازيغية عامية لمنطقة الرّيف سنة 1887، ساعدهم في عملهم مسيحي عربي مشرقي يدعى عيسى فرج، المحرّر اللاّحق لصحيفة "المغرب، 1889" بطنجة.كما تعدّدت الحملات التبشيرية التي استهدفت المسلمين بالخصوص، فقاموا بتوزيع الأناجيل، بلغت أعداد النسخ الموزعة شهريا بمراكش وحدها ألف نسخة، وجرت الاستعانة بعشرات المغاربة في التوزيع، وسعوا كذلك لتقديم بعض الخدمات الصحيّة والاجتماعية[2]. ومع سنة 1900م تقاسمت المغرب سبع تنظيمات، ضمّت 81 مبشرا متخصّصا و 17 من المساعدين، تواجدت في 18 محطّة.

استشراف
بعد أن فقدت الكنيسة الوافدة في الراهن جلّ مواقعها في البلدان المغاربية، على إثر تجربة اتصال امتدّت زهاء القرن ونصف، تجد نفسها مع اندحار الاستعمار الفرنسي والإسباني والإيطالي، الذي توارت خلفه وحاولت لاحقا أن تجهد نفسها للتملّص من تبعاته، مجبرة على أن تسلك سياسة مغايرة تتلاءم مع حقبة ما بعد الاستعمار. لذلك تحثّ الخطى في نزع الثوب القديم واستبداله برداء الحوار، عند معالجة أي موضوع يمس الشأن الكنسي في البلدان المغاربية. ورغم أن المقولة صارت فضفاضة، فإن الكنيسة تعوّل عليها بصفتها أسلوب الاختراق الجديد، المجاري للظرفية التاريخية.

فالكنيسة تحاول أن تعرض رسالتها في الراهن تحت مبرّر الشهادة الاجتماعية، وتهدف إلى تحويل المجتمعات المغاربية إلى مجتمعات متقبّلة للمسيحية، عبر مواضيع حرية الضمير والمعتقد، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان. فأي مستقبل للكنيسة ضمن هذه الاستراتيجيا الحديثة، بعد تجربة مباشرة جرّبت فيها كل حيلة ووسيلة؟

 

[1]. شهدت الفترة مجزرة جامع كتشاوة، بعد محاصرته من طرف الجنرال الفرنسي روفيغو سنة 1932م، والتي ذهب ضحيتها زهاء أربعة آلاف ممن اعتصموا بالجامع، احتجاجا على قرار تحويله إلى كنيسة. حوِّل الجامع عنوة كنيسة، في ظل ترحيب من البابا غريغور السادس عشر، ورفع العلم الفرنسي بمحاذاة الصليب، في موكب رسمي حضره القائد الأعلى للقوات الفرنسية، معلنا بذلك تلاحم الكنيسة مع الدولة في الحملة الاستعمارية على الجزائر.

خلّد تلك الأحداث الفاجعة شاعر الثورة مفدي زكريا في "إلياذة الجزائر" بقوله:

وجامع كتشاوة المستعا               د، ما انفك رمزا لإجلالنـا؟
يناجيه في النيل أزهرنا                فيستنجدان بأسلافنــــا
دوبورمون هل دام حقد الصليب؟   أنال قريقوار من بأسنــا؟
وهل فتّ فيليب في عزمنا؟           وحط القساوس من شأننـا؟
وهل نابليون ومن وسّمته            يداه، استهان بإصرارنــا؟
وهل لافيجيري وطول الســــنين استطاع المروق بأطفالنا؟
ومهما يقيمون فيه احتفالا             فقد عاد يهفو لأكبادنا

دوبورمون هو الكونت الذي رفع الصّليب والعلم الفرنسي فوق كتشاوة، وأما قريقوار فهو البابا الذي بارك التحويل، وفيليب هو الملك لويس فيليب، الذي أصدر مرسوما يؤازر الكنيسة، ونابليون هو رئيس فرنسا الذي وسّم الكردينال لافيجري.

[2]. صيغت بعض الأزجال الشعبية معبرة عن امتعاض من ذلك التحدي الديني منها:
شيخ النصارى في صنّارة
شيخ اليهود في سفود
شيخنا في الجنة
وحْنا (ونحن) عليه شهود.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟