الغرب .. و هويتنا البيضاء ـ عبد الجبار الغراز

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse27057      عندما تعرفنا ، كعرب ، على الغرب ، قدم لنا هذا الأخير ثقافته  بشكل فج ، عن طريق تغلغله " في نسيجنا الثقافي ، على أنها تمثيل نموذجي عالمي في التدبير الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي و الثقافي و العلمي ..
       حدث ذلك بطرق مختلفة زاوجت ما بين الترغيب المتجلي في التبشير بقيم حداثية عالمية كالحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، و بين الترهيب المتجلي في التدخل العسكري و استعمال القوة المفرطة المؤدية إلى عنف و عنف مضاد .
       و عندما أحرزنا على استقلالنا السياسي ، أردنا أن نسلك النهج الذي يقود إلى معاصرة لا تقلل من قيمة ما هو متجذر و متأصل فينا ، فجربنا الخوض مع الخائضين في تجارب عدة : ليبرالية ،  اشتراكية ، قومية ... ، وتبنينا نماذج دولاتية قطرية، و لم نكن، و الحقيقة تقال ، في وضعية حقيقية للاختيار بين النموذج الأنسب لنا ، بل كانت تتقاذفنا رياح اليمين و اليسار طيلة سنوات الحرب الباردة.
      و عندما بشر فوكوياما بنهاية التاريخ ، نهاية الإيديولوجيات ، و بتحرر الأسواق و تعولم العالم ، كانت الأحادية القطبية لنا بالمرصاد تتعقب كل تحرر جدي يروم تقدمنا المنشود .. لحظتها علمنا أنه لم يحدث أي تثاقف حقيقي بين عالمنا و عالم الغرب ، فازداد نسيجنا الثقافي تمزيقا، و أصبحنا في  وضعية جبرية لا تسمح بحرية الاختيار بين نموذجه الليبرالي و بين نموذجنا الأصيل. فساد التوتر و التباعد  بيننا و بينه.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                               

     نرغب الآن، في عصر الثورة المعلوماتية، و بعد هذه التجارب المتأرجحة بين النجاح و الفشل، أن نشارك العالم و نقتسم معه هذا الإرث الحضاري العالمي الإنساني، المناهض للعبودية و المساءل مساءلة نقدية لكل أشكال التطرف و الغطرسة.
     لكن، كيف السبيل إلى ذلك و نحن لا نسعى إلى تجديد أدوات اشتغالنا السياسي، لتوسيع آفاق الرؤية و الفهم الموضوعي للأشياء المحيطة بنا، و محاربة كل جمود سياسي و تحجر عقائدي ؟
    و كيف سنستطيع الوقوف من جديد و نحن لم ندبر بشكل عقلاني اقتصادنا و ثقافتنا لحل إشكالياتنا الكبرى كالفقر و الأمية و التخلف و التبعية ، و لم نصلح منظوماتنا السياسية و التربوية و الثقافية و الفكرية على ضوء متغيرات هذا العصر المعولم ؟ 
      ينبغي أن نتحلى ، قبل فوات الأوان ،  بالشجاعة و بالحزم و بالمرونة لتكون لنا موطئ قدم صلبة في هذا العالم ، و نصنع لأنفسنا مستقبلا زاهرا يليق بنا .
     لقد آن الأوان أن نكف ، كعرب ، عن توجيه قاذفات النقد نحو بعضنا البعض ، و نعلم جميعا أن سبب كل هذا التردي و هذا الضعف الذي لحق بنا ، هو تلك الصورة النمطية التي رسمها الغرب عنا و أظهرنا ، من خلالها ، ككائنات آدمية لا عمق تاريخي و حضاري لها ..
    صورة سنورثها، و لا شك ، بوعي منا أو بدونه ، إلى أجيالنا اللاحقة ، إذا لم نع ظرفيتنا الدقيقة التي نتواجد فيها حاليا. 
        فالنكوص و الارتداد و المكر اللاشعوري و الحيل الدفاعية من أجل الحفاظ على هوية عربية " بيضاء " لا يشوبها كدر و لا تتخللها نواقص ، ما عادت آليات دفاعية تليق بنا .
       و الأمة التي تنشد الحياة هي تلك التي تبحث باستمرار عن نفسها..  فبالفحص و بالتأمل المبطن بالنقد الذاتي لأحوال وجودنا تكمن القيمة الحقيقية لنا.. 

•    كاتب من المغرب