المغرب في خضم العلاقات الدولية أثناء الحرب العالمية الثانية: لقاء أنفا يناير 1943 ـ د.محمد تلوزت بن علا

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse19071تمهيد:
إذا كانت الحرب العالمية الثانية تجد أسباب اندلاعها في آثار الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 و نتائج الحرب العالمية الأولى و تزايد التوتر في العلاقات الأوربية بين دولها الكبرى، فإن المغرب كان له نصيب في توجيه مجريات أحداثها و استفاد منها لخدمة قضيته الوطنية حيث جسد لقاء أنفا الذي احتضنه في يناير 1943 أحد مظاهر هذا الفعل. فماهي ظروف انعقاده؟. و كيف استفادت منه المغرب؟.

أولا. الظرفية التاريخية لانعقاد لقاء انفا.
أطوار الحرب العالمية الثانية.

من المعلوم أن اجتياح القوات الألمانية لبولونيا قي فاتح شتنبر 1939 هو الحدث الذي فجر اندلاع هذه الحرب كما يتفق على ذلك معظم الباحثين، و قد عرفت في مرحلتها الأولى اكتساحا لقوات دول المحور لأوربا الغربية فهاجمت ألمانيا فرنسا يوم 10 ماي 1940 و احتلت ¾ ترابها،و استولت القوات الإيطالية على المناطق الواقعة وراء جبال الألب، و نتيجة ذلك تشكلت حكومة بيتان في مدينة فيشي و وقعت شروط الهدنة مع دول المحور. و بعد ذلك في 10 يوليوز انطلقت معارك إنجلترا، و شنت إيطاليا هجوما على اليونان و مصر و أصبح البحر الأبيض المتوسط ميدانا رئيسيا للعمليات الحربية، و اشتدت الحرب و أصبحت عالمية على إثر اجتياح القوات الألمانية للاتحاد االسوفياتي في يونيو سنة 1940 كما استغلت اليابان هزيمة فرنسا سنة 1940 فاحتلت الهند الصينية، ثم قامت بهجوم مفاجئ على قاعدة الولايات المتحدة  بيرل هاربور في المحيط الهادي وأعلن الرئيس روزفيلت دخول بلاده الحرب ضد اليابان. وفي 11 دجنبر أعلنت ألمانيا و إيطاليا الحرب على الولايات المتحدة فشهدت سنة 1942 معارك ضارية بين دول المحور و الحلفاء في الكثير من مناطق العالم  مما دفع قادة دول الحلفاء بالتفكير في خطة لحسم الحرب لصالحهم فكيف ذلك؟.


2. لقاء انفا في العمليات الحربية لدول الحلفاء.

اعتبرت القيادة الألمانية أن إفريقيا الشمالية مسرحاً ثانويا للحرب لاتؤثر في نتيجتها النهائية مما سمح للقوات الإنجليزية في قناة السويس من حشد إمكاناتها القتالية فأصبح الجيش الثامن الإنجليزي أقوى جيوشها فتمكن الجنرال منكومري  Montgomryمن تنظيم هجوم مضاد ضد القوات الإيطالية في معركة العلمين في أكتوبر 1942 مستغيداً من النجدات الضخمة التي وصلته حوالي أربعمائة دبابة أمريكية، و بعد أسبوعين من معركة العلمين شرعت قوات الولايات المتحدة بقيادة الجنرال إيزنهاور في تنفيذ عملية مشعل، فانزل جيوشه في مدن الدار البضاء و الجزائر و وهران و انتزعها من سلطات فيشي

جاء إذن انعقاد لقاء أنفا بين رئيس الولايات المتحدة روزفيلت و الوزير الأول البريطاني ونسطن تشرشيل ثم الجنرال نوجيس بحي أنفا بالدار البيضاء في 14 يناير 1943 لتحقيق هدف عسكري صرف يتمثل في وضع خطة لإرغام دول المحور على الاستسلام، أما اختيار المغرب فجاء لاعتبارات أمنية و موضوعية منها قربه الجغرافي من أوربا مسرح العمليات الحربية الكبرى و وجوده في منأى عن دول المحور و لموقف محمد الخامس المساند لدول الحلفاء في هذه الحرب حيث سبق له و أن وجه نداءً إلى شعبه طالبا منه الوقوف بجانب  الدولة الفرنسية و حلفائها و تقديم كل معونة ممكنة لها منذ بداية نشوب الحرب، و حظي المغرب من قبل فرنسا بعناية فائقة خلال هذه الفترة التي سبقت اللقاء فزاره خلال الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 1942 القائد الأعلى للقوات العسكرية الفرنسية الأميرال دارلان لتفقد القوات الفرنسية والاجتماع مع الضباط، وفي نهايتها صرح الجنرال نوجيس للصحف " إن كل معتد على المغرب يأمل أن يستقبل فيه استقبالاً حسناً، سيجد أمامه أقبح استقبال، وأن شواطئنا محصنة للغاية نظير شواطئ إفريقيا الغربية، وأننا نعتمد على جيوش قوية، وسيأتي الأهالي من قبائلهم أيضاً عندما يدعون إلى ذلك."1 وقد اعتبر الوطنيون هذه الزيارة العسكرية محاولة لترويع وتخويف الشعب المغربي والحكومة المخزنية من خطر الأعداء، و ضرورة توحيد جهودهم مع فرنسا.

     ومن جهة أخرى فانعقاد لقاء أنفا على أرض المغرب اعتمد على تلك العلاقات المتينة التي تجمع بين الولايات المتحدة والمغرب و ملكه محمد محمد الخامس و مواقفه من الحلفاء . فما أبعاد هذه العلاقات و دورها في انعقاده؟.

 

ثانيا. موقف المغرب من الحرب العالمية الثانية و علاقاته مع الولايات المتحدة.

 موقف محمد الخامس من الحرب العالمية الثانية.

منذ بداية الحرب العالمية تبنى جلالته موقفا علنيا واضحاً مساند لدول الحلفاء و ذلك بعد استشارة ذوي الخبرة و المعرفة، فاعلن في الثالث من شتنبر 1939 الحرب على ألمانيا و دول المحور تضامنا مع فرنسا و قال في إعلانه« سنواصل عملنا إلى أن تنتصر الأعلام المدافعة عن الديمقراطية»[1]، و تبنت الحركة الوطنية نفس الموقف، حيث أدركت أن دول المحور لن تقدم للمغرب شيئا يذكر، و تأكد لها ذلك بعد اجتماع فرانكو مع هتلر في شتنبر 1940 في بلدة على الحدود بين اسبانيا و فرنسا، حيث عين الأول سيرانو سونييرSerrano Sunerوزيرا للخارجية و هو من اشد المتطرفين اليمينيين عداوة للمغرب، كما اتفق الرجلان على تضييق الخناق على البريطانيين في جبل طارق و احتلال اسبانيا لطنجة و هو ماتم فعلاً، ووعد هتلر فرانكو بالمساعدة على توسيع منطقة نفوذ اسبانيا في المغرب.

  و طيلة مراحل الحرب كانت لمحمد الخامس مواقف حازمة من دول المحور، فبعد احتلال فرنسا زارت لجنة الهدنة الالمانية دول المغرب العربي و قد تعاون معها في المغرب الجنرال نوجيس المقيم العام بينما رفض جلالته الاعتراف و التعاون معها، و استغل هذا الموقف فيما بعد إذ كان يذكر الفرنسيين بانه رفض  التعاون مع دول المحور في الوقت الذي خان فيه بعض الفرنسيين بلادهم[2]. و نتيجة لتباين مواقف الفرنسيين من الحرب بين مؤيد لدول المحور و مؤيد لدول الحلفاء، عبرت الحركة الوطنية منذ الإنزال العسكري للحلفاء بالمغرب في بيانات إلى وجوب  التوجه و التعامل مع الدولة المغربية و عدم تجاهلها و الاعتراف بوجودها و بكيانها المستقل الموحد[3]. إذا كانت هذه هي طبيعة العلاقة بين المغرب و فرنسا التي يكتنفها الصراع و التباين في المواقف، فما هي سمات العلاقات بينه و الولايات المتحدة خلال فترة انعقاد مؤتمر أنفا؟.

علاقات المغرب مع الولايات المتحدة غداة لقاء انفا.

كانت علاقة المغرب مع الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية متينة وتقوت مع مرور السنين، ذلك أن هذه العلاقات استفادت من الرصيد التاريخي للعلاقات بين البلدين والعلاقة الطيبة بين جلالة محمد الخامس والرئيس روزفيلت. فما هي معالم هذه العلاقات؟ وكيف استفاد منها لقاء أنفا ؟؟.

  ـ كانت مواقف محمد الخامس المؤيدة للحلفاء جلية، ولعل ذلك من العوامل التي شجعت الولايات المتحدة على الإنزال العسكري الأمريكي في الشمال الإفريقي بدءاً من المغرب، وبعد هذا الإنزال تلقى جلالته رسالة من رئيس الولايات المتحدة روزفيلت تناقلتها وسائل الإعلام مثل راديو المغرب، والإذاعة العربية في لندن وبوسطن، على يد الأميرال الماجور جنرال باطون وتتلخص هذه اللاسالة في : " أن الرئيس روزفيلت يتذكر العلاقات الودية القديمة القائمة بين المغرب والولايات المتحدة منذ نحو قرنين وفي طليعتها ما كان من الود بين سلف جلالة السلطان سيدي محمد بن عبد الله ورئيس جمهورية الولايات المتحدة جورج واشنطن، حيث أهدى للرئيس الأمريكي داراً مخزنية بطنجة ظلت مقر السفارة الأمريكية إلى الآن[4].

  وقد استعرضت هذه الرسالة هدف الولايات المتحدة من المجيء إلى شمال إفريقيا وهو تطهيره من النازية وسيطرة المحور الذي يريد التحكم فيه سياسياً واقتصادياً، وأن النصر الذي سيحصل عليه الحلفاء سيكون فاتحة عهد جديد من السلام والرفاهية للمغرب. وقد استحسن الوطنيون هذه الرسالة لما فيها من وعود طيبة لمستقبل المغرب، وإن كانت غامضة وغير كاملة.

  ومن جهته بعث على التو محمد الخامس جواب رد على هذه الرسالة حملها الأميرال باطون إلى روزفيلت بين فيها جلالته الأساس الوحيد للصداقة المغربية بقوله: " أنه ما دامت أرضنا، وما دام ديننا، وما دامت تقاليدنا محترمة فإن القوات الأمريكية يمكن أن تكون واثقة من أنها لن تجد في المغرب إلا الأصدقاء المستعدين للتعاون."1 ذلك أن المغاربة استقبلوا جنود الولايات المتحدة كما يستقبلون الأصدقاء وأن المغرب ليس على خلاف مع أمة الولايات المتحدة. ولقد استفادت الولايات المتحدة من هذه الصداقة كثيراً خلال الحرب العالمية الثانية فتم إنزال قواتها على شواطئه بدون مشاكل تذكر ومن ثمة اختير المغرب ليحتضن لقاءاً بارزاً بين روزفيلت وتشرتشل هو لقاء أنفا في مطلع سنة 1943, فماذا استفادت القضية المغربية من هذا اللقاء ومن هذه الصداقة؟.

ثالثا. دور لقاء أنفا في خدمة القضية المغربية.
ظهور شخصية محمد الخامس الملك الزعيم.

تمكن محمد الخامس بوسائله الخاصة من الاطلاع على انعقاد لقاء انفا السري، فذهب من الرباط إلى الدار البيضاء لينتهز هذه الفرصة لخدمة قضية بلاده، فحضر بعض جلساته إلى جانب القادة السياسيين الذين دعوا إليه، فالتقى روزفيلت و هو أول اجتماع يتمكن فيه جلالته من الاجتماع مع رئيس أكبر دولة أجنبية، و جلس إلى جانبه الند للند، فأعاد لشخصية سلطان المغرب هيبتها و مكانتها و سيادتها التي افقدها إياها المقيم العام منذ عهد ليوطي، فسجل هذا اللقاء انطلاق النضال السياسي المباشر لجلالته على المستوى الدولي ضد الاستعمار، حيث طرح خلاله فكرة استقلال المغرب ووحدة ترابه والتي تبلورت لاحقاً على الصعيد في تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير من سنة 1944، ثم زيارته لطنجة في أبريل 1947 ومطالبته بالحفاظ على وحدة المغرب. فلوحظ منذ هذا اللقاء حزم وثبات وإصرار في مواقفه السياسية ضد الاستعمار، مما يدل على أن جلالته بفضل خبرته وحنكته السياسية استطاع أن يكسب تشجيع الرئيس روزفيلت لوجهة نظره التي بدون شك عبر عنها خلال هذا اللقاء، و ما التضييق الذي بدأ يوجهه من طرف الإقامة العامة إلا رد فعل على صعود شخصية محمد الخامس الملك الزعيم وصلت ذروتها في غشت 1953.

التعريف بالقضية المغربية.

   استغل محمد الخامس حضوره  بعض جلسات لقاء أنفا ليطرح القضية المغربية و أساسا أمام روزفيلت وقد لقي ذلك تجاوباً من قبله و اعتبر أن النظام الاستعماري في العالم محكوم عليه بالزوال و ضرورة تمتيع الشعوب المستعمرة بحريتها و استقلالها، وقال في هذا الموضوع حسب شهادة الحسن الثاني « إننا لم نعد الآن في سنة 1830 و لا في سنة 1912، و تطلع إلى اليوم الذي سيصل فيه المغرب بيسر إلى الاستقلال و فقا لمبادئ الحلف الأطلسي متمنياً أن يكون هذا اليوم قريباً... وقال أن الولايات المتحدة لن تكتفي يومئذ بعدم وضع أية عراقيل في وجه استقلال المغرب بل إنها ستخص المغرب المستقل كذلك بمعونات اقتصادية مناسبة."[5]  وبسبب سرية هذا اللقاء فإن المعلومات حوله تبقى قليلة عبارة عن تصريحات صحفية ليس إلا، ورغم ذلك فإن هذا اللقاء شكل منعطفاً تاريخياً حاسماً في القضية المغربية في سياقها التاريخي العام ولا سيما طرح فكرة الاستقلال الحفاظ على الوحدة الترابية المغربية، ونقل الصراع ضد المستعمر من المستوى الوطني إلى الصعيد الدولي.
خلاصة:
   استفادت الحركة الوطنية بدورها من هذا اللقاء ذلك أن " زيارة الرئيس فرانكلين روزفيلت للمغرب خلال مؤتمر الدار البيضاء الشهير سنة 1943 . وتأججت مشاعر النضال السياسي التي تضاعف في عقد الأربعينات من القرن الماضي،  وحتى ولم تحصل الحركة الوطنية ومحمد الخامس على وعود ملموسة ومواقف علنية من روزفيلت فلقد شكل ذلك امتحاناً للجميع في عدم الاعتماد الكلي على المساعدة الخارجية في خدمة القضية الوطنية في هذه المرحلة. والاعتماد قبل كل شيء على توحيد الصفوف الداخلية للحركة الوطنية وتنسيقها التام مع جلالة السلطان.   

[1] - المهدي بنونة: المغرب... السنوات الحرجة. سلسلة كتاب الشرق الأوسط، الطبعة الأ,لى 1989.ص.89.
[2] -المهدى بنونة: مرجع سابق، ص,92.
[3] - تصريح حركة الوحدة المغربية، جريدة "منبر الشعب"، العدد 95، السنة الاولى، 8 نونبر 1949(إعادة نشر التصريح)
[4] -محمد المكي الناصري: رسالة خاصة إلى جلالة الملك من فخامة الرئيس روزفلت.جريدة الوحدة المغربية، العدد 297، السنة 6، 25 نونبر 1942.
[5] - الحسن الثاني : التحدي. ص25.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟