التعصب الديني وسحر الشيوخ ـ فروجة سعيداني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

 Anfasse25039    استطاع  الإنسان الأوروبي بعقل الأنوار الخروج من ظلمات القرون الوسطى، وكسر صنم الدولة الدينية، للإفلات من مخيال رجال الدين المدّعين إمتلاكهم للحقيقة المطلقة، الذين يرون أن الصدق لكلمة السماء وحدها هم المكلّفون بنشرها،  وغير ذلك من كلمات العقل وصوت المنطق فإنه زيف لا يُسمح له بإعلاء كلمته، فوزعوا صكوك الغفران على الموالين المطيعين، ونفذوا أحكام الإعدام ضدّ كل معارض ينطق بكلمات العقل وأفكار العلم، غير أنه بصحوة الأنوار  وصل الأوروبي إلى الدولة المدنية وفرض على الدين احترام العقل الانساني، فحقق النّهضة وبنى الحضارة على قواعد العلم والمنطق.
إن العقل  العربي لازال في قرون الظلام، كلمة الشيوخ هي المسموعة،  فبقي النقاش لا يخرج عن موضوعات الحلال والحرم، وفقه المرأة، ومسائل الزنا، يحددون المجالات المسموح مناقشتها، ويحّرمون الخوض فيما لا يخدم مصالحهم ومصالح أسيادهم، ليس بمقتضى العلم القرآني، ولكن حسب شروحات وتفاسير المشايخ الذين يدّعون امتلاك الأسلاف  القدرة المطلقة على فهم كلام الله، لا يقبلون الإجتهادات الا اذا صبّت في فلك أفكارهم وأفكار أسلافهم، وكل نقد أو تفسير منطقي جديد هو هدف للتكفير و الإتهام بالزّندقة، وهذا ما نجده في   التاريخ الإسلامي  ومازال قائما إلى اليوم، فابن رشد اتهم بالزّندقة والكفر في سعيه للتّوفيق بين العقل والدّين، غير أن  أروبا استفادت من أفكاره وبنت حضارتها باعتماد تصوّره في التوفيق بين العقل والدّين، فحرّرت العقل من عبودية القرون الوسطى، وفتح أبواب العلم والمنطق ليحقق ما يخدم البشرية و يسهل حياة الإنسان.

غير أن مشايخ العرب سجنوا العقول في كهف الدّين الإسلاموي والأفكار المغلوطة التي دسّتها الإسرائليات في مخيال الإنسان العربي الذي لم  يستطع الانعتاق من دائرة الدين الضيقة، الذي أعطى صورة المسلم المتخلّف المتعطّش للدماء، القاتل بلا رحمة، عدوّ الإنسان والإنسانيّة، رافض الحرية و تابع الأفكار الظّلامية.
 إن هذه الصّورة التي آل إليها المسلم العربي ماهي إلا نتاج تحجر العقول بفعل سحر الشيوخ و استبداد الحكام، لتصبح الشّعوب العربية شعوبا غبيّة غارقة في الحروب والانقسامات، والتقتيل وسفك الدّماء، فانتشر الإرهاب كالطاعون يقضي على المسلم وغير المسلم، هذه الأفكار الظّلامية خلقت وضعا لا يمكن للعرب تجاوزه إلا بسماع كلمة العقل، وتحقيق الحرية، كيف لإنسان همه في الحياة اشباع رغبة الأكل والجنس فقط أن يبني حضارة؟ كيف لشعب غارق في الفقر نتيجة غباء حكامه رغم ثروات بلاده التي تُستغل أمام عينيه لقرون أن يبني حضارة؟ كيف لشعب تسيّر حياته مجموعة من المشايخ الجهال الدّعاة للتّخلف والعيش على طريقة الأسلاف في الأزمان الغابرة لنيل الجنة ، كيف له أن يبني حضارة؟ هنا نعود لكلام مالك ابن نبي في القابلية للإستعمار. نعم الشعب القابل للإستحمار، الساكت عن حقوقه، الذي يقبل الذل والإستغلال، الذي يرى الظلم في وطنه من حاكمه ويسكت عنه لأن الشيخ قال أن الخروج عن طاعة الحاكم كفر، هذا هو الشعب القابل للإستعمار والإستدمار لأنه لم يرتقي ليكون شعبا، بل هو مجرد جماعة منوّمة بسحر الشيوخ يحكمهم رئيس غبيّ تستغلّه الحكومات وتسيّره كيفما  تشاء ويقول في الأخير هذه مؤامرة. المؤامرة ليست غربيّة المؤامرة هي مؤامرة الشيخ والحاكم ،بزراعة الأفكار الّرجعية وخلق شعب كسول ذو عقل متحجر، يُسكت بلعبة التكفير وحلم الجنة أ الجهاد لإرضاء الله، وإن تكلم عن حقه أو قارن بين وضعه ووضع الأوروبي وغيره من شعب متقدم، تنطلق كلمات الشيخ السحرية لتقول له هم كفار أمتعهم الله بالحياة الرّغدة في الدّنيا الزّائلة، أما نحن المؤمنون فنتعذّب في الدنيا الزّائلة للننال الجنة في الآخرة، فيعود الشعب لسباته و يتحمل ذل الإستعباد أو ينتحر في العمل الإرهابي مرضاة لله بغية نيل الفردوس. وهكذا يواصل إكسير الشيخ مفعوله الّسحري.
  إن إبطال تعاويذ الشيوخ و التخلص من سحرهم المقيت المنوّم للشعوب العربية لقرون لن يتحقق إلا ببترياق الإنفتاح ومراجعة الموروث الإسلامي، وذلك بالعودة إلى القرآن لتفسيره تفسيرا منطقيا حسب  مقتضيات العصر،  وتنقيحه من الأفكار الإسلاموية التي أخّرت الشعب العربي عن ركوب قطار العصر، وفاتته عمليّة البناء الحقيقي للحضارة الإسلاميّة، وولّدت ظاهرة الإرهاب والإنغلاق التي دمّرت العقول وحجّرت القلوب وأفرغتها من البعد الإنساني. مازال المسلم يعتمد احاديث مغلوطة كذريعة وحجة للقتل و الاقصاء. ان التعصب و النظر من زاوية الشعب المختار هي ما يحرك العقول العربية اليوم و الجماعات المتعصبة التي لا تقبل الاخر.إن الحلم الكبير في  تحقيق دول عربيّة مدنية تسير في نهج الحضارة الإنسانيّة، لن يقوم دون اعادة بناء الثقافة و العقول، و غربلة الموروث الذي  ينخر جسد الامة باسم الدين . كيف لدين بعث للعالمين ان يكون دين السفك والذبح؟ كيف لدين الله القائل في قرآنه الكريم " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"،   أن يكون دين قتل ؟  كيف يقوم دين إنساني يحترم العقل والإنسان، الذي يقوم على العدل والإحسان أن يفوّض عبدا ليحاسب عبادا عن أفعالهم؟  ويغصبهم  على الايمان و تقبل المعتقدات بالقوة والسيف؟.
لقد تطور الفكر السلفي الرجعي الجهادي و نما بسبب غياب ثقافة التعايش و ثقافة السلم و مخيال الانسانية في خطابات الشيوخ والأئمة الجهال، بدأ بالانحياز لما هو إسلامي، ووصل إلى الانتقام من الرافض لأفكاره سواء مسلم أو غير مسلم، الإسلامويّة التي زرعت ثقافة الارهاب والرفض والغدر، نشرت فكرة ان كل شعوب العالم تتآمر ضد العرب حاملي الإسلام ، فكرة ان الغرب هو العدو الى يوم القيامة لأنه يسعى إلى تدمير دين الإسلام والقضاء عليه. وهذه حجة كافية للقتل والتدمير و العيش في التخلف والهوان، أن التشبع بالأفكار الإرهابية أبعدت العربي عن حماية دينه بقوة العقل والعلم، واللجوء إلى قوّة السيف والسلاح، فذاق مرارة الموت والتقتيل في دوله وخراب وطنه. بعث الله بالاسلام للعالمين، كدين المعاملة الحسنة، معاملة الانسان  على أنه انسان بغضّ النظر عن أصله و دينه ولونه أو لغته، هذه التعاليم الإسلامية  الحقيقية للتعايش بين الشعوب باختلاف العروق والأديان لقوله تعالى "خلقتكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". غير اننا نجد العقدة الاصولية و اسطورة الاصل المتفوق والمختار تُحوّل الى عقيدة متزمقة لم يستطع العرب الخروج منها لقرون، موظّفين القرآن والسنة للقتل و الاقصاء.
ان التخلص من العصبية الدينية لا يمكن ان يكون الا باعتماد مقاربة الفكر الانساني الحر الذي دعا اليه القرآن، المنافي للتعليم الجامد والخطاب العقائدي المنغلق، يرفض الاسلام القرآني التعصب ويدعو الى المعاملة الحسنة للإنسان، لذلك نجد أن الاسلام القرآني نزيه مما يتهم به من تغذية الطائفية و تصعيد الاصولية و التمييز و العنف. إن استمرار فكرة الرّاعي وتقديس الشيوخ  الجهال الذين يؤمّون الناس في المساجد  وينشرون سحرهم لتنويم الشعب لمآرب سياسية ، هو منبع المصائب و مصدر إنغلاق العقول والقلوب في المجتمعات العربية، فيذهب هؤلاء الشيوخ الى الحديث باسم النبي و الاستشهاد بآيات الله التي لها مناسباتها التاريخية للدعوة لتقديس العنف واعتباره حقا طبيعيا للمسلم في اطار نشر الدين والدفاع المشروع عن دينه، انهم يفسدون عقول الشباب كما كان يفعل السفسطائيّون في البيئة اليونانية،  فيحصرونهم في فقه المرأة، و الحلال والحرام، وكره الآخر حتى التحليل والتحريم يكون حسب رغبة الأسلاف أصحاب القدرة  المطلقة على تفسير كلام الله.  بهذه الذّهنية المتحجرة أصّلوا لثقافة رجعية نلمسها حتى في المعاملات اليومية في المجتمع الواحد، غرسوا ثقافة الرفض لكل ماهو مغاير ومختلف. بهذا الأفيون  يُبعد الشباب  عن مسائل السياسة ،الحرية، الحقوق، والعدالة الاجتماعية، ويجُرون الى أفكار الجهاد، والتكفير، أو قبول الذل لنيل الجنة.ومادام صوت الشيخ هو المسموع سيبقى سحره يغشى على عيون  العرب، ويتركهم  في دائرة الرجعية، على المثقفين والعلماء العودة الى الدين السليم وما جاء به القرآن الكريم من رسالة السلام والمعاملة الحسنة، واخراج العقل العربي من ظلمة التفسيرات السلفية للدين، وذلك بتنقيح الأفكار ومراجعتها بأسايب علمية منطقية.  والابتعاد عن تقديس الأشخاص و الأفكار السلفيّة،  والعودة إلى القرآن المنزه عن نشر عقائد الظلم والقتل باسم صوت الله و العدالة الإلهية.
أنزل الله تعالى القرآن من السماء سراجا منيرا يضيئ به سبل العيش، ودعوة الى العلم و النظر الصائب، و استخدام العقل للنفاذ إلى أسرار الأمور، ونشر السلام كيف لا وتحيّة الإسلام هي السلام؟.