قداسة الجسد في التصوف الإسلامي : مداخل وملاحظات ـ هشام العلوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse08058jpgلقد اقترن مدلول التصوف بالعزوف عن الحياة، والإضراب "عن زخرف الدنيا وزينتها والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة"[1]، رجاء في التقرب من الله تعالى الذي بأمره ترفع حجب الحس، كي تنكشف الحقائق الربانية[2].

إلا إن تاريخ الصوفية وسير بعض رجالاتها، وتأملات أقطابها، تبدو جميعها أكبر من أن تنحصر في ذلك المدلول الرهباني للنسك أو تقف عند الممارسة الشعائرية للدين؛ بما أنها تقدم المتصوف في صورة المريد للنعيم في الدنيا قبل الآخرة، والعائق للحق عبر تجلياته في الخلق. فالمجاهدة ليست سوى مسلك لحظوي مؤقت، يتخلى عنه العارف، ويتعالى عن شروطه فور اعتقاده بلوغ أقصى درجات الولاية. عندئذ تسقط "عنه الشرائع كلها، من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك، و[تحلل ] له المحرمات كلها من الزنى والخمر وغير ذلك.."[3]. وكأن "العبادة" في اصطلاح الصوفية كلمة مائعة رجراجة، تتمنع عن الحدود المعجمية، ومفهوم لا يحمل أي معنى سابق عن التجربة الحسية المتفردة والخاصة: "لقد جاء الولي الوهراني سيدي محمد بن عودة الشهير بترويض الأسود إلى بيت الولي عبد الرحمان […] داخل البيت وجد سيدي محمد الولي سيدي عبد الرحمان صحبة فتيات جميلات، فأظهر بعض الدهشة: إن الحضور الإلهي، قال سيدي عبد الرحمان يدرك بين الأقراط والضفائر، أكثر منه على قمم الجبال.."[4].

إذا كان الشهرستاني قد استخلص من استقصائه للمذاهب، والعقائد والديانات التي كانت تعتمل، بتصارعها، بلاد الإسلام، أن البشر لا يستطيعون تصور الغيبيات بالعقل النظري وحده، بل لا بد لهم –بشكل أو بآخر- من قياس يتوسل بالأجسام: تشبيها أو تعطيلا؛ فإن حتمية "التجسيد" عند الصوفية لم تكن إرغاما، بقدر ما كانت نزوعا بديهيا يقدمون عليه انطلاقا من إيمانهم بأن الله "كان وجودا منزها حتى عن الإطلاق. لا يوصف بوصف، ولا يسمى باسم، ولا يعرف بحد ولا برسم. ويطلقون عليه في هذه المرتبة "العماء" […] لا يعرف نفسه، ولا يراها، ولا يدري هو من هو […] ثم اشتاق أن يعرف نفسه وأن يرى ذاته، فتعين في صورة الحقيقة المحمدية، ثم راحت الذات تنتقل من مرتبة إلى مرتبة، حتى عين الذات هوية وماهية وصفة، أو ما من شيء إلا وهو اسم إلهي تعين في مادة. والحق […] لا يرى مجردا عن المواد أبدا.."[5].


هكذا يغبن الصوفي الجسد ويزهد في رغباته، ويتجاهل ميله الطبيعي إلى الراحة والعيش الرغد، ليعود إلى ذلك الجسد مجددا، بعد إدراكه سر الحقيقة. وهي عودة يعبر عنها من خلال إقباله على مجالس السلوى والقصوف[6] والأنس ومصادقة النساء وصحبة الأحداث[7]؛ وغيرها من الطقوس الديونيزوسية المنافية للأعراف الأخلاقية والتعاليم الدينية، بحيث يضفي عليها مسحة قدسية تنتشلها من دنس الاعتيادي والدنيوي، وتسمو بها إلى مصاف الأفعال المتعالية عن قيمتي الخير والشر: "إنها بركة الولي الشبيهة بقبس النبي".

فالبركة، إذن، هي علامة حلول روح اللاهوت في جسد الناسوت[8]، وآية الصوفي النافذة في انتهاك المحظور، والتحرر من سلطة العقل والنقل، والتشبث، في المقابل، بالذوق أو شهود العيان، والاحتفاء بالمحسوس والملموس[9].

والملاحظ، أن القول بوحدة الوجود، وانبجاس المخلوق عن الخالق واتحادهما، وحلول أحدهما في الآخر، هو ترجيح لكفة العيني على المجرد، وتذويب للغائب في خصائص الشاهد، وإفراغ لذات الله في جسد الإنسان.

يقول ابن عربي:

لما أراد الإله الحق يسكنــــه     لذلك عدله خلقا وســـــــواه
  ظهرت إلى خلقي بصورة آدم     وقررت هذا في الشرائع إيمانا[10]

لذلك لا يتردد الكاشف عند وعيه هذه الحقيقة، في انكفائه إلى جسده الصغير (الجسد الشخصي) والكبير (العالم)[11]، واستجلائه للسنخ الذي يتوارى خلف الموجودات، ويتلبس بها في الآن نفسه:

وفي كل شــيء لـــــه آيــــــــــة     تدل عليه أنه عينــــــــــــه[12]
فما ترى عين ذي عين سوى عدم     فصح أن الوجود المدرك اللــه[13]

من هنا، يسوغ النساك تهافتهم على الأجسام[14]، واستحسانهم للجمال، وغرامهم بالمرأة، "وهم يقولون: "لا ندري لعلها ربنا!"[15]. يشير صاحب الفتوحات المكية، في هذا الصدد، إلى أن حب المرأة ميراث نبوي وعشق إلهي[16]، إذ إن: "شهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله، وأعظم الوصلة النكاح.."[17].

إذن، تغدو المرأة موضوعا استعماليا، يطلبه السالك من أجل العبور إلى موضوع القيمة الحقيقي: الله. ووصلة بها (النكاح) هو ذروة عشقه لها[18] الذي يعادل، رمزيا، حنينه الأبدي للتوحد بالجسد السرمدي والفناء في حضرة الألوهية[19]. حينئذ لن يجد أبلغ من كلام الحلاج وهو يستبطن صمت هذه اللحظة القدسية:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا     نحن روحان قد حللنا بدنا
  فإذا أبصرتني أبصرتـــــــه     وإذا أبصرته أبصرتنـــــــــا[20]

يتملص الصوفي من جسده الفاني الذي أضنته الرياضة، وأضعفه الهزال، وجرت عليه حوادث الدهر، ليلتحق بجسد مختلف عن باقي الأجساد، له "لحم لا كاللحوم، ودم لا كالدماء، وكذلك سائر الصفات"[21]. إنه جسد يمنح الصوفي بركة الخلود المشروط بممارسة اللذة، باعتبارها طقس تعميد ينقله من الحالة الإنسانية إلى الحالة الإلهية.

يعتمد الشيعة الإسماعيلية، في تصورهم للنبوة والولاية والإمامة والمهدوية؛ وغيرها من مستويات تأليه البشر في مذهبهم، على حديث يخاطب فيه الرسول(ص) عليا بن أبي طالب قائلا:
"لم أزل أنا وأنت يا علي على نور واحد، ننتقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية، كلما ضمنا صلب ورحم ظهر لنا قدرة وعلم، حتى انتهينا إلى الجد الأفضل والأب الأكمل عبد المطلب، فانقسم ذلك النور نصفين في عبد الله وأبي طالب، فقال الله تعالى كن يا هذا محمدا وكن يا هذا عليا"[22].

هكذا، تصطفى أعضاء الذكورة والأنوثة، دون باقي أعضاء الجسد، لاستقبال البركة أو القبس النوراني وبثهما عبر طقوس الجنس المقدس[23]. وهو اصطفاء نابع، في رأي القرطبي، من أن "أول ما خلق الله في الإنسان فرجه وقاله له هذه أمانتي أعهد بها إليه"[24].
وفي هذا السياق، أيضا، كان عضو الذكورة في التوراة يمثل موضوع تقديس، وهبة إلهية يجب صونها، بما أن الرجل العنين أو المخصي أو ذا القضيب المبتور ليس "مقبولا في مجلس الرب"[25].

من ثمة، نفهم تشديد أهل الرؤية على التعالق الكائن بين الإلهي والجسدي، وبين الحقيقة واللذة، وبين الجنس والخلود[26]، وزعم شيوخ الحلولية أنه "لا بد للفاضل منهم من أن ينكح المفضول ليولج النور فيه"[27]. يصبح الاتصال الجنسي وسيلة مثلى لتربية المريد على الطريقة، وتلقينه العلم والمعرفة اللدونيين (الحقيقة). وهي الوسيلة نفسها التي نهجتها كاهنة الربة عشتار في الأسطورة السومرية مع أنكيدو المتوحش، الذي اكتشف المدنية والحضارة عبر جسدها، "فصار [بعد ذلك] فطنا واسع الحس والفهم"[28]. وكأن الجسد، بمهاراته الشبقية والرمزية عموما، يعد محصلة لتاريخ الإنسان الدنيوي والقدسي، ومستودعا للمعارف التي تراكمت وترسبت واختمرت عبر تجاربه وممارساته.

بناء على ما تقدم، نستشف الحضور المركزي للجسد في الفعالية الصوفية، وما يتخلل سيرورتها من أحوال ومقامات، مثل: الرقص والشطح والسماع والذكر والقصوف، يتخذها "عرابة الحدس والعرفان" مدارج تحضيرية للفناء الموعود، والاتحاد المنشود بناسوت الخالق: "أما حلقة الذكر التي شاع أمرها وذاع […] في المساجد والزوايا والديار ليلا ونهارا بالجهر والقيام والقعود والإجلال والتعظيم جماعة بلسان واحد […] بالإشباع والتوسط والقصر والهيللة واسم الجلالة باللسان والصدر على حسب المراتب وتشبيك الأيدي في القيام وفي الجلوس كحالة التشهد إلى غير ذلك"[29]، من قفز وتمايل وحركات مختلفة، وإيماءات مشذبة على إيقاع يجانس بين موسيقا الشعر ونبض القلب، وتدفق الدم في الشرايين الضاربة في أنحاء الجسم من جراء تصاعد النفس، مما ينتج عنه تعبئة للحواس من شرودها واستقطاب للأعضاء والجوارح، من أجل مشاركة كلية للجسد في طقس الجذبة الجماعية التي تتحول بتواطؤ متحلقيها من مجرد عادة إلى عبادة تحقق الانجذاب الكامل والاندماج التام في الحضرة، إلى الحد الذي جعل البعض يلجأ إلى الرقص والغناء عوض الصلاة"[30]. وهو اختيار يعززه هامش الحرية الكبير الذي يوفره فضاء "الجذبة والفضاءات المماثلة له، حيث ينعتق المريد من القيود الاجتماعية والشرعية، ويتنصل من الالتزامات والمواضعات الأخلاقية التي تبطل جدواها عند عتبة حلقة ذكر، أو مجلس شيخ، أو زاوية ولي صالح[31]؛ فيطلق العنان لجسده كي يعبر، بواسطة هيجان الحواس وارتعاش الأطراف وزوغان العيون، عن وجد فاض من شدة اضطرابه، وإحساس لم تسعفه لغة التواصل القسرية.

إذن، تنمحي المسافة بين الجواني والبراني، والهوة بين النشاط الوجداني والنشاط  العضلي، إذ "لا نعثر البتة على شوق، أو رغبة أو فرح، أو على حزن من الأحزان، لا تماشيه بعض العلاقات الجسمية.."[32]. إنها مصالحة صعبة بين موطنين متنائيين، ترتهن بمدى أهلية الفرد "للحج إلى الداخل" واستغراق الباطن، والإنصات لخفوق الأحشاء. وقد تساوقت هذه السيرورة في تقاليد العديد من الطرق الصوفية مع أفعال وسلوكات تدميرية، من ضرب للرأس وجرح للجلد وتمزيق للثوب[33]، وما يصاحب ذلك من عادات تنذر الجسد، المحكوم بالزوال والمثقل بالموانع والشرائع والسنن، قربانا لولادة جديدة ثمرتها، كما قلنا من قبل، جسد خارق أشر إليه ابن عربي دون أن يغفل اقترانه بالعنف الدموي، في بوحه:
للناس حج وأنا لي حج إلى بدنـــــــي
تهدى الأضاحي وأهدي مهجتي ودمي

فإذا كان القربان يرمز إلى طقس افتداء الجسد، وفق المغزى المستخلص من قصة النبي إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، حينما استبدل الجسد بالكبش، فإن الصوفي يروم تأسيس طقس مغاير، من خلال تقديم الجسد الرميم أضحية على مذبح الخلود، حتى يظفر "بالجسد-المحج" الذي تأبى الأرض أن تأكله[34]، بما أنه يماهي بين الذات والموضوع، ويوحد ثنائية الإنسان والكون، المدنس والمقدس، وبقاموس الصوفية: الناسوت واللاهوتg


[1] - ابن خلدون (عبد الرحمان)، المقدمة، دار الجيل، بيروت، (د.ت)، ص517.
[2] - المرجع نفسه، ص519.
[3] - متز (آدم)، الحضارة الإسلامية، تعريب محمد عبد الهادي أبو زيدة، الطبعة الخامسة، دار الكتاب العربي، بيروت، د.ت، المجلد الثاني، ص36.
[4] - يورد الدكتور الميلودي شغموم، بالإضافة إلى هذه الكرامة، حكاية مشابهة لابن الفارض يتوجها بقوله: "اطلبوا الدلال". انظر: المتخيل والقدسي في التصوف الإسلامي: الحكاية والبركة، الطبعة الأولى، منشورات مجلس البلدي لمدينة مكناس، 1991، ص45-46.
[5] - البقاعي (برهان الدين)، مصرع التصوف، تحقيق وتعليق: عبد الرحمان الوكيل، دار الكتب العلمية، بيروت، 1980، هامش ص38.
[6] - وهي مجالس الأكل والشرب واللهو "وكان الصوفية في كثير من الأحيان مشهورين بكثرة الأكل وجودته حتى ليضرب المثل بأكل الصوفية". أنظر: متر (آدم)، الحضارة الإسلامية، المجلد الثاني، ص34.
[7] - المرجع نفسه، ص33-35.
[8] - الحلول معتقد غنوصي، اعتنقه الحلاج حتى أصبح الجذر الناظم لشطحاته. يقول في الطواسين:
سبحان من أظهر ناسوته    سر سنا لاهوته الثاقـب
ثم بدا في خلقه ظاهــــرا    في صور الآكل والشارب
أنظر: متز (آدم)، المرجع نفسه، ص61.
[9] - شغموم (الميلودي)، المتخيل والقدسي، مرجع مذكور، ص161.
[10] - ابن عربي (محيي الدين)، الفتوحات المكية، دار صادر، المجلد الثاني، ص321.
[11] - يطرد التناظر في الأدبيات الصوفية بين الجسد كعالم صغير والعالم كجسد كبير، فالغزالي يماثل العظام بالجبال، والشعر بالنبات، واللحم بأديم الأرض، والدم في العروق بالماء في الوديان والأنهار. أنظر:

HOGGA (Mustapha) ; « Corps, pouvoir et mystique chez Gazali », in Revue de la Faculté des Lettres et des Sciences Humaines de Marrakech, Actes du colloque, le corps et l’image de l’autre, n°5, 1989, p82.

وقد يصل هذا التناظر في فكر ابن عربي إلى حد التشاكل بين الله والإنسان والوجود، فيما يصطلح عليه بالإنسان الكبير.
أنظر: البقاعي (برهان الدين)، مصرع التصوف، ص38.

[12] - ابن عربي (محيي الدين)، الفتوحات المكية، المجلد الأول، ص272.
[13] - المرجع نفسه، المجلد الثاني، ص321.
[14] - يقول ابن عربي:
فتراه عندما يشهده    راجعا للكون يبغي البدنا
أنظر: الفتوحات المكية، المجلد الأول، ص274.
[15] - الأشعري (أبو الحسن)، مقالات الإسلاميين، المكتبة العصرية، بيروت، الجزء الأول، ص344.
[16] - الفتوحات المكية، المجلد الثاني، ص190.
[17] - البقاعي (برهان الدين)، مرجع مذكور، ص145.
[18] - يصف ابن عربي الانتقال من حب المرأة إلى حب الله، بهذين البيتين:

فغاية الحب في الإنسان وصلته       روحا بروح وجثمانا بجثمان
وغايـة الوصل بالرحمان زندقة       فإن إحسانه جزء إحســـان
أنظر: الفتوحات المكية، مرجع مذكور، المجلد الثاني، ص320.

[19] - لقد اكتشف التصوف الإسلامي "حقيقة تبدو متناقضة لأول وهلة، ألا وهي أن بقاء المريد لا يتيسر إلا عن طريق فنائه". أنظر: حميش (بنسالم)، كتاب الجرح والحكمة"، الفلسفة بالفعل، الطبعة الثانية، دار الطليعة، بيروت، 1988، ص180
[20] - متز (آدم)، الحضارة الإسلامية، مرجع مذكور، المجلد الثاني، ص63.
[21] - الشهرستاني (أبو الفتح)، الملل والنحل، مكتبة الحسين التجارية، القاهرة، 1948، الجزء الأول، ص149.
[22] - حديث بلا سند، ينسبه الشيعة إلى الرسول (ص). وارد ضمن الربيعو (تركي علي)، العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، بيروت، البيضاء، 1994، ص101.
[23] - إذ إن القبس النوراني أو البركة التي تنزلها العناية الإلهية، في شكل قطرات مطر وندى على الفواكه والمياه العذبة، عبارة عن خميرة نامية مجتمعة لطيفة، يكون مستقرها في عضوي الرجولة والأنوثة. ويبدو أن الملامسة التي تقع بين العضوين تهدف إلى جسدنة تلك الخميرة وتجليها الحسي في شخص النبي أو الولي أو الإمام. انظر: المرجع نفسه، ص102.
[24] - وارد ضمن، الربيعو (تركي علي)، العنف والمقدس والجنس، المرجع نفسه، ص112.
[25] - لبيب (الطاهر)، سوسيولوجيا الغزل العربي (الشعر العذري نموذجا)، ترجمة مصطفى المسناوي، الطبعة الأولى، عيون المقالات ودار الطليعة، البيضاء، 1987، ص113.
[26] - مورس الجنس في معظم الحضارات الإنسانية القديمة، على أساس أنه يبعد الموت وتهديداته، ويطيل الحياة، ويخفف من حدة الإحساس بالزمن والحدود. أنظر:
Foucault (Michel), La volonté de savoir, éd. Gallimard, Paris, 1976, Réédition, 1988, p77.
[27] - متز (آدم)، الحضارة الإسلامية، مرجع مذكور، المجلد الثاني، ص67.
[28] - الربيعو (تركي علي)، العنف والمقدس والجنس في الميثولوجية الإسلامية، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، بيروت-البيضاء، 1994، ص96-97.
[29] - وارد ضمن: مجموع رسائل أبي عبد الله محمد العربي الدرقاوي في التصوف وآدابه، تمهيد: الشيخ أبي العباس سيدي أحمد بن محمد الزكاري، دار الطباعة الحديثة، الدار البيضاء، (د.ت)، ص11-12.
[30] - ضريف (محمد)، مؤسسة السلطان الشريف: محاولة في التركيب، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1988، ص104.
[31] - تتبع ابن الموقت في رحلته المراكشية مجموعة من البدع، والانتحالات –وفق تعبيره- التي جاشت بها جل المواسم، وكرستها بعض الطوائف والزوايا. وهكذا يقول عن الطائفة القادرية: إن فرقة منها "اتخذت آلات اللهو والسماع [الآلات الموسيقية] […] ثم يقوم البعض الآخر ويرقص حسب الطباع ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه كالذي يتخبطه الشيطان من المس، ويجتمع على هذه الفرقة عدد من النساء ما كان من الجمال بمكان. ولو نظرت في حلقة هذا الذكر على زعمهم الفاسد، كيف تهز النساء أعطافهن، ويكشفن عن وجوههن وصدورهن بين هؤلاء الغافلين، لرأيت منكرا عظيما تتقشعر منه الجلود..". ويبدو أن خروج هذه الطائفة وغيرها من الطرق الصوفية عن حدود الحشمة الاعتيادية. وإجارتها للاختلاط بين الجنسين متحدية عين الرقيب ومستفزة المشاعر السنية والفقهية الضابطة للمجتمع، كما تعكس ذلك ثورة صاحب الرحلة المراكشية، هو تغذية للحسية، في رأي الدكتور الميلودي شغموم، وانتصار للجسد ككينونة خالصة، بدون ذاكرة ولا انتماء ولا هوية ثقافية.
راجع: المتخيل والقدسي في التصوف الإسلامي، مرجع مذكور، ص، 221-228.
[32] - برجسون (هنري)، رسالة في معطيات الوجدان البديهية، ترجمة: كمال يوسف الحاج، منشورات كنوز الفكر الغربي، رقم 1، 1945، ص25.
[33] - وهي خاصية مميزة للطائفتين العيساوية والحمدوشية، أثناء مواسمهما الدينية التي تصادف ذكرى المولد النبوي. يشير المؤرخ مولاي عبد الرحمان بن زيدان في معرض حديثه عن "الحمادشة"، إلى أنهم يجلبون على رؤوسهم بالمعاول والفؤوس ويحاربونها بالعصي وزبر الحديد ولا كحرب البسوس". أنظر: إتحاف أعلام الناس، الطبعة الحجرية، الجزء الخامس، ص459.
[34] - لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله حرم على الأرض أكل أجساد الأنبياء. (انظر: ابن قيم الجوزية، الروح، ص85-86). وما دامت الولاية الصوفية محاكاة للنبوة إلى حد كبير، فإن الولي لا يتردد في حشر نفسه و"جسده" ضمن زمرة الأنبياء.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟