الشباب و الإدمان - جعفر حسين

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasseآفة المخدرات و تعاطيها من المشاكل الأساسية التي تواجه الشباب العربي في العصر الحالي، و وفقا لآخر إحصائية لمنظمة الصحة العالمية فقد بلغ عدد المدمنين على المخدرات في الوطن العربي حوالي 10مليون مدمن، و يتوقع زيادة الأعداد نتيجة لانخفاض أسعار المخدرات و زيادة معدلات البطالة
و الاحباط لدى الشباب.
و في هذه القراءة العلمية التأليفية حول الشباب و الإدمان سنركز فيها على تقديم تعريف للمخدرات، ثم سنحاول، تقديم أسباب هذا الإدمان و أضراره، و بعد ذلك سنتطرق إلى الظاهرة في تونس، و أخيرا تقديم بعض المقترحات للحد منها. 
تعرف المخدرات على أنها، كل مادة طبيعية، أو مستحضرة في المعامل من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية الموجهة إن تؤدى إلى حالة التعود والإدمان المكررة ويضر بالصحة الجسمية والنفسية والاجتماعية للفرد والجماعة.
و في تعريف آخر هي كل مادة يترتب على تناولها إنهاك في الجسم والتأثير على العقل حين تكاد تذهب به وتكون عادة الإدمان التي تحرمه القوانين الوضعية، وأشهر أنواعها الحشيش، والأفيون، والمورفين، والهيروين، والكوكايين، والقات... وغيرها.
أما فيما يتعلق بالأسباب فإننا في البداية سنعتمد التفسير الاجتماعي للإدمان والتعاطي باعتبارها مشكلة اجتماعية، إذ تنطلق جهود المجتمعات عبر وسائط التنشئة الاجتماعية (الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام...الخ) نحو السيطرة على التغيرات، والتحولات الاجتماعية لتوجيهها نحو الأفضل بصورة تقلل الفاقد الاجتماعي، وترفع من درجة العائد التنموي، وتتفق معظم الدراسات الاجتماعية حول التعاطي والإدمان أن الوقاية خير من العلاج، والوقاية الواعية القائمة على تخطيط فعال متكامل تتضامن فيه الهيئات والمؤسسات المعنية في المجتمع، تأتى المرتبة الأولى مكافحة التعاطي والإدمان والذي يشكل أخطر الأمراض الاجتماعية المعاصرة.

ويرجع اهتمام العلماء بالبحث في العوامل الاجتماعي إلى حقيقة أثبتتها العلوم الإنسانية الحديثة كعلم الاجتماع، الخدمة الاجتماعية، علم النفس مؤداها أن سلوك الفرد هو إلى حد كبير، نتاج للظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يولد وينشأ فيها، فليس هناك كائن إنساني واحد ينشأ بمعزل عن المجتمع الذى هو فيه، أو يستطيع أن يهرب من تأثيرات هذا المجتمع في تكوينه ونموه الشخصي، وفي أفكاره وقدراته العقلية واتجاهاته وخصائصه الانفعالية فالشخصية الإنسانية هي بصفة أساسية، نتاج لتاريخها الاجتماعي.
والسلوك الإنحرافي يعتبر فعلاً اجتماعياً حسب رأي (دوركايم)، و الذي يرى أن الظاهرة الاجتماعية من أي نوع يجب أن تفسر بظاهر اجتماعية أخرى ولا يمكن تفسيرها بالرجوع إلى ظواهر نفسية أو أية ظواهر أخرى غير اجتماعية.
أما "روبرت مرتون" فيرى في متعاطي المخدرات وإدمانها استجابة انسحابيه من جانب المتعاطي، الذي يجد أن سبل النجاح مغلقة أمامه، كما أنه لا يستطيع ارتكاب أفعال إجرامية تحقق أهدافه لعجزه عن ذلك.
كما يرى "قبريال تارد" أن السلوك الإجرامي " التعاطي، الإدمان وغيره) ينتقل من الأعلى إلى الأسفل، حيث يقول أن الجريمة عي حقيقة اجتماعية تنشأ وتتكون وتتطور وفق قوانين أساسية يخضع لها جميع أفراد المجتمع، وهذا هو قانون التقليد، ومثال "تارد" في ذلك "ظاهرة تناول الكحول".
أما "سذرلاند" فيرى أن السلوك الإجرامي سلوك مكتسب ، وليس موروثاً وعن طريق التفاعل مع أشخاص آخرين خلال عملية الاتصال، "وسذرلاند" في نظريته "الأخلاط التفاضلي" أن كل شخص ينطبع بالطابع الثقافي المحيط به ويشتبه به، ما لم تكن هناك ثقافات أخرى تتصارع مع الثقافة المحيطة به، وتوجهه إلى طرق مختلفة كذلك أثبتت كثيراً من الدراسات والأبحاث الاجتماعية تأثير العوامل الأسرية (أسرة مفككة، أسرة منحرفة، انشغال الأسرة بالكسب، أو بالنجاح، ضعف الوازع الخلقي عند الوالدين، كثرة المشاكل العائلية........وغيرها)، في السلوك الإنحرافي، كما يؤثر سوء استخدام وقت الفراغ وعدم توظيفه التوظيف الأمثل في السلوك الإنحرافي.
أما الأسباب الأخرى، فتتمثل أولا في الضغوط النفسية يصفها البعض منهم بالكبيرة نتيجة الفشل و الإحباط في عمل ما ولكي يحاول نسيان مرارة ذلك الإحباط أو الفشل فانه يلجأ الى المخدرات كمتعاط ثم ما يلبث أن يصبح مدمناً عليها ويرجع البعض الأخر أسباب التعاطي الى شعور الشخص بنقص نتيجة مرض يعيقه أو عاهة جسمانية أو تشوهات خلقية أو شعور الشخص بنوع من التأنيب للضمير على عمل أقدم عليه وتسبب بأذى لشخص آخر ظل هاجس الشعور بالذنب يطارده ولكي يتخلص منه لجأ الى المخدرات كما كشفت كثير من جلسات المعالجة النفسية للمتعاطي عن أن هناك أسبابا تتعلق بالغنى والفقر، فقد
يرزح البعض عند عقدة عدم امتلاكه وغيره يمتلك أو غيره يتمتع وتطغى عليه سعادة ورفاهية العيش وهو يعاني من الفقر يندفع للتخلص من هذه الآلام نحو تعاطي المخدرات وقد يدفعه التعاطي الى الاتجار بالمخدرات بها لغرض الوصول الى تحقيق اعلي المكاسب ومضاهاة الأغنياء، كما يعاني كثير من المتعاطين من عدم الرضا الحياتي وبشكل كبير بسبب البيئة التي يسكن فيها، حيث أن للبيئة التي يسكنها المتعاطي دورا كبيرا في ذلك إذ إنها توفر فرص الانحراف وخاصة إذا كانت موجودة وخارج اهتمامات المجتمع والحكومة كل هذه و أسباب أخرى نفسية تدفع بالأفراد الى تعاطي المخدرات والانغماس في أجوائها.
و من العوامل المهمة في هذا الجانب أن المدمنين يفقدون اهتمامهم بالحياة و يكونون غير مبالين سواء عاشوا أو ماتوا لذا فإن الحياة عندهم رخيصة و أرخص بكثير من ثمن المخدر.
أما السبب الثاني فمتمثل في دور الاسرة، إذ أن للأسرة دورها الايجابي في الرعاية والحماية والتنشئة الصحية لأفرادها والوفاء بالحاجات الأساسية البدنية والصحية والتربوية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية لهم وغير ذلك من احتياجات مستجدة وتأثيرها الكبير في تشكيل الاتجاهات والقيم وضروب السلوك، فانه يمكن أيضا إن يكون لها دور سلبي إذا ما سادت فيها أجواء التوتر والاضطراب والمشكلات المرضية والتعرض للأذى وتعاطي المخدرات.
ومن أهم ما يتمخض عنه الاضطراب والتفكك الأسري هو ما يجلبه غياب الأب بسبب الانفصال بالهجر أو الطلاق أو الوفاة من مخاطر كبيرة لمشكلات وجدانية في الشخصية كذلك اقتصاد المودة والحب والتفاعل الأسري الايجابي وكل ذلك آو بعضه قد يسهم في مشكلات تكون إحدى آليات الهروب منها هو تعاطي المخدرات والاعتماد عليها.
وللتفكك الأسري والنزاعات العائلية التي تنشب داخل الأسرة الواحدة أو أجواء التوتر الدائمة بين أطراف الأسرة وخاصة الزوجية التي تلقي بظلالها السلبية على الأبناء إذ يفقدون الحب والحنان والعطف الأسري وهم في مقتبل العمر مما يدفعهم للتخلص من واقعهم المتفكك الى الارتماء بأحضان رفاق السوء إذ يكونون لقمة سائغة لمروجي المخدرات وتجارها.
و فيما يخص السبب الثالث فهو تقني بحت وذلك من خلال ازدياد المخترعات العلمية لكثير من المواد الكيميائية السامة التي تشابه في الخواص والتأثير المخدرات المنتجة طبيعيا كالكوكايين و الهرويين الصناعي بل قد تتجاوز قوته التأثيرية المنتج الطبيعي فيندفع المتعاطي والمدمن الى تداولها واستخدامها لأنها تعطي نشوة اكبر. وتطور وسائل الاتصال و الإعلام وما تنقله صور الأفلام السيئة أو برامج التلفاز من صور تؤدي بشكل غير مقصود الى تعليم الأفراد كيفية تعاطي المخدر وتزايد إنتاج المركبات الصيدلانية التي تستخدم كوسائل علاجية وتسكين الآلام يلجأ البعض من ذوي النفوس المريضة الى سوء استخدام هذه التراكيب التي أعدت أصلا للعلاج والوقاية من الأمراض وتطور وسائل النقل التي قادت الى سرعة تداول المواد المخدرة.
وأخيرا عامل مهم رابع هو ضعف الوازع الديني الذي يقود الى الوقوع في شراك المخدرات ذلك إن من يتمسك بقيمه الدينية فلا شك في انه يكون بعيدا عن مواطن الزلل والخطأ و نعلم هنا أن جميع الأديان قد حرمت إيذاء النفس البشرية وجعلته خطيئة لا تغتفر ونوعا من أنواع الانتحار الذي يستحق فاعله التخليد في نار جهنم ذلك أن الله تعالى قد سخر لبني آدم كل ما في الأرض ليختبره فقد قال تعالى (أنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا) أي يريد الله تعالى تسخير كل شيء على الأرض أن يعلم المفسد من المصلح، و كل ذلك حسب تحليل الخطاب الديني للمسألة.
هذا على مستوى الأسباب أما على مستوى أضراره، فيمكن حصرها في أضرار مختلفة،
أضرار الاجتماعية: فالإدمان مرض يصيب الفرد والمجتمع فبالإضافة إلى الأمراض والمشكلات التى تلحق بالمدمن فإن البنيان الاجتماعي ينصدع وينهار حيث تتفكك الروابط الأسرية وتتدنى قدرة الإنسان على العمل فيقل الإنتاج كما يتزايد عجز الشباب عن مواجهة الواقع والارتباط بمتطلباته وتتفاقم المشكلات الاجتماعية وتكثر الحوادث والجرائم .
ومن المشكلات الاجتماعية التى تنجم عن الإدمان كثرة المشاجرات الأسرية والطلاق وتشريد الأبناء وكثرة العنف والاغتصاب والسرقة والقتل بالإضافة إلى كثرة المخالفات القانونية .
وقد يضحى المدمن بسبب الرغبة الملحة فى اقتناء المخدر بأولاده حيث يفضل شراء المخدر على شراء الطعام والكساء و الالتزام بمتطلبات الحياة لأسرته ، بل قد يرمى بأولاده فى أحضان الرذيلة والفساد .
أما الاضرار النفسية: لتعاطي المخدرات آثار نفسية خطيرة تلحق بالشخص المتعاطي ومن ذلك الآثار شعوره الدائم بالخوف والاضطهاد وضياع أهدافه من الحياة وكثيراً ما يفكر فى الموت ، هذا بالإضافة إلى أنه يفقد الفاعلية والنشاط وجميع العادات الحسنة المتمثلة فى الأتي :
-   الانقطاع عن الاستحمام.
-   الإهمال فى الهندام.
-   سوء التغذية.
-   الانعزال عن المجتمع والناس المألوفين له سابقاً.
-   الشعور بالقلق والتدثر وهذا يأتي بعد النشوة المؤنثة و فى الغالب قد يصل البعض إلى الجنون.
ثالثاً الاضرار الاقتصادية: إذ تشكل تجارة المخدرات وإدمانها والمشكلات التى تنجم منها خطراً جسيماً يهدد الكيان الاقتصادي لدول العالم أجمع فقد أعلنت الأمم المتحدة أن الأموال التى تصرف وتنفق فى مجال تجارة المخدرات تقدر بحوالي 300 مليار دولار وهذه الأموال تنفق من أجل:
1- مكافحة تهريب المخدرات وكذلك التى تنفق فى مجال توزيعها داخلياً ففى مصر مثلاً تنفق ميزانية كبيرة من ميزانية الإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية وجزء من ميزانية المباحث العامة و الذي يغطى أشغال هذه الإدارة بموضوع المخدرات والأمر لم يتوقف على ميزانية وزارة الداخلية فقط بل تعدى جزئاً من ميزانية وزارة الدفاع الذي تخصصه لمكافحة المخدرات ممثلاً ذلك فى ميزانية سلاح حرس الحدود وخفر السواحل بمكافحة التهريب من الداخل إلى الخارج والعكس ثم هناك وزارة العدل التى تنفق قدراً من ميزانيتها لتغطى أشغال آليات السلطة القضائية بقضايا المخدرات كما يغطى انشغال مصلحة الطب الشرعي بمتعلقات هذه القضايا.
2- هذا فضلاً عن الأموال التى تنفق من أجل إنشاء المصحات النفسية وعلاج الإدمان، كما ينتج عن انتشار المخدرات تزايد البطالة فى المجتمع والعاطلين عن العمل إما بسبب الإدمان أو بسبب المضاعفات الناشئة عنه
3- إضافة إلى ذلك هناك أموالاً طائلة تنفق على السجون التى يزج بها متعاطى المخدرات وتجارها من حيث تموينهم والإنفاق عليهم هذا فضلاً على تأثر أسر هؤلاء المساجين بدخول عائليها للسجن لسوء أحوالها المادية مما يجعل البعض ينحرفون نحو تيار الجريمة والضياع .
4- وهناك أموالاً أخرى تنفق من أجل مكافحة مرضى الإيدز الناتج عن إدمان المخدرات وأجراء الأبحاث والعلاج فضلاً عن مصحات العلاج للمدمنين ورواتب الأطباء والمساعدين والمعدات الطبية وبناء السجون الجديدة وزيادة أعداد القائمين على حراسة تجار المخدرات المدمنين وكل هذا يؤدى بالإضافة إلى إنفاق الأموال الطائلة فإنه يشغل مجموعة كبيرة من الأفراد عن القيام بأعمال افتتاحية أخرى ويسبب بالتالي خسارة اقتصادية للمجتمع .
رابعاً الأضرار السياسية: المخدرات لها أضرار تصيب الأمن القومى نتيجة تعاطيها والاتجار فيها وتهريبها ، فهذه المواد ما هي إلا سلاح فى يد الأعداء لا تقل فتكا وتدميراً عن أى سلاح حديث عرفته الحروب المعاصرة ، ويزيد من خطورة المواد المخدرة أنها سلاح غير مشهر ، تبث سمها فى ابدان ضحاياها دون أن تبرق أو تنفجر فتسمع ، فهى سلاح لا يصيب المحاربين فقط ، يتعدى الأمر إلى الآمنين أيضاً لذا لم تتورع بعض الدول عن استخدامها لكسر شوكة الشعوب وتهديد مقوماتها وتقويض كيانها الداخلي وقد تلجأ دولة إلى استخدام هذا السلاح للنيل من الدولة التى تحاربها فقد لجأت اليابان فى غزوها للصين التى يتجاوز عدد سكانها خمسة أضعاف عدد سكان اليابان قبل الحرب العالمية الثانية إلى نشر المخدرات في الأراضي التى احتلتها ، وتهريبها إلى الأراضي التي لم تكن بعد مستهدفة بذلك القضاء على حجة النضال وروح المقاومة فى أبنائها بأقل جهد وأخطر سلاح وقد خصصت اليابان جانباً من ميزانيتها لإقامة مصانع لاستخراج مشتقات الأفيون مثل المورفين والهيروين والكوكايين وأباحت تعاطي المخدرات التى حرمتها فى بلادها فانتشرت حوانيتها فى كافة المدن والقرى.
و خامسا الأضرار الصحية: إن مدمني المخدرات يعانون بصفة دائمة من الضعف العام ، والتدهور فى كافة جوانب حياتهم الصحية إلى الدرجة التى يعجزون فيها عن القيام بأى عمل فهى مهما كان سهلاً، بالإضافة إلى التسمم الناتج عن إدمان الكحوليات ، والتليف الكبدى الذي يؤدى فى كثير من الأحيان بحياة المدمن.
فالمخدرات تعمل على تدمير الشخصية وخاصة فى التعاطى لسنوات طويلة حيث يؤدى استعمال المخدر فى النهاية إلى أن يصبح الشخص خاملاً راكداً بطيئ التفكير إلا أنه إلى جانب هذا الوصف العام لأثر المخدرات على الصحة فإن لها آثارها القوية على بعض الأعضاء الهامة فى الجسم بحيث يعوقها عن أداء وظيفتها أحياناً ويعوقها أحياناً أخرى إلى الأبد.
و كذلك الإدمان على المخدرات له تأثير مدمر وخطير على كافة أجهزة الجسم مثل القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والهضمي والكبد.. ففى حالة التعاطى والوصول إلى مرحلة الإدمان فإن الأنف هو أول ما يتأثر بصفته المدخل لكثير من هذه المواد المخدرة وخاصة الهيروين والكوكايين كما أن سموم الإدمان تسبب مرض السرطان ولها تأثير خطير على الدم فهو يضيق الدورة الدموية وقد يوقفها أحياناً ويموت المدمن فجأة.

لقد حاولنا من خلال ما تقدم تحديد تعريف المخدرات و من خلالها الإدمان‘ وكذلك التطرق إلى أسباب هذا الإدمان و أضراره، و في عنصر آخر سنركز على ظاهرة الإدمان في تونس، ففيما تتمثل هذه الظاهرة؟
لا توجد تقارير تشير إلى وجود إنتاج كبير للمخدرات في تونس. ومع ذلك هناك تقارير عن زيادة توافر المواد المخدرة التي تؤثر على الحالة العقلية للشخص على امتداد شمال أفريقيا. و نظرا لموقعها الجغرافي تعتبر تونس معبرا لتجارة المخدرات، وخاصة القنب الموجه إلى أوروبا من مناطق الإنتاج في المغرب. كذلك تشير التقارير إلى تزايد الاتجار في الهيروين من ليبيا إلى تونس. ومع ذلك من الصعب إثبات هذه التقديرات من خلال المعلومات المتوافرة لدى مكتب الأمم المتحدة. و في عام 1996 سجلت ندوة تخفيض الطلب المنعقدة بتونس ارتفاعا عاما في تعاطي المخدرات مثل القنب والهيروين والكوكايين والمواد الطيارة.
الجهات الرسمية لا توفّر أرقاما دقيقة حول عدد مستهلكي المخدّرات في تونس ، وتشير في عديد المناسبات إلى أنّ "الإجراءات الوقائية" وحملات التحسيس والتوعية والإجراءات العقابية ساهمت في تطويق ظاهرة المخدّرات والحدّ من انتشارها" لكن ما يحدث على أرض الواقع يشير إلى أنّ المسألة تتطلّب جهدا إضافيا وخطوات أوسع لمحاصرتها وتطويقها.
قبل نحو سنتين كشفت دراسة أجراها المعهد الوطني للصّحة العمومية على عيّنة من 2953 شابا أعمارهم بين 15 و 24 سنة، أنّ 10% منهم استخدم المخدرات وأنّ 3،3 منهم يواصل تعاطيها وأن 3،5% يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن.
وقبل ذلك أثبتت دراسة اهتمت بــ367 مدمنا امتدت لخمس سنوات أن 93 % من المدمنين هم من فئة العزاب وأن 78 % استخدموا المخدرات قبل سن الــ20 سنة وأنّ 63 % من الفئة موضوع الدراسة تراوحت أعمارهم بين 15 و 20 سنة.
الدراسة الأخيرة وعلى الرغم من محدودية معطياتها ونتائجها وضبابية ما خلصت إليه فإنها أعادت الجدل الدائر بخصوص ظاهرة الإدمان على المواد المخدرة في تونس وتأثيراتها السلبية التي تستهدف عادة فئة الشباب.
و نظرا لموقعها الجغرافي المميز تعتبر الجمهورية التونسية معبرا جيدا لتجارة المخدرات وخاصة مادة" القنب" الموجه إلى أوروبا والذي يكون مصدره عادة المغرب، في حين أن تقارير أخرى تشير إلى تزايد الاتجار في مادة "الهيروين" انطلاقا من الجارة ليبيا.
وعلى الرغم من التنسيق الأمني الكبير بين كل من تونس وليبيا في مجال مكافحة الاتجار بالمخدرات إلا أن كميات ليست بالقليلة تعبر بشكل متواصل انطلاقا من الحدود الصحراوية بين البلدين.
و تبقى المشكلة الأساسية دوما غياب المعلومة الدقيقة والرسمية التي يمكن الوثوق بها فكل ما يمكن الاستناد إليه في مثل هذه الظروف هو تقارير سنوية صادرة عن الأمم المتحدة في هذا المجال أو بعض التقارير الصحفية المتواترة التي يمكن أن تشير إلى إحباط عمليات كبرى لإدخال المخدرات إلى البلاد بين الفينة و الأخرى.
"حي ابن خلدون" "حي فرنسا" "العمران الأعلى" و"حي التحرير" "حي التضامن" ، تلك أسماء لسلسلة من الأحياء المتلاصقة الواقعة بالعاصمة تونس وتعرف بكونها معاقل معروفة لتجار المخدرات و المدمنين على "الزطلة".
ورغم أنّ هذه الأرقام غير رسمية وبعضها غير دقيق فإنّها تشير إلى أن موضوع استهلاك المخدرات بين الشباب التونسي هو موضوع مطروح بجديّة وأنّ التقليل من أهمية متابعته يساهم في مزيد انتشاره خاصّة أنّ عمليات التهريب بصدد التطور من خلال ما تكشف عنه من حين لآخر الجهات الأمنية.
وحسب التوزيع الجهوي لمدى انتشار هذه السلوكيات المنحرفة، خاصة إدمان المواد المخدرة تحظى منطقة الوطن القبلي في الشمال الشرقي لتونس بنصيب الأسد خاصة نابل تليها باجة في الشمال الغربي ثم المهدية بالساحل فولايتي بن عروس و منوبة التابعتين لمنطقة تونس الكبرى .
و بغض النظر عن هذه الدراسة تبقى مسألة تحديد وضع الإدمان في المجتمع التونسي غير واضحة ودقيقة، نظرًا لغياب الأرقام الدقيقة من جهة، وانحصار طرح مثل هذه المواضيع في أوساط المختصين وفي أوساط المنظمات الغير حكومية.
وفي السياق نفسه تشير معطيات رسمية إلى انه تم ضبط إستراتيجية وطنية تمتد من 2007 إلى سنة 2010 تهدف إلى مجابهة السلوكات المحفوفة بالمخاطر لدى الشباب التونسي، وترمي إلى النهوض بصحة المراهقين المتمدرسين وتطوير طرق الإنصات لهم وتشريك عائلاتهم ومحيطهم الاجتماعي.
و في نهاية هذه القراءة العلمية التأليفية، سنحاول تقديم بعض المقترحات للحد منها، فسنعتمد على آراء بعض المختصين في بلادنا من خلال تصريحاتهم لوسائل الإعلام المحلية، فلقد بين الطبيب الأستاذ عبد المجيد الزحاف أن الإشكال لا يكمن في عدم توفر الموارد المادية لأنه بإمكان الجمعيات أن تقوم بالكثير شريطة توفر العزيمة والرغبة الحقيقية في العمل الجاد.
و قدم الزحاف بسطة عن تجربة مركز المساعدة والإصغاء بصفا قس وقال إنه مفتوح للعموم 24 ساعة على 24 ويأتيه المدمون من تلقاء أنفسهم ويتلقون هناك علاجا نفسيا ومساعدة طبية على الإقلاع.
وبين أن هناك أربعة مراحل لبرنامج "النور".
أولها تدوم 10 أيام ويتلقى فيها المدمن العلاج،
و المرحلة الثانية هي تغيير السلوك وتدوم شهرين، والمرحلة الثالثة يعيش فيها النزيل ثلاثة أسابيع مع المجموعة قصد تعويده على الاندماج من جديد. أما المرحلة الرابعة، فهي متابعته بعد الخروج من المركز حتى لا يعود إلى الإدمان.
و من جهتها بينت مديرة مركز أمل أن المركز مفتوح للجميع وحتى للراغبين في التخلص من الإدمان من تلقاء أنفسهم وبينت أن هناك من يخاف المركز لاعتقاده أنه مفتوح للمساجين فقط.. وأنه إذا ذهب هناك للعلاج سيتم القبض عليه والزج به في السجن وهو اعتقاد خاطئ.
و عن سبب نقص عدد المراكز المؤهلة لعلاج المدمنين على المخدرات بينت أن الأمر يعزى لأسباب مادية ولنقص عدد المختصين.
و أما عن إمكانيات العلاج إذن ممكنة.. رغم عدم توفر العدد الكافي من المراكز المختصة وفي هذا الإطار يعتبر الأستاذ حافظ بوكتيف ممثل وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن والتونسيين بالخارج أن الوضع لم يتغير منذ سنوات.. ويعتقد أنه لا يمكن أن نتحدث عن خطة وطنية شاملة لمكافحة الظاهرة بل هناك تدخلات محدودة.. و لنا قوانين يجب تحيينها ويجب اعتبار مسألة الإدمان قضية صحة عامة ومشغل وطني.. ويكمن الخلل في عدم توفر التنسيق المطلوب في العمل الشبكي فالعمل الشبكي يتطلب توفر نظام متكامل.. وقدم مثالا إذا عثرنا اليوم على طفل مدمن في الطريق وليس له عائل فإن المشكلة الأولى التي ستعترضنا هي ماذا سنفعل معه وأين سيمضي الليل.

و لكن بصفة عامة فإن علاج أي مدمن يحتاج إلى فريق متكامل من الطبيب الجسماني والطبيب النفسي ورجل الدين والأخصائي الاجتماعي مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية والثقافية المحيطة بالمدمن.
فلقد أصبحت قضية الإدمان على المخدرات بأنواعها قضية تهدد حاضر ومستقبل العديد من دول العالم المتقدمة والنامية كما تهدد النشء والشباب في الدول العربية كلها.
و تعتبر التنشئة التربوية مسئولة عن تربية النشء والشباب من المراحل السنية المبكرة وهذا يسهم في الوقاية من الانحرافات بأنواعها والإدمان على المخدرات وغيرها بطبيعة الحال.
كما تؤكد الأهداف المعلنة للمؤسسات الرياضية والترويحية اهتمامها بالدور البنائي والوقائي للنشء والشباب من الوقع في الانحرافات بكافة أنواعها مع استعدادها للإسهام في استكمال مراحل العلاج من الانحرافات بالتعاون وبإشراف المؤسسات المعنية الأخرى، ويتضاعف دور هذه المؤسسات في ضوء التقدم العلمي المضطرد في المجتمعات.
و بالتالي و بدراسة المفهوم العلمي للرياضة والمفهوم العلمي للترويح تبين أنهما قد أصبحا من ضرورات الحياة للإنسان المعاصر وأصبحت الأنشطة الرياضية والترويحية الثقافية والفنية والاجتماعية من أساسيات البرنامج اليومي والأسبوعي والشهري لأعضاء المجتمعات.
و بوجه عام فإن من الممكن أن نضع المقترحات للمؤسسات الرياضية والترويحية حتى تتمكن من القيام بأدوارها التي يتوقعها المجتمع، من خلال وضع الخطة العامة للمؤسسات الرياضية والترويحية بحيث تستهدف أعضاء المجتمع خاصة النشء والشباب ممن هم في سن من 10- 25 عاماً ومن الذكور والإناث على السواء.
و كذلك تتحدد أهداف خطة المؤسسات الرياضية والترويحية بالتعاون مع مؤسسات التنشئة التربوية الأخرى مثل الأسرة والمدرسة والمنظمة الاجتماعية والسياسية (إن وجدت) فضلاً عن أجهزة الإعلام والثقافة.
و أخيرا توفير الإمكانات التي تيسر تنفيذ البرامج وهي ليست بالضرورة إمكانات غالية الثمن. بل إنه في ضوء التنسيق والتعاون والتكامل يمكن الإفادة القصوى من الإمكانات المتاحة في المؤسسات المختلفة.
إن الرياضة والمؤسسات الترويحية تسهم في تربية النشء والشباب وتعمل على رقابتهم من الانحرافات بوجه عام ومن الإدمان بوجه خاص.
فالرياضة من الأنشطة المهمة الضرورية للإنسان والتي يجب أن تمارس بانتظام تحت قيادات مهنية متخصصة من العاملين المهنيين الذين يتوفر لهم الخبرة والصحة البدنية والنفسية والتدريب المستمر فضلاً عن الإيمان بالأسلوب العلمي والنظرة المستقبلية المؤمنة بروح العصر والمتفائلة بإمكانية مسابقة الزمن من أجل اللحاق بركب التقدم العلمي
وكشفت العديد من الدراسات أن من بين المعوقات التى تحول دون الإسهام فى حل المشكلة مستوى ‏وكفاءة الإجراءات الأمنية ودرجة توافر الخدمات الاجتماعية والأنشطة الرياضية وما ‏تقتضيه من طرق وأساليب متنوعة حديثة وبرامج علمية تتناسب مع كل مرحلة عمرية لحدوث ‏تغير ايجابى ملموس.
وأوصت بوجود برامج توعية داخل الأندية ومراكز الشباب لمناقشة القضايا المطروحة ‏على الساحة بهدف دمج الشباب فى قضايا مجتمعهم وشغل أوقات فراغهم بدمجهم فى برامج ‏فنية إعلامية توضح مدى خطورة التعاطى .
وطالبت دراسات أخرى بالتعاون بين الجهات الإعلامية والشبابية بشأن عرض برامج فنية ‏تتعرض لمخاطر التعاطى و الإدمان لرفع مستوى الوعي ومدى الدمار الذى يلحقه الإدمان ‏بالشباب و إعداد برامج تدريبية علمية فى الأنشطة المختلفة تستغل فيها طاقات الشباب ‏ولشغل أوقات فراغهم. 

إن الحديث عن الظواهر الاجتماعية المتعلقة بالشباب و المجتمع التونسي يثير الكثير من الحيرة المعرفية و السوسيولوجية باعتبار ارتباط ذلك بالعديد من الأسباب، لكن ظواهر مثل الإدمان و السرقة و الجريمة و الاغتصاب... تبقى معالجتها بشكل نهائي غير ممكنة لأن أسباب تفاقمها لا يمكن القضاء عليها سواء حسب الفترات و البيئات و الأفراد، لكن الشباب و المجتمع التونسي يعرف مشكلات في مستوى القيم و الممارسة بالتحديد، و هي متمثلة فيما يمكن أن نطلق عليه"الإدمان على نشر قيم عدم الثقة بين الناس في مختلف مستويات الحياة" و لهث الأفراد و الجماعات على ضبط كل التصورات  و القيم و الممارسات إلى قانون السوق بالمعنى الاخضاعي و السلعي لأن ذلك يخل بالتوازن الاجتماعي
و بنسيج العلاقات و الروابط فيه.