التواصل من منظور سوسيولوجيا التنظيم والمقاولة ـ حسن أمغليف

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

pein02102011مقدمة:
مهدت كل من سوسيولوجيا التنظيمات والشغل لظهور سوسيولوجيا  المقاولة خلال بداية الثمانينات من القرن 20، اهتم هذا الحقل المعرفي بدراسة بنية ونمط اشتغال المقاولة ونسق التفاعلات بين مختلف مكوناتها، باعتبارها بناءا اجتماعيا قائما بذاته يؤثر في المحيط ويتأثر بالعوامل السوسيو- اقتصادية والسياسية والثقافية التي يفرضها هذا المحيط والتي تفرض إكراهات عديدة على المخططات والاستراتيجيات التي ترسمها المقاولة. كما يهتم بمقاربة المقاولة كعملية اجتماعية تتأسس على العقلنة، التعاون، التفاعل بين الأفراد وكبنية لها وظائف وأهداف محددة، وكمجال تنسج فيه روابط اجتماعية خاصة بين الأفراد/الجماعات مبنية على التواصل وتتميز بالاعتراف المتبادل،. فالتدبير العقلاني للمقاولة لم يعد وحده كافيا أمام التعقيد الذي يتميز به كل من  محيط المقاولة والعلاقات الاجتماعية حيث يسعى الفاعلون الى تطوير استراتيجياتهم ضمن عقلانية ورهانات (enjeux) محدودة.

1-    التواصل من منظور سوسيولوجيا المقاولة عند فيليب بيرنو PH.BERNOUX-:
في إطار مقاربته لسوسيولوجيا المقاولة سعى بيرنو الى دراسة تغير سلوك الأفراد و الجماعات داخل هذه الوحدة الانتاجية، إضافة الى دراسة المعايير التي تتحكم  في هذا التغير، واعتبر أن هذا السلوك ناتج عن الوضعية التي يتواجد فيها هؤلاء الأفراد والتي تتسم بعلاقات تفاعلية تتأثر بدورها ببنية ومحيط المقاولة، والتي لا يمكن أن تفهم وتدرس الا في إطار الجماعة التي ينتمون اليها والمعايير التي تتبناها تلك الجماعة، والثقافة السائدة داخل المقاولة والحوافز المقدمة.

هذه العلاقات تتطور وتتغير تحت تأثير ضغوط المحيط الداخلي والخارجي للمقاولة، والتي تمارس تأثيرات داخلية عندما تكون الاكراهات التي تواجه العوامل المحددة للعلاقات (مثل: منطق الفاعل، معايير السلوك، التنظيم، علاقات السلطة) لا تدعم النسق الكلي للمقاولة.
فالرئيس-supérieur- لا ينال ثقة المرؤوسين –subordonnées-  داخل المقاولة إلا بتوفره على مميزات و خصائص تتجلى في:
-    الكفاءة المهنية.
-    القدرة على ضبط العلاقات مع المحيط.
-    القدرة على التواصل.
-    القدرة على تطبيق قواعد التنظيم.
إذا كانت المقاولة حسب بيرنو بناءا ونتاجا اجتماعيا ونسقا من التفاعلات بين مختلف الفاعلين المكونين لها، ونظاما (système) خاضعا لإكراهات  المحيط الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وما ينتج عنها من تأثير على بنية ونمط الاشتغال، فقد أسس (بيرنو) أرضية للتفاعل بين الفرد والجماعة انطلاقا من رؤية تنبني على التواصل بينهما، ونادى بتبني سوسيولوجيا تفاعلية تعمل على التوفيق بين البعدين السيكولوجي والسوسيولوجي في دراسة علاقات التواصل داخل المقاولة والتي يرتبط نجاحها بمدى قدرة الفاعلين بداخلها على تبني تمظهرات تعتبر المقاولة نسقا من العلاقات مبنية على معايير: الثقة، الهوية ، الثقافة ثم العقود، والتي تعتبر كلها مفاهيم نظرية أساسية لفهم التواصل داخل المقاولة الى جانب نظريات أخرى كنظرية الفاعل (théorie de l’acteur).
تستمد المقاولة قوة هويتها من التماسك والترابط بين مختلف العناصر المكونة لها، وكذلك من توفر نظام تواصل مبني على روابط اجتماعية مركبة باعتبارها مجالا للعلاقات الاجتماعية وليست مجرد نموذج اقتصادي جاهز تحكمه علاقات مرتبطة بنصوص قانونية  وتنظيمية.
يتبنى بيرنو مسلمات التحليل الاستراتيجي للتنظيم  عند كروزي في مقاربته للمقاولة، حيث يعتبره السبيل الأمثل لفهم علاقات التواصل بين مختلف الفاعلين بداخلها وكذلك فهم آليات اشتغالها والاختلالات الوظيفية التي تعرفها من حين لآخر, إذ يعتبر أن "قدرة الفاعل على التواصل داخل المقاولة تكسبه سلطة يستطيع من خلالها تحقيق بعض الأهداف والحاجيات" (بيرنو، 1999،ص:146)..يعتبر بيرنو أن" نقطة الانطلاق بالنسبة لنظرية الفاعل الاستراتيجي تؤكد على أن الفاعل داخل التنظيم كائن استراتيجي يستعمل هامش الفعل الذي تتيحه له وضعيته  في التنظيم، وكائن عقلاني في إطار عقلانية محدودة وأن السلطة ليست صفة- (attribut) بل  علاقة تبادل يتم التفاوض حولها،وأن التفاعل بين الأفراد يؤدي الى بناء نسق من الفعل". (بيرنو،1998،ص،ص:13-14).
من هنا تناول العلاقات الاجتماعية انطلاقا من الدور الذي يلعبه الفرد/الفاعل داخل الجماعة وداخل المقاولة، والذي ينقسم بين دور قيادي(leader) يؤثر في القرارات المتخذة، ودور منفذ (executant)، ينفذ القرارات والتعليمات الصادرة من القمة. ينظر بيرنو الى التواصل داخل المقاولة انطلاقا من "سوسيولوجيا الفاعل (sociologie de l’acteur)، والتي تسمح بفهم الفعل الفردي مصدر الفعل الاجتماعي، ومن منظور سوسيولوجيا الرابط الاجتماعي (sociologie du lien social)  والتي تسمح بإدراك الفعل الجماعي عبر الهوية والثقافة"(بيرنو،1995، ص:171).

2-    التواصل من منظور التحليل الاستراتيجي عند ميشيل كروزي-(M.CROZIER) و إرهارد فريدبرغ (E.FRIEDBERG)-

أ‌-    التواصل و استراتيجية الفاعلين:
يسعى كروزي وفريدبرغ الى تحليل وظيفة واشتغال الفاعلين (acteurs) داخل التنظيم من خلال تحليل سلوكاتهم ، أي من خلال أشكال التواصل القائمة ضمن جماعة معينة وطبيعة الاستراتيجية المعتمدة من طرف الأفراد لتحقيق الأهداف، وهذه الطريقة في التحليل تستعمل كوسيلة لأحداث التغيير في أساليب التواصل بين الفاعلين.
يؤكد رينود J.D.Reynaud) ( على أهمية قواعد اللعب بالنسبة للفاعل وذلك لشرعنة استراتيجيته وتموقعه داخل المقاولة،  وهذا يتوقف على مدى اندماجه داخل النسق الاجتماعي والاقتصادي للمقاولة  وقدرته على ضبط قواعد التبادل والتواصل (رينود-Reynaud، 1989، ص:309)، كما أن مناطق الظل التي يشتغل بداخلها ناتجة عن ضعف في التواصل وغياب الشفافية في العلاقات بين الأفراد. فسواء تعلق الأمر بجودة تنظيم الشغل والانتاج، والخدمات والتسيير، فإن هذه العوامل كلها تكون مصدر صعوبات خاصة في التحديد الدقيق للمهام والوظائف وتوزيع الكفاءات و تدبير التواصل داخل المقاولة.
إن سلوك الأفراد داخل التنظيم ليس إجابة آلية أوتوماتيكية للوضعية القائمة، بل هو فعل واعي استراتيجي يترجم اختيارات وأهداف الفاعلين باعنبارهم يتمتعون بدرجة من الاستقلالية عن النسق التنظيمي القائم. لا ينظر التحليل الاستراتيجي للتنظيم على أنه مجرد قواعد قانونية و هيئات داخلية ونماذج تدبيرية وتسييرية  وامتدادا لبنيات خارجة عنه ، بقدر ما يعتبره  بناءا و تشكلا اجتماعيا ينتج عن أفعال الأفراد الذين يكونونه، من خلال دخولهم في علاقات اجتماعية معقدة  و توفرهم على مجالات  للعب  أو المناورة بداخله والتي تحدد استراتيجيتهم  التي تنبني على تحقيق أهدافهم داخل التنظيم.
 في إطار هذا التحليل يستحضر كروزي بقوة مفهوم التواصل الذي يشكل مكونا ومصدرا رئيسا لاشتغال التنظيم لكنه لم يكن موضوع بحث في ذاته لكون المفهوم يصعب ربطه بدقة بمجال تداولي خاص بالتنظيم فقط، لكن يمكن تقسيمه الى أربعة مجالات :
-     العلاقات البين-فردية  (relations interpersonnelles) داخل التنظيم من خلال العلاقات اليومية بين الأطر الإدارية و المستخدمين وعوامل التحفيز.
-     توزيع ودوران وتقسيم المعلومة، بتعبير آخر اعتبار المقاولة كنسق معلومات.
-     كل ما ينبثق عن التدبير والتواصل بين الإدارة والمستخدمين مثل: تدبير الموارد البشرية.
-    كل ما ينبثق عن التواصل نحو الزبون ونحو المحيط الخارجي سواء تعلق الأمر بالمنتوج أو بالتنظيم نفسه وهذا ما يسمى بالتواصل المؤسسي.
لا بد من الأخذ بعين الاعتبار العلاقات البيفردية داخل التنظيم في إطار قدرة الفاعل على التواصل واكتساب المعلومة (information) وتمريرها  لكونه يسعى دائما الى تحقيق أهدافه وفق هامش من الحرية التي يتمتع بها وعقلانية محدودة، فضعف التواصل داخل التنظيم يؤدي الى خلق مناطق الظل.
إذا كان اتجاه التواصل داخل المقاولة يطغى عليه الشكل العمودي (من الرئيس نحو المرؤوس) فإن كروزي يؤكد على أنه" ليس هناك تواصل فعال من الأعلى الى الأسفل ما لم يبن على تواصل غنيriche- - من الأسفل الى الأعلى"(كروزي1989، ص:56).
 " داخل التنظيمات البيروقراطية التي تتميز بالتكيف البطيئ مع المتغيرات الطارئة و لا تستطيع تجاوز الأخطاء التي تقع فيها، نجد أن العلاقات بين المهام –tâches-   والمنظومة-réseau- البشرية اللازمة لتنفيذها تجعل التواصل صعبا بين الجماعات فيما بينها من جهة وبين محيطها من جهة أخرى، وبالتالي فالصعوبات الناتجة عنها تستثمر من طرف الأفراد لتعزيز مكانتهم وأدوارهم داخل التنظيم" (كروزي،1963،ص،ص:142-161).
ب-التواصل كمصدر للسلطة:
يعتبر التحليل الاستراتيجي السلطة كعلاقة متفاوض عليها، إذن فالسلطة تحمل بعدا علائقيا يشكل التواصل محورها،إن ضبط التواصل وامتلاك المعلومات الضرورية للاشتغال الجيد للمقاولة أو التنظيم- باعتباره نسقا للعلاقات بين الأفراد لا يتأثر بشكل كبير بالمحيط إذا تبنى الفاعلون بداخله استراتيجية للتواصل تعتمد الجانب الاجرائي- تعطي للفاعلين على اختلاف تموقعهم داخل الهرم التنظيمي و ضمن شبكة التواصل القدرة على التحكم في قواعد اللعب عبر تحويل أو نشر أو تعطيل تلك المعلومات والتحكم في مناطق التأثير التي تحكمها مؤشرات: التواصل والعلاقات الشكلية واللاشكلية،التراتبية، السوق(الانتاج، الدعم،البورصة)، النصوص القانونية. تحليل هذه المؤشرات باعتبارها متغيرات يسمح بتقييم التأثيرات التي يفرضها المحيط و تحديد الفاعلين المتدخلين على مستوى مناطق التأثير و فحص ما إذا كان تقاسم هذه المناطق يتم وفق منطق اكتساب أو فقدان السلطة بداخلها أو وفق منطق تقاسم متكافئ للسلطة بين الفاعلين انطلاقا من مبدأ "من يمتلك المعلومة يمتلك السلطة"(منتسبرغ،1990،ص:264)، وانطلاقا أيضا من كون "المعلومات داخل التنظيم عامة والمقاولة خاصة لا تعطى بقدر ما يتم بناؤها"
( Revue communication et organisation n 36 , p : 145)
يتم بناء شبكة التواصل داخل المقاولة حسب القيم التنظيمية السائدة في كل منظمة، كما أن التوجه التدبيري للمديرين وسلوكياتهم دوراً رئيساً في عملية اختيار النمط التواصلي المرغوب. فبعضها يخدم أغراض المركزية والبعض الآخر يركز على عدم تخطي خطوط السلطة.فنسق التواصل عند كروزي يتجلى في العلاقات بين الأفراد داخل التنظيم و التي لا يجب أن تختزل في علاقة السلطة فقط بل يجب أن تتسمح للأفراد بالتواصل السريع."يعمل التنظيم حسب كروزي على إنشاء قنوات تواصل بين مختلف أفراد التنظيم و إقامة سلطته الشرعية عبر نسق الجزاء والعقاب قصد تنمية روح المنافسة بين الفاعلين داخل التنظيم"(كروزي، 1977،ص:65).

3-    التواصل من منظور سوسيولوجيا التنظيم عند هنري منتسبرغ  (H.Mintzbirg):
تتمحور أعمال منتسبرغ حول ثلاث أسس:
-    تحليل دور الأطر داخل المقاولة.
-    إعداد الاستراتيجيات داخل التنظيم.
-    دراسة بنية التنظيم ونمط اشتغاله.
من هذا المنطلق اهتم بمقاربة التواصل وذلك بتحديد ودراسة العلاقة التي تربط مكونات التنظيم والتي حددها في خمس مكونات:
-    القمة الاستراتيجية ( sommet stratégique).
-    المركز الاجرائي(Centre opérationnel).
-    الخبراء والتقنيون (Techno-structure).
-    الخط التراتبي (Élément médian).
-    الدعامة اللوجيستيكية (  support logistique).
هذه المكونات تعتبر آليات فعالة وأساسية لاشتغال التنظيم حيث يعمل الخط التراتبي- المكون من أطر تعمل على الاشراف المباشر على اشتغال التنظيم- على تمرير السياسات والتوجيهات والخطط الصادرة من الصادرة بشكل عمودي  من الأعلى الى الأسفل، وكذلك نقل مختلف التقارير والشكايات الصادرة من القاعدة نحو القمة.هذه الوظائف تؤهله الى أن يشكل حلقة التواصل والتنسيق بين مختلف مكونات التنظيم.
إن طبيعة التنظيم الهرمي وكذلك طبيعة علاقات الشغل هي التي تحدد نمط وشكل التواصل بين الأفراد داخل التنظيم،" ومن أجل فهم هذه العلاقات يجب معرفة من هم الفاعلون المؤثرون وماهي الحاجيات والأهداف التي يسعون الى تحقيقها، وكيف يمكن أن تتوفر لكل واحد منهم القدرة على التأثير من أجل بلوغ هدفه" (منتسبرغ 2003، ص:59).
في دراسة شملت العديد من المقاولات حول مهام وأدوار الأطر  بداخلها توصل منتسبرغ الى أن تلك المهام تجلت في:
-    التواصل المستمر مع الادارة و المستخدمين والعمال داخل التنظيم والذي يتخذ طابعا شكليا ولا شكليا، حيث يتم التركيز على العلاقات الأفقية والتي أثبتت التجارب الميدانية أهميتها في عملية التواصل.
-    المهام المرتبطة بنقل المعلومات والأخبار (les informations)، المرتبطة باشتغال التنظيم.
-    المهام المرتبطة باتخاذ القرارات.
فالاطار (cadre) داخل المقاولة له وظائف مرتبطة بالأهداف والاستراتيجيات العامة، وحددها منتسبرغ في عشرة وظائف تتمحور حول المهام التالية:
-    التواصل والتنسيق(agent de liaison) بين مختلف مكونات المقاولة.
-    يعتبر الاطار رمزا (symbole) للمقاولة وللعاملين بداخلها  وذلك راجع لكونه فاعلا يتوفر على هامش من السلطة الشكلية والتي يستثمرها بشكل دائم في علاقاته داخل الشغل."هذه السلطة تكون في غالب الأحيان جد محدودة-mince- لكن الموقع المركزي الذي يحتله الفاعل داخل أنساق الشغل في التنظيم تضمن له سلطة غير شكلية مهمة، تمتد الى سلطة سياسية"(منتسبرغ،1990،ص:265) تجعله يتموضع بين "الملتقى –intersection- الهام لتدفق المعلومات و التواصل الداخلي"(نفس المرجع السابق).
-    قائدا(leader)، باعتبار الاطار هو المحدد بشكل عام للمناخ الذي تعمل فيه المقاولة، حيث أن التنظيم يسعى دائما الى التوجه نحو القائد لايجاد الاتجاه الصحيح و طلبا للاستشارات والتحفيز. يتم اتباع القائد داخل جماعة غير شكلية بسبب سلطته الفيزيقية أو الكاريزماتية. داخل التنظيم الشكلي حيث يتم  في غالب الاحيان تعيين الاطار من طرف سلطة عليا، مما يحتم عليه الاعتماد في اطار علاقاته مع الافراد الاخرين  على السلطات المرتبطة بوظيفته.
-    ملاحظا نشيطا(observateur actif): يسعى الاطار دوما الى البحث عن المعلومات التي تساعده على فهم ما يحدث في محيط المقاولة من اجل الوقوف على التغيرات و تشخيص المشاكل والفرص و جمع المعطيات حتى يتسنى له اتخاذ القرارات المناسبة.
-    ناشرا (diffuseur): يعمل الاطار على نقل معلومات(informations) على شكل وقائع (faits)   ومعايير (valeurs) من المحيط الخارجي للمقاولة و تحويلها الى الداخل، كما ينقل تلك المعلومات من فرد مرؤوس (subordonné) الى فرد مرؤوس آخر يتواجدان على نفس المستوى داخل المقاولة.
-    ناطقا رسميا باسم المقاولة (porte parole): بحكم دوره المحوري داخل المقاولة باعتباره مسئولا عن العلاقات العامة وخبيرا في مجال اشتغال المقاولة وانطلاقا من موقعه كممثل للإدارة و االأفراد (personnel) المشتغلين بداخلها و علاقته بعامة الناس (public) من زبناء وممولين للمقاولة فهو يسعى الى تلميع صورة المقاولة وذلك بحثا عن زبناء جدد وكذلك الحفاظ على القدرة التنافسية للمقاولة.
-    مقاولا (entrepreneur): بالرغم من أن المجال التداولي لهذا المفهوم مرتبط بالحقل الاقتصادي إلا أنه يمكن ربطه أيضا بإحدى الأدوار التي يقوم بها الاطار داخل المقاولة والذي يتحلى بروح المبادرة ويعمل على دراسة ومراقبة التغيرات التي تشهدها المقاولة، وكذلك العمل على إيجاد الحلول للمشاكل التي تواجهها، فهذا الدور يرتكز على الفعل التطوعي (volontaire) للإطار فقط.
-    منظما(régulateur): يرتكز هذا الدور على التغير الذي يطال المقاولة والذي يكون جزئيا خارج مراقبة الاطار. (منتسبرغ 1984، ص: من 112 الى 144).
 من هنا يتبين أن تموضع الأطر داخل المقاولة يؤهلهم الى القيام بوظائف ومهام تندرج ضمن التنظيم والتسيير والتحفيز وتسوية الصراع على مستوى المركز الإجرائي للتنظيم، وإدماج مختلف التصورات والنماذج على مستوى وحدات العمل الاجرائية، والاستفادة من الدعم الذي تقدمه علاقات التواصل على مستوى الامتداد العمودي للمعلومات (informations).
يقدم منتسبرغ النموذج التالي  للنشاط اليومي الذي يقوم به مدير ورشة للتركيب (chef d’atelier) داخل مقاولة صناعية:
" أراقب ساعتي طوال الوقت، أتأكد من مسائل عديدة، أقوم بجولة مراقبة على سلسلة الإنتا ج المسئول عنها تقريبا مرة كل ساعة، أذهب لاستطلاع أمر العمال، أتواصل مع المستخدمين (agents)المكلفين بالمراقبة من أجل التأكد من أن العمل يسير كما يجب، لا أستطيع أن أترك فراغات داخل العمل، و لا يجب أن يكون هناك شيء يزعج"(منتسبرغ، 2004،ص: 235-274).
يتبين من خلال هذه الفقرة أن آليات الضبط والمراقبة التي يعتمدها مدير الورشة داخل المقاولة تعكس جانبين حاسمين لنشاط التنظيم وهما:
-    إقصاء اللايقين وتفادي المفاجآت.
-    تدبير واحتواء الصراع على مستوى المركز الاجرائي وذلك بمنعها من الظهور الى السطح، وهذا ما يميز التنظيم الميكانيكي.
تنتج تلك الصراعات بالأساس عن وجود مشاكل في التواصل والتنسيق، خصوصا إذا كانت بنية الادارة مكيفة بشكل لا تتماشى مع المبادرات المتبادلة والمشتركة بين الادارة من جهة وبين الأطر والمستخدمين والعمال من جهة أخرى، مما يساهم في زعزعة واضطراب في التواصل الغير الرسمي، الأمر الذي  يشكل عائقا للتواصل داخل التنظيم.
إن العمل الروتيني، والضبط والمراقبة والاشراف المباشر ينتج مشاكل إنسانية على مستوى المركز الاجرائي للتنظيم الميكانيكي الذي لم يؤسس لحل الصراعات التي تنبثق منه، وبالتالي فالمشاكل الإنسانية وهذه الصراعات تظهر وتبرز للسطح وتطفو خارج إطارها، لتمتد إلى البنية الإدارية، كل هذا يخلق مشاكل التواصل والتنسيق، التي تتحول بدورها الى مشاكل التكيف داخل القمة الاستراتيجية، حيث يتطلب حلها تجاوز نسق المعلومات (système d’information)  والتدبير وبناء نسق خاص للتواصل الغير الرسمي والتي تجلب المعلومات الضرورية والمستجدات التي تساعد الادارة على الاشتغال بشكل جيد، غير أن هذه العملية (التواصل اللاشكلي) تخترق المبادئ والقواعد التي تتأسس عليها البنية التنظيمية وتستنزف الطاقات والجهد مما يحتم على الادارة مراجعة   وتعديل استراتيجيتها في مجال التواصل.وحقيقة الأمر أن البنية الإدارية داخل المنظمة الآلية مكيفة بشكل سيء مع المبادرات المشتركة والمتبادلة وكذلك جميع حواجز التواصل الموجودة داخل البنية يساهم في اضطراب وزعزعة التواصل الغير رسمي بين المدراء "وكذلك بين المدراء والعمال.
يقدم منتسبرغ تصورا دقيقا للتواصل داخل التنظيم وذلك بوضعه لآليات تعمل على :
-    الملائمة والتسوية المتبادلة بواسطة التواصل الغير الرسمي بين الأفراد داخل التنظيم.
-    المراقبة المباشرة للإدارة لمدى تنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة عنها.
-    معيرة-standardisation- أساليب العمل من خلال معيرة طرق إنجازه.
-    معيرة النتائج المتوصل اليها عن طريق ترجمة الاستراتيجيات الى وقائع ملموسة.
-    معيرة المؤهلات عن طريق التكوين (la formation).
-    معيرة القوانين والقواعد والقيم بالنسبة للفاعلين داخل التنظيم (ثقافة التنظيم).
إذا كان التواصل الرسمي داخل التنظيم يخضع لقواعد التسلسل الهرمي وفق ترسيمة محددة تسمح بالمراقبة والضبط وممارسة علاقات مبنية على السلطة من أجل تدبير معقلن للموارد البشرية وعلاقات الانتاج، فإن وجود التواصل الغير الرسمي داخل التنظيم يعتبر معطى إيجابيا وقيمة  إضافية تكمل علاقات  التواصل الشكلية، وجوابا للحاجيات الآنية والملحة للمقاولة، كما يشكل عاملا للتوازن داخل محيط غير مستقر، حيث يعمل على جمع المعطيات اللازمة لاتخاذ القرارات الحاسمة في ظرف وجيز مما يسمح بتكييف بنية التنظيم مع الواقع الذي يتسم بعدم الاستقرار، وهنا يتمظهر التواصل في عملية التكيف أو التعديل المتبادل (ajustement mutuel) الذي يتجسد عبر التواصل المباشر.

المراجع المعتمدة:

-M.Crozier, « Le phénomène bureaucratique :essai sur les tendances bureaucratiques des systèmes d’organisation modernes et sur leur relations en France avec le système social et culturel »,1963,p-p : 142-161 .
-H-Mintzberg,  « Le pouvoir dans les organisations », Paris, Editions d’Organisation, 1990 ,p 264.-
-H.Mintzbirg,  « Voyage au centre des organisations », Paris, Editions Eyrolle 2004, pp :235-274
-D. Reynaud, « Les règles du jeu », Paris , édition A .Colin, 1989, p 309.
- M.Crozier « L’entreprise à l’écoute » Edition Inter, 1989.
-PH.Bernoux. « A quoi sert la sociologie des organisations ? », Sciences Humaines, n°20,Mars-Avril 1998,p,p :13-14.

(*) مقال من إعداد : حسن أمغليف- طالب باحث بسلك الدكتوراه تخصص علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الانسانية –جامعة القاضي عياض-بمراكش.