حادثة ... عمر ـ قصة : رشيد بلفقيه

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse111مشى كثيرا ، دون اتجاهات محددة تقريبا او باتجاه أشياء كان يظنها هناك ، لكنها كانت سرابا كلما اقترب منه و مد أصابعه ليلمسه و يقبض عليه كان يتبدد من أمامه و يتطاير ساخرا إلى أبعد مما قد  تحمله انفاسه المتقطعة .
 مشى كثيرا أكثر مما تتحمل جل نعاله في طرق متشعبة ، ضيقة ، فارغة ، معقدة، راقية ، وضيعة ، مجنونة في أحايين كثيرة و  بشعة ، متناقضة جدا في أحايين أخرى .قاسم مشترك وحيد بين كل تلك الاسفار  انه كان غالبا يمشي بالموازاة مع ذاته.
استسلم للتثاؤب مرة أخرى ،مد يديه محاولا طرد الضباب المنتشر أمامه. مط شفتيه ضرب أخماسا في أسداس وهو مقرفص في مساحة خطوة ضيقة تفصله عن إسفلت طريق . جديد برد مبرح، برد يستلقي في شقوق الكلمات ،يحث الفراغ العابر على التحول إلى شتاء دائم، دوّن  بالبخار الخارج مع أنفاسه ..

على شفير الحدود
نقطن
أيتها "الفصيلة"
بين البين
كما لم تجف مرة
يوميات الفقراء
و التأمل عقيدة
من لا خيال لهم

في مسيرة البحث عن اثبات أوهام معينة كان يراها في زمن سابق آمال عالية لكنها تحولت مع تقلص المسافات و انقشاع أغبرة الطرق إلى مجرد عبء يزيد من وعتاء السفر .
ها هنا ،خطوة معقولة أو مجنونة ..هي ربما كل ما بقي متاحا له ليتقدم أو ليتراجع فيلصق ظهره بالجدار كما لم يفعل يوما .صار الزمن خريفا على ما يَروِي حفيف الرياح .. لن يظهر أحد في الأرجاء المستسلمة للسكون على الأرجح في هذا الجزء المتأخر من هذه  الليلة، ربما استسلم الجميع لوسادة و سرير أو لجسد أكمل بنفس النفس اللاهث بخارا : 
في سماء...
أعلق كالقمر
كرغبة
بين الشفتين
أو .. ربما أهوي
إلى أرض
بلا قرار
ببرود او ربما ببلادة ، ظل في مكانه يحدق في الفراغ لم يكن ثمة شيء ليُرى لكنه ظل يحدق في إصرار . الفراغ ،و أمام إصرار عينيه بدأ يتحول إلى أشكال  بلا معنى تصوغها مخيلته فقط  ،ثم إلى متشابكات خالية فمتاهات من السراب. كان فراغا مجرد فراغ في الفراغ .تطلع إلى نهاية الطريق بشبه تبرم وعاد لتأمل بدايته في بضعة من الحسرة،هرش أجمة التوقعات التي غزت تفكيره بيده في حركة بليدة. انتبه للمرة الأولى ودفعة واحدة أنه قد ضاع تقريبا في المنتصف.
طوى الليلة في صمت و صبر كما يفعل دائما في نهاية كل اكتشاف بائس ومع إطلالة يوم جديد، تطلع إلى الخارج عبر البوابة المفتوحة عن آخرها على الزمن المقبل .
لاحظ أن الجو قد ازداد عتمة أو ربما هكذا اوحت له كمية الغيوم المعسكرة و التي ضيقت كثيرا حدود الرؤية. لا امل يرجى من كثرة التحديق بعيدا، بعيدا .. ارتد اليه بصره حسيرا
تطلع حوله أقسى ما استطاع تبينه تفاصيل نفس الصورة  لنفس المناظر المألوفة منذ عقود ، نفس  البرودة التي  لم تغادر تجاعيد الشروق بالمرة، نفس الملامح نفس البشر، تحايا من هنا و ابتسامة من هناك، ترادف نفس العبارات المبالغة في السطحية .
لكل يوم ظل يعيّن صباحا و لهذا اليوم بالذات رصد توصيف صباح الأوبئة و الويلات الدائمة ، صباح النوايا المريضة و الدقائق الجامدة كان لما قبل أمس، و للغد قد يطور إلى صباح الاستسلام و التجوف و الفراغ من المحتوى . أغلق أبوابه و انهمك في إغلاق النوافذ ... ثم استسلم شيئا فشيئا للنوم.
مرت عهود قبل أن يفكر مرة أخرى في المغادرة إلى الخارج ليطالع  زرقة السماء، ليتنفس قليلا هواء لا يعرفه أو ليسمع صوتا لم تألفه أذناه ،كان الوقت بالكاد يقترب من منتصف الانتظار، ربما  ظهرا بما أن  الشمس كانت  تزين كبد السماء ، لكن نفس البرودة كانت لا تزال معمّرة هنا و هناك و هنالك و في كل مكان عاينها لمدة تدافع بشراسة و بكل السبل و تتشبث بتلابيب الفصل اللقيط الذي بدوره يجاهد لانتزاع اسم من سنة فصلت على أربع لكن الحكمة اقتضت أن يعاد ترتيبها إلى خمس أو ست حسب طلبات المرحلة ، عاوده نفس الإحباط القديم  فهذا أيضا مجرد يوم جديد لكل ما يلمع فقط وليس فضة. يوم آخر للتناوب الحاقد على رحم الأرض .
 هرش رأسه بنفس الحركة البليدة وأغلق أُفقه و بيته و زرّر قناعاته و بمقابلة النافذة الوحيدة المطلة على الأمل ، استسلم  للنوم مرة أخرى لسنوات ممنيا النفس بأن يأتي ذات غد بخبر مختلف .
عافه النوم و خاصمت جفونه الرغبة في الانقباض قاوم لأيام بالصمت و الصبر لكن بلا جدوى ،في النهاية و خارج كل زمن قرر أن يصحو مرددا دون أن يغادر مهد القهر :
تحية للفصيلة
لا للأرض
لا للسماء
لا للورق
لا للماء ..
لا للبشر بعد اليوم
لا عمتم صباحا منذ هذا الصباح ، لا عمتم و لا طبتم حتى يشع بدونكم هذا الأفق..
أُغْلِق باب بيته
 ويروى في ما لم يثبت بالدليل أنه  مات ضحية "عُمْر"..

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟