وجوه بلا ملامح.. ـ قصة : عبد القادر القادري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

 arton653    دلف إلى المحطة تغلفه مسحة من الكآبة، والرأس مثقلة بخواطر وتساؤلات تطيح به في دوامة الحيرة والقلق، وأحس بشعور غريب بدأ يتسلقه من الداخل..هو مزيج من الخوف والضجر، لا يدري على وجه الدقة..الشعور ذاته الذي بات لا يفارقه في هذه الأيام منذ أن عقد العزم على السفر لزيارة الطبيب..
     المحطة تعج بكائنات آدمية تتحرك في كل اتجاه..أصوات القطارات تكسر هدوء المكان..ومحنة الرجل لاتهدأ  على حال، وبدت له الوجوه بلا ملامح كأنها في حالة ترقب أو انتظار، تروح وتجيء ..
     الرجل واقف يتأمل، وقد انبعثت في أعماقه كلمات الطبيب:

  - المرض مزمن ويحتاج إلى علاج طويل..ولقاءاتنا ستتكرر أكثر  من مرة..
     تأمله الرجل بعيون حائرة قبل أن يسأل مرتبكا:
  - علاج طويل؟..وكم..كم.. سيستغرق من الوقت؟
     كان الطبيب غارقا في تأمل بعض أوراقه على المكتب أمامه، وحين استدار نحوه أجاب وقال:
  - لا نستطيع التكهن على وجه الدقة بالمدة الزمنية التي سيحتاجها العلاج .. ولكن من الضروري متابعة تطور المرض من خلال فحص صور الأشعة..
     كان الرجل واجما ينصت باهتمام، ويهز رأسه من حين لآخر كأنه يوافق على ما يشرحه الطبيب..
     واستفاق فجأة من شروده على صوت صفارة القطار وهو يدخل المحطة .. الوجوه الآدمية أخذت تتحرك وتجتمع على الرصيف، استعدادا للصعود .. ورأسه مثقلة بالخواطر والأفكار، وكلمات الطبيب عادت لتهز أعماقه بقوة..
     في القطار جلس قريبا من النافذة صامتا، وهدوؤه يشي باضطراب داخلي لا يعرف له حدا.." علاج طويل وزيارات متكررة للطبيب..تلك علامات شقاء أبدي.. " بذلك حدث نفسه، وهو غارق في تأمل مناظر الطريق .. وانبعثت في خاطره صور الأمس القريب، وهو منهمك حتى ساعات متأخرة من الليل، في تصحيح أكوام من الأوراق، حيث غالبا ما تتزامن فترة الامتحانات مع متاعب استثنائية.. "تعب كلها الحياة " عبارة طالما رددها صديقه الأستاذ المتقاعد أكثر من مرة.. كلما جمعتهما لقاءات عابرة.. والطالب "ع" كان يحدوه الأمل في الحصول على نقط إضافية تؤهله للتسجيل في إحدى الشعب العلمية بالخارج.. أي طموح؟.. وأي استعداد؟.. واستفسارات الطلبة الآخرين، كانت بغرض توضيح ما غمض عنهم في بعض الدروس . .وكنت  على حق أيها الأستاذ المتقاعد بشعارك الأزلي.. فالمتاعب يعرفها الرجل منذ أن بدأ التدريس بالثانوية قبل سنوات ، ولم يكن حينها يتردد على زيارة  الطبيب في كل مرة كما يفعل اليوم..
      وهو جالس في قاعة الانتظار، طفق يحدث نفسه:"أي جديد هذا  الذي سيأتي به الطبيب اليوم؟ لقد أخبره في مرات كثيرة أن المرض مزمن وأن العلاج سيدوم طويلا..بل الشقاء مع المرض هو الذي  سيدوم طويلا!..".
  - ..أنا قلت لك.. حالتك تحتاج إلى المتابعة لنعرف تطور المرض..سأنتظر منك نتيجة هذا الفحص بالأشعة..وعلى ضوئها سأقرر في مستقبل العلاج..
     تسلم الرجل ورقة الفحص، تأملها جيدا، ثم استدار وهو يودع الطبيب.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟