"الويفي" ـ قصة : عثمان وعراب

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

stock-footageفتح عينيه ببطء شديد وكأنه يبصر لأول مرة. ركز بصره على الأكسسوارات الدائرة بالمصباح المتدلي من سقف الغرفة كمن يلاحظ ذلك لأول مرة. فجأة أمسك بطرف الغطاء واختفى تحته. تقلب مرتين وأعاد رفع الغطاء؛ لكنه ما زال ممددا. فكر ماذا سيحدث لو أعاد الغطاء؟ سينام لساعة أخرى أو ساعتين! وعندها سيستيقظ لاعنا نعمة النوم. أزاح الغطاء عنه كليا؛ لكنه بقي ممددا على السرير. أخذ يتثاءب ويتلوى ويفرك عينيه ويحك شعره حتى استنفذ جميع حركاته. وبكل خمول استجمع قواه ونهض أخيرا من فوق السرير.

قادته رجلاه بشكل آلي إلى الحمام؛ وما هي إلا فترة حتى خرج منتعشا خفيفا وكأنه أزاح عن كاهله جميع الذنوب والخطايا. اهتدى بعدها إلى مائدة الفطور، وأخذ حبات من التمر مع الحليب. ذكره ذلك اليوم بيوم العيد؛ ومع الذكرى شلت سكناته، وسكن بصره. كان الأمر يتطلب أن يغير المقرئ، على التلفاز وهو يقرأ سورة الكهف، نبرة صوته حتى يستيقظ من غفلته، ويكمل فطوره. كان الصباح هادئا وجميلا، وأشعة الشمس الذهبية تخترق سرا زجاج النوافذ. ما أن أكمل فطوره حتى اهتدى إلى خزانة الملابس؛ وهناك قضى من الوقت أكثر مما استغرقه الإستيقاظ، والإستحمام، والفطور. كانت المرآة تكلمه وتتأمل في هيأته، من الطربوش إلى البلغة. فمرة تتحسس الجلباب الأبيض، ومرة تحاول أن ترى كيف يبدو مظهره من الوراء، وتنتهي بالأكمام. نظر إلى ساعة يده ثم أخذ السجادة ووضعها على كتفه دون أن ينسى السبحة التي تزين يده اليمنى، في مقابل الساعة على اليد اليسرى.
لم يكن لديه ما يشغله ذاك الصباح. فكر أنه يمكنه الذهاب إلى المسجد قبل وقت الصلاة ويرابط فيه. وهكذا مر على ذهنه حديث طالما أحدث رنة في أذنيه خلال خطب مختلفة ومن أفواه مختلفة؛ قال في نفسه: "اليوم سأقرب بقرة." حيى كل من التقاه في الطريق بكل بشاشة، وتبادل بضع كلمات منمقة مع بعضهم. تأكد من أن رجله اليسرى لا تسبق رجله اليمنى عندما يدخل المسجد. وقف لبرهة قبل أن يتخذ له مكانا بين المرابطين. وضع بلغته في كيس من البلاستيك وانزوى في ركن داخل المسجد؛ صلى تحية المسجد وأسند ظهره إلى سارية بالقرب منه. توقفت شفتاه الآن؛ نادى بإشارة من يده على موزع المصاحف، وطلب منه كوب ماء. لبى الأخير بكل لطف نداءه. بقي الآن ما يقارب الساعة إلى الساعة والنصف على الصلاة. أخرج هاتفه الذكي من جيبه ونادى مجددا على موزع المصاحف، الذي أحضر معه مصحفا كمن فهم القصد؛ سقط المصحف من يده لما انتهى إلى مسمعه الطلب:
- "Mot de passe" عافاك.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟