الفلسفة درسا وتهديد المزالق ـ ديرار عبد السلام

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

112كل الدروس مهددة بالمزالق. لا بل تحاصرها المهالك، فيتحول درس اللغات الأجنبية ( المقدمة في الغالب باعتبارها لغات حية !) إلى أداة فتاكة لخلق تشوهات في أرواح المتعلمين ما لم يتملك أستاذ اللغة الأجنبية المؤهلات الضرورية التي تمكنه من جعل المتعلمين يلامسون روح تلك اللغة لا قشورها كما الحال عند الببغاء. ويمسخ درس التاريخ إلى مجرد أحداث وتواريخ أو تاريخ سلالات وسلاطين. كما قد يتحول درس التراث إلى مجرد حصص قاتلة للتغني به والنفخ في إنجازاته بدل جعله مختلفا، جديدا......و حداثيا .ودرس الجغرافيا إلى مجرد جرد لأسماء الجبال والسهول والهضاب والوديان وأنواع المحاصيل ومقاديرها حسب البلدان دون أدنى ذكر و تفكيك لأنماط السيطرة عليها ولمنطق توزيعها و الرهانات و الصراعات حولها ... .و يتحول درس الأدب الذي يفترض فيه تنمية الحس الجمالي و تهذيب الأذواق و الأخلاق إلى النقيض من ذلك تماما قي العديد من الحالات (1).


ودرس الفلسفة الذي يضفى عليه الكثير من الهالة باعتباره درسا للفكر النقدي التمحيصي ليس أبدا في مأمن من المزالق بل إن انكساراته قد تكون أفدح من كل الدروس ،و عواقبها و آثارها أوخم لأنها تخص منطق انبناء بنية التفكير عند المتعلمين ذاتها .و بكل ما ترمز إليه تلك البنية من قدرات وآليات و نواظم تجد صداها بالضرورة في طبيعة تفاعل و تملك المتعلم مع/ و لباقي الدروس (التاريخ ،الأدب،الموسيقى،الرياضيات....)، بل سيكون لها موقع الحسم في طبيعة التفكير/العقل الذي سيلج به المتعلم الحياة بعد نهاية مشواره التعليمي.
وعموما، فالعملية التعليمية برمتها عملية محفوفة بالعديد من المزالق التي تتباين درجاتها تبعا لطبيعة تكوين المدرس وثقافته العامة وعلاقته ب "مهنته"/رسالته و بذاته،و كذا حسب مدى إدراكه لآليات اشتغال النسق التربوي والنسق الاجتماعي عموما و لكثافة التعالقات بين "السياسي"و"التربوي"في المجتمعات المعاصرة على الخصوص و عبر تاريخ المجتمعات البشرية عموما. فالمدرسة- إطار العملية التعليمية-التربوية- في المجتمع المعاصر (و لها ما يقابلها في المجتمعات السابقة عليه)، ليست هي تلك "المؤسسة التعليمية والتربوية والتكوينية والتأهيلية...."و كل صفات البراءة والحياد والإغراء ...التي تروج لها قوى محددة بالمجتمعات الحديثة وتروج هي عن نفسها ،و إنما هي جهاز مؤسساتي غاية في التعقيد ،مهيكل لخدمة إيديولوجيا القوة المهيمنة / جهاز إيديولوجي قوي المفعول لتلك القوة ،يسهر على خلق وعي مقبول / مزيف لدى الجماهير/ زبناء هذه المؤسسة ،أساسه الانفصام في الرؤية للواقع بتناقضاته، إنها بلغة عالمي الاجتماع الفرنسيين بيير بورديو وجان كلود باسرون أداة ممارسة العنف الرمزي الذي لايقل وطأة عن العنف المباشر الذي تمارسه أجهزة الدولة المعاصرة القمعية، وأداة إعادة إنتاج نفس علاقات القوة داخل المجتمع (2).بل إن السوسيولوجيين المؤسساتيين يذهبون أبعد مما ذهب إليه بورديو و باسرون وأصحابهما ليكشفوا أن المؤسسة التعليمية في المجتمع الحديث موضوع رهانات متناقضة، فالسلطان المهيمن (Pouvoir dominant ) يراهن عليها لتشكل أداة لاحتواء / تدجين زبنائها،معلمين ومتعلمين ،و الجماهير تراهن عليها لتشكل لها أداة للتعلم و التخلص من آفتي الأمية و الجهل و الحصول على شغل، و الارتقاء الاجتماعي ... . كما يكشف هؤلاء السوسيولوجيين و الباحثين أن المدرسة بالمجتمعات الجد متقدمة نفسها أبعد ما تكون في جوهرها عما تدعيه لنفسها من ديمقراطية و احترام الشخص و الدنيوة
2
أو العلمنة (Sécularisation )...، و عن كل شعارات الحداثة الرنانة التي ترفعها (3) . إلا أن كل ذلك لا يمنع تلك المؤسسة بالمجتمعات المهيكلة من القضاء نهائيا على آفة الأمية و من تعميم بعض رموز الحداثة (مكتبات، جمعيات، مختبرات... )، و من تمكين كل زبنائها من قسط من الخيرات الرمزية (Les biens symboliques ) يؤهلهم لأن يحرصوا على ضمان شروط حياة إنسانية جديرة بأن تحيا ، طبعا مع ضمان احتكار أبناء السائدين لتلك الخيرات لأن ذلك شرط من شروط إعادة إنتاج احتكار آبائهم للخيرات المادية . كما لا يمنع كل ذلك من اختراق آليات عنف تلك المؤسسة خصوصا و أن العديد من المخططات و البرامج حول الإنسان ونشاطه تؤدي في العديد من الحالات إلى نقيض ما تراهن عليه و أن المفاجئ و الغير منتظر في التاريخ الإنساني لا يمكن تجاهله...
و إذا كان ذلك هو واقع المؤسسة التعليمية عموما ، فسأركز في هذا المقام على المزالق الخاصة بدرس محدد هو درس الفلسفة دون ادعاء الإحاطة بمزالق دروس مواد تعليمية أخرى ،بل دون ادعاء الإمساك بكل مزالق الدرس الفلسفي نفسه لأنها متنكرة و يحيط بها الكثير من التدليس و الدسائس حينا و الإغراء و الإغواء و التضليل أحيانا كثيرة كما سنفصل ذلك فيما يلي :
1- المزلق الأول : يتجسد في تحويل الدرس الفلسفي الذي يفترض فيه أن يشكل سياقا لتدريب المتعلمين على التفكير الحر و اكتساب آلياته، إلى حلقة اختناق للدعاية الإيديولوجية بكل ألوانها، و هو مزلق قديم ظل يحاصر الدرس الفلسفي و يحجم إمكانياته إلى غاية بداية العقد الأخير من القرن العشرين و بالضبط إلى غاية تهاوي الإتحاد السوفياتي و المنظومة الاشتراكية ، وارتبط بتشبع أستاذ الفلسفة خلال حياته الطلابية بالأفكار الماركسية في الغالب . و في حال التوقف عن متابعة التطورات السريعة في حقل الفكر و المعرفة (و هي مسألة جد واردة ضمن منطق اشتغال المؤسسة التعليمية و آلياتها الجبارة في التطويع و الممتدة من نظام الترقية و إعادة النظر في مراتبية المنتسبين إليها ، إلى المذكرات التوجيهية و حتى العقوبات التأديبية ...)، في هذا الحال ، تتكلس تلك الأفكار (على العكس تماما مما أراده لها مبدعوها في العديد من الحالات ) في شكل قوالب دوغمائية مغلقة يصرفها الأستاذ داخل الفصل كمفاتيح سحرية لكل القضايا و الإشكاليات التي يطرحها هو أو يثيرها تلامذته أو طلابه، و بأسلوب متشنج في الغالب ( لا يليق بالعملية التربوية عموما فبالأحرى بدرس الفلسفة ) . و بعقلية دوغمائية مغلقة أو بصورة أحادية تبسيطية تقوم على اختزال الوقائع و تكريس خطاب متهالك حول النسق المتكامل ، والشمولية ، والكلية ، و الحقيقة ....و كأننا أمام رجل دين في زمن انحطاط مجتمعه لا أمام أستاذ فلسفة يفترض فيه تيسير السبل لمتعلميه للتخلص من الجامد والجاهز و المغلق ...و من كل ما من شأنه أن يعيق النشاط الحر للعقل. هنا لا تتعدى مهمة هذا النمط من الأساتذة خلق "ببغاوات بشرية " تجتر أفكارا جاهزة و تصورات طوباوية حالمة في الوقت الذي يحيا وهم كونه "ينوّر" بل "يثوّر". و هي الأفكار و التصورات التي لا يمكن التردد في التأكيد على كون المتعلمين الموجهة إليهم يبقون على أتم الاستعداد للتخلص منها بكل بساطة عند أول مصادفة لأول مدرس (أو غيره) يكون أكثر قدرة على الخطابة و الدعاية لجاهز يعرضه أكثر من الأول. فالبون شاسع بين الإتباع، و الاقتناع. الإتباع انسياق و انصياع و انخداع .و الاقتناع بوابة مشرعة للإبداع .أليست الفلسفة تحطيما لكل "الأوثان"و تفكيكا لكل السلط ؟ ! .ثم أليست مهمتها المركزية هي إثارة "النقاش" و الحرص على استمراريته بلغة ريشار رورتي؟
و الملاحظ أن تحول الدرس الفلسفي إلى حلقة للدعاية الإيديولوجية قد لا يفسر بالضرورة بحمل الأستاذ للأفكار الماركسية لأنه قد يرتبط بإيديولوجية دينية أو ليبرالية أو حتى عرقية أو طائفية.

3
و لا نشك في أن هذا المزلق قد تراجع بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين ،لا لنقد ذاتي مارسه أستاذ الفلسفة على ذاته، و لا لتكوين خاص تلقاه أو ما شابه ذلك ،ولكن لصدمة الواقع العنيفة المتمثلة في سقوط الأنظمة الشيوعية و اندحار الدولة التي راهنت على "الواحد" و "الشمولي" "الكلي"...إلا أن ذلك لا يعني أن الطريق باتت سالكة للإفلات من المزالق، فالأخطر من الأول شاهر سلاحه للتسلل إلى فصول الدراسة و مدرجات الجامعة، ألسنا اليوم أمام انبعاث فادح للإيديولوجيات الدينية و القومية و العرقية ...والليبرالية على الخصوص ؟ إن سقوط الدرس الفلسفي في براثن واحد من هذه الإيديولوجيات المدجج بغضها بالأسلحة الفتاكة للإعلام و قنوات الاتصال الماكرة ،و بعضها الآخر بمغازلة جوانب الضعف في الإنسان المعاصر ،من شأنه أن تكون له آثار أبشع في تحنيط الدرس الفلسفي و تحويل مدرس الفلسفة إلى مجرد داعية و مبشر . و المبشر عدو للإبداع / روح الفلسفة، لأنه يراهن (عن وعي أو غير وعي ) على الأتباع .
2-المزلق الثاني : و يلتقي مع المزلق الأول ،على الأقل في النتائج المترتبة عنه، إلا أن نشأته مختلفة ،إذ ينشأ عن توقف الأستاذ عن متابعة التطورات المتلاحقة في حفل الفلسفة، و هي مسألة واردة ضمن الشروط العامة للعملية التعليمية ولفاعليها ككل كما فصلنا ذلك في تحليلنا للمزلق الأول. و معلوم أن الفلسفة شأنها في ذلك شأن كل فروع المعرفة الإنسانية في تطور دائم و نردد مع عبد الرزاق الدواي أننا "لا نبدع جديدا عندما نكرر القول بأن لكل عصر حكمته "(4) ونضيف، و لوعلي سبيل التوضيح أكثر ،أن لكل عصر عقله ما دام العقل ليس ماهية ثابتة . و في عصرنا الحالي ،عصر المخاضات العسيرة الكبرى في الاجتماع و الأفكار، أحدث فلاسفة و مفكرون كبار مثل ميشيل فوكو و ليفي ستروس، و جاك ديريدا و ألتو سير و جيل دولوز و بيير بورديو ...هزة عنيفة في الفلسفة أعادت ترتيب علاقتها مع العلوم الإنسانية، وخصوصا مع السوسيولوجيا، و أحدثت شرخا شاسعا و مدويا في منهج الفلسفة السائد إلى غاية كانط و ديكارت بل و جون بول سارتر، لقد تخلت الفلسفة على أيدي هؤلاء عن خطابها العمومي و الشمولي بمفاهيمه المشهورة (الوجود،العقل الكلي، الحقيقة، البرهان، التأمل، النسقية ...الاكتمال ...)، لأن الأمر يتعلق بهزة أرضية شهدتها ساحة الفلسفة (5). ألم ينتبه أفلاطون منذ زمن جد بعيد إلى أن الفلسفة بعد أن تمكنت من معرفة العالم العلوي (في اعتقاده هو )، هي ملزمة بالعودة إلى الأسفل لتعلم لغير الفلاسفة طرق الخير؟ و يفترض هذا التعليم في الفيلسوف، علاوة على معرفته بعالم الأفكار، امتلاكه لمعارف شروط حياة معاصريه . و اليوم، و بفهم الفيلسوف أنه ملزم بألا يظل سجين المزعوم تخصصا هو تخصصه، و أن يكلم باقي الكائنات الإنسانية، يجد نفسه ملزما باكتساب معارف مرتبطة بطرق العيش الجديدة و بالتواصل الاجتماعي الذي يوجد في قلب الأخيرة ( طرق العيش الجديدة ) و يوجهها بقوة (6) . و بناء على ذلك ،فإن كل تأخر لأستاذ الفلسفة عن مواكبة هذه التطورات الهائلة والجد مهمة ،سيجعله - بالضرورة –أسبر تصورات الفلسفة بالمعنى القديم، و سوف يظل خطابها العمومي و الشمولي يطن في فراغ وجود فصله أو مدرجه، و لن يخرج تلامذته أو طلبته في نهاية الموسم الدراسي سوى بأفكار عائمة و تصورات خيالية حالمة، و تمثلات حول الفلسفة و الفلاسفة مشوهة تلتقي في العديد من جوانبها مع تمثلات الإنسان العادي .
لقد أنزل الفلاسفة الجدد الفلسفة من عليائها التأملي ( و الذي كان له ما يبرره عند اليونان ما دام الفلاسفة جزء من طبقة مالكي العبيد المصنوعين من ذهب ! و الذين لا تلامس أياديهم التراب ! ) إلى معمعة المعيش اليومي الصاخب ضمن نقلة نوعية غاية في الجذرية لم يسبق للفكر الفلسفي أن عرف نظيرا لها عبر تاريخه الطويل . والى المدى الذي يجعل من المستعصي تصنيف الفلاسفة الجدد بالمعايير التقليدية و حتى بتلك التي ظلت سائدة إلى حدود العقود الأولى من القرن العشرين و إلا أين نصنف ميشيل فوكو ؟ فيلسوفا؟ مؤرخا ؟ عالم نفس ؟......؟ وماذا عن جيل دولوز ؟ هل نصنفه

4
فيلسوفا أم سوسيولوجيا أم ناقدا أدبيا أم مؤرخا ؟ . ينطبق ذلك بشكل صارخ على بيير بورديو و هاملين و غاتاري و ديريدا وهابرماز و جون هانا و جون سيرل و جون ميلر وإدغار موران، و على معظم الفلاسفة المعاصرين ما دمنا نصادفهم فلاسفة و علماء اجتماع و نفس و انتروبولوجيين و مؤرخين و لسانيين و نقاد أدب أيضا.
وكل إغفال أو جهل أو تجاهل لأستاذ الفلسفة كون التفلسف اليوم بات يمارس بصورة مختلفة عن كل المراحل السابقة في سيرورة تطور الفلسفة، وأن روحه اليوم هي الحفر و النقد و التفكيك كمنهج يمارس على الوقائع على الأرض أكثر مما يمارس على الأفكار في العديد من الحالات، وحتى حين يمارس على الأفكار، فضمن علاقتها الوثيقة بالوقائع، لا بالمعنى الماركسي الدوغمائي الذي يمسخها باعتبارها مجرد بنية فوقية تعكس الواقع المادي ،بل بالحفر فيها باعتبارها فاعلا و مؤثرا في منطق اشتغال الوقائع، وفي الرهانات حولها و منطق اشتغال كل ميكروكوزم منها، و حسابات و عوامل التتويج و النبذ التي تحكم الفاعلين فيها ....، و كل التعقيدات التي تحيط بحقل إنتاج الخيرات الرمزية و سيادة أسئلة تكتسب الشرعية دون غيرها و رواجها و انتشارها على أساس أنها كذلك ( المشروعة ) دون سواها (7).
3- المزلق الثالث : هو مزلق فرعي للسابق ،و قد يعتبره البعض ثانويا . و هو بالفعل كذلك بالنسبة لأستاذ الفلسفة الذي استطاع التخلص من سجن دلالة الفلسفة بالمعنى التقليدي. إلا أن عواقبه وآثاره قاتلة لروح الفلسفة بالنسبة لغيره. فغالبا ( و منهجيا أيضا ) ما يبدأ أستاذ الفلسفة درسه الأول بالاشتغال مع تلامذته لجعلهم يدركون مواضيع الفلسفة أو محاورها الأساسية، و ينتهي معهم كما هو مشهور إلى كونها (المحاور ) تتلخص في ثلاثة أساسية هي الوجود و المعرفة و القيم.
ويكمن المزلق في الوقوف عند هذا الحد بدل المضي بالتحليل إلى المدى الفلسفي الأبعد الذي يجعل هؤلاء المتعلمين يدركون بكل وضوح ممكن أن الفلسفة عبر تاريخها الطويل ،يكون لواحد من تلك المحاور موقع السيادة في انشغالات و أسئلة الفلاسفة، و أن الفلسفة في بدايتها استبدت بها أسئلة الوجود ومحاولة تفسيره، و كان لذلك مايبرره، فالإنسان (الفيلسوف) في هذه الحالة يبدأ في التفكير المنظم لأول مرة، و الوجود ليس بالوضوح الذي لا يستفز للتساؤل عن معناه و أصله و مصيره....، كما يبرر موقع الفيلسوف ضمن طبقة مالكي العبيد المتفرغة تماما للعمل الفكري انغماسه في التأمل. وتحول مركز اهتمام الفلسفة بشكل جدري من أسئلة الوجود إلى إشكاليات المعرفة مع النهضة الأوربية و تخلص العقل من أثقال و أغلال القرون الوسطى، و بالضبط مع انبثاق العلوم وانخراط العلماء في سبر أغوار الطبيعة و ما صاحب ذلك و نتج عنه من أسئلة ملحة حول أدوات المعرفة و شروطها و إمكانياتها و عوائقها و حدودها و أزماتها أساسا ولينتهي المطاف بالفلسفة و أسئلتها اليوم إلى التمحور حول الإنسان . و حين نقول "الإنسان" فالمقصود هو قضاياه الجوهرية: العدالة، الحرية، الديمقراطية، الهوية، إنسانية الإنسان، الاختلاف، الاستلاب، الاستغلال، صراع الثقافات ....و غير هذه و تلك من الإشكاليات التي يفرضها العيش المشترك للإنسان مع الإنسان في المجتمع (و في المنجمع ما دامت العديد من التجمعات البشرية تستمر في التعرض لعمليات توهين و تعطيل تجعلها تحيا حالة ما قبل المجتمع و ما قبل الدولة ....)، و في القرية الكونية ككل .
و كل أستاذ للفلسفة لا يحرص على الاستحضار الدائم و الموجه لهذا الانقلاب العنيف في اهتمامات الفكر الفلسفي المعاصر، لا يلبث يجد نفسه في العديد من الحالات و قد انساق مع تلامذته أو طلبته ضمن نقاشات عقيمة تصب في الخطاب الشمولي و العمومي التقليدي للفلسفة (التقليدية) ،ذلك الخطاب الباحث عن الحقيقة الكلية أحيانا ، و القائل

5
بالصرامة المنطقية أحيانا أخرى، و الذي من شأنه أن يعلم المتعلمين كيف يحلمون لا كيف يتدربون على ممارسة التفكير الفلسفي بمعناه الجديد. يقول كلود جاكطيل في تقديم كتاب مشهور له عند مدرسي الفلسفة ،"إن الكتاب الذي نقدمه لكم له هدف أساسي هو كشف القناع عن الوقائع و الأفكار و التصورات من خلال أشكال للتحليل بسيطة، هذه الوقائع والأفكار و التصورات التي لها أهمية كبيرة في فهم (التلميذ) للعالم المعاصر و قضاياه" (8) . وخطاب جاكطيل هنا الموجه لأساتذة الفلسفة واضح جدا، إذ لا يترك أي عذر لذلك الأستاذ الذي لا بتفاني في " ترويض" "حصان درسه "كي لا يتيه به و بتلامذته أو طلبته في غياهب إشكالات لاهوتية أو ميتافيزيقية أو شمولية تقليدية عموما، أو حتى إبستمولوجية بالمعنى التقليدي ما دام العلماء المعاصرون بانوا حريصين في الغالب على امتلاك ما يؤهلهم لوضع أدوات العلم جانبا و الاشتغال بعتاد الفلسفة كلما حدثت أزمة في تخصصاتهم، و في ذلك الكثير من الفائدة للعلم و الفلسفة معا، و ما دامت العودة إلى فيدغنشطاين أثمرت خلاصا من أوهام إبستمولوجية سائدة إلى عهد قريب، تتعامل مع "العلمي" و "المعرفي" و كأنه بمعزل عن "الاجتماعي". فأكثر المعارف تجريدا-حسب فيدغنشطاين- و التي هي الرياضيات ليست أبدا إنجازات عقلية خالصة، بل هي استجابة لحاجات اجتماعية و في ارتباط متعدد الأوجه بها. و هذا بالضبط ما تقصده العلوم المعرفية اليوم حين تؤكد أن المهارات و المعارف التي تنمو أكثر من غيرها في ظل ثقافة معينة، تعكس الغايات المعرفية الثقافية أو النموذج المعرفي الأمثل الذي تدعو إليه ثقافة المجتمع و تشجع عليه . و بالتالي فالتحليل أو النقد "الابستمولوجي " الصرف الذي يتعامل مع منجزات العلوم باعتبارها انجازات عقلية خالصة أو تجريبية خالصة مجرد وهم إن لم نقل أنه ينتمي للميتافيزيقا، لأن "الاجتماعي – الثقافي" يداخلها بأشكال عديدة ( يدعو إليها و يشجع عليها و يستثمرها و يوجهها و يمولها و يتحكم في رواجها...) .
4- المزلق الرابع : ويعتبر امتدادا للمزلق السابق، إلا أنه مزلق بيداغوجي/ديداكتيكي، لأن أستاذ الفلسفة الذي يظل أسير الخطاب العمومي و الشمولي(المتجاوز) للفلسفة التقليدية، يعجز عن جر تلامذته أو طلبته ليكونوا فاعلين تربويين حقيقيين، نتيجة طبيعة الخطاب العمومي التجريدية و الغامضة في الغالب، هذا الخطاب البعيد كل البعد عن الوقائع التي تحيط بهم و الأسئلة التي تطرحها عليهم. هنا يتحول أستاذ الفلسفة إلى نظير للفقيه الذي يمارس سلطة مطلقة و ينظر إليه "زبناؤه" على أساس أنه مصدر كل المعرفة و الحقيقة، و ما عليهم إلا أن يغرفوا من جعبته. و تقترب الفلسفة بهذا المعنى من العلوم الشرعية في عصر انحطاطها لا في أوج انبنائها أو تجددها. وهنا تنقلب مقولة نيتشه الخالدة "آمركم أن تضيعوني لتجدوا أنفسكم" إلى "آمركم أن تقدسوا ما أقوله لتضيعوا"، ما دامت مهمة زرادشت(المعلم) حسب نيتشه هي قلب و تحطيم العلاقة التقليدية بين المعلم و المتعلم حيث الثاني مجرد صورة (مشوهة) للأول و استمرارا له، و حيث " تكرار صورة الأب في الابن". لا أبوة و لا قدسية و لا امتثالية في الفلسفة و في كل درس فلسفي بالمعنى الجديد ما دام الفيلسوف(الجديد) لم يعد هو الناطق باسم الحقيقة أو مرآتها أو شاهدا عليها أو شهيدا من أجلها، بل هو الذي يمارس نقد الحقيقة و يفكك خطابها أو يهدم مؤسساتها و يكشف ألاعيبها(9).ثم ألم تتميز الفلسفة على الدوام (وليس الفلسفة بمعناها الجديد فقط) عن التيولوجيا و رفضت باستمرار الانحدار إلى مستوى إيديولوجيا مهما كانت طبيعتها؟(10).
يبدو واضحا أن رهان الدرس الفلسفي الواعي بخطورة هذا المزلق هو جعل المتعلمين في تماس فعلي مع روح الفلسفة، متمرنين على منهجها المعاصر الذي يحلق بعيدا عن عقلانية أرسطو و الفارابي، وينفلت من قبضة يقين الكوجيطو الديكارتي، و يتمرد على أسلوب تفكير كارل ماركس الإيديولوجي، ذلك المنهج الجديد النظير تماما لورشة حيوية حقيقية ل"الصناعة العقلية " بكل ما يمكن أن ترمز إليه من نقد و تفكيك و أدوات للخلخلة و لزعزعة استقرار

6
اليقينيات و إزاحة الأقنعة(السميكة في الغالب) عن كل "مألوف" و "يقيني" و "واضح"و "وقور" و "وثوقي"...، على مستوى الأفكار و على مستوى الوقائع، لا بل إن تيسير أستاذ الفلسفة لفرص تدرّب تلامذته أو طلبته على تشغيل آليات تلك "الصناعة العقلية" الجديدة و المتجددة باستمرار، على الوقائع المحيطة بهم من شأنه أن يجنبه مخاطر السقوط في وضعية الوثن (بلغة نيتشه)، ذلك الداعية (الممقوت ضمن الفلسفة بمعناها الجديد) الذي يدعي أكثر من "مناداته" لتلامذته أو طلبته ليبنوا معارفهم و مهاراتهم و مواقفهم و اختياراتهم و قيمهم بأنفسهم، فتصبح ملكا لهم و جزءا من صميم بنياتهم المعرفية التي ستشتعل ذاتيا في المستقبل في اتجاه تطويرها و تصحيحها لا التخلي السهل عنها عند أول منعطف كما تؤكد ذلك الدراسات الأكثر جدة في العلوم المعرفية الجديدة (11).
5- المزلق الخامس : يرتبط هذا المزلق ارتباطا وثيقا بعدم تخلص مدرس الفلسفة من معناها التقليدي الذي يحيل إلى أسئلة الوجود و التأمل (بمعناها التقليدي)، و بالتالي إلى الأسئلة بدون أجوبة . كما ينتج (المزلق) عن سوء تدبير وتوظيف لمقولة مشهورة (و أساسية) في الفلسفة ذاتها و تحضر بالضرورة في كل درس فلسفي على الصعيد العالمي، وهي كون "الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة و أن كل جواب يصبح موضوع سؤال جديد " !، مما يوهم بغياب الأجوبة في الفلسفة . و الحال أن الفلسفة بمعناها الجديد باتت تستحيي من أن تقدم نفسها كمجرد أسئلة بدون أجوبة و إشكاليات و أشكلة و استشكال( و هو ما تستمر قوى داخل حقل إنتاج الخيرات الرمزية و بالضبط داخل ميكروكوزم إنتاج الأفكار الفلسفية في الترويج له و إضفاء طابع الشرعية عليه )، و أصبحت (الفلسفة بمعناها الجديد) واضحة المعالم و الأدوات و المهام ،إنها النقد و التفكيك و الخلخلة و النبش، ممارسة على الأفكار و الوقائع أو ما يرتبط بالإنسان و علاقته بالإنسان أساسا كما فصلنا ذلك سابقا . بل إن هزات عنيفة شهدتها الفلسفة في القرن العشرين و تزداد ارتداداتها عنفا حاليا،نتيجة التطور المذهل الذي حققته و تحققه باستمرار العلوم الإنسانية (علم النفس،علم الاجتماع وعلم الانتروبولوجيا و اللسانيات....) (و التي تعتبر شبه ممنوعة بالمجتمعات التقليدية )، هذه العلوم التي باتت تقدم أجوبة قابلة للتطبيق أو للمعاينة على الأرض ... . و تبقى مهمة الفيلسوف صياغة تركيب رائع لخلاصات ونتائج "البنات" النشيطات و المنتجات باستمرار (العلوم الإنسانية ) ،ذلك المعنى الذي ينطق بالعريض التركيبي و يقطع مع التأمل بالمعنى التقليدي (لن تتزوج خطيبة الفيلسوف بعد اليوم في غفلة منه لأنه غارق في تأمله، كما لن يسقط في بئر لأنه مأخوذ كلية في تأمل الكواكب و أسرارها ...)، كما يقطع مع السؤال بدون جواب، بل يقدم أجوبة و يفك ألغازا و لا "يؤشكل" أبدا .و يجد قارئ الإنتاجات الفلسفية الجديدة نفسه أمام أجوبة شجاعة للإنسان حول ذاته، و مجتمعه و قيمه، و العالم الذي يحيا فيه و منطق اشتغال القيم التي توجهه .... . يقدم الفلاسفة الجدد اليوم أجوبة واضحة حول الجبر و الاختيار، و الحرية كمفتاح لكل تقدم، و الكرامة، و العدالة، و الديمقراطية، و التاريخ الذي ليس خطيا أبدا...و غير هذه و تلك من القضايا التي تشغل اهتمام الإنسان المعاصر و تؤرقه .
و بالطبع، و من صميم روح الفلسفة، لا يسلم الفيلسوف الجديد بنهائي و لا يبشر ب"حقيقي " و «كلي"، فالسؤال مشتغل على الدوام و نفد الحقيقة من صميم الفلسفة بمعناها الجديد، و الركون إلى اليقين عدوّها.
و إجمالا، فإن الفيلسوف أو المتفلسف بالمعنى الجديد يقطع مع كل ما من شأنه أن ينفّر من الفلسفة و يجعلها تبدو بدون جدوى و مرادفا للغموض و التلاعب بالألفاظ. و هو ما لا تتعب القوى المضادة للعقل و الحياة من الترويج له بكل الوسائل الممكنة التي تبدأ بالمدفعية الثقيلة و الفتاكة لوسائل الإعلام و قنوات طبع (inculcation) تصورات و أفكار و أنماط عيش و نظرة للحياة و الوجود نمطية، و لا تنتهي عند استئجار ألسن و أقلام و نجمنتها (تحويلها إلى نجوم) تخدم نفس الهدف، أو –وهذا هو الأخطر- تتويج دكاترة خدّيجين يروجون بتنطع جاهل لما يناقض روح الفلسفة بمعناها الجديد.
7
و قد أصبح من الجلي عند المهتمين بالفلسفة بهذا المعنى أيضا أن اتخاذ"سقراط"و "ابن رشد" و "الفارابي"مكانة على الإنترنيت، رهبن بجعل الفلسفة قادرة على دخول حلبة التواصل(12)، و كيف للغامض و التأملي بالمعنى العقيم و المتسائل بدون أن يقدم أجوبة و "المؤشكل"أن يحقق ذلك ؟
ليس غريبا أن ينظر المتعلمون إلى مدرسهم الذي يقع في براثن هذا المزلق باعتباره مجنونا أو معتوها أو شذوذا ...، ما دام المفروض فيه أن يجعل الدرس الفلسفي يوفر لهم فرصا (قد لا يوفرها غيره أو هذا هو المشهور على الأقل) للإمساك بأجوبة عن أسئلة تؤرقهم، تتخذ شكل مواقف لهم من ذواتهم و مجتمعهم و العالم الذي يحيط بهم، و لا يهم إن توافقت هذه المواقف أو تنافرت ما دامت ستتطور بمنطق الدرس الفلسفي بمعناه الجديد دائما .
6- المزلق السادس : يتأطر هذا المزلق ضمن ما يلزم مدرس الفلسفة في عصرنا الحالي التخلص منه ليستحق لقب من يعلم تلامذته أو طلبته كيف يفكرون بعقل العصر لا بعقل أرسطو و أفلاطون ،و ابن رشد والفارابي، و حتى ديكارت . فإذا كان من المفروض في هذا المدرس ألا يخاطب متعلميه بعقلانية هؤلاء لأنها كانت مشروطة بمستوى تطور المعرفة الإنسانية و العقل الإنساني نفسه في أزمنتهم ،و تخوض في أسئلة تطرحها السياقات التي وجدوا فيها، فإن المفروض فيه أيضا أن يتخلص و يخلص متعلميه من منطق/لا منطق الثنائيات الميتافيزيقية التي تستمر في الاشتغال كفيروس حقيقي يشل حركة العقل و نشاطه على أكثر من مستوى، و في حقول معرفية عديدة و ليس في العمل الفلسفي وحده . فالعقل واللا عقل، و المعرفة و الجهل، و الذكي و الغبي، و النجم و النكرة، و التو اشج و التناشز، و العدو و الصديق، و الباني و المهدم، و الإثبات و النفي، و الصمت و الثرثرة، و الحي و الميت، والقديم و الحديث، و الوطن و المنفى ....كلها ثنائيات ميتافيزيقية (dualités métaphysiques) تستمر في تأثيث البنيات المعرفية للعديد من الروائيين و الشعراء و المؤرخين و حتى العلماء ...، و أثرها معطّل مفسد للمحاصيل لأنها غالبا ما تشكل منطلقات للتفكير (غير معلنة و غير مفكر فيها في الغالب الأعم ). و الحال مثلا أن العقل يظل ينطوي في جوفه في كل مراحل تطوره على جوانب لا عقلانية كما تكشف ذلك الابستملوجيا، و لا وجود ل"لا عقلاني" بصيغة المطلق . و"الذكي" قد يكون أغبى الناس في مجال محدد و "الغبي" أذكاهم في مجال آخر، ثم عن أي ذكاء يتم الحديث ، خصوصا و أن العلوم المعرفية المعاصرة كشفت عن أنواع عديدة (ذكاء لغوي، ذكاء منطقي رياضي، ذكاء مكاني، ذكاء جسدي – حركي، ذكاء موسيقي، ذكاء العلاقات بين الناس، ذكاء مع الذات ...). و "النجم" قد يكون زائفا و "النكرة" قد تكون نجما حقيقيا يتعرض للاغتيال الرمزي. و الوطن قد يكون أبشع من المنفى كما أن المنفى قد يشكل وطنا ألطف و أرحم من الوطن الأصلي في العديد من الحالات (13)، وقد تبلغ ذروة المرارة عند البعض حد التصريح الصادق الصادم بأن "لا وطن و لا منفى" كما عبر عن ذلك الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف(هو عنوان إحدى قصائده الأخيرة).
و تجدر الإشارة إلى أن تخليص أستاذ الفلسفة لمتعلميه من منطق الثنائيات الميتافيزيقية، سيجد صداه على مستويات عديدة، إذ سنصادف المتعلم يشغّل المنطق البديل خلال تعلمه لمواد أخرى، كما سيجعل عقله متقدا، متوثبا، عصيّا على التسليم بالسائد و المألوف، و على آليات الترويض و التسطيح، و من تم، على الانقياد و الانصياع و الإتباع. و هنا يحقق الدرس الفلسفي ما تنبّه له V.Packard منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين، و لم يكتب له أن يثير ما يستحقه من النقاش بين الفلاسفة و المهتمين بالفكر الفلسفي و تدريسه من التربويين و الديداكتيكيين، إذ موضع الفلسفة باعتبارها في مواجهة إقناع سري (Persuasion clandestine) بأذواق و سلوكات و قيم و أنماط عيش قد تكون مهددة(menaçantes) ...أو مشوبة(14).
8
7- المزلق السابع : هو مزلق في غاية الخطورة لأن وقوع مدرس الفلسفة فيه يحرم متعلميه من ملامسة روح الفلسفة و الإمساك بها، و يجعله و يجعلهم تائهين وسط التراث الفلسفي الهائل الممتد على مدى ما يناهز الستة و العشرين قرنا، إلا أن إدراكها (الفلسفة) كحقل معرفي قائم على إبداع المفاهيم (15) يختصر المسافة و يضع المعلم و المتعلم على الدرب المفضي إلى روح الفلسفة و طبيعة عمل الفلاسفة .و إذا كانت المفاهيم في مختلف الحقول المعرفية هي الأدوات التي ندرك بها الواقع و تترتب و فقها في بنياتنا المعرفية الوقائع (لعلم التاريخ مفاهيمه، ولعلم الاقتصاد مفاهيمه، و للفيزياء مفاهيمها، و للرياضيات أخرى...وهكذا)، فإن المفاهيم في الفلسفة تتخذ طابعا أكثر تركيبا و عمقا وسبرا، لأن المفهوم الفلسفي يرتبط بصاحبه حد التطابق(جوهر أو هيولة أرسطو، كوجيطو ديكارت، موناد ليبنتز، شرط كانط، المعلم الوثن عند نيتشه، النزول إلى الحدث عند دولوز و غاتاري، العنف الرمزي و الخيرات الرمزية، والطبع ...عند بورديو..الخ). و المفهوم الفلسفي ليس أبديا، لأنه في كل لحظة قد يتم إبداع مفهوم "أفضل" من السابق لأنه يسمعنا تغيرات جديدة و رنات غير معروفة، و يحقق تقسيمات مخالفة، و يجعل حدثا يحلق فوق رؤوسنا(16)، أي يتيح لنا اقتحام مناطق للفكر عصية على التفكير لحد الآن و استشراف آفاق للمعرفة غير معروفة .كم هو جميل و في غاية الإثارة الذهنية للمتعلمين أن يشتغل المدرس مع تلامذته أو طلبته على مفهوم "الرأسمال"مثلا، فيدفعهم لاكتشاف كون معناه في الأدبيات الماركسية لا يسمعنا سوى تقسيمات محدودة تتلخص في الخيرات المادية، و أن دلالته مع بيير بورديو تسمعنا تقسيمات جديدة مخالفة،إذ لم يعد واحدا موحدا بل متعددا .و يدرك المتعلمون بذلك أن هناك رأسمالا ماديا و آخر رمزيا لا يقل قيمة عن الأول لأنه قابل للاستثمار هو الآخر . و ثالثا اجتماعيا(قيم و أنماط العيش المشترك)أو (أنظمة المصاهرة و الولاءات ...)،يفتح أعين المتعلمين و عقولهم على منطق انبناء العلاقات الاجتماعية و يجيبهم عن كثبر من الأسئلة التي تؤرقهم . ينطبق ذلك أيضا على مفهوم "الثمن" الذي ليس ماديا دائما كما هو مألوف، لأنه قد يكون سياسيا، و هذا أخطر و أفدح من الأول ما دام شراء القمح أو الأرز مثلا، بثمن السوق يثقل كاهل الوطن ماليا فقط، أما شراءه بأقل من ثمن السوق وبشروط تمس سيادة الوطن أو بأخرى أكثر قذارة، فذلك ثمن سياسي ينم عن التآمر و العمالة و التفريط في الأوطان، يحسب اختيار إثقال كاهل الوطن بالثمن المالي فقط بالقياس إلى الأول إنجازا يستحق التنويه.
و"التحرش" ليس جنسيا دائما كما هو مألوف في اللغة اليومية‘ لأنه قد يكون "سياسيا" و "ثقافيا"...، و"الغزو" و "الاستعمار" لا يكون عسكريا و بالعربات دوما، لأنه يتخذ اليوم أشكالا و ألوانا متعددة تضمن للغزاة الجدد نهب خيرات الشعوب المضطهدة دون حاجة للدبابة إلا في الحالات الناذرة حيث تفشل الأساليب الناعمة في تنويم و تطويع هذه الشعوب لسرقة خيراتها دون دماء !!!.
و "العنف" ليس واحدا موحدا هو العنف المادي، لأن الرمزي قد يكون أخطر من الأول في الكثير من الحالات. و"الغارات" ليست دوما جوية(حربية) لأنها قد تكون إعلامية أشد فتكا، أو مالية تجعل شعبا أو حتى شعوبا غير قادرة على دفع ثمن حاجات أساسية يومية بالعملات الأجنبية لأن الغارات المالية شفطت كل أرصدتها منها.
ثم إن المفهوم في الفلسفة بمعناها الجديد تجاوز كونه أداة للسّبر و الاستقصاء و الحفر و النّبش كاشفة، تمكننا من التفكير فيما لم يفكر فيه بعد، إلى كونه أداة للتورط(بالمعنى النبيل) ما دام يزيح أقنعة و يحطم أصناما و يزعزع استقرار يقينيات... . هي روح الفلسفة إذن، و اشتغال مدرس الفلسفة عليها (المفاهيم) مع تلامذته أو طلبته، تحليلا لمنطق انبنائها و لمكوناتها و للروح الاشتباكية مع السائد و المألوف و اليقيني...لمبدعها، يجعلهم "يشاركون" الفلاسفة في "صنعتهم" و يكتشفون آليات اشتغالها في طرحها لأسئلتها و حفرها و نبشها و تقسيماتها المتجددة باستمرار. إنها إستراتيجية العمق
9
(deep strategy ) في التعلم تماما التي خلصت إليها الدراسات و الأبحاث الأكثر جدة في علوم التربية، تلك الإستراتيجية التي تجعل المتعلم حاضرا، مشاركا، رافضا للتواصل بالمعنى التلغرافي (الذي يجعله منفعلا مشلولا)، مالكا للمؤهلات التي تضمن انبثاقه مواطنا يصعب تجاهله... .
و للإشارة الضرورية أيضا، فإن كل تعامل مع التراث عموما و التراث الفلسفي منه على وجه التحديد بغير منطق النبش و الحفر في مفاهيمه لإدراك مركباته يحرم أصحابه من إدراك علاقته بالزمن، و جدلية الحضور و الغياب فيه(17)، لأن الأفكار(والوقائع السالفة أيضا) ليست ل"الشّم" و لأن لا تلامسها "الأصابع"، و إلا فإننا نحولها إلى مومياء أو أصنام(18). أليس ما خلفه أسلافنا من الفلاسفة و العلماء و الأدباء مجرد مشاريع للاستكمال و الاستئناف حتى و إن استحقت صفة الخلود؟!. وعلى مستوى الوقائع، أليست أكبر الإنجازات الإنسانية المعاصرة نفسها( فبالأحرى تلك التي ترجع إلى قرون) ك"الديمقراطية" و "المواطنة" و "التحديث" و "الحداثة"(كوقائع على الأرض لا كأفكار) هي الأخرى عمليات بناء و انبناء مستمرين؟.
8-المزلق الثامن : ينتج هذا المزلق من خطر تقوقع أستاذ الفلسفة في تخصصه الضيق . و هو أمر وارد عالميا إلا أنه يتخذ شكل الخطيئة الفادحة بالمجتمعات التقليدية حيث إمكانيات التكوين لممارسة رسالة التعليم عموما، و استدراك النواقص و تجاوز نقط الضعف خلال المشوار المهني، جد ضعيفة، فمدرسو الفلسفة هم في الأصل- و في الغالب الأعم – طلبة قادمون من تخصصات محددة بالتعليم العالي هي علم النفس و علم الاجتماع و الفلسفة العامة و الفلسفة الإسلامية في سياقنا المغربي مثلا. و هنا تكمن بوادر المزلق لأن المدرس القادم من هذا التخصص أو ذاك و الذي يغلق المنافذ على نفسه داخل تخصصه (الضيق)(19) هو في غفلة عن النقلة النوعية التي عرفها التفلسف بالمعنى الجديد، و التي أعادت صياغة علاقة الفلسفة بالعلوم الإنسانية إلى الحد الذي يجعل من الصعب إقامة تصنيف بالمعنى الكلاسيكي يفصل بين الفيلسوف "الصرف" و عالم النفس "الخالص" والمؤرخ "القح" و عالم الاجتماع والناقد الأدبي واللساني ....المنعزلين تماما في تخصصاتهم، المسجونين داخل شرانقها.
و تكمن الخطورة القصوى لهذا المزلق في حرمان مدرس الفلسفة، و معه متعلموه من إدراك منهج الفكر الفلسفي الجديد الذي هو أساسا حفر و تفكيك كما فصلنا ذلك سابقا، يفيد أصحابه و الذين يمارسونه (و يفترض في الذين يدرسونه) من كل الانجازات التي تحققت (و تتحقق باستمرار) في حقول اللغة والسيمياء و الانتروبولوجيا و التاريخ و السوسيولوحيا و الابستومولوجيا و علم النفس والعلوم المعرفية ...لأنه مشروع نقدي شامخ وخصب، تتأتى خصوبته من هذا التعدد الباذخ في روافده النشيطة التي باتت تستحيي من الحديث عن نفسها معزولة عنه، غارقة في تخصصانيتها الضيقة العقيمة؟(20).
9- المزلق التاسع : إذا كان من المجحف إنكار كون أغلب المزالق السابقة شكلت مواضيع نقاش و تحليل، بشكل أو بآخر،للفلاسفة أو للمشتغلين بها، فإن هذا المزلق و العوامل الفاعلة فيه، المكرسة له لم تنل حظها الضروري و الهام من النقاش في الكتابات الفلسفية .و نفترض دون أدنى ادعاء الإحاطة بها، أنها تعود في جزء كبير منها إلى ما يشاع حول الفلسفة من "وقار" و "هيبة" و "صرامة" و "جدية"....و صفات أخرى مماثلة هي في الواقع مناقضة لروح الفلسفة و لطباع الفلاسفة. يتعلق الأمر بمزلق إغفال مدرس الفلسفة كونها فكرا ساخرا مما يحرمه من الإمكانيات الهائلة التي تتيحها هذه الخاصية بيداغوجيا و ديداكتيكيا كما سنفصل ذلك لاحقا. و ليس المقصود بالسخرية في الفلسفة، الهزل و المزاح و
10
التفكه و الضحك و الإضحاك، بل باعتبارها جرعات تفكيكية مزلزلة لكل نمطية و سلطوية و يقين و تسليم و خداع و انخداع و وضوح و امتلاء و وقار و وثوقية . كما هي أداة إبهاج للعقل والروح تنعشهما و تجعل الأول (العقل) متوثبا. فالإبداع يحتاج إلى البهجة و العكس بالعكس، و من العلوم العصبية نعرف أيضا أهمية تهدئة العقل و إبهاجه(21). و بالرجوع الحفري إلى تاريخ الفلسفة، نكتشف أن الفلاسفة العظام الذين خلدوا أسماءهم، كانوا ساخرين بشكل أو بآخر. لقد كان سقراط يسخر بطريقة غير مباشرة من أفكار و تصورات محاوريه و يدفعهم للتفكير فيها للتخلص منها.و هو ما رأى فيه "سادة"عصره إفسادا لأخلاقهم !! يستوجب الموت الخالد ب"كأس السم". والقارئ المتمعن لأعمال ابن رشد يكتشف سخريته اللاذعة من الفقهاء الذين كانوا يتهمونه بالزندقة بكشفه عن عجزهم مثلا عن إدراك أنواع الموجودات و إقراره هو ب"القديم بالزمان و بالذات" !!. و يجد إخفاء ابن رشد سخريته مبرره في السياق الثقافي – القيمي الذي مورست فيه. أما صورين كيركغارد، فقد جسد السخرية في أعلى صورها، و قوله بشمولية اليأس و القلق مضي بها إلى أعلى مراتبها المأساوية (كما الحال في التراجيكوميديا تماما) خصوصا حيث ندرك معنى اليأس عنده بعيدا عن المعنى السوقي المبتذل. ذلك أن أفظع أنواع اليأس عند كيركغارد هو ألا يكون للمرء وعي به ويحيا وعيا زائفا مغلوطا يودي ب"وجوده". و بالنسبة لنيتشه، فإنه لم يدع منجزا من منجزات "الحداثة" (الغربية) إلا وشكل موضوعا لسخريته،بدءا من "المعلم الوثن" و "الحقيقة"و ادعاء القطع مع الميتافيزيقا.
أما ميشيل فوكو فإنه يلتقي مع نيتشه في نفس روح سخريته و مواضيعها و إن كان فد ذهب بعيدا في حفره و تفكيكه (الساخر) لأنظمة المعرفة و السلطة السائدة في المجتمعات "الحديثة"، و كذا من منطق تعامل "السادة" بهذه المجتمعات مع ظاهرة "الجنون" و من قضايا أخرى كثيرة. و بالنسبة لبيير بورديو، أليست أعماله التفكيكية حول منطق اشتغال نسق التعليم مثلا سخرية واضحة من ادعاءات المدرسة و واضعيها حول مهمتها’؟ أليس كشفه كون هذه المدرسة ليست مؤسسة "تربوية" و "تنشيئية" و"تأهيلية" و"تكوينية"و...و...وكل صفات البراءة و الحياد و الملائكية كما تدعي لنفسها و يمارس السائدون الدعاية لها، بل هي أساسا مؤسسة في يد السائدين لممارسة العنف الرمزي و إعادة الإنتاج الاجتماعي، أليس ذلك سخرية من ادعاءاتها و ادعاءاتهم، بل و ممن تنطلي عليهم الخدعة؟.
و مع دولوز و غاتاري، نجد أنفسنا أمام أساليب سخرية رائعة من منطق اشتغال "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" (بمواطن الحداثة لا بقلاع الاستبداد طبعا)، ف"حقوق الإنسان هي مجرد معايير اصطلاحية(axiomes ) يمكنها أن تتعايش مع معايير أخرى في السوق، و خاصة تلك المتعلقة بضمان الملكية التي تتجاهل هذه المعايير أو تعلقها أكثر مما تتعارض معها" (22)، و"حقوق الإنسان لا تقول شيئا عن أنماط العيش المحايثة للإنسان المتمتع بالحقوق"(23)، و"عار الإنسان بإنسانيته لا نعانيه فقط في الحالات القصوى، وإنما يمتد إلى ظروف تافهة، أي تجاه انحطاط و ابتذالية الحياة الملازمة للديمقراطيات"(24). هي سخرية مزلزلة بكل المعايير، بعيدة كل البعد عن معناها السوقي بلغة كيركغارد، لأنها جادة و جدية إلى أبعد الحدود. وإذا كان الأدب الساخر هو أكثر أنواع الأدب جدية حسب تعبير الكاتب الكبير برنار شو، فإننا لا نتردد في القول أن الفلسفة الساخرة هي أكثر أصناف الخطاب الفلسفي جدية. ألا يرتب الفيلسوف الأمريكي المعاصر جون هانا من بين أكثر الفلاسفة جدية و عمقا في أعماله الفلسفية، و أكثر العلماء سبرا للوقائع في علم الدراسات التكاملية التي يذهب البعض إلى حد اعتبار أعماله المتواصلة "إنجيلها"، و يشتهر في نفس الوقت بكونه لا ينطق إلا ساخرا، أو بالفيلسوف صاحب المدد القصصي الساخر و الحلو الذي لا ينتهي... .

11

و مما له الكثير من المعنى- و إن كان لا يدخل في صميم اهتمامنا في هذا العمل- كون السخرية لا تخص الفلاسفة عموما و المعاصرين منهم على وجه الخصوص وحدهم، بل نجدها حاضرة و بقوة أحيانا عند العلماء المعاصرين، فهذا ليون ليدرمان عالم فيزياء الجسيمات و الحائز لجائزة نوبل1988، شهرته نابعة من سخريته أولا و من فتوحاته العلمية ثانيا. و هذا أرثر سكاولو، مبدع الليزر، ذلك العالم الذي اشتهر بكونه ضخم البنية، يفيض بهجة، و يتناول غذاءه مع طلابه...و يسخر من كل شيء ...حتى من ذاته...و أعماله(سخريته الشهيرة من سر صبره الطويل لاختراع الليزر و مشكلته في الفراش...). كما يذكر بنيامين فرانكلين، صانع الأداة المضادة لصواعق البرق(والذي رأى بعض رجال فقه الإلهيات أنه إذ يحرف اتجاه الصاعقة، إنما يعترض على إرادة الرب !)، باعتباره نموذج العالم الساخر،و لا يقل عنه في ذلك جون ميلر مصمم المقاييس و صاحب المقياس الشهير بمقياس المعارف الأولية العلمية. و اللائحة طويلة نرجو أن تتاح لنا فرصة العودة إليها منفردة لدلالاتها العميقة. و ما يهمنا أساسا هنا هو أن استثمار مدرس الفلسفة لهذه الخاصية الأساسية للفكر الفلسفي من شأنه يحول فصله أو مدرجه إلى ورشة حقيقية لتعلم التفلسف و التدرب على منهجه الجديد. و قد اكتشف علماء الأعصاب و الباحثون في العلوم المعرفية أن الضحك أثناء التعلم يفضي إلى نشاط الخلايا الدماغية، مما يكون له امتدادات في نشاط خلايا عديدة (Neurones) مرتبطة بالفهم و الميتا- معرفي و الذاكرة ... . فالمرح داخل الفصل الدراسي ليس شذوذا أبدا بل علامات استعدادات للتعلم و دلالة على الصحة النفسية. و الانضباط الفاحش ليس علامة صحية، بل امتثال و انكسار و سلبية (25).
و كم هي عديدة مواضيع الفلسفة بمعناها الجديد و التي تتيح لمدرس الفلسفة الاشتغال عليها مع تلامذته أو طلبته عبر توظيف خاصية السخرية، بل منها ما تتوفر فيه شروط باذخة كموضوع لتراجيديا ساخرة و لسخرية تراجيدية تدفع عقول المتعلمين باتجاه أعلى درجات الحيوية و الفعالية في بناء معارفهم و مهاراتهم و قيمهم بأنفسهم لتصبح ملكا لهم و جزءا منهم كما أكدت ذلك مخبريا الأبحاث الجارية اليوم حول النماذج الاحتسابية (computationnels) لاشتغال العقل (26). ثم ألم يؤكد W.Kohler منذ مدة في سجاله مع الجاشطالتيين أن المعاني و القيم لا تدرك بشكل مباشر بل لا بد لها من وسائط (27) ، و أي وسيط أكثر تحريرا و إنعاشا لطاقات المتعلمين من السخرية ؟.
و الظواهر والوقائع المستفزة لسخرية الدرس الفلسفي ليست أبدا حكرا على المجتمعات التقليدية كما قد يتوهم البعض (مزلق). بل منها بأرض الحداثة و عواصمها ما يدعو لسخرية مأساوية فعلية، ف"الديمقراطية" كقيمة يدعي الغرب(الحديث و الحداثي !) نشرها و تعميمها خارج مجاله، أي بالمجتمعات المسماة "متخلفة" أو "استبدادية" أو «تقليدية"...، حين تفرز قادة وطنيين صادقين، فالثمرة عطنة يلزمها الخنق و التضييق و الحصار، أما إذا أفرزت –بالغش و التزوير المكشوفين- أقزاما ممسوخة مستعدة للتآمر و العمل في خندق انقراض شعوبها ، فالمنتوج فاكهة من الجنة تستحق التنويه و الدعم و المصاحبة...من منظور هذا الغرب(الحديث و الحداثي !)(28). كما الحال تماما بالنسبة لتدمير مقدرات الشعوب و احتلالها و سرقة خيراتها في واضحة النهار الذي يسوق بسفالة باعتبارها تحريرا لها !!!. و الشعار الشهير لواحدة من قلاع "الحداثة" و "الأنوار": "حرية، مساواة، عدالة"، تم تغييب المبدأين الأساسيين فيه(الثاني و الثالث) و اختزل في واحد(الأول) و بالمعنى الذي يخدم السادة الجدد بشكل أكبر. و "العدالة الاجتماعية" و "دولة الرعاية" جنبا إلى جنب مع ملايين المشردين و البدون مأوى و المنبوذين، و الذين إن احتجوا على حرمانهم من الاستفادة من موارد

12
أوطانهم ، فهم مجرد "غوغاء" أو "حتالات" !!!. و "الديمقراطية" و "الحرية" و "مجتمع قيم التعبير عن الذات"(Self-affirmation ) جنبا إلى جنب مع آليات "الإقناع السري" الرهيبة لوسائل الإعلام‘ هذا الإشراط(conditionnement) الذي يتعارض مع المبدأ الديمقراطي الذي تدعيه المجتمعات الحديثة لأنه يفرض نظرة منمطة للإنسان و الأشياء"(29). و شعارات "الحكامة الجيدة" و "الشفافية" و "القانون الذي يسمو على الجميع"، المتعايشة مع "المحميات الضريبية" حيث البناية البسيطة و على بوابتها عناوين أكثر من ألف بنك لفرسان المال(الحداثيين) الذين لا يدفعون بذلك الضرائب في الوقت التي يدفعها الفرنسي و الأمريكي و الانجليزي...البسطاء عن الرغيف اليومي. و الأمثلة عديدة يصعب حصرها، و كم هو يسير الاسترسال في سرد أمثلة من المفاهيم/القيم التي تم إفراغها من مضامينها و أضحت مشوهة ممجوجة، فاقدة لمعانيها الأصلية. و قد يكون أساتذة الفلسفة بالمجتمعات الحديثة أقدر على الإمساك بأكثرها إثارة للعقل الساخر و تنشيطا لميتامعرفي متعلميهم، فالسياق فاعل أساسي في كل عمل تعليمي و فكري عموما.
أما بمجتمعاتنا التقليدية نحن (أو بالأحرى منجمعاتنا ما دامت مفاهيم من قبيل "ما دون المجتمع" و" ما دون الدولة"...تستمر في الاشتغال في التحليل العلمي السوسيولوجي و السياسي)، فيكاد يكون كل شيء فيها موضوعا خصبا للدرس الفلسفي الساخر: التقدم إلى الخلف أو تنمية التخلف يسوّق تنمية، و تكبيل المجتمع بأثقال الماضي الميتة أصالة، و تمارين الاستبداد المفضوحة ديمقراطية، و الترنحات و الافرازات الغريزية فنا، و الزاوية حزبا والهزائم انتصارات، و اللاتستحيي وجوههم البائعون ألسنتهم و ذممهم أنتلجنسيا ! و القشور الزائفة برلمانات و تجارب ديمقراطية، و الأجهزة التقليدية المتخلفة التي تخلط في مخيال حشودها بين الله و الحاكم دولا، و تفتيت الخبر وتذريته بالشكل الذي يضمن تهوين الأهوال إعلام منوّر و مثوّر أيضا !!...و...و"الدواب الإنسية"إنسانا بالتغبير البليغ للفارابي منذ زمن بعيد.
و يحق لنا أن نتساءل: أليست هذه هي مواضيع الفلسفة أو محاورها الأساسية بمعناها الجديد؟ أليس موضوعها الأساسي اليوم هو القيم؟ أليست الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الحرية و الشفافية و النزاهة و الصدق و الحداثة في كل أبعادها و المشروعية المستمدة من اعتراف المحكومين و تكافؤ الفرص و عدم الكيل بمكيالين أو بمكاييل عديدة ...أليست هذه هي أبرز القيم غلى المستوى الكوني و التي يصارع البعض من أجل تحويلها إلى وقائع،و يتلاعب بها البعض الآخر لتخدم مآربه بينما توظف قوى عتيقة قشورها لتكريس وضعها وتأبيد استهلاكها السفيه لخيرات شعوبها، حارمة لها من سبل العيش الكريم الجدير بأن يعاش، و بالتالي الانبثاق ككيان يحسب له حساب بين بني البشر.
10- المزلق العاشر : وهو مزلق شديد الارتباط بالسابق، بل إن إفلات مدرس الفلسفة من الوقوع في هذا الأخير متوقف على مدى امتلاكه للمؤهلات الضرورية التي تمكنه من اختراق الأول. إن جعل المتعلمين يتدربون على التفكير الفلسفي على القضايا و الإشكالات التي حاولنا بسط أمثلة عنها ليس بالأمر المضمون إذا كان مدرس الفلسفة غير ملمّ بالأسس المركزية لعلوم التواصل و منطق اشتغال الجماعات و بؤر اهتمام الفئات العمرية، مستسلم لوهم كون الفلسفة و الدرس الفلسفي مكتفيين بذاتهما، غير متوقفين على غيرهما للاشتغال و اكتساب مواقع على مستوى حقل اشتغال الخيرات الرمزية بهذا المجتمع أو ذاك و على المستوى الكوني بشكل عام. ف"آليات الإقناع السري بأذواق و سلوكات و قيم و أنماط عيش محددة" كما يسميها V.Packard مشتغلة باستمرار، و بضراوة في عصرنا الحالي نتيجة ما وفرته التكنولوجيا من إمكانيات و وسائل للتسطيح و التضليل و القطعنة (من القطيع) و الدفع باتجاه الامتثال و الانكسار و الانئخاذ. و بناء على ذلك فمدرس الفلسفة اليوم مطالب، علاوة على معرفته بعالم الأفكار، بامتلاك معارف حول شروط

13
حياة معاصريه عموما والذين سيعلمهم خصوصا و بالضبط، معارف مرتبطة بطرق العيش الجديدة و بالقوالب الجاهزة المطبوعة (inculqués) في تمثلانهم، ليتسنى له توفير سياقات تسفيههم هم لها، و امتلاكهم الاستعدادات الضرورية للخروج من الظلمة إلى واضحة نهار الفلسفة بمعناها الجديد. أليست الفلسفة كقوة نقدية و كقوة اقتراح أخلاقية هي القادرة على التدخل أمام تعطيل القدرات النقدية للتحرير من أشكال الترويض المحتملة أو على الأقل من جزء من الإبهار والإخضاع للرسائل الإعلامية ؟(30). و بإغفال مدرس الفلسفة لهذه الحسابات و الرهانات المرتبطة بالتواصل، يفقد الدرس الفلسفي كل إمكانياته و تتحطم كل وعوده ما دام المدرس إما في حالة جهل لبؤر اهتمام متعلميه و انشغالاتهم و أسئلتهم و طموحاتهم وآفاقهم و النماذج الاجتماعية التي يتماهون معها...و التي تكون مغلوطة و زائفة في الغالب تحت وطأة "الإقناع السري"دائما. و إما في حالة عجز عن تخليص هؤلاء المتعلمين من الدائرة المغلقة للزائف و المغلوط و الإمساك بخيوط السؤال الفلسفي الكفيل بجعل عقولهم عصية على كل "إقناع سري".
و في كلتا الحالتين، يكون هذا المدرس نموذجا صارخا لما يسميه الفكر التربوي الجديد "المدرس الفاقد للفعالية الذاتية"(Self- efficacyty) . العاجز تماما عن التأثير في سلوكات المتعلمين(31). فيسقط في نفق فقدان القدرة على التحكم في شروط العمل (Power lessness)، ثم فقدان المعنى (Meaning lessness)، مادام غير واع بحدود إمكانياته و أدواته (awarness)، و يتكرّس لدى تلامذته أو طلبته التصور الشائع و المغلوط عن الفلسفة باعتبارها مرادفة للغموض و التلاعب بالألفاظ و لنمط التعبير المغلق المنفّر. هذا في الوقت الذي كان من المفروض في هذا المدرس بالذات (و قبل غيره) أن يؤهلهم لنبذ الشائع و المألوف و المسلّم به، بل و تحويله إلى موضوع سخرية كما فصلنا ذلك سابقا.

* ختم على درب الأسطورة
لا نشك في كون بعض قراء هذا العمل سيصفوننا بالطوباوية و البعد عن الواقع و ما آل إليه اشتغال الوقائع بالمؤسسة التعليمية عموما، و على المستوى العالمي، و إن بدرجات متفاوتة. و لهؤلاء نقول، إننا انطلقنا في عملنا من أرضية صلبة يمتد عمقها سنين طويلة في تدريس الفلسفة بالثانوي،و أخرى مثلها أو أكثر منها في تدريس علوم التربية و البحث فيها بمراكز تكوين المدرسين. و بناء على ذلك، فإننا لا نتوهم تقديم حلول "بيداغوجية" لمعضلات "اجتماعية" لأننا واعون بكون العديد من جوانب أزمة "المدرسة"مرتبطة بأزمات "اجتماعية" أو على الأصح حضارية (تغير صورة المدرسة و مكانة المدرس في المخيال الاجتماعي العام، و كذا موقع الطفل في الأسرة و دورها في التربية ...). إلا أننا نرفض في نفس الوقت ما بات يعرف في سوسيولوجيا التنظيمات عموما و المنظمات المدرسية بشكل خاص ب"ثقافة الأزمة" التي تعتبر من أخطر المزالق على الإطلاق بالنسبة للمشتغلين بحقل التربية و التعليم. و القول أن "متعلمي اليوم ليسوا من صنف متعلمي الأمس"، وعقول المتعلمين "محتلة" تماما بوسائل الإعلام، "و" المتعلمون الحاليون مهتمون بنجوم الغناء و الرياضة و الموضة "و" لا أمل في جر الأجيال الحالية لأي مجهود فكري "....الخ"، كل هذا و ما يشبهه من صميم "ثقافة الأزمة"، أزمة بعض المدرسين و عدم امتلاكهم للزاد الضروري الذي يؤهلهم لانتشال متعلميهم من أغلالهم ...يلبسونها لمن يفترض فيهم تعليمهم.
صحيح أن البون شاسع بين ما تحياه الإنسانية برمتها اليوم على مستوى نشاط العقل الذي نقصده وإنجازاته و اختراقاته، أو انكفائه و توجيهه و محاصرته، و ما شهده القرنان السابقان مثلا، فإذا كان القرن التاسع عشر هو عصر
14
العقل بامتياز، و إذا كان من غير الممكن إنكار نشاط واضح للعقل خلال القرن العشرين رغم الحروب و الاستعمار( وهي ظواهر تتناقض مع العقل بنفس المعنى دائما)،فإن عصرنا الحالي تطبعه الكثير من تقاطيع حقب أخرى كثيرة عاشتها المجتمعات الإنسانية (و تستمر العديد منها في مكابدتها)، جوهرها محنة العقل(في بعده النقدي لا التقني) و انكماشه، تحت وطأة انتصار القوى المضادة للحياة / للعقل، و إن اختلفت الأدوات و الآليات و الفاعلون الأساسيون. لقد وجد الإنسان الغربي مثلا نفسه منساقا لتوسل صكوك الغفران نقدا خلال القرون الوسطى بعد قرون من نشاط باذخ للعقل (الفلسفة اليونانية) و كأن عقله انتحر ! و شكل الدين و الكنيسة أدوات و رجال الدين فاعلون أساسيون. و ها هم المسلمون و العرب منهم على وجه التحديد غارقون في سبات كالموت، مشغولون بالفقهيات و الجنة و النار و جنس الملائكة و معدن الإناء الذي يصلح به الوضوء أو لا يصلح !! و كأن حملهم رسالة العلم و العقل بعد أفول نجم اليونان و دخول الغرب (المتقدم اليوم) نفقا طويلا من "الظلام" / اللاعقل، مجرد أسطورة. وفد يصعب بالنسبة للبعض تصديق أن هؤلاء القوم (العرب) الذين انتكسوا بالتفقير و التجهيل و الاستبداد إلى أدنى مراتب الآدمية خرج منهم في زمن ما علماء و مفكرون عظام من أمثال ابن رشد وابن سينا و الرازي و ابن خلدون و ...و اللائحة طويلة و في غاية الخصوبة إلى الحد الذي يدفع بعض المستشرقين الغير العنصريين إلى الإقرار الجميل بكون ما أبدعه هؤلاء شكل أرضية صلبة اعتمدها الغرب للعودة إلى التاريخ بعد غيابه الطويل في غياهب قرونه الوسطى .
هي طبيعة موازين القوى بين واحدة مضادة للحياة و أخرى عاشقة لها إذن، التي تحدد مدى مساحة نشاط العقل أو حجم الأغلال التي تخنقه أو توجهه. ولا مفر من الإقرار بأن الكفة اليوم تميل بشكل واضح للأولى (المضادة للحياة) مدعومة في ذلك بآليات معقدة تبدأ بوسائل الإعلام الرهيبة و التحكم في نسق التعليم و توجيهه، و مراقبة إنتاج الخيرات الرمزية و التحكم في رواجها...، و لا تنتهي عند استثمار تلك القوى لمحاصيل العلوم الإنسانية نفسها في التحكم وفي ضبط و توجيه و ترويض الحشود(32). كل هذا بالغرب "المتقدم" و "الحداثي"، أما بالمجتمعات التقليدية، فالصورة في غاية البشاعة، لأن العنف ضد العقل مباشر و عار تماما حينا و مغلّف بطلاءات باهتة ممسوخة أحيانا أخرى.
إلا أن كل ذلك، و أكثر منه إن حصل، لا يعفي الفلسفة أبدا من مهمتها و إلا لكانت أي شيء آخر إلا فلسفة. صحيح أن الفيلسوف أو الفنان ليس في استطاعتهما خلق شعب قط، و أن كل ما في إمكانهما هو مناداته بكل قواهما. و لا يمكن لشعب أن يخلق ذاته إلا تحت وطأة الآلام المبرحة(33). ينطبق ذلك بشكل أو بآخر على أستاذ الفلسفة، فهو الآخر لا يمكن أن ندّعي له أو نقبل ادعاءه القدرة على خلق مواطنين، و لكننا نرفض في نفس الوقت كل مبررات التقاعس عن مناداتهم و العمل على امتلاك ما يؤهله لجعلهم "يسمعونه".
و ليس هناك من درب أجمل و أخصب لمناداة فيلسوف لشعب من العودة للعب دور جلجامش المالك لنبتة الخلود في الأسطورة، إلا أن "نبتة الخلود" في عصرنا نحن ليست سوى طاقة صمود القوى العقلية العليا و البصيرة أمام ضراوة حرب قوى الشر و الفناء على العقل. و مطلوب من "جلجامش" عصرنا أن ينزل إلى البئر للاستحمام هو الآخر و هو ممسك بكلتي يديه ب " نبتة الخلود" حتى لا تسرقها منه الحيّة، إذ "الحيات" في عصرنا فادحة الكثرة، برؤوس عديدة و بأشكال و دسائس متنوعة، تتطاير من أسنانها سموم التسطيح و التنميط و المسخ و التقريد...
وفيلسوف عصرنا هو أيضا بروميتيوس في الأسطورة اليونانية الخالدة، الذي سرق النار من الآلهة/آلهة أولمب و شرع يعلم الناس. و ما " نار" عصرنا التي يفترض في الفيلسوف المعاصر «سرقتها" من "الآلهة"سوى القدرات الأساسية

15
الضرورية التي تؤهل الناس من حوله لأن يضعوا الأشياء موضع سؤال و نبش لا أن ينساقوا قطيعا تتقاذفه أهواء "آلهة" العصر التي تعشق القطعان لتتفرغ للّهو و البذخ و السفالة و الفجور ...هي آلهة من فصيلة خاصة، من لحم و دم كبقية البشر، و حمض نووي متهتك و ميال للفساد و الإفساد عكس كل البشر. ثم إنها "آلهة" – و هذا هو الأخطر في الأمر- أدركت منذ زمن ليس بالطويل أن "نار" العصر يلزم أن يحتكرها أبناؤها، و أن الخطر، كل الخطر في امتلاك غيرهم لها... هل هو الخوف عليهم من "النار" أم هو الرعب من أن يجربوا اللعب ب "النار"...؟
و إذا كان الفيلسوف غير قادر على خلق شعب، بل مناداته فقط، و إذا كنا لا ندّعي لأستاذ الفلسفة القدرة على خلق مواطنين، بل مناداتهم فقط، و هذا جوهر رسالته. فليس هناك من "قمّة" أعلى لسماعهم "صوته" من جعل حصصه التعليمية معهم فرصا حقيقية للتدرب على منهج الفلسفة بمعناها الجديد، أو لتنمية ميتا- معرفهم بلغة علماء التربية المعاصرين. و بذلك يكون غير بعيد عن صورة علاقة الفيلسوف نفسه بجلجامش و بروميتيوس في الأسطورة، بل قد يكون أثر فعله بثقل خاص ما دام – عكس الفيلسوف- وجها لوجه مع من "يسرق النار من الآلهة" ليعلمهم أو "الممسك بنبتة الخلود بيديه و أسنانه كي لا تسرقها الحية منه" من أجلهم. وبذلك سيكون فاعلا أساسيا أيضا في تكسير منطق التواصل الاجتماعي السائد بالمجتمعات المعاصرة، الذي يعمل في اتجاه دفع الفلسفة و الفلاسفة إلى دهاليز الإقصاء تحت وطأة القوة الهائلة للإعلام الذي يراهن على حرمان الفيلسوف من جمهوره، فيتسنى بذلك جعله (الجمهور) فريسة سهلة ل " الإقناع السري " .

 

 

16
- الهوامش :
1- هذه قصة واقعية تصلح كنموذج للرواية التربوية المعكوسة : كنا نحن مجموعة من الفتية بقرية بتلال مقدمة الريف (المغرب) نتابع دراستنا الثانوية في منتصف السبعينات من القرن الماضي، و كان مقرر الأدب في السنة الثانية هو الشعر الجاهلي. و في كل حصة، كان أستاذنا (الذي تأكد لي لاحقا أنه محروم من كل أشكال الفكر النقدي) يتناول شاعرا من المنسوبين للجاهلية و قصيدة مقررة من قصائده، فيغرق معها ويورّطنا نحن- البراءة – معهما في التّغني بالخمرة و طعمها، و نشوة السكرة و ملذاتها. و ما كاد الموسم الدراسي ينتصف حتى كان معظمنا في عداد المدمنين و لكل لقبه "الجاهلي"، هذا عمر بن أبي ربيعة، و داك امرأ القيس، والآخر زهير ابن أبي سلمى. و الأكثر مغالاة في عشق الخمرة حد ولوج الفصل ثملا نال لقب الشنفري رمز الخلاعة المفرطة. و كان مصير الغالبية منا الضياع.
2- Pierre Bourdieu et Jean Claude Passerron : La reproduction – éléments d’ une théorie du système d’ enseignement- Edition de Minuit – Paris.
3 – أنظر كتابات Jean Houssaye , Guy Hermet, D. Lebort et autres. :
4 – عبد الرزاق الدواي : عن ملامح الفكر الفلسفي في مطلع القرن 21 مجلة " فكر و نقد " – العدد الأول – السنة الأولى – شتنبر 1997- ص : 47 .
5 – علي حرب : النص و الحقيقة 3– الممنوع و الممتنع – نقد الذات المفكرة – المركز الثقافي العربي – الطبعة الأولى – 1996- ص : 41 .
6 – Denis Huisman : Socrate sur internet – Pour une philosophie «  médiatique » - Edition Fallois – Paris 1997 – P : 24 de
7 – يرجى الرجوع إلى كتابات أساسية في هذا السياق، مثلا :
- Michel Foucault : L ordre du discours (1971) + L’archéologie du savoir (1973)….
- Pierre Bourdieu : Les règles de l’art – Genèse et structure du champ culturel – Edition du Seuil – 1992.
8 – Claude Jacktel : Eléments pour une réflexion philosophique. Collection – Michel Jacktel – Edition : Agri- Nathan – Education – 1992 – P : 5.
9 – علي حرب  :نفس المرجع السابق – ص : 41
10 – Denis Huisman : Socrate sur internet- O p .cit – P : 256  
.
17
11 – أنظر على سبيل المثال :
- Albert Bandura: Self – efficacy – the exercice of control. New York, - Freeman – 1997 – P: 76
- Albert Bandura: principals of behavior modification – New York, Halt, Rinchourt and Winston.
- J. Biggs and collis: Evaluating the quality of learning the Solo taxonomy, Sydney- Academic Press.
12 – Denis Huisman: Socrate sur internet: Op. cit – P: 212

13- وضعية تعليمية –تعلمية افتراضية : أتصور أستاذا للفلسفة بمجتمع تقليدي على الخصوص (و حتى بمجتمع يحسب على الحداثة)، يخصص حصة للاشتغال مع متعلميه لهدم منطق الثنائيات الميتافيزيقية، و يختار ثنائية "نجم – نكرة" في حقل إنتاج الخيرات الرمزية، و يتمكن – من خلال زاده التربوي و البيداغوجي – من جعلهم يكشفون بأنفسهم أن بعض "الشعراء"و "الروائيين" و المحللين السياسيين "و حتى المشتغلين بالفلسفة المشهورين"إن هم إلا "نكرات "فعلية نجمنها (حولها إلى نجوم) السلطان القائم من خلال وسائل الإعلام و آليات أخرى خبيثة. و أن النجوم الحقيقية معرضة للاغتيال الرمزي حتى لا تلقّح مخيال الحشود بما يفضي إلى الوعي بالمظالم و المفاسد ...و مما له الكثير من المعنى في هذا السياق أن ينعث فلاسفة و مفكرون فرنسيون اليوم "فيلسوفا" من بني جلدتهم، شهيرا على المستوى العالمي ب "الأبله" الذي لا يقول شيئا و الذي لولا السلطة القائمة التي يخدمها لما كان له أدنى صيت على الإطلاق .
14 – V.Packard : La persuation clandestine – Paris 1958 – P : 109
15- جيل دولوز و فيليكس غاتاري : ما هي الفلسفة – ترجمة و مراجعة و تقديم : مطاع صفدي و فريق مركز الإنماء القومي – مركز الإنماء القومي – بيروت – ط . 1 – 1997 – ص:30.
16- جيل دولوز و فيليكس غاتاري – نفس المرجع- ص:49.
17- عبد السلام بن عبد العالي: لعقلانية ساخرة – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء – الطبعة الأولى – 2004 – ص:21.
18- ينطبق ذلك علينا نحن في السياق العربي – الإسلامي بشكل فاحش لأننا من كثرة تعاملنا مع ثراتنا بأنوفنا (دون تفكيك وخلخلة) اهترأ و تحجّر، فتحجّرنا.....
19- مرة أخرى نتساءل: ألا نصادف بورديو "فيلسوفا" و "ناقدا" و "أدبيا" و سوسيولوجيا لامعا و دولوز و غاتاري "فيلسوفين" و "سوسيولوجيين"، و بارت "لغويا" و "فيلسوفا" و "سوسيولوجيا" و "مؤرخا" و "محللا نفسيا"....و فيبر
18
"سوسيولوجيا" و"فيلسوفا" و "مؤرخا للأديان"، و ادغار موران "فيلسوفا" و "سوسيولوجيا"و"محللا سياسيا" لامعا، و...و.. (هو الداعي إلى الفكر المركب، و هذا عنوان لأحد كتبه).
20- لم يقتصر الأمر على الاعتقاد الواهم بالتخصص الضيق في الميكروكوزم من حقل الفلسفة، بل نصادف من يدعي التخصص في نيتشه أو ديكارت أو فرويد أو دوركايم ....فيسيء إلى الفلسفة وإلى الميكروكوزم و إلى الفيلسوف أو العالم الذي يدعي التخصص فيه. بئس التخصص إن كان يمنع تدفق المجاري المغذية و النسائم المنعشة !!.
21- Hamlin, S., Allwood, C.. M.and Martin, B.: Creative knowledge environments, U.K.: Elgar- 2004 – P: 78
22- جيل دولوز و فيلكس غاتاري – نفس المرجع – ص: 119.
23- جيل دولوز و فيلكس غاتاري – نفس المرجع – ص: 120.
24- جيل دولوز و فيلكس غاتاري – نفس المرجع – ص: 120.
25- Rogoff (B): Learning and laughing – Cambridge – Massachussette – London – Harvard college – P: 102
26- للإطلاع على آخر المستجدات العلمية في هذا الميدان الواعد، أنظر عددا خاصا من مجلة: American journal of psychlogy – 2008.
27-W.Kohler: The place of value in a world of facts – New York – Live right –publishing corporation – 1938.
28- أتصور مدرسا للفلسفة بمعناها الجديد بالولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا أو بريطانيا و هو يناقش مع تلامذته أو طلبته ضمن درس القيم منطق اشتغالها (القيم) على الأرض من خلال مثال موقف حكومات (لا شعوب) هذه البلدان من فوز حركة حماس الفلسطينية في الانتخابات التي كانت خاضعة لرقابة مشددة من منظمات و هيئات دولية عديدة أكدت شفافيتها و نزاهتها، و مع ذلك وجدتها تلك الحكومات(الحداثية)فاكهة عطنة.
29- Denis Huisman: Socrate sur internet – Op cit – P: 72
30- Denis Huisman: Socrate sur internet – Op cit –P: 259
31- Albert Bandura: principals of behavior modification – New York: Halt, Rinchard and Winston.
32- لكي تتضح صورة استثمار القوى السائدة بالغرب المتقدم على الخصوص لمحاصيل العلوم الإنسانية، يرجى الرجوع إلى فرع هام من السوسيولوجيا جد حديث هو سوسيولوجيا الحياة اليومية، و بالضبط إلى كتابات رواده خصوصا

19
Irving Goffman بأمريكا، و Jean Claude Kaufman بفرنسا، حيث تتكشف بوضوح الإمكانيات الهائلة التي تتيحها نتائج مثل هذه الفروع من المعرفة من آليات للضبط و التوجيه و التحكم، تماما كما الحال بالنسبة للميديولوجيا
33- جيل دولوز و فيليكس غاتاري: نفس المرجع-ص:29

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟