التاريخ، سرد وطني أم نافذة على العالم ؟ ـ ترجمة :ذ. محمد أبرقي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

yellow-red-blueالمستوى في ترد، والبرامج غير مضبوطة، والكرونولوجيا  غير خطية: تدريس التاريخ يتعرض لهجوم قوي، والجدال يخفي وراءه السؤال: ما الدور السياسي والاجتماعي المنوط بالتاريخ؟
"لم يعد للتاريخ، في القسم ، شأن "،هكذا عنونت صحيفة le monde  مؤخرا أحد أعدادها، بينما الوضعية في الواقع الفعلي مختلفة، فحسب المفتش العام للتربية الوطنية  O.Grenouilleau،يظل التاريخ مادة ذات قيمة، لكنها تبدو صعبة المنال بالنسبة (للتلاميذ)، فإذا كان التلاميذ يحبون سماع الحكايات التاريخية، فهم ينفرون، ويفقدون طعم  تعلم التاريخ وكتابته، وعلى الرغم من ذلك ،فإن جعل التلاميذ في وضعية نشطة، ضمن سيرورة  التعلم، يبقى أمرا ضروريا، إذا كنا نعتبر التاريخ ثقافة، و بنفس الدرجة أيضا  قدرة على التأريخ للعالم المحيط بنا.


دخلت فكرة أخرى حيز النقاش، ويتعلق الأمر بتدني المستوى، إذ بعد تقويم امتد زمنيا من سنة 2000 إلى 2006،برز أن إنجازات التلاميذ (كفاءاتهم) في تراجع  بين بالنسبة لمواد التاريخ والجغرافية والتربية على المواطنة،وعلى الرغم من ذلك ما هي الخلاصة التي يمكننا التوصل إليها انطلاقا من تلك الدراسة التي قامت بها مديرية التقويم ،والتي تميزت بمحدودية عينات البحث؟ أكثر من ذلك ،ساهم نشر تلك الدراسة إبان فترة الامتحانات في تغذية نوع من التدني ،دون التمكن من تحديد عوامله الرئيسية.
المفارقة، هي أن مستوى البرامج، هو الآخر لا ينخفض، بل على العكس من ذلك ،تظهر البرامج أكثر فأكثر ذات أهمية ،هكذا نجد بعض أسئلة/قضايا المقرر في السنوات النهائية من التعليم الثانوي تقترب مما ينتظر في التعليم العالي (مثال موضوع الاشتراكية، الشيوعية والحركة النقابية بألمانيا منذ 1875 ). لقد تقرر، مع ذلك، نوع من التقليص في المقرر الخاص بالمستويات الأولى  بعد سنة واحدة من اعتماده، ونفس الأمر متوقع بالنسبة لبرنامج السنتين الثالثة والنهائية ،ويبدو وزير التربية V.Peillonمترددا في حسم المسألة .
إن تقليص البرامج يمكن أن ينظر إليه بنوع من الريبة من طرف الرأي العام ،والذي قد يعتبر المسألة دليلا يثبت تراجع مستوى التلاميذ، كما لم يتم إخبار المدرسين بقرار تقليص البرامج سوى عند نهاية شهر غشت. يمكننا مناقشة اختيار الأجزاء المقرر حذفها ،لكن في غياب التوافق حول ذلك، سيكون الأهم هو إعطاء مزيد من الوقت لتوضيح (شرح) الأسئلة الأكثر تعقيدا بالنسبة للتلاميذ .
لقد أثار الإصلاح الأخير للبرنامج في كل من التعليم الإعدادي والثانوي (2006 -2012 )عدة انتقادات : إلغاء تدريس التاريخ والجغرافيا في السنة النهائية علوم، والإسراع في كتابة مضامين البرامج، ثم الاختزال في المواضيع.
تبدو الوضعية اليوم بالنسبة لوزير التربية حرجة ،فمن جهة يطالب الأساتذة بنوع من المهلة في تجديد البرامج ،ومن جهة ثانية نشأ عن الإصلاح الأخير حراك، ودينامية  تفكير وانتظار، وإن كان الوزير قد أعلن في خطابه قبيل الدخول المدرسي عن نيته في إعادة كتابة البرامج ،ومنح ما يكفي من الوقت لاستشارة المدرسين حول ذلك. ستكون تلك العملية هي مهمة المجلس الأعلى للبرامج (C.S.P ( الذي تم تأسيسه  نهاية  شهر يوليوز.
حمى الذاكرة
لماذا تدريس التاريخ؟ يوجد دوما، اليوم، نوع من التوتر بين التاريخ والذاكرة.
التاريخ هو المعرفة العلمية التي تضع الذاكرة على مسافة، وتعلم كيفية تمريرها وإخضاعها لمصفاة العقل(المنطق)،واستعمالها في نفس الآن ،لأن الذاكرة مصدر للتاريخ ، ولكن إذا كان التاريخ يخلق المعرفة بالماضي، فإن تدريس التاريخ الوطني  يساهم في بناء الذاكرة الجماعية. الأمر لا مفر منه، والحياد السياسي للتاريخ المدرسي مجرد أحجية fable .
تتضاعف القوانين المرتبطة بالذاكرة منذ فترة التسعينيات ،وهو ما يمكن أن ينظر إليه كفعل معاكس لمنطق المقاربة التاريخية نفسها، ونحن نتذكر النقاش الذي أثاره قانون 2005 الذي يفرض على المدرسين الاعتراف ب"الدور الإيجابي للحضور الفرنسي في بلدان ما وراء البحار بما فيها إفريقيا الشمالية".
ساهمت تلك الحمى الجدالية في إنعاش سؤال الهوية الوطنية ،وينتظر أنصار "الرواية الوطنية" من تدريس تاريخ فرنسا مزيدا من لحم البناء المدني. تعيد تلك الفكرة نوستالجيا الزمن المفقود المؤسطر (من الأسطورة)للمدرسة خلال الجمهورية الثالثة ،وتنم عن الخوف من رؤية المجتمع الفرنسي وهو ينقسم .
إن إقرار تدريس تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء ضمن برنامج الأقسام الفرنسية، يبدو في نظر البعض مثيرا للفوضى، ويعتبر أنصار التاريخ الشامل –حسبP.Nora – بالنسبة لهم بمثابة خصوم للتاريخ الوطني، كما يحملونهم مسؤولية  جزء من صعوبات تدريس التاريخ . بالمقابل، إن الذين دافعوا عن التجديد باسم التلاميذ ذوي الأصل الإفريقي، يرون أن ذلك لم يكن من أجل "الأجانب" بل يتعلق الأمر، قبل كل شيء، بتوسيع أفق التاريخ المدرسي بالنسبة للجميع ضمن عالم صار كونيا.
النقاش اليوم، يذكرنا بنهاية السبعينات ،حين كان البعض يندد ب"تفتيت "الاستمرارية الكرونولوجية، وبعولمة المقررات سنة 1977 ،إبان ذلك برز صراع جمعية أساتذة التاريخ والجغرافيا ضد برامج التاريخ الموضوعاتي، وبهدف  العودة إلى الكرونولوجيا الخطية باعتبارها ألف باء التاريخ.
علم الإنسان
التاريخ، رغم كل شيء ،ليس مجرد سرد يتعرف من خلاله التلميذ على ذاته، وأيضا بشكل أقل ،ليس فقط رواق أبطال، إنه ينتمي لعلوم الإنسان ،والكرونولوجيا ليست سوى  ما يرى من خلاله التاريخ( إنها بمثابة العين)، كما الخريطة، لكنها (الكرونولوجيا) ليست هي التاريخ.
التاريخ -مع الجغرافيا- هو التعليم الرئيسي الذي يسمح للتلاميذ بالتفكير في المجتمعات الإنسانية في الزمن والمجال، إنهما توأمان يعملان على تعبئة المفاهيم السياسية، والاجتماعية، والقانونية، والاقتصادية ،والبيولوجية والفلسفية والفنية...،ولهما هدف : تمكين التلاميذ من الولوج إلى معرفة نقدية ،أي إلى الاستقلالية في التمييز.
وفي الوقت الذي صارت فيه المعارف التاريخية متاحة بنقرة(clic)، لا يجوز إنكار أهمية تطوير قدرة التلاميذ في الولوج إلى تلك المعارف، واستعمالها. إن تدريس التاريخ، وبدون  أدنى شك ،مدعو إلى أن يتطور نحو" بيداغوجيا الروابط Pédagogie des liens" التي تتأسس على التحكم في المفاهيم ،والتحليل المنهجي الذي يستند على استكشاف المصادر الرقمية، والورقية، والكارطوغرافية، ثم التصويرية والسينماتوغرافية . تدريس التاريخ، هو أكثر من تدريس مادة، إنه فتح للنوافذ على العالم.
Vincent Capdepuy, L’histoire,récit national ou fenêtre sur le monde ? ,sciences المقال الأصلي :
humaines,N.253,pp.20-21,2013

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟