محمد شفيق أو نموذج المثقف الأمازيغي ـ عبد الفتاح أيت ادرى

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

mohamedchafikمقدمة :
لا يمكن الحديث عن رواد العمل الثقافي الأمازيغي المعاصر دون الحديث عن الأستاذ محمد شفيق، وذلك راجع لفضله في مسح الغبار عن دور الأمازيغ في تاريخ المغرب، ولعمله الجبار في الكشف عن خبايا اللغة الأمازيغية، والدفاع عن الشخصية الثقافية للمغرب، مستفيدا في ذلك من لزوم فضاء السلطة ومؤسساتها من خلال عمله كمفتش عام للتعليم الابتدائي و ككاتب للدولة في التعليم، ومدير للمدرسة المولوية، وعضوا في أكاديمية المملكة المغربية، وكعميد للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية .

فمن هو محمد شفيق ؟ وما هي اهتماماته الفكرية ؟ وما هي مساهمته في بناء الخطاب الثقافي الأمازيغي ؟

 المحور الأول : نبذة عن حياة محمد شفيق :

ازداد محمد بن علي شفيق في 17سبتمبر1926 بأيت سادن بنواحي فاس، وهو من قدماء تلاميذ ثانوية أزرو. اختار بعد تخرجه العمل في المجال المدني عكس العديدين من أقرانه، إذ جرت العادة أن معظم المتخرجين من النظام التعليمي الذي كانت ثانوية أزرو خاضعة له  يلتحقون بالخدمة في الجيش الفرنسي كضباط عسكريين. حصل شفيق على شهادة في اللغة العربية وعلى إجازة في التاريخ ودبلوم في التفتيش المهني. عمل في سلك التدريس بداية أمره في منطقة دمنات، وكان من الأوائل الذين اهتموا بتمدرس الفتاة بالعالم القروي وقد أسس لهذا الغرض سنة 1955 الأقسام الأولى لتعليم الفتيات ببادية تايسا, ودرس أيضا في معهد البنات المسلمات بفاس.


شغل مع بزوغ فجر الاستقلال مهمة مفتش بالتعليم الابتدائي بمجموعة من المدن المغربية قبل أن يعين مفتشا جهويا سنة 1959، ثم مفتشا عاما للتعليم الابتدائي منذ 1963. وفي سنة 1967، تمت ترقيته إلى مفتش مركزي منسق لمادتي التاريخ والجغرافيا وعين سنة 1970 كاتبا للدولة مكلفا بالتعليم الثانوي والتقني والعالي وتكوين الأطر، وهو نفس المنصب الذي احتفظ به في الحكومة المكونة في غشت 1971، ومن 13 أبريل إلى 19 من نونبر من نفس السنة، عين محمد شفيق مكلفا بمهمة في الديوان الملكي  وفي نفس الوقت مديرا للمعهد المولوي بالرباط. وعبر مسيرته التعليمية الطويلة، درس محمد شفيق اللغتين العربية والفرنسية والتاريخ والترجمة وعلم التربية وعلم النفس التربوي مساهما بذلك في إعداد وتكوين أجيال من المتعلمين والمدرسين والمفتشين والباحثين. بعد إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، عين عميدا له من 14 يناير 2002 إلى غاية نونبر 2003 حيث عين الدكتور أحمد بوكوس خلفا له. وهو عضو بأكاديمية المملكة منذ 1980 وكذلك بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في صيغته الثانية المعدلة[1].

المحور الثاني : أنشطته الفكرية والعلمية  :

      بدأ  محمد شفيق عملية الكتابة في بداية الستينيات بنشره سلسلة من المقالات حول الدلالات العميقة للثقافة الأمازيغية وارتباطها العميق كثقافة وطنية بمكافحة المستعمر والعمل من أجل استقلال البلاد وتحررها من نير الاستعمار، وكانت أولى هذه المقالات قد صدرت بالعدد الخامس من مجلة آفاق الصادرة سنة 1967 عن اتحاد كتاب المغرب الذي كان اسمه في تلك الفترة "دار الفكر" ويرأسه المرحوم محمد عزيز الحبابي، وحملت المقالة عنوان: "من تراثنا المجهول: تصنيف مقتصر للأغاني والرقصات الأمازيغية"، تلتها بعد ذلك في نفس السنة وفي العدد السادس من نفس المجلة مقالة ثانية بعنوان " من تراثنا المجهول: قصائد أمازيغية في الحماس الوطني"، ولكن الأهداف المتوخاة منهما لم تتحقق، إذ لما سئل الأستاذ عن تأثير تلك الدراستين ووقعهما على مثقفي تلك المرحلة أجاب: "لم يكن لهما محل من الإعراب  "[2].
ومن خلال رد فعل النخبة المثقفة التي كانت ممثلة بدار الفكر, والذي يجسده الموقف الخجول، بل الغائب من المضمون الأمازيغي لتلك الدراستين المنشورتين بآفاق، تبين لشفيق عدم الجدوى والفائدة من النقاش مع المثقفين المتشبعين بأفكار القومية العربية. فاتجه نحو محاورة المفكرين المحسوبين على التيار الإسلامي، وحاول إقناع الحاملين لهذا الفكر بأن الإسلام دين جاء للإنسانية جمعاء دون أن يكون مقتصرا على فئة دون أخرى وأن قوة الإسلام تكمن في دعوته للتسامح وليس بتفضيله ونصرته لعرق على حساب أعراق أخرى، وقد بدأ شفيق هذا الحوار منذ بداية السبعينات وتوجه بإصداره لمؤلفين هما: "أفكار متخلفة" Pensés sous-développées سنة 1972 و» ما يقوله المؤذن»Ce dit le Muezzin سنة 1974[3].
وفي فترة السبعينيات، بالضبط سنة 1978، أعد الأستاذ شفيق تقريرا رفعه بصفة شخصية للحكومة، بناء على طلب الملك الحسن الثاني إثر الخلاف الذي نشب بين المحجوبي أحرضان و محمد الديوري ، أسماه " تقرير حول ضرورة العناية باللغة الأمازيغية وضرورة تدريسها للمغاربة كافة"، حدد فيه الأسباب الموضوعية القاضية بوجوب دراسة اللغة الأمازيغية وتدريسها، كما اقترح لهذا الغرض الخطة الإجرائية التي ستنبني عليها عملية التدريس والتي يرى أن تبدأ في مرحلة أولى بإحداث معهد وإحداث كراسي في كليات الآداب، ثم إدراج الأمازيغية في التعليم الثانوي كمرحلة ثانية،والتعليم الابتدائي،كمرحلة ثالثة.
وفي نفس الوقت واصل محمد شفيق أعمال التأليف والنشر، ولكن من زاوية أخرى أكثر أهمية، هي زاوية البحث العلمي، وركز اجتهاداته البحثية بالأساس فيما يهم التاريخ واللغة.  ونشر مجموعة من الدراسات حول الأمازيغية بمجلة " البحث العلمي" ومجلة" الأكاديمية". لكن أهم ما أنتجه كان كتابا بعنوان " لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين" سنة 1989 مكسرا بذلك العديد من الطابوهات التي ترسخت حول إمازيغن. كما أغنى المكتبة اللغوية الأمازيغية سنة 1990 بمعجم عربي- أمازيغي في ثلاثة أجزاء بطبع من أكاديمية المملكة المغربية، وفي 1991 أصدر كتابا لتعليم اللغة الأمازيغية عنونه ب" أربعة وأربعون درسا في اللغة الأمازيغية". كما أسس رفقة مجموعة من المثقفين مجلة تيفاوت الخاصة باللغة والثقافة الأمازيغيتين وكان يوقع مقالاته بها باسم ( موهوش). وساهم بإسهامات تمحورت حول اللغة والثقافة الأمازيغيتين بالموسوعتين المغربيتين "مذكرات من التراث المغربي" التي أصدرتها وزارة الشؤون الثقافية في الثمانينات و" معلمة المغرب" التي كان يشرف عليها المرحوم محمد حجي وأحمد التوفيق وتصدرها الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر،  وصدر له كتاب "الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية والعربية" في سنة 1999، وله كتيب صغير حول " الأمازيغية: بنيتها اللسانية" و"من أجل مغارب مغربية بالأولوية" عن مركز طارق بن زياد للدراسات والنشر سنة 2000[4].

   هذه السنة بالذات، عرفت تسجيل نقلة نوعية في المسيرة النضالية والعلمية للأستاذ شفيق، ذلك أنه حرر فيها "بيان من أجل الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب" الذي نشر على نطاق واسع وعرف لاحقا بالبيان الأمازيغي والذي وقع عليه 229 مثقف وفاعل في الحقل الأمازيغي[5] ، والذي تضمن تسعة مطالب للحركة الثقافية الأمازيغية ، وهي: جعل الأمازيغية موضوع حوار وطني، دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية، التنمية الاقتصادية للمناطق الأمازيغية، تدريس اللغة الأمازيغية، إعادة كتابة تاريخ المغرب، الاهتمام بالأمازيغية في وسائل الإعلام، رد الاعتبار للفن الأمازيغي، التراجع عن تعريب أسماء المناطق الأمازيغية، تمتيع الجمعيات الثقافية الأمازيغية بصفة المنفعة العمومية ومنح المساعدات للجرائد والمجلات الأمازيغية على غرار المنشورات الصادرة بالعربية واللغات الأخرى[6]. وتم توجيهه إلى السلطات العليا بالبلاد.
كما أسهم محمد شفيق في تأسيس مجموعة من الجمعيات، ومنها جمعية قدماء تلاميذ كوليج أزرو التي ترأسها من 1960 إلى 1965 وكان يحرر افتتاحيات مجلتها الداخلية "طارق" وعرف عنه في هذه المرحلة حمله لشعار "إن زمن الشجاعة الجسمانية قد ولى وجاء زمن الشجاعة الفكرية"، والجمعية الثقافية أمازيغ سنة 1979، رفقة عبد الحميد الزموري وعلي صدقي أزايكو وآخرين.  إضافة إلى جمعية " أكراو" سنة 1990 بمعية كل من عبد الحميد الزموري، التهامي عمار، عبد المالك أوسادن، علي أزايكو، علي أمهان، محمد أودادس، محمد كابري، يوسف عكوري، ميمون إغراز، محمد أجعجاع، غير أن هذه الجمعية حرمت من وصل الإيداع القانوني ورفضت سلطات الداخلية آنذاك الاعتراف بها. وتقديرا لجهوده في إعادة الاعتبار للغته الأم وثقافتها, منحته مؤسسة الأمير كلاوس الهولندية جائزتها السنوية لـ 2002[7]. بعد استقالته من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية لدواعي صحية توارى عن الأنظار إلى حدود الفترة التي تلت خروج حركة 20 فبراير حيت وجه رسالة إلى اللجنة المكلفة بصياغة الدستور طالبهم فيها بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية ، نشرت في جريدة تيل كيل بتاريخ 20 مارس 2011 ، وفي 20 أبريل وبمناسبة دكرى الربيع الأمازيغي ( تافسوت ن إيمازيغن ) وقع إلى جانب 14 إطارا من الحركة الأمازيغية بيانا سموه " نداء ثيموزغا من أجل الديمقراطية "[8] .

المحور الثالث : أسئلة الخطاب عند محمد شفيق :

تدور أسئلة الخطاب لدى الأستاذ محمد شفيق حول ثلاثة أسئلة متداخلة فيما بينها : التاريخ ، اللغة والهوية ، فكيف يقارب محمد شفيق هذه الموضوعات ؟

يتحول التاريخ في فهم الأستاذ محمد شفيق إلى مجال للتذكير بالمرحلة المنسية من التاريخ الرسمي للمغرب والمبعد قسرا عن المقررات الدراسية ويؤسس من خلاله لخطاب احتجاجي يروم إعادة النظر في أسطورة ميلاد الدولة المغربية المقترنة على مستوى الخطاب الإيديولوجي بلحظة دخول الإسلام إلى شمال إفريقيا[9] .

ففي إطار اهتمامه بتاريخ الأمازيغيين، يحاول محمد شفيق طرح سؤال تاريخ المغرب الحقيقي للنقاش والتداول العموميين، وقد استخلص في هذا المضمار أننا كمغاربة: "لا نعرف عن "بربر" عهد قرطاجة وعهد روما وعهد "بيزانتا "إلا ما رواه الفينيقيون واليونان والرومان أنفسهم, ولا نعرف عن "بربر" عصور الإسلام الأولى إلا ما رواه لنا المؤلفون العرب. ولا نعرف عن "بربر" العهود المتأخرة من التاريخ الحديث, بين القرن السادس عشر والقرن العشرين الميلاديين إلا ما رواه لنا أعوان السلطة المركزية أو المقربون للسلطة, ولا نعرف عن " بربر" المقاومة المسلحة التي تصدت للفرنسيين بين 1912 و1934 إلا ما رواه الفرنسيون وكتبوه"[10].

وتتمحور المتابعات التاريخية للأستاذ شفيق حول قضيتين رئيسيتين, هما: الإسهامات السابقة للأمازيغيين في بناء أسس الحضارات الكبرى التي شهدتها ضفتا البحر الأبيض المتوسط والتي يسعى جاهدا إلى إظهارها ونشر الحقائق المرتبطة بها, ثم الوقوف في وجه التزوير الذي أُلحق (الفعل مبني للمجهول) بتاريخ ئمازيغن, ويعمل هنا على إشكاليتين مركزيتين هما: إشكالية الاسم وإشكالية الأصل[11] ، ففي يخص الأصل فالأمازيغ سموا نفسهم بإيمازيغن وليس باسم البربر الذي يحمل دلالات قدحية ، أما الأصل فينتقد محمد شفيق المؤرخين العرب الذين ردوا أصل الأمازيغ إلى اليمن ، كما ينتقد الأوربيين الذين ردوا أصلهم إلى أوربا لكون كلا الرأيين مبنيان على أسس إيديولوجية فندتها الأبحاث الأثرية ، ويضيف مستغربا :  " إن من العبث أن يبحث " للبربر" عن مواطن أصلية غير التي نشأوا فيها منذ ما يقرب من مائة قرن. ومن يتكلف ذلك البحث يستوجب على نفسه أن يطبقه في التماس "مواطن أصلية" للصينيين مثلا, أو لهنود الهند والسند, أو لقدماء المصريين, أو لليمنيين أنفسهم وللعرب كافة"[12].

إن الاحتجاج بالخطاطة التاريخية لا يحكمه هاجس ماضوي ينصرف الى تقديس لحظات الانتصار أو الإبداع الأمازيغي بل الاعتراف بالبعد الأمازيغي للشخصية المغربية في محاولة لإعادة كتابة التاريخ جاعلا نقطة بدايته مرتبطة بمشروع للأصالة وغير تابعة لأي فضاء جغرافي غير شمال إفريقيا [13].

في الجانب المتعلق باشتغاله على قضايا اللغة الأمازيغية من الزاويتين اللسنية والمعجمية, ينطلق محمد شفيق من تعريف أولي وعام لهذ اللغة، فيستعير كلمة "أوال أمازيغ" من المؤرخ الحسن الوزان المعروف بـ " ليون الإفريقي" ليشير إلى كون هذا "الأوال" عامل حضاري وثقافي شكل الروح المغربية طوال ألاف السنين وقولب الفكر المغربي في كثير من جوانبه وساهم في خلق الإنسية المغربية.
وفي الحقيقة، فإن اهتمام محمد شفيق بشؤون الثقافة واللغة الأمازيغيتين مرده إلى انطلاقه من التعريف الأنتروبولوجي والعصري للثقافة، هذا التعريف لا يقتصر فقط على خندقتها فيما هو مكتوب، بل إنه يتجاوز ذلك ليشمل التقاليد الاجتماعية والاختيارات والنزعات السياسية والفنون بمختلف تنوعاتها معمارا ورقصا وغناء والأدب الشفوي المحكي من قصص وأمثال إضافة إلى اللغة نفسها بمضامينها المعجمية والصرفية والنحوية والاشتقاقية[14].

وفي إطار دفاعه عن اللغة الأمازيغية عمل على دحض المسلمات المترسخة في الأذهان حول دونية الأمازيغية وقدسية اللغة العربية، لذا ركز كثيرا على وظيفة الأمازيغية في ارتباطها بالمقدس، فمساهمتها في تعميق الوعي الديني الاسلامي، ومؤزرتها العربية في الماضي على نشر الدعوة الاسلامية، تظهر كدلائل تاريخية أمام سؤال افتراضي يحوم حول وهم قدسية اللغة العربية. لذا يجب الاهتمام بها دون خوف من امكانية خلقها لمشاكل سياسية للأمة المغربية، بل إن الاهتمام بها سيؤدي إلى الحفاظ على الخصوصية المغربية [15]. وهي بهذا المعنى" تراث للجميع"، أي لمن يعرفها ومن لا يعرفها أو نسيها أو تناساها، فمعنى ذلك أن الحفاظ عليها واجب مشترك ينبغي أن يقوم به الجميع "[16].

أما سؤال الهوية، فنجده يخترق الإنتاج الفكري لمحمد شفيق من خلال استعماله لعبارات مثل : الشخصية المغربية، الثقافة الوطنية، الجذور الثقافية، الأصالة، وهي كلها عبارات يسكنها هاجس التميز عن الشرق والغرب والابتعاد عن فكرة الاستيراد [17] ، فالمغرب له " هويته الخاصة " ،" فالمغرب بلد أمازيغي عربي وكل من يريد أن يقنع نفسه بغير هذا قد وهم "[18] ، فالمغرب أمازيغي بجذوره الإثنية العميقة الغليظة ، وبما صدر عن تلك الجذور من تفاعلات تاريخية لا يمكن أن يجهلها إلا المتجاهل ، وهو أمازيغي بإحدى لغتيه ، والمغرب عربي بلغة دينه وبثقافته العربية الاسلامية ، وببعض جذوره الإتنية التي تواشجت والجذور الأمازيغية [19].

وعمل محمد شفيق على إبراز الطابع الاسلامي للشخصية المغربية ، هدفه في ذلك الحد من طغيان وضخامة البعد العربي في مخيال جل المثقفين آنذاك ، للوصول بعد ذلك إلى توازن يسمح بابراز البعد الأمازيغي ، ويمكن اعتبار كتاب محمد شفيق " ماذا يقول المؤذن " خطوة في هذا الاتجاه ، فقد دافع فيه عن الشخصية الاسلامية للمغرب وقام بتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الاسلام وأخلاقياته وفند الصورة النمطية التي يريد الغرب إلصاقها بالاسلام كما توجه إلى المسلمين موضحا لهم ما يميز الإسلام عن باقي الديانات الأخرى من مكارم [20].

إن محمد شفيق ينتقد أولئك الذين يحاولون التنكر لهوية المغرب الأمازيغية من موقع الدفاع عن الاسلام ، لأن هذا الأخير لم يجعل من الإستعراب واجبا دينيا ولم يدع إلى اعتبار العرب هم "شعبه المختار" ، بل إن الاسلام جعل اختلاف الألسن آيات للعالمين ، وجعل من التقوى معيار التفاضل ، ولم يفضل الله شعبا بعينه على شعوب أخرى [21]، وفي هذا الإطار تندرج الرسالة التي أرسلها إلى عبد السلام ياسين مؤسس جماعة العدل والإحسان ، حيث آخذه على اتهامه كل من دافع عن لسانه بالعصبية والتعصب، ووضح له  أن الأمازيغ لا يقبلون ازدراء لسناهم بأي حال من الأحوال وأضاف قائلا: " فإني وأمثالي من الأمازيغ مسلمون عجم، لا فضل لعربي علينا بعروبته وحدها، ولا فضل لنا عليه بعجميتنا وحدها " [22]، كما بين له في رسالته أن استعمال العقل والمنطق شيء ضروري لمعالجة أمور العصر الحالي، فالإسلام دين العقل والحكمة والعلم مقدما مجموعة من البراهين المستقاة من النصوص الدينية الإسلامية ووقائع من التاريخ الإسلامي نفسه، داعيا الحركة الإسلامية من خلال نموذج جماعة العدل والإحسان إلى نبذ العنف والابتعاد عنه بل والتخلص مما أطلق عليه " ديكتاتورية الفقيه" في إشارة إلى مفهوم الزعامة الذي ظل ولا يزال ملتصقا بالحركة الإسلامية، وركز أيضا على نقد نزعة إضفاء الطابع العنصري وبالضبط العربي على الدين الإسلامي متسائلا في هذا الصدد: " هل يعقل أن نسمح للعربي بالانتساب إلى العروبة وأن يمنع الأمازيغي من الانتساب إلى الأمازيغية ؟"، وأصر على القول بأن الأعاجم من أمازيغ وفرس وغيرهم خدموا الإسلام أكثر من العرب أنفسهم الذين لا يزال جزء كبير منهم يتدين بالمسيحية مشيرا إلى دور الأعاجم في رواية الحديث الشريف ونقل الإسلام إلى أصقاع بعيدة في العالم مستحضرا دورا طارق بن زياد، وقد أخذ شفيق على الشيخ ياسين ادعاءه النسب الشريف في الوقت الذي يقول فيه كذلك إنه "ابن فلاح بربري من الأطلس الكبير  منحدر من إحاحان" على حد تعبير الشيخ عبد السلام ياسين،[23] هذا الأخير رد عليه بكتاب حمل عنوان "حوار مع صديق أمازيغي" الذي أثار كثيرا من المداد أثناء صدوره في صفوف الحركة الثقافية الأمازيغية, وكثيرا ما يرجع إليه مريدو جماعة العدل والإحسان كلما تناولوا موضوعا يتعلق بالقضية الأمازيغية[24].

خلاصة :

لقد اختار محمد شفيق الدفاع عن الأمازيغية بنهجه خطاطة ثقافية تبتعد ما أمكن عن الاصطدام بالسلطة خاصة المؤسسة الملكية، معلنا في ذلك أن زمن الشجاعة الجسمانية قد ولى وجاء زمن الشجاعة الفكرية، لكن ألا يمكن القول أن محمد شفيق كان يتحرك ضمن إطار حددته المؤسسة الملكية له ؟ لاسيما وأن انتمائه العائلي الأرسقراطي، ومروره من ثانوية أزرو، واستوزاره بعد الاستقلال وإدارته للمعهد المولوي مكلفا بتربية ملك المغرب بعد الحسن الثاني، كلها محددات تجعله يدور في فلك المخزن، الذي خاض بواسطته "مفاوضات " ما بعد بيان 2000 مع الحركة الأمازيغية.

[1]  رشيد نجيب سيفاو ، محمد شفيق : لحظة انعطاف في الفكر المغربي ، مجلة نوافذ ، ع 31 أكتوبر 2006 ، ج 2 ، ص 118
[2]  حواره مع جريدة النشرة العدد 59, أبريل1997 نقلا عن الحسين أوعزي ، نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية 1967 – 1991 تحليل سيرورة تحول الوعي بالهوية الأمازيغية من الوعي التقليدي إلى الوعي العصري ، ط 1 ، أكتوبر 2000 ، ص 98 .
[3]  رشيد نجيب سيفاو ، م س ، ص 120
[4]  رشيد نجيب سيفاو ، م س ، ص ص 121 122
[5] Pierre vermeren, le Maroc de Mohammed6 la transition inachevée , éditions  la décuverte , paris , 2009 , p 133 .
[6]  محمد شفيق ، بيان من أجل الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب ، نسخة إلكترونية ، ص ص 29 -  46
[7]  رشيد نجيب سيفاو ، م س ، ص 123
[8] Mohamed Chafik : homme de pensée et de combat berbère , site web http://www.lematindz.net ,  01/08/2011
[9]  محمد أتركين ، المثقف الأمازيغي داخل فضاء دار الملك محمد شفيق والانتقال من وضع "المثقف الانعزالي" إلى وظيفة الفاعل ، مجلة وجهة نظر ، العدد 24 ، 2005 ، ص 17 .
[10]  محمد شفيق ، لمحة عن ثلاث وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، إصدارات انفوبرانت ،ط4 ، 2003 ، ص111
[11] رشيد نجيب سيفاو ، م س ، ص 124 .
[12]  محمد شفيق ، م س ، ص 19 .
[13]  محمد أتركين ، م س ، ص 17 .
[14]  رشيد نجيب سيفاو ، م ن ، ص 125 .
[15]  محمد أتركين ، م س ، ص 17 .

[16]  محمد شفيق ، من أجل مغارب مغاربية  بالأولوية ، مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث ،ط1، 2000، ص 71 .
[17]  محمد أتركين ، م س ، ص 17 .
[18]  محمد شفيق ، م س ، ص 78 .
[19]  محمد شفيق ، من أجل مغارب ، ص 78 .
[20]  الحسين أوعزي ، نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية ، ص 98 .
[21]  م ن ، ص 79 .
[22]  محمد شفيق ، م ن ، ص 257 .
[23]  م ن ، ص ص  257 258 259 .
[24]  رشيد نجيب سيفاو ، م س ، ص 127 .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟