قبائل زمور بين مونوغرافية مارسيل ليسن ومذكرات أحمد بوبية ـ عبد الفتاح أيت ادرى

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

قبائل زمور بين مونوغرافية مارسيل ليسن ومذكرات أحمد بوبيةتـــقـــديــــم:
يشكل التاريخ المنوغرافي أحد الحقول المهمة في البحث التاريخي وقد عرف تطورا في السنوات الأخيرة في المغرب، إذ اتجهت أغلب الكتابات التاريخية الى هذا الحقل مما أسهم في تنوع الاسطغرافية المغربية، فأي كتابة لتاريخ شمولي تستدعي الاهتمام بالتاريخ المحلي أو الإقليمي أولاّ.
 وفي هذا المقال اخترنا الاشتغال على منطقة زمور من خلال عرض وجهة نظر مغربية و أخرى أجنبية لعلنا نستطيع الوقوف على نقاط الالتقاء والاختلاف ،واخترنا منطقة زمور نظرا لموقعها الجغرافي المهم : فقبائل زمور تمتد طولا من المجال المعروف بالعرجات على بعد 15كيلومتر شرق مدينة سلا، إلى مايعرف بعين عرمة على مقربة 15 كيلومتر من مكناس شرقا. وتمتد عرضا من سيدي موسى الحراش قرب سيدي سليمان شمالا إلى حدود قبائل زايّان جنوبا. يحدها من الغرب سهول وأحواز سلا والقنيطرة ومن الشمال قبائل بني احسن والشراردة، ومن الشرق قبائل كروان الشمالية والجنوبية، ومن الجنوب قبائل زعير وزايّان. وفي هذا الإطار استقر رأينا على كتاب Histoire d’un groupement berbère : les zemmour   للفرنسي Marcel LESNE وكتاب قبائل زمور والحركة الوطنية لإبن المنطقة أحمد بوبية .
 اذن ماهي أهم القضايا التي تناولها الكتابين؟ وماهي الملاحظات المسجلة حولهما؟ أين يلتقيان وأين يختلفان ؟


 المحور الأول : قبائل زمور من خلال كتاب قبائل زمور والحركة الوطنية :
1 :عتبات الكتاب :
- اسم الكتاب :
قبائل زمور والحركة الوطنية مذكرات احمد بوبيّة ،منشورات كلية الأداب والعلوم الإنسانية الرباط، الطبعة الأولى2003.
-المؤلٍّف:
احمد بوبية من مواليد زمور سنة1920 درس بجامعة القرويين،كان يلقب بالفقيه نظرا لأنه كان متضلعا في الفقه والدراسات الاسلامية، أشرف على تأسيس فرع "كتلة العمل الوطني" بزمور والخميسات سنة1936، قاد انتفاضة الخميسات 1937 ساهم في تنظيم الحركة الوطنية بالمغرب، توفي1978.
- المحاور الرئسية للكتاب :
 الباب الأول: بلاد زمور المجال والانسان
الباب الثاني: مراحل من حياة المؤلف
الباب الثالث: الأحداث الوطنية والعالمية المواكبة لمراحل من حياة المؤلِّف
الباب الرابع:الخميسات : مراحل تعميرها مساهمتها في الحركة الوطنية

2-جرد لأهم مضامين الكتاب:

يستهل المؤلف"المذكرات'' بالتعريف بمنطقة زمور أرضا وسكانا، فيتتبع ماضي قبائلها، والعادات وأنظمة الحكم السائدة قبل قضاء الاستعمار عليها ،كما يقدم المؤلف تعريفا بالمعالم الجغرافية القائمة والمندثرة، فضلا عن تخصيص حيز مهم من الكتاب للحديث عن الشخصيات الزمورية ودورها في المقاومة. كما أن ''المذكرات'' أثارت جانبا من الأحداث التي عاصرها الكاتب في المغرب والمشرق.
سنكتفي بالوقوف عند الباب الأول المتعلق ببلاد زمور من حيث المجال والتاريخ، والباب الرابع حول موقع الخميسات ومراحل تعميرها ومساهمتها في الحركة الوطنية.
 مضامين الباب الأول:  بلاد زمور المجال والتاريخ
في الفصل الأول:قبائل زمور جغرافيتها وتاريخها.
قام المؤلف بتحديد الإطار الجغرافي الذي تحتله قبائل زمور، ثم تحدث عن قبائل زمور كمجموعة بشرية وعن تقسيماتها بحيث كانت مقسمة الى دائرة واحدة هي دائرة الخميسات ومن اهم القبائل التي لعبت دورا مهما في تاريخ زمور: قبائل آيت أوربيل وقبائل القبليين وأعطى المؤلف أصول  المجموعتين والموقع الذي تحتلانه والعلاقة التي تربط بينهما، كما تناول العلاقة التي تربط بينهما وأكد انها علاقة تنافس وأحيانا اخرى علاقة دفاع مشترك بحيث تدافع كل قبيلة عن الأخرى.
كانت قبائل زمور تتوفر على حدود إدارية ثابتة متعارف عليها لانزاع فيها معروفة عندهم بأعلام جغرافية إما وديان، هضاب,اشجار... وكانت الحدود هي التي تحدد المعاملات والاتصالات بين كل قبيلة مع جيرانها، وكانت حدود كل قبيلة تتغير بحسب تحركات القبائل.
تتبع المؤلف قبائل زمور ووقف عند التسميات والأصول والموقع الذي تشغله ومجال كل قبيلة وحدودها.
خصص الفصل الثاني للمعالم الطبيعية  والتاريخية لقبائل زمور، في هذا الفصل تناول المؤلف معالم جغرافية مثل وادي بهت والمآثر التي توجد به، "فمازالت المساكن المبنية بالحجارة لاينقصها إلا السقف الذي تداعى الى الأرض.كما أن الكهوف والمغاور لاتزال شاهدة على تلك الأزمات وماكان لها ولأهلها من السكان من بأس وقوة وسلطان في مقاومة الأجانب من الفنيقيين والرومان والوندال..."ص108
وتحدث كذلك عن الآثار التي توجد بزمور مثل القنطرة " القنطرت أوفلوس"وآثار قرية تامسنا وحصى مريرت بآيت أوربيل وجسر البركة.ثم حاول المؤلف في هذا الفصل الإجابة عن سؤال من كان يسكن زمور قبل سكانها الحاليين؟
قبائل زمور كما المؤلف هي القبائل الصنهاجية التي تنتسب الى البرانس، التي تغطي جل المغرب الأقصى من شماله الى جنوبه الى صحرائه ومن غربه الى شرقه.
أما الفصل الثالث فقد تحدث فيه عن رجلات  قبائل زمور عبرالتاريخ وذكر أسماء بعض الشخصيات الإدارية والعلمية  التي كانت تنتمي الى المنطقة، وقد استدل المؤلف بنص للبكري يتحدث فيه عن البربر ونص آخر لإبن خلدون.
كما تحدث عن بعض علماء البربر وحياتهم ومؤلفاتهم في شق من هذا الفصل خصصه لترجمة لشخصيات بربرية، وحاول التركيز على دور الشخصيات الزمورية في خدمة الدولة العلوية منذ عهد السلطان اسماعيل، وتتبع  الخطوات التي كانت لبعض الشخصيات من زمور  في القيام ببعض المهام الإدارية من مناصب عليا في الدولة ، ثم تطرق للشخصيات الزمورية التي كانت على الساحة السياسية بزمور  عند الاحتلال الفرنسي سنة1911م، وأعطى جردا للأسماء من  كل قبيلة.
وبعد ذلك تناول الحالة الادارية والقضائية لقبائل زمور قبل غزو القوات الفرنسية، حيث كان لكل قبيلة جماعتها تقوم بتسييرها، وشيخ يسمى شيخ الربيع، والأمناء"الرواكَة'' وشيخ الفلاحين، والعامل أو القائد ثم القاضي وأمين الطلبة...وهي التنظيمات التي كانت تسير قبائل زمور بواسطتها عند مجيء الاستعمار الفرنسي في يونيو1911،  في هذا التاريخ لم يعد للسطلة المركزية أي نفوذ على المنطقة  بعدما تم ترويج ان السلطة انهارت ولم يعد لها وجود شرعي، لأنها عجزت عن حماية البلاد من احتلال الأجانب، وبعد دخول الفرنسيين الى المنطقة واحتلالها  شرعوا في تنصيب  قواد وخلفاء وشيوخ ومقدمين من الذين تعاونوا معها، واصبحت فرنسا هي المسيطرة على منطقة زمور في غياب تام للسطلة المخزنية.
انتقل المؤلف في هذا الفصل الى الحديث عن  دور الزوايا بزمور،وتطرق للزاوية الكتانية ودورها في منطقة زمور،حيث ان الطريقة الكتانية انتشرت منذ القرن 19م وكان من نشرها هو محمد بن عبد الكبير الكتاني بمؤازرة من أخيه عبد الحي الكتاني وكانت هذه الزواية بحسب المؤلف تدعو الى الرجوع الى الاسلام والى الأخذ بتعاليمه ونبذ عوامل التفرقة والعنصرية بين القبائل خصوصا قبائل زمور ، وقد لقيت هذه الطريقة انتشارا واسعا خاصة عند قبيلة قبليين وآيت سيبران بحيث كانت هذه الزاوية الأم بوادي بهت، وكان الشيخ محمد الكتاني يهيء المريدين لفكرة الجهاد، وبعد حادثة الدارالبيضاء ووجدة اعتبر الشيخ الكتاني أن السلطان عبد العزيز متهاون في الدفاع عن البلاد، وكان لزاوية آيت سيون وآيت قبليين دور مهم في التهييء لمبايعة  السلطان عبد الحفيظ ومنع زمور من مساندة السلطان عبد العزيز، لكن مع توقيع الحماية انقلبت مواقف زمور من السلطان عبد الحفيظ.
الزاوية الثانية والمهمة التي  كان لها مكان  بزمور هي الزاوية الدرقاوية، حسب المؤلف هي كانت سباقة الى التمركز في زمور قبل الزاوية الكتانية، كانت هذه الزاوية تعرف إقبالا كبيرا من الشيوخ والكهول وكانت تحارب البذخ وتدعو الى الزهد.
توافقت الطريقتين الكتانية والدرقاوية في  تعميم الوعي عند الساكنة الزمورية لمحاربة الأجانب.
قامت فرنسا في سعيها لاحتلال المجال الزموري بتنصيب  قواد موالين لها على بعض القبائل، ولكي تحكم سيطرتها على الأطلس المتوسط كان مفروضا عليها أن تجعل من الخميسات محور عملياتها، وتطرق المؤلف إلى المعارك التي وقعت في سنة 1911، وتحدث عن مقاومة قبائل زمور للتسرب الفرنسي بعد توقيع الحماية 1912.
كان الفصل الرابع والأخير حول بعض أنساب القبائل الأمازيغية وتاريخها، خصص المؤلِف هذا الفصل للحديث عن نسب القبائل الأمازيغية وابتدأ بقبيلة أوربة تناول التسمية  والنسب وكذلك قبائل دكالة وقبائل هوارة ثم المصامدة وزناتة وبورغواطة، تناول أخبارهم وتسمياتهم اعتمادا على المصادر التاريخية مثل روض القرطاس والإستقصا ، والإتحاف، والعبر.
ختم المؤلف هذا الفصل بالحديث عن ماسمّاه ''أثر الفئة الضالة البرغواطية في كثير من القبائل التي كانت تؤمن بعقيدتهم الفاسدة وتفشيها بعد تشريدهم في الأطلس المتوسط".
1.    الباب الرابع والأخير:
خُصص  هذا الباب لتأسيس الخميسات، كان موقع الخميسات يتكون من عدة مستنقعات(ضايات)، كانت تنزل بها المحالّ السلطانية قبل الحماية، تطرق المؤلِّف للمراحل التي عرفتها قرية الحميسات  وتطور مرافقها العمومية منذ عهد الحماية إلى الفترة الحالية، ثم تناول الحياة الاجتماعية للساكنة الزمورية وأنشطتهم الفلاحية والصناعية والتجارية، وأشار كذلك إلى العائلات التي استوطنت قرية الخميسات في بداية نشأتها والتي ساهمت في تطور عمرانها، حيث قدّم المؤلّف جردا لأسماء هذه العائلات، ثم انتقل الى الحديث عن الأجانب الذين استوطنوا الخميسات،  كما تحدث عن نشأة فرع الحركة الوطنية في الخميسات ودور المؤلِّف فيها، والحوادث الدامية التي شهدتها الخميسات سنة 1937والتي كان لها صدى كبير داخل المغرب وخارجه.


المحور الثاني : زمور من خلال مونوغرافية Marcel LESNE

1 عتبات الكتاب :

-عنوان الكتاب : Histoire d’un groupement berbère :les Zemmour
-المؤلف : Marcel LESNE
-نوع الكتاب : أطروحة لنيل الدكتوراه في الآداب
-المحاور الرئيسية :
  Chapitre 1 : Diversité des composantes de la confédération Zemmour
Chapitre 2 : mouvement des tribus Zemmour vers les plaines atlantiques du désert à la foret de la Màmora
Chapitre 3 : les Zemmour et le Makhzen Alaouit  
 
2 جرد لأهم مضامين الكتاب :
في المقدمة يعطينا المؤلف مختلف الفخود المكونة لاتحادية زمور ، ويطرح إشكالية تعدد الأصول ويؤكد على أن ما يوحد قبائل زمور هو المغامرات الهامشية والمشتركة ونمط العيش المتشابه الذي فرضته الظروف التاريخية والجغرافية ، إضافة إلى المواجهات مع القبائل الأخرى . ويشير إلى مشكلة غياب مصادر مكتوبة ، حيث إن العادات والتقاليد في البلاد الأمازيغية يغلب عليها الطابع الشفوي .
أما في الفصل الأول فيحاول المؤلف الإمساك بأصل قبائل زمور ونوع العلاقات التي تجمع بين قبائلها حيث بدأ بالرابط البيولوجي المفترض بين هذه القبائل ليؤكد أنه ليس كافيا ، فرغم أن القبيلة يجمعها مبدئيا الدم المشترك فإن هذا الأمر لا يكون صحيحا دائما ، ويخلص الكاتب بالتالي إلى أن قبائل زمور أصولها مختلفة .
وحول معنى كلمة زمور يرجع الكاتب إلى LAOUST    الذي يرجع كلمة زمور إلى الكلمة الأمازيغية أزمور والتي تعني الزيتون البري وهي  شجرة موجودة بكثرة في شمال إفريقيا ،أما عن سبب التسمية فيرجع إلى الأسطورة حيث يحكى أن أحد شرفاء أيت مكيلد ويدعى سيدي بوبكر التقى رجلان من قبيلتان مختلفتان فسأل الرجل الثاني ما اسم الشجرة الموجودة بكثرة في منطقتك فقال له أزمور فقال له من الآن فصاعدا ستسمى قبيلتكم بزمور وستكونون شبيهين بجدع شجرة الزيتون خشنين وأقوياء .
وحول الأصول نجد أن الأسطورة تنسبهم إلى خمسة إخوة أبناء لشخص يدعى عيسى ، كما أن هناك أسطورة تنسبهم إلى أيت زوفوات ait zouffouat  وهذا الأصل مازال موجودا لدى قبائل زمور كما وقف على ذلك ضباط الشؤون الأهلية .
وكل هذه الروايات حسب المؤلف ليست كافية ، ويؤكد في هذا الفصل على عدم تجانس قبائل زمور ولفظة زمور تستعمل فقط للدلالة على جماعة موحدة ، هذه الجماعة ألحقت بها قبائل عديدة ، بل إننا نجد قبائل أصولها يهودية وأخرى ذات أصول عربية ، ويبقى الوصول إلى أصول بعض الفخدات أمر صعبا جدا .
ويقف المؤلف في هذا الفصل على نوع التحالفات والعلاقات الموجودة بين قبائل زمور فيما بينها وبينها وبين القبائل الأخرى ، وفي هذا الصدد يتناول المؤلف قضية تاضا أو طاطا باعتبارها نوعا من التحالف القبلي معروف لدى أغلبية القبائل الأمازيغية ، ويحيل مفهوم تاضا على الإرضاع الجماعي الرمزي الذي يجمع بين قبيلتين أو عشيرتين في حرمة ولي صالح حيث يتناول أفراد أحد الطرفين وجبة الكسكس جماعة بحليب نساء الطرف الأخر فيرتبط الطرفان برباط رهيب ، فهي مقدسة وكل إخلال باحترامها من شأنه أن ينتج عنه عقاب غيبي شديد .
كما يتناول المؤلف قضية الأحلاف العسكرية التي تكون غالبا مؤقتة فهي تظهر عند مواجهة طرف أخر .
 وفي نقطة أخرى يشير المؤلف إلى أن المجموعات السياسية الداخلية تحمل داخلها ملامح تغير ، حيث أن مجموعة من الفخدات تغادر قبائلها لتلتحق بقبائل أخرى . كما يشير أن كل مجموعة تنتفض للحفاظ على وجودها ضد الطبيعة وضد البشر .
وكخلاصة لهذا الفصل يرجع المؤلف إلى التأكيد على أن بلاد زمور بلاد مجزئة وغير مستقرة ، أن داخل هذه القبائل هناك تنافس وخلق لمجموعات  جديدة تظل ملامحها متغيرة فهي تنمو وتنكمش حسب العصور من خلال إضافة أو مغادرة فخدات جديدة ، وزمور في نهاية الأمر لا تملك جدا مشتركا ولا أصلا جينيالوجيا فهي خليط من القبائل ، لكن مع ذلك فهذه القبائل حافظت على مر العصور على تماسكها .
أما الفصل الثاني فقد خصصه المؤلف لتحركات قبائل زمور نحو السهول الأطلسية ، وتتبع استيطان هذه القبائل لغابة المعمورة ، وأشار إلى أن معظم الكتابات التاريخية تؤكد على أن زمور ينتمون إلى منطقة تافيلالت .
في بداية هذا الفصل يقول أن التحرك من المناطق الشبه الصحراوية إلى المناطق الأطلنطية ظاهرة مشتركة بين مجموعة من القبائل ، إذن فزمور لا تشكل استثناء اللهم أنها على عكس القبائل الأخرى حققت تقدما مجاليا ملحوظا ، ويلاحظ هنا أن القبائل الأربع المجاورة لزمور وهي : بني حسن ، كروان ، زيان ، زعير كانت هي أيضا فيما مضى تستقر بمجال شبه صحراوي قبل أن تنتقل إلى مجالها الحالي .
وحول أسباب هذه التحركات فان المؤلف يرجعها إلى سببين رئيسين : السبب الأول هو الفقر والاكتظاظ السكاني بالجنوب ، وهي حسبه من أهم الأسباب فالجفاف الذي عرفه الجنوب المغربي في فترات تاريخية مختلفة أثر بشكل كبير على نمط عيش الرحل ، إضافة إلى الأوبئة والمجاعات ، وهذا الأمر انتبه إليه ليون الإفريقي خلال القرن السادس عشر .
إذن فالمجاعة والجفاف والكوارث الطبيعية استدعت تحركا مجاليا للقبائل نحو المناطق الأقل تضررا .
كما تناول المؤلف في هذا الفصل دور الجبال بالنسبة لعديد من القبائل حيث تلعب دورا مهما في تزويد فروعها المستقرة بالسهول بالرجال والمدد فهي بمثابة خزان بشري وطاقي .
ويسترعي انتباه المؤلف ظاهرة موجودة في القبائل المغربية ، وهي أنه داخل نفس القبيلة نجد فخذات مستقرة وأخرى تعتمد الترحال ، بل إننا نجد داخل نفس الفخدة دورا أو عائلات تعتمد الترحال وأخرى تعتمد الاستقرار ، وحسب المؤلف فان الحياة الرعوية لمجموعة من قبائل زمور تسهل عليهم التنقل ، وهذين النمطين للعيش المختلفين يؤديان في بعض الأحيان إلى افتراق القبيلتين أو الفخدتين .
أما السبب الثاني فهو نمط عيش القبائل الرعوية فالأنشطة الرعوية للقبائل تخضع للظروف السياسية العامة ، وهذا ما يدفع القبائل لتكون دائما على أهبة الاستعداد للترحال .
أما الفصل الثالث والأخير فقد خصصه لعلاقة قبائل زمور بالمخزن العلوي ، فالى حدود القرن السابع عشر ورغم الأهمية الاقتصادية للأطلس المتوسط فانه لم يلعب أي دور سياسي ، ومع اتجاه القبائل الصنهاجية نحو السهول الشمال الغربية دخلت هذه المنطقة ضمن انشغالات المخزن ، وكان على رأس هذه القبائل قبائل زمور حيت لعبت دورا سياسيا هاما مع محاولة الأسرة العلوية السيطرة على حركة الجبال .
وأفرد المؤلف محورا لعلاقة  قبائل زمور بالسلطان العلوي مولاي إسماعيل الذي كان طيلة عهده مشغولا بتطويق القبائل الصنهاجية والحد من نفوذها ، ويرى المؤلف  أن زمور دخلت تحت حكم هذا السلطان بل وتعاونت معه .
وسلط المؤلف أضواء على شخصية زمورية لعبن أدورا مهمة خلال هده الفترة وبعد وفاة المولى إسماعيل وهي شخصية القائد علي بن ايشوحيت الذي كان السلطان يكلفه بمهام كبيرة مما مكنه من التوفر على نفوذ سياسي قوي وسط القبائل الزمورية .
بعد وفاة المولى إسماعيل دخل المغرب في عهد من الفوضى مما أدى بقبائل زمور إلى قطع تعاونها مع المخزن حيث شكلت قوة   ضد التسلط المخزني وضد شطط جيش العبيد ، إلى حدود اعتلاء السلطان سيدي محمد بن عبد الله العرش ، حيث وجد في زمور دعما كبيرا .
وقد أولى المؤلف أهمية لقضية محورية في التاريخ المغربي استعملها الأجانب غير ما مرة للاستدلال على تشتت بلاد المغرب ألا وهي قضية السيبة ، فخلال عهد السلطان الحسن الأول ورغم الحركات الشريفية المتوالية التي كانت تتقل كاهل قبائل زمور ، فان هذه الأخيرة عرفت نوعا من الازدهار الاقتصادي ، فميشيل فوكو أكد أنه وقف على مدى خصوبة وغنى قبائل زمور ، ويرى المؤلف أن الهيبة الدينية للسلطان باعتباره شريفا وينتمي إلى أل البيت تفسر خضوع زمور للسلطة المخزنية ، لكن مع نهاية فترة حكم الحسن الأول وأمام الارتفاع الهائل للضرائب لم تجد قبائل زمور بدا من الانتفاض وقتل جباة الضرائب .
أما خلال عهد السلطانين عبد العزيز وعبد الحفيظ فيمكن القول أن قبائل زمور وكغيرها من القبائل المغربية شاركت في مقاومة الضغوط الأجنبية وشاركت في الثورة الوطنية ضد المولى عبد العزيز ، ولعبت كذلك دورا في محاصرة فاس وفي مواجهة التدخل الفرنسي ، لكن هذا الأخير استطاع تفتيت قبائل زمور وإخضاعها لسلطته .
وكخاتمة عامة للكتاب يعود Marcel LESNE  إلى التأكيد على أن قبائل زمور ما هي إلا  تجمع سياسي ولا تربط بينها أية أصول مشتركة وأنها لعبت دورا كبيرا في تاريخ المغرب وظلت مستعصية على الإحتواء حتى دخول الجيش الفرنسي إلى المغرب .


المحور الثالث : خلاصات واستنتاجات

لقد لعبت قبائل زمور دورا كبيرا في تاريخ المغرب على الأقل منذ عهد السلطان مولاي اسماعيل ، وذلك راجع إلى موقعها الجغرافي المتميز داخل الممر الرئيسي للحركة السلطانية  ، وتنوع المجال الجغرافي الذي تستوطنه ما بين مناطق جبلية غابوية ، وبين أراضي خصبة صالحة للزراعة .
والكتابين الذين اشتغلنا عليهما في هذا المقال يتفقان ضمنيا حول هذه النقطة ، ويختلفان في مجموعة من الأشياء لعل أهمها في نظرنا يتجلى فيما يلي :
المؤلّف  الأول عبارة عن مذكرات ل سي أحمد بوبية، تناول فيها تجربة حياته ونضالاته بمنطقة زمور، لهذا لم يكن هناك أي تحليل أو دراسة مركبة ولكن كان فقط استعراض للمعلومات التي تضمنتها المصادر، واحيانا اخرى يستعرض المؤلِف المعلومات والأحداث التي عاشها واحتفظت بها ذاكرته، خاصة عندما يتحدث عن العمل الوطني وهذا راجع إلى أنه كان معاصر للأحداث وكان فاعلا فيها. أما المؤلف الثاني فهو عبارة عن أطروحة لنيل الدكتوراة إعتمد فيها الكاتب على بيبليوغرافية هامة حيث اعتمد على المصادر المغربية التقليدية مثل كتاب الاستقصاء للناصري و تاريخ ابن خلدون ، و البكري و ليون الإفريقي والزياني وغيرها . كما اعتمد على الكتابات الأجنبية وخاصة المونوغرافيات التي قام بها ضباط الشؤون الأهلية ، كما استغل المؤلف الأرشيف الفرنسي وخاصة أرشيف C.H.E.A.M و أرشيف وزارة الداخلية الفرنسية .
حاول المؤلف الأول  البحث عن علاقة ترابط بين القبائل الزمورية  والدولة العلوية ، وأراد القول إن هذه القبائل كانت تحظى بعطف السلاطين العلويين وتقديرهم وأنها كانت بدورها تبادل الحب والولاء للسلاطين. أما المؤلف الثاني فقد اعتبر أن ما يجمع الطرفين هو نوع من التفاهم المبطن فالمخزن كان يتجنب التحكم المباشر في زمور وكان يلجأ إلى القواد والشيوخ ، وركز كذلك على قضية الشرف كمحدد رئسي لطبيعة العلاقة القائمة بينهما ، واعتبر أن الخصوصية الأمازيغية ظلت حاضرة في مختلف أطوار التاريخ الزموري ، هذه الخصوصية تتجلى في رفض دفع الضرائب والاستقلال القبلي وهي قضية كثيرا ما توقف عندها الكتاب الأجانب خلال فترة الحماية .
طغت الذاتية على مذكرات سي أحمد بوبية بحكم أن المؤلِف ينتمي إلى المنطقة، فهو يتكلم عنها بنوع من الحنين و بأسلوب يتسم بروح وطنية جياشة، بحكم أنه كان من المناضلين بالمنطقة وكان من أبرز القائدين لثورة الخميسات ومن المعارضين للوجود الاستعماري، كما يُلاحظ أن لدى المؤلّف ميلاً إلى الدفاع عن القبائل الأمازيغية والثقافة الأمازيغية برجالها ونسائها. أما المؤلف الثاني فقد كان مؤلفه يمتلك إلى حد ما تلك المسافة المطلوبة من أجل انجاز بحث موضوعي .
يعتبر كتاب أحمد بوبية  مهمّا  وتتجلى أهميته في تناوله للذاكرة الأمازيغية ببلاد زمور وعلاقة البادية المغربية بالحركة الوطنية، وهذا الموضوع لم ينل حيّزا كبيرا في كتابات المؤرخين فلطالما تم الإهتمام بعلاقة المدن بالحركة الوطنية.   
  ولأن المؤلِّف تلقى تكوينا دينيّا في القرويين فقد كان الكتاب مليئ بالاستشهادات من القرءان .
أما أهمية كتاب مارسيل ليزن فترجع إلى اعتماده على مجموعة من المراجع واستفادته من الأرشيف الفرنسي ، كما أنه أورد في الملحق خرائط دقيقة لمنطقة زمور.




تعليقات (1)

This comment was minimized by the moderator on the site

مقارنة في محلها، فقط، تصويب ان الامر يتعلق بأيت زوگات كاسم ثاني لزمور وليس زوففات، كما اننا منطق مارسيل ليسن، وليس ليزن، وفقكم الله، مع مزيد من الكتابة والإبداع.

Akzoul
لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟