الدين عند الأمازيغ ـ جمعة مقطب

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

Venise bleueاختلف الباحثون في إعطاء معنى للدين ووجدوا صعوبة في تحديد منشئه لدى المجتمعات البدائية .فاعتبره البعض نمطا من التفكير الذي توافق مع خبرة ومعرفة الإنسان المحدودة أنداك وهناك من اعتبره ذلك الملجأ الآمن للإنسان الذي يخاف تناقضات الكون وجبروت الطبيعة.
وفي هذا الإطار يعرف برجسون في كتابه منبعا الأخلاق و الدين كما يلي :" الدين البدائي هو وقاية من الخطر الذي يتعرض له الإنسان "[1] و على ذلك "فالدين إنما هو رد فعل دفاعي تقاوم به الطبيعة قول العقل باستحالة اجتناب الموت"[2] وقد تساءل  سيجموند فرويد حول الدافع الذي جعل الإنسان يؤمن  في مرحلة من مراحل تطوره بالأرواحية كتصور ديني وبهذا الصدد يقول "ويبدو أن مشكلة الموت كانت هي قبل كل شيء، منطلق التنظير فبالنسبة للبدائيين كان استمرار الحياة –الخلود- هو الشيء البديهي، أما تصور الموت فجاء بعدئذ ولم يتم تقبله إلا بتردد بل إنه حتى بالنسبة لنا مازال خالي المضمون و صعب الاستيعاب "[3]  فيمكن القول إن الخوف كان عاملا مهما في تشكل المعتقدات البدائية كما أن عدم فهمه لمجموعة من الظواهر الطبيعية ورغبته الأكيدة في تجاوز خوفه من هذه الظواهر، جعله يختلق مجموعة من الآلهة اعتقادا منه أنها تستطيع حماية تواجده وبقائه على قيد الحياة إن هو عمل على استرضائها بمجموعة من الطقوس و العادات وقد لعب الخوف من الموت دورا أساسا في هذا الأمر فالموت الذي شكل و لازال هاجس الإنسان الأول لذا اعتقد بأن هناك عالما آخر سيواصل فيه الفرد حياة أخرى لدا جاء الاهتمام بالمقابر عند المجتمعات القديمة فهو مرحلة عبور نحو عالم أخروي لذا زود الميت بأدواته الخاصة كي يستعملها في حياته الثانية .


وقد كانت مسألة تحديد وظيفة الدين صعبة فكثرت التأويلات و اختلفت،فبرجسون ذهب إلى اعتبار أن الوظيفة الأولى للدين"هي تلك التي تتصل ببقاء المجتمع مباشرة"[4] " و اعتبرها البعض أداة لحكم الشعب شأن مونتسكيو إذ يقول "المشرعون الرومان أرادوا أن يوحوا للشعب الذي لا يخاف شيئا بالخوف من الآلهة واستخدموا هذا الخوف في توجيه حيث أرادوا".
وقد" كان الدين في بدايته معتقدا بسيطا ترتكز حوله مجموعة من الطقوس و الأساطير الخاصة بجماعة معينة من الناس أو عشيرة أو قبيلة أو شريحة اجتماعية"[5]

ويبدو أن الإنسان في مرحلة معينة من تطوره الحضاري قد أدرك حقيقة وجود قوة خفية تتحكم في الحياة الإنسانية و الحيوانية و الحياة الإنسانية و الحيوانية و الطبيعية، وأدرك تجسيم هذه القوى في أماكن معينة لكي يحاول استرضاءها ضمانا لحياته و مسيرته"[6] واختلطت الأديان البدائية اختلاطا كبيرا بالسحر حتى أصبحت ترى "في الدين بقية من سحر و ترى في السحر خاصة شيء من الدين  " فالسحر جزء من الدين"[7] وقد أثرت البيئة التي عاش فيها الإنسان البدائي تأثيرا كبيرا في تصوير وتشكيل هذه الآلهة.

وهكذا جاءت ديانة الأمازيغ تعبيرا عن طريقة عيشهم و بالتالي كانت عبادتهم متجهة غالبا إلى وقاية الحقول والمحاصيل ووفرتها وجودة القطعان و المراعي ويعتقد شارل أندري جوليان أن الأفارقة كانوا"يعبدون الجماد و الحيوان ولكنه من الصعب في غالب الأحيان أن نميز بين ما ابتكروه من الطقوس و بين ما ورد عليهم من الخارج، غير أن الجن الذي كان معششا في العقلية المغربية ولد الهة محلية ظل –البربر- يعبدونها حتى العهد الروماني تم استعاروا فيما بعد الهة مصر و قرطاج وروما واستعاضوا بها عن الهتهم، وكان لهم في القرن الأول قبل المسيح الهة تحميهم تسمى أفريكا رأسها مغطى بجلد فيل"[8]وهناك ملاحظة عامة ركز عليها أغلب الدارسين للمعتقدات الدينية بشمال افريقيا و منهم ألفردبل الدي أكدها، فالأمازيغ اختلطت عندهم "المعتقدات الدينية بالسحر اختلاطا كبيرا"[9]

وقد أولى الأمازيغ أهمية بالغة للينابيع الدائمة الجريان واعتقدوا بأن هناك أرواحا تسكنها وقد آمن سكان شمال إفريقيا بالقوى القبلية أو المحلية أو الإقليمية وقد جاءت هذه التصورات نتيجة انعزال المناطق عن بعضها البعض

و قد عجز  الدارسون عن تحديد أصول الآلهة الأمازيغية " ، فالدين كان غير واضح المعالم عند هؤلاء فالطقوس السحرية في هذه البلاد هي دائما جوهر الدين"[10] وعموما فقد تمت عدوى متبادلة بين الأفكار و التصورات الدينية للسكان الاصليين و بين تلك التي أتى بها الغزاة المتعاقبون، ومن المعروف أن تبني الأمازيغ لمجموعة من الألهة الأجنبية لم يأتي إلا بعد أن تم تصويرها على نحو يتفق ورؤيتها للعالم. وبشكل عام لم تستطيع الديانات أن تقضي على التصورات القديمة السحرية عند الأمازيغ" وعندما ندرس أحوال( البربر) معتمدين على المراجع القليلة الموجودة نباغت باستمرار عاداتهم خلال العصور، فالكثير من مظاهر حياتهم الإجتماعية خصوصا الدينية منها تمتد جذورها إلى ماض سحيق"[11].

و السمة السائدة للمعتقدات الدينية بالمنطقة هي اعتقاد الساكنة بالأرواح الطيبة و الخبيثة. التي تسكن الأشجار و الأحجار و الحيوان و الإنسان و هذه الإعتقادات و اسعة الانتشار في المجتمعات البدائية.

لابد أن يلاحظ المرء أن الخاصية الأساسية للآلهة الأمازيغية تكمن في تنوعها و اختلافها مما يجعل من الصعوبة تحديد أو صولها و معرفة رمزيتها الدينية لدى الساكنة، لأن هذه الآلهة مختلفة الأصول والأعرق، فكل من مر على هذه المنطقة و التي كانت محط مرور العديد من الحضارات أثربشكل أو بآخر في معتقدات الساكنة، وبقولنا هذا لا ننفي أن الأمازيغ قد عبدوا آلهة محلية المنشأ.

[1] هنري برجسون، منبعا الاخلاق و الدين تعريب سامي الدروبي و عبد الله عبد الدئم الطبعة2 القاهرة، دار العلم للملايين. ص: 143.
[2] نفس المرجع .ص: 156.
[3] سيجمون فرويد، الطوطم و الطابو، ترجمة، بو علي ياسين، الطبعة الأولى.1983 دار الحوار سوريا ص: 98.
[4] برجسون .م.س.ص: 148.
[5]  خزعل الماجدي.أديان ومعتقدات ما قبل التاريخ، سلسلة التراث الروحي للإنسان دار الشروق ، 1997.ص: 37.
[6]  ابراهيم حركات ، المغرب عبر التاريخ. الجزء الأول دار الرشاد الحديثة ط.2 1984ص: 16.
[7]   برجسون م.س.ص: 190-189.
[8] شارل أندري جوليان .تاريخ إفريقيا الشمالية. تعريب محمد مزالي. البشير بن سلامة، الطبعة5 .الدار التنوسية للنشر ص: 79.
[9] ألفربل، الفرق والمذاهب الإسلامية في الشمال الإفريقي، ترجمة عبد الرحمان بدوي، دار الغرب الإسلامي بيروت 1981، ص: 56
[10] ألفرد بل .مرجع سابق.ص: 59.58.57.
[11] حسين مؤنس، تاريخ المغرب وحضارته، المجلد 1. العصر الحديث للنشر و التوزيع ص: 74.