تأثير مدرسة محمد عبده على المفكرين العرب خلال النصف الأول من القرن العشرين ـ توفيق أكياس

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

mohamed-abdouتقديم
يعتبر محمد عبده (1844م-1905م) من أكثر مفكري التيار السلفي الإصلاحي لعصر النهضة العربية  تأثيرا في الأجيال اللاحقة من المفكرين،  وقادة الحركات الوطنية ، ورجال السياسة. والذين شكلوا امتدادا لدعوته سواء في المشرق العربي أو في مغربه. أو على الأقل تأثرت أفكارهم في جانب من جوانبها بمدرسته .  فقد كان محمد عبده شخصية تنوعت أفكارها بين الدين، والعلم، والتربية، والسياسة. ونموذج متميزا للمثقف السياسي والسياسي المثقف. سخر حياته وفكره لربط الإسلام بالتقدم،  مشتغلا في ذلك على هدفين أساسين: الأول:  هو" تحرير الفكر من قيد التقليد، وفهم الدين على طريقة سلف الأمة قبل ظهور الخلاف"(1)- الثاني:  هو "إصلاح أسالب اللغة العربية في التحرير(2)-

ركز محمد عبده في برنامجه الإصلاحي على ثلاثة "مفاتيح" 1- إثبات الجوهر العقلاني للإسلام ضد التقليديين والخصوم المحدثين. 2- بناء علم العقيدة انطلاقا من رؤية عصرية. 3- إصلاح النظام التربوي وبشكل خاص نظام التعليم.
لقد دشن محمد عبده الجدل الفكري الشهير حول التوفيق بين التراث والحداثة، وهو الجدل الفكري الذي سيشغل اهتمام الفكر العربي طيلة القرن العشرين. خاصة أن أحداث فرض الحماية أو الاستعمار على الأقطار العربية. وبعد ذلك نتائج الحربين العالميتين، زعزعت الموقف الداعي إلى اقتفاء أثر أوروبا في كل شيء. فعمت موجة من الشك في الفضائل السامية الأوروبية وفي قدرتها على تحقيق السعادة.  وظهر جيل جديد من المفكرين، وزعماء حركات التحرر الوطنية، أدركوا ضرورة التجديد وانتحال وسائل التقدم والنهوض. فكان إنتاجهم الفكري استئنافا لمشروع الإصلاح والتحديث والتنوير. ليشكل استمرارا لمدرسة محمد عبده. التي بدا أثرها حتى لدى التيارات المخالفة له.
ويهدف هذا العرض إلى الكشف عن بعض أعلام هذا الجيل في المشرق والمغرب، اخترت منهم نماذج تحدث عنها المستشرق الإنجليزي اللبناني الأصل ألبرت حوراني     ( 1915– 1993م) في  كتابه "الفكر العربي المعاصر في عصر النهضة(1798-1939)" . الذي حاول  فيه  إلقاء الضوء على تاريخ العرب في عصر النهضة من خلال سرد أفكار وآراء أهم شخصيات ذلك العصر كالطهطاوي وخير الدين التونسي والأفغاني وشبلي الشميل وفرح أنطوان ومحمد عبده ورشيد رضا وطه حسين. هذه الشخصيات التي عرض من خلالها الانطباع الأول لذى العرب عن أوروبا ومن ثم ولادة الحركات القومية والعلمانية والإسلامية في ذلك الزمن. و قد ورد  ذكر أعلام الجيل الجديد الذين سنتناولهم في الفصل الثالث عشر الذي جعله ألبرت حوراني خاتمة لكتابه تحت مسمى"الماضي والمستقبل".
المحور الأول
I.    أعلام من المشرق تأثروا بمدرسة محمد عبده.
1-من العراق علي الوردي(1913م-1995م).
علي حسين محسن عبد الجليل ولد في بغداد في مدينة الكاظمية عام 1913م  االثانوية حصل على المرتبة الثالثة على العراق في الدراسة الثانوية فأرسل لبعثة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت وحصل على البكالوريوس وأرسل في بعثة أخرى إلى جامعة تكساس حيث نال الماجستير عام 1948 ونال الدكتوراه عام 1950. كتب الوردي ثمانية عشر كتابا ومئات البحوث والمقالات . "أعاد كتابة تاريخ الإسلام من زاوية النضال الثوري لتحقيق العدالة، متوخيا تفسير الإسلام على ضوء ما كان يبدو اشد الأحداث وقعا في زمانه، تماما كما فسرته مدرسة محمد عبده على ضوء أفكار زمانها ومنجزاته"(3)
تميزت كتابات علي الوردي بأسلوب نقدي ومضامين تنويرية ساخرة. لذلك واجهت أفكاره وآراءه الاجتماعية انتقادات لاذعة، خاصة في كتاب "وعاظ السلاطين" حين انتقد الوعاظ الذين يعتمدون على منطق الوعظ والإرشاد الأفلاطوني منطلقا من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وان الوعاظ أنفسهم لا يتبعون النصائح التي يدعون إليها  وهم يعيشون على موائد المترفين، كما أكد فيه بأنه ينتقد وعاظ الدين وليس الدين نفسه. لقد تنبأ الوردي بانفجار الوضع مثلما تنبه إلى جذور العصبيات التي تتحكم بشخصية الفرد العراقي كنموذج للإنسان العربي، هذه العصبيات التي تعتبر واقعا مجتمعيا تمتد جذوره إلى القيم والأعراف الاجتماعية والعصبيات الطائفية والعشائرية والحزبية التي ما زالت بقاياها كامنة في نفوسنا. و كذلك إلى الاستبداد السلطوي، الذي شجع وما يزال يشجع على إعادة إنتاج الرواسب الاجتماعية والثقافية التقليدية القديمة وترسيخها من جديد، كما يحدث اليوم.
2-من مصر محمد كامل حسين(1901-1977م).
"ولد محمد كامل حسين في قرية سبك الضحاك محافظة المنوفية بمصر، كان الأول في البكالوريا وكذلك ظل الأول داخل فرقته في كلية طب قصر العيني، حيث تخرج فيها وعمره اثنان وعشرون عاما فقط. أوفد محمد كامل حسين بعد تخرجه في بعثة دراسية إلى بريطانيا حيث نال إجازة الزمالة في كلية الجراحين الملكية. وكان أول مصري يحصل على ماجستير جراحة العظام من جامعة ليفربول"(4). كتب عدة مؤلفات تبقى رواية "قرية ظالمة"أهمها حيث نال بها جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1957.قال عنه ألبرت حوراني "أوحت أفكار محمد عبده للطبيب المصري محمد كامل حسين،كتابه الشهير"قرية ظالمة" والذي كان في الظاهر،بمثابة تأمل في معنى صلب المسيح. أما في الواقع فكان عرضا جديدا لتعاليم الإسلام على ضوء مظهرين مهيمنين على عصره.علم النفس الذي جاء يزعزع التفكير المألوف ، كما فعل علم الفيزيولوجيا لمائة سنة خلت، وخطر الحرب.
 يستهل المؤلف كتابه، أسوة ببعض أتباع محمد عبده، بالتمييز بين النظامين الروحي والزمني فالنظام الزمني في رأيه هو من فعل البشر. إنه ناقص ومؤقت وعرضه للتغيير... ولذا يجب أن تبقى النواحي المتعلقة بالحقل الاجتماعي شؤونا بشرية صرف تحيط بها ضمانات يكون البشر أنفسهم مسؤولين عنها(5)"
ولقد اختلفت نظرة محمد كامل حسين إلى النظامين الروحي وألزمني عن نظرة محمد عبده. فبينما كان العقل هو المهيمن على الدائرة الزمنية عند هذا الأخير. نجد الأول جعل من "الضمير"  قضية محورية. ويقدمه على العقل، على اعتبار أن الضمير هو الذي يفرق بين الناس وبين سائر المخلوقات "فالضمير في اعتقاده فرض الحدود على أفعال الإنسان ويضع القوانين التي على النفس التقيد بها، وإلا اعتراها المرض والفساد(6)"
3-من السعودية عبد الله القصيمي (1907-1996م).
"عبد الله القصيمي (1907 - 1996) مفكر سعودي يُعتبر من أكثر المفكرين العرب إثارة للجدل بسبب انقلابه من موقع النصير والمدافع عن السلفية إلى الإلحاد" (7). وبسبب مؤلفاته المثيرة للجدل ومن أشهرها "العرب ظاهرة صوتية". و كتاب "هذه هي الأغلال"الذي وجهه إلى الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود. كي يتبناه والذي ركز فيه على أن عظمة الشعوب ليست في ثروات البلاد الطبيعية، ولا في الوطنية الباسلة، وقيام الوحدات.بل في قدرة الشعب الذاتية على الإنتاج العقلي والمادي من ناحية الأفراد. قال عنه حوراني " يطالعنا المؤلف بالتهجم المألوف على الجمود الديني وعلى الاستكانة إلى الآخرة، وعلى الطلاق بين الروحي والمادي، محاولا شرح هذه الأخطاء التي وقع فيها المسلمون حيث يردها إلى الفقه الإسلامي، ومنها اعتقاد علماء الكلام السنين أن الله هو الفاعل الحقيقي الوحيد والعلة المباشرة لكل ما يحدث أساس  القوة والتقدم إنما هو الاعتقاد أن الإنسان فاعل حر، وأن له القدرة على الكمال، وأن الكون مسير بناموس السببية وهو يدعي أن العرب كانوا على هذا الاعتقاد قبل الإسلام، كما كان عليه أيضا المسلمون الأولون قبل أن تفسد دينهم التأثيرات الخارجية، لكن هذا لا يعني عنده، أن على الإنسان أن يحاول محاكاة السلف، لأن التقدم يكتنف طبيعة الإنسان كما يكتنف المدنية. ولأنه لا يمكننا العثور على الكمال في الماضي"(8)
المحور الثاني
II.    أعلام من المغرب العربي تأثروا بمدرسة محمد عبده.
1 -من تونس عبد العزيز الثعالبي(1876-1944م).
هو زعيم تونسي سياسي وديني. من القليلين الذين زاوجوا بين السياسي والديني، وبين المحلي والإقليمي والعالمي في عملهم،  للتخلص من الاستعمار وظلمه والرفعة بالمجتمع والرقي به في الوقت ذاته.
ولد عبد العزيز الثعالبي في مدينة تونس ونال الشهادة الابتدائية بها ثم التحق بجامع الزيتونة وتخرج حاملا شهادة التطويع وتابع بعد ذلك دراساته العليا في المدرسة الخلدونية انضم الثعالبي في مطلع شبابه إلى حزب تحرير تونس من الاستعمار الفرنسي وكتب في الصحف داعيا إلى الاستقلال والحرية. ثم اصدر صحف (المنتظر) و(المبشر) و(سبيل الرشاد). وقد عطلتها السلطات الفرنسية كلها لجرأة محررها ومقاومته للاستعمار. انشأ الثعالبي الحزب الوطني الإسلامي الذي كان يدعو إلى تحرير العالم العربي كله وقيام الوحدة الشاملة.
 يعتبر كتاب الثعالبي حول  روح التحرر في القرآن من علامات تأثره بفكر محمد عبده حيث عكف فيه على دراسة وضع المرأة في الشريعة الإسلامية ،كما فعل قاسم أمين ولكن بجرأة أكبر، يقول الثعالبي:" فهذه المرأة التي لم تتعرف شيئا قط من الحياة، هل يمكنها أن تحسن التصرف؟ وهل يمكنها أن تعرف أي شيء عن العالم الخارجي؟ وهل يمكنها أن تدرك قيمة أو أهمية شيء ما؟"(9)
هكذا يدعو الثعالبي إلى تحرير "المرأة المسلمة" ويرفض الانزواء وشرط انفرادها بصحبة أحد المحارم ويحمل على منطق الوكالة والوصاية القانونية التي يمارسها عليها الرجل ويتناقض مع وجوب الستر والإخفاء والحجب تفاديا للفتنة والشذوذ وسوء الآداب ويربط ذلك بالكشف عن الوجه وحسن تربيتها وإعدادها إذ يصرح حول هذا الموضوع:"لو كان التعليم الإجباري واقعا مكتسبا لتمتعت المرأة بكامل حقوقها ولأدركت أنه لا وجود لأي نص يفرض عليها ستر وجهها ولا لأي نص يحكم عليها بالانزواء في بيتها كأنها في سجن ولعلمت أن من واجبها رعاية مصالحها ومصالح أبنائها والتفكير في مستقبلهم ومراقبة تعليمهم وتربيتهم وأنه من الضروري أن تتمتع بحقها في احتلال مكانتها في البيت وأن تأخذ نصيبها من حقها في الحياة ونور الشمس على قدم المساواة مع الرجل"(10)
2-من المغرب علال الفاسي(1910-1974م).

 "محمد علال الفاسي ولد يناير 1910م وتوفي عام 1974م. هو أحد رواد الفكر الإسلامي ، وبطل النضال الزعيم السياسي والمقاوم الصامد الأستاذ الخطيب الأديب محمد علال ابن العلامة الخطيب المدرس الكاتب المفتي عبد الواحد ابن عبد السلام بن علال الفهري نسبا، القصري ثم الفاسي مولدا ودارا ومنشأ.  "
"ولد علال الفاسي بفاس في أواخر شوال عام1326هـ ولما وصل إلى سن التمييز أدخله والده إلى الكتاب لتلقي مبادئ الكتابة والقراءة ، وحفظ القرآن الكريم ،فحفظه في سن مبكرة، وبعد ذلك نقله والده إلى المدرسة العربية الحرة الواقعة بحي القلقليين بفاس القديم ليتعلم مبادئ الدين وقواعد اللغة العربية. وفي عام 1338هـ التحق بجامع القرويين و حصل على الشهادة العالمية ، وبعد التخرج صار يقوم بدروس تطوعية في مختلف العلوم بجامع القرويين.".(11)
ألف علال الفاسي عدد ا كبيرا من الكتب في الأدب والتاريخ والإجتماع والسياسة. هذا زيادة على مجموعة من الخطب والمحاضرات والمذكرات السياسية والقصائد الشعرية والبحوث والمقالات المنشورة في أمهات الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الدورية.
يظهر الأثر الجلي لمحمد عبده على علال الفاسي في  كتابه "النقد الذاتي"الذي شرح فيه نظرة للإسلام شبيهة بنظرته. فانتقد الفكر الإسلامي والمجتمع الإسلامي ووضع مخططا للإصلاح، حدد فيه المنهج الفكري لمغرب المستقبل، متخذا من الحرية والفكر أساسا لكل نجاح، وداعيا إلى نشر حرية التفكير حتى لا يظل وقفا على طبقة معينة أو حكرا على فئة خاصة ومفندا للاتجاهات الفكرية الخاطئة حول القضايا الدينية والاجتماعية. كما انه وضع مفهوما للأمة على أنها" تنشأ عن العلاقة القائمة بين أرض معينة والشعب القاطن فيها، وعلى هذا فهناك أمة مغربية قائمة بذاتها، كونتها طبيعة الأرض والماضي، ولا يمكن فصل حياتها القومية عن تعاليم الإسلام .وما التفكير في فصل الدين عن المجتمع وفي إقامة الدولة العلمانية إلا من نتاج المسيحية واختبار أوروبا، وهو تفكير لا يمكن أن يظهر في المجتمع الإسلامي، وليس من حاجة لظهوره فيه"(12)
لقد رفض علال الفاسي فصل الدين عن المجتمع لأن الإسلام بالنسبة له قاعدة للتربية القومية الصحيحة وللنظام الشرعي الحديث، لهذا يجب أن يستمد القانون المغربي الإسلامي من الشريعة ومن عادات المغرب في آن واحد.
3-من الجزائر مالك بن نبي (1905- 1973م).
"مالك بن بن نبي، عالم ومفكر إصلاحي جزائري، ولد بمدينة قسنطينة في الجزائر، انتقلت أسرته وهو ما يزال طفلاً إلى مدينة تبسة، وهنالك دخل الكتّاب لحفظ القرآن الكريم إلى جانب مواصلته الدراسة في المدرسة الابتدائية، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية انتقل للدراسة في المدرسة الإعدادية التي تخرج فيها بتفوق؛ مما أهله للحصول على منحة لإكمال دراسته الثانوية في مدينة قسنطينة، وفي عام 1920 تقدم لامتحانات الدخول إلى المدرسة الثانوية ونجح فيها، وفي هذه المرحلة بدأت تتبلور أفكاره، فقد تأثر بالمناخ الثقافي العام الذي كان سائداً في منطقة الشرق الجزائري، التي بدأت تنتشر فيها روح الإصلاح والثقافة العربية، والاتصال بالمشرق الإسلامي، إضافة إلى تأثره بأفكار الشيخ عبد الحميد بن باديس الإصلاحية، وبما كان ينشر في بعض الصحف المحلية مثل «الشهاب» و«الإقدام» و«الإنسانية»."(13)
في عام 1930 عاد ثانية إلى فرنسا بعد فشل رحلته الأولى سنة 1925، "وحاول الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، لكنه لم يوفق في ذلك لأن الدخول إليه لا يخضع لمقياس علمي ـ كما يقول ـ وإنما لمقياس سياسي، ولهذا دخل مدرسة (اللاسلكي) ولكنه سرعان ما تحول عنها إلى مدرسة (الكهرباء والميكانيك) استجابة لنصيحة أحد أساتذته، ولاستعداداته النظرية التي يمتلكها، وفي عام 1935 أتم دراسته في الكهرباء والميكانيكا، إلا أنه لم يتمكن من إجراء الامتحان التطبيقي الضروري لتخرجه مهندساً."(14).
 "وقف ابن نبي حياته للإصلاح، وعمل في ميدان الفكر، ولم يعمل في مجال اختصاصه مهندساً كهربائياً؛ لأن شعوره بالخطر الاستعماري، والمعاناة التي عاشها مع شعب الجزائر؛ جعلته يجيب كل من يسأله: بلدي حالياً بحاجة إلى مفكر أكثر من حاجته إلى مهندس".  (15).
حذا بن نبي حذو محمد عبده فبدل جهودا متميزة لبناء الفكر الإسلامي الحديث ودراسة المشكلات الحضارية عموما. وهو من أوائل الذين حددوا منهجا في بحث مشاكل المسلمين على أساس من علم النفس والاجتماع والتاريخ "فعزا انحطاط الفكر والمجتمع إلى انحطاط الإنسان المسلم، مؤكدا أن الدين ، بعد ان يكون في عهد نموه مولدا للفضائل الإنسانية، يصبح في عهد انحطاطه، فرديا أنانيا يحول نظر المؤمنين عن المجتمع الإنساني. وبين مالك بن نبي أن العلامة الدالة على انحطاط الإسلام اليوم هي سيطرة الطرق الصوفية، وبروز ذهنية عاجزة عن التفكير ومقعدة خلقيا. ثم يقول أن مجيء أوروبا قد فسح المجال أمام المسلمين للتغلب على انحطاطهم وذلك بتحطيم نظامهم الاجتماعي الجامد. وتحريرهم من الاعتقاد بالقوى الخارقة والأوهام. لكن المدنية الغربية، وهي ذاتها في حالة انحطاط لم تتمكن من مد المسلمين بالأساس الضروري للفضائل الاجتماعية. هذا الأساس الذي يفتقرون إليه اليوم والذي لن يعثروا به إلا بإعادة بناء عقيدة الإسلام الحقيقة في الإنسان"(16)  
خاتمة
 اتفق الأعلام المشارقة والمغاربة الذين تناولهم العرض على فكرة أساسية ألا وهي احترامهم للعقيدة العربية الإسلامية. وظنهم  أنها مؤهلة للبقاء. فحاولوا تبيين إمكانية انسجام العالم الحديث مع الإسلام، وذلك بفهم الإسلام فهما جديدا، والدفاع عنه على ضوء مفاهيم عصر ساده علم النفس وطغت عليه النزعة الثورية في كل شئ. فجاءت أفكارهم لتاكد أن حرية الإنسان تتعدى كل تسيير اجتماعي واقتصادي.
لقد استطاع مشروع محمد عبده الإصلاحي، القائم على الدين، اللغة العربية، الإصلاح السياسي، و الإصلاح التربوي .أن يظم أبرز رموز المفكرين العرب في سعيه  إلى تحقيق الانتقال من المنتج الثقافي الغربي إلى فضاء الكيانية الإصلاحية العربية.
وتبقى موضوعاته الإصلاحية قائمة حتى اليوم رغم مرور أكثر من قرن على وفاته.

الهوامش:
(1)- ألبرت حوراني،الفكر العربي في عصر النهضة(1798-1939)الطبعة الرابعة،ترجمة كريم عزقول، دار النهار للنشر1986،ص175.
(2)- المرجع السابق ص 175.
(3) المرجع السابق،ص420
4) ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
5)"ألبرت حوراني،الفكر العربي في عصر النهضة(1798-1939)الطبعة الرابعة،ترجمة كريم عزقول، دار النهار للنشر1986،ص 421
6)" المرجع السابق،ص421
(7) جورج طرابيشي، المرض بالغرب تحليل نفسي لعصاب جماعي عربي،دار بترا ورابطة العقلانيين العرب، ص69، 2005.
 (8) ألبرت حوراني،مرجع سابق،ص421-422
 (9) عبد العزيز الثعالبي، روح التحرر في القرآن، ترجمة حمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1985.ص32
(10) عبد العزيز الثعالبي،مرجع سابق.ص32
11)موقع فلاسفة العرب http://www.arabphilosophers.com/Arabic/aphilosophers/amodern/amodern-names/aallal_elfasy.htm
12) ) ألبرت حوراني،مرجع سابق،ص443
(13)الموسوعة العربية  http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=9068&m=1
. (14) الموسوعة العربية  . http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=9068&m=1
(15). الموسوعة العربية  http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=9068&m=1
16)   ألبرت حوراني،مرجع سابق،ص443