الحضارة الأندلسية بين الخصوصية والتراث الإنساني ـ امحمد بن عبود

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

9-armasعلى الرغم من أنه قد يبدو أمراً غريباً غير أن معرفتنا بالتراث الأندلسي قد تكون أساسية لصياغة تصور جديد لحوار الثقافات في عالم تطغى فيه الأبعاد السلبية للعولمة. فتعايش الأديان الثلاثة في الأندلس يعتبر نموذجاً يحتذي به في حاضرنا المأهول بالإرهاب والعنف والظلم وانعدام التوازن على الصعيد العالمي بين الأغنياء والجوعى. وبالتالي فإن استيعابا عميقا للحضارة الأندلسية قد  يكون جوهرياً لفتح آفاق وتصورات جديدة في أفق تفاهم أكبر بين مختلف الحضارات. إلا أن الأمر لا يتعلق هما بابتداع ثقافة أندلسية وإنما باستيعابها بشكل أفضل لإغناء تصوراتنا الثقافية وتحقيق مستقبل أكثر أماناً وازدهارا، وأقلَ نزوعاً إلى الحرب. ذلك أن الحضارة الأندلسية ليست مبهمة أو غارقة في المثالية لأنها نشأت في بيئة ثقافية إنسانية وبالتالي فقد اتسمت بالحرب والدمار حيناً، وبالسلم والأمان والاحترام المتبادل أحياناً أخرى. ولذلك فلعل ثقافة القرن الحادي والعشرين لا تفتقر لشيء قدر افتقارها إلى اعتماد مقاربة بهذه الواقعية. فقد شهدنا بمجرد استهلال هذا القرن تصعيداً مفاجئاً للعنف قامت به جماعات إرهابية وجيوش نظامية. ومع أنه ليس من السهل إخماد نار العنف إذا ما اضطرمت، إلا أننا سوف نصلي ونعمل على تحقيق تعايش أفضل بين الشعوب وتفاهم أمثل، على الأقل بين المثقفين من مختلف المجتمعات على نهج أهل الفكر الأندلسي في القرن الحادي عشر بنجاح يتفاوت قدره من فترة إلى أخرى.


وبالنظر لما تتسم به من أصالة وخصوصية، كانت الثقافة الأندلسية  حضارة كونية، ورغم أن كيانها السياسي قد اندثر منذ خمسة قرون إلا أنها ما زالت حية في الذاكرة الجماعية للإنسانية جمعاء بمختلف تقاليدها وأديانها وثقافاتها وطرقها في التفكير والحياة. إن العلاقة بين خصوصية الحضارة الأندلسية والمجتمعات التي ترعرعت فيها من جهة، وبينها وبين بعدها الكوني من جهة أخرى قد تجلت بجلاء وانتظام على مدى الثمانية قرون التي تشكل تاريخ الأندلس. وتتميز هذه الحضارة المتفردة  في تجلياتها المختلفة والمتكاملة بكونها استطاعت البقاء طوال عدة قرون وبتوزعها على مختلف مناحي المعرفة، وكذا بالتأثير العميق في فضاء جغرافي واسع وحفاظها على حركيتها ودورها وقدرتها على التكيف والتجدد في سياقات اجتماعية وثقافية شديدة الاختلاف[1].
إن الحضارة الأندلسية، التي تميزت دائما بخصوصيتها وكونيتها، قد تمكنت من إثراء الفكر الإنساني بشكل يمكن اعتبارها معه نموذجاً قميئاً بالمساهمة في تحقيق تفاهم أفضل بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها. وسأحاول في هذه المداخلة أن أتطرق إلى خصائص الحضارة الأندلسية، وبوجه خاص في فترة ملوك الطوائف (القرن الحادي عشر) حينما ازدهرت رغم الحروب وتجزء الأندلس ككيان سياسي، ورغم الركود الاقتصادي. فقد ازدهرت الحضارة الأندلسية في هذه الحقبة بشكل لم يسبق له مثيل خلال الأوج الذي حققه بنو أمية في القرنين السالفين فبلغت أقصاها من التقدم الثقافي والفكري مع أعلام من قبيل ابن حزم وابن حيان وصاموئيل ابن غابيرول. وفي هذه المرحلة عمد وزير وحاخام يهودي لدى البربر الذين كانوا يحكمون غرناطة إلى نظم الشعر في وصف حملاته العسكرية عندما كان قائدا للجيش الزيري. كما عمل الأندلسيون المسيحيون، المستعربون، على رسم أيقونات للمسيح يرتدي ثياب الخلفاء. وابتدع المسلمون ثقافة متكاملة سواء في أصغر البلدات مثل (ميرطولة) في البرتغال، أم بالمدن الكبرى مثل قرطبة التي كانت عاصمة للأمويين ومركزاً حضريا مشهوداً على الساحة الدولية في تلك الحقبة
وقد تميزت الحضارة الأندلسية في القرن الحادي عشر، على عهد ملوك الطوائف، بخاصيتين تبدوان متناقضتين في الظاهر. الأولى فردية والثانية جماعية. فأعلام الثقافة في هذه المرحلة برعوا في مختلف مجالات المعرفة، ولا أدل على ذلك من أبي الوليد الباجي مثلا الذي كان عالما فذا ومشهوداً له كقطب من أقطاب المذهب المالكي، وابن زيدون الذي يعتبر شاعرا غنائيا متفردا بتشبيبه في محبوبته ولادة؛ وعبد الله ابن بولوجين الذي كان حاكما لغرناطة والوحيد الذي كتب مذكرات تعتبر اليوم من أهم المراجع في تاريخ الأندلس على مر ثمانية قرون وتمكن من الحديث عن القرن الحادي عشر بصيغة التكلم؛ والمعتمد ابن عباد حاكم اشبيلية وشاعر يعتبر رمزاً للثقافة الأندلسية وقد رثاه الشعراء في منفاه ولدى مقتله بأمر من السلطان المرابطي يوسف ابن تاشفين في سجنه بمنطقة أغمات، قريبا من مراكش، بعيدا عن محبوبته اشبيلية[3].
أما الخاصية الثانية فقد تمثلت في التقدم العلمي الذي وسم الحياة الثقافية لتلك الحقبة، حين سطع نجم علماء زاوجوا بين الفكر الديني والسلطة السياسية. فقد صوّر الشعراء بصدق فظاعة الواقع السياسي والاجتماعي لممالك الطوائف، كما أنّ تاريخ الشعر العربي الحافل صاغ بالتعبير الأمثل المشاعر الإنسانية في تعبيبريتها الأكثر خصوصية وكونية. لنا أن نذكر في هذا السياق مجالات معرفية مختلفة كالكتابة التاريخية مع ابن حيان، والجغرافيا مع البكري، والتشريع والرياضيات والزراعة والطب والفكر السياسي. وبصيغة أخرى فقد كانت الحركة الثقافية خلال القرن الحادي عشر ثمرة لتقدم العلوم الإنسانية والدينية والتجريبية بلغت به أوجاً لم يبلغه فيما قل، وهي في ذلك ثمرة للبذور الثقافية التي شهدها القرن العاشر في ظل الخلافة الأموية فكان لها انعكاس قوي على المسار الثقافي الذي تواصل في القرون التي تلت العهد المرابطي والموحدي سواء في الأندلس أم في مناطق أخرى من المغرب الكبير.
كما أنّ الحضارة الأندلسية تمكنت من التعبير عن التطور الحثيث الذي سجلته ثنائية بعديها الأكثر تمثيلية، الخصوصية والكونية.
أولا، لقد تحولت هذه الحضارة التي كانت في أساسها إقليمية ومحلية إلى حضارة كونية بفضل فرادتها  وخصوصيتها وحركيتها وثرائها وتنوعها. وإذا كانت الخصوصية المحلية للتقدم الثقافي في أندلس ملوك الطوائف محدودة، فقد كان هذا التقدم جزءاً من مشهد ثقافي أكثر شمولية وكونية.
ومن المثير للاستغراب أنّ الثقافة الأندلسية في عهد الطوائف لم تتجسد في سياقٍ سياسي قوي وموحد مثلما كان عليه الحال في عهد الخلافة الأموية خلال القرن العاشر، بل ازدهرت في وضع سياسي مفكك وفي فضاء جغرافي محدود طغت فيه الحروب والتهديدات العسكرية الخارجية والتراجع الاقتصادي وعدم الاستقرار الاجتماعي[4].
ثانياًَ، لقد شكلت العناصر المحلية للحضارة الأندلسية الوافدة من قرطبة واشبيلية وغرناطة و بلنسية ومالقة جوهر الهوية الثقافية الأندلسية. ومن جهة أخرى كان للتأثير الثقافي الخارجي – مثلما هو الشأن بالنسبة للعنصر العربي واليهودي والمسيحي واعتناق الإيبيريين للإسلام وهجرة عناصر عرقية جديدة – تأثيره في الانذماج الاجتماعي والتلاحم الثقافي الذي فسح المجال أمام ازدهار الثقافة باعتبارها عنصرا جوهريا لتشكل الهوية الأندلسية التي تأسست على غنى تنوعها وتطابق التوليد بين مواردها البشرية.
ورغم تهديدات حركة العولمة التي شهدتها تلك المرحلة فقد تمكنت الأندلس من طرح ثقافتها الخاصة والأصيلة. فالسياسة التوسعية التي نهجها ملك ليون وقشتالة ألفونصو السادس ضد ملوك الطوائف، والحرب السياسية والإيديولوجية التي شنتها الديانة الكاثوليكية، شكلت تهديداً للهوية الثقافية للأندلس واتجهت بها نحو موت بطيء وأليم. كما أن هذه الثقافة كانت مهددة خلال القرن الحادي عشر من الجبهة الجنوبية من طرف المرابطين بقيادة يوسف ابن تاشفين الذي اعتبرها حاجزاً أساسياً أمام قيام نموذج إسلامي تقليدي للدولة والمجتمع والثقافة. ومع ذلك لم تتمكن كل هذه الضغوط من  شلّ التقدم الثقافي في الأندلس بل  نجمت عنها ردود فعل عفوية أغنت الهوية الأندلسية.
ثالثاً، تتميز الثقافة الأندلسية عن باقي الثقافات المحلية في الغرب الإسلامي باعتبارها واحدة من الثقافات الأكثر حيوية وإنتاجاً في محيطها التاريخي. فالقرن الحادي عشر شهد  واحداً من الأعلام الأكثر إنتاجا وتنعكس قيمته الفكرية في مصنفاته العديدة التي شملت مجالات معرفية مختلفة كالفقه الإسلامي والسياسية والأدب. ويتعلق الأمر بابن حزم الذي لم تكن لمعرفته الموسوعية من مثيل في تاريخ الثقافة الأندلسية برمتها. وإلى جانبه نجد المؤرخ ابن حيان الذي يعكس مشروعُه للتأريخ الأندلسي دقة منهجية وصرامة علمية عالية، ويُشهد له كأهم مؤرخ للأندلس على مر الحقب. خاصة إذا ما علمنا بأن الكتابة التاريخية في إسبانيا المسيحية لم تكن قد رأت النور بعد، فأول كتاب عن تاريخ إسبانيا لم يصدر إلا في القرن الثالث عشر من وضع ألفونصو العاشر وسانشو التاسع.
رابعاً، كانت الثقافة الأندلسية ثقافة كونية لأسباب متعددة:
أ) كان بعدها المتعدد عنصرا جوهريا وملازماً لتطورها التاريخي. فباعتباره كيانا تاريخياً، تميز الأندلس بالتعدد داخل الوحدة. ولم يكن البعد الثقافي استثناءً في هذا السياق. فقد ساهم تعدد وتنوع العناصر العرقية داخل المجتمع الأندلسي وعلاقة الأندلس بمختلف الثقافات الأخرى واختلاف التأويلات إزاء التاريخ والثقافة الأندلسييْن في تشكيل صور متنوعة للأندلس ولثقافتها، وهي صور تطابقت حيناً وتناقضت أحيانا أخرى. كما ساهم هذا الاختلاف داخل الائتلاف في غنى هذه الحضارة وتعقد تجلياتها الثقافية مما أنتج صوراً يصعب أحياناً تحديد ملامحها في إطار منطقي منسجم. ولنا أن نقول إنّ تعدد الثقافة الأندلسية ليست عنصراً ملازماً للهوية الأندلسية فحسب وإنما عنصراً متميزاً باستمراريته بما أنه ظل مصاحبا لهذه الهوية على مر التاريخ الأندلسي.
هذه الحضارة التي تشكلت في جوهرها من عناصر ثقافية متنوعة وافدة من المشرق والمتوسط كانت قادرة على المساهمة في تطور ثقافات أخرى أثرت فيها بشكل جلي. ويبدو أكثر جلاء في علاقته بالمجتمعات المتوسطية على مدى قرون متعددة، وفي التفاصيل الأكثر دقة. فاللغة العربية مثلا كانت اللغة الأدبية والرسمية في أندلس القرن الحادي عشر، كما أنها كانت وسيلة التعبير الأساسية في حضارة قائمة على مبادئ السلام والتعايش والقيم المشتركة واحترام الآخر. لقد كان الأندلس فسيفساء ثقافياً.
ب) لقد حافظت الثقافة الأندلسية على حيويتها طوال خمسة قرون من الازدهار، منذ غزو غرناطة من قِبل الملكين الكاثوليكييْن عام 1492. وذلك ليس بمعنى صيانتها فقط وإنما أيضاً تطورها الذي تواصل حتى بعد الطرد النهائي للمسلمين ممّا أنتج مجتمعات بنفس التنوع والاختلاف مثل مجتمع تطوان في المغرب، أو زغوان في تونس، أو واد الحجارة في المكسيك، أو ليما في البيرو[5]. فقد ازدهرت هذه الثقافة في تطوان منذ إعادة بنائها على يد القائد الغرناطي سيدي علي المنظري أواخر القرن الخامس عشر وأوائل السادس عشر، كما ازدهر الفن الأندلسي في واد الحجارة.
ج) لقد تمكنت الحضارة الأندلسية من تحقيق طابع خلاسي عبر ثقافات محلية وإقليمية مختلفة ممّا أنتج قوالب وطرق تعبير جديدة شهدت عليها على مر العصور.
د) كما تمكن الفكر الأندلسي على مر العصور من صيانة قدرته على التجديد والتجدد. فابن حزم مثلا في القرن الحادي عشر كان صاحب "طوق الحمامة" الذي يعتبر أول كتاب من نوعه عن الحب.
ز) نفس الفكر حافظ على استمراريته وتطوره وعمق رؤاه. فابن حزم نفسه كان من اكتشف أنّ كوكب الأرض دائري الشكل. وفي القرن الموالي، الثاني عشر، دافع ابن رشد عن مساواة المرأة والرجل، وكتب ابن ميمون باللغة العربية، اللغة الكاشفة والأكاديمية، عن المسائل الدينية اليهودية.
إن الأهمية القصوى للثقافة الأندلسية إنما تُعزى لعامليْن أساسييْن. الأول أن الأندلسيين كانوا واعين بأهميتهم بالنسبة لهويتهم الثقافية الجماعية، وهذا ما تؤكده الرسائل التي ألفها ابن حزم وابن غارثية للدفاع عن المواطن الأندلسي. أما العنصر الثاني فيكمن في أنّ هذه الأهمية كان معترفاً بها من قبل الآخر انطلاقاً من زوايا نظر ثقافية مختلفة. وقد نما هذا التقدير الخارجي للقيم الثقافية الأندلسية على مر القرون اللاحقة، ولا أدل على ذلك من أنّ إعجابنا بهذا التراث مازال حياً نابضاً. قس على ذلك أن ثقافات وديانات مختلفة ما فتئت تطالب بحقها في هذه الثقافة الأندلسية ممّا يشكل دليلا آخر على قدرتها الخارقة على البقاء حية ونابضة. نذكر من هذه المجتمعات مثلا قبائلُ Anillara بشمال المغرب، واليهودُ الأندلسيون الذين استقروا في فينيزويلا، والسكانُ الأصليون لمدينتي الرباط وسلا ومالقا وإشبيلية ورندة، وكلهم يعتبرون أنفسهم ورثة للحضارة الأندلسية. وذلك أسمى تعبير عن ثراء الحضارة الأندلسية وتنوعها الغني.
لقد حققت الثقافة الأندلسية في القرن الحادي عشر تطوراً لم يحدث له مثيل حتى في المغرب الذي يقع على حدودها الجنوبية، ولا في الممالك المسيحية الواقعة على شمالها، وكان هذا التطور بالأساس لغويا واجتماعيا وإنْ كان هناك تطور موازٍ على مستوى المدن الواقعة على الطرق التجارية. وهذا في الوقت الذي كانت فيه الممالك المسيحية مثل مملكة ليون وقشتالة مجتمعاتٍ عسكريةً دون أدنى تقاليد ثقافية عمرانية تُذكر. من هنا التناقض البيّن بين محدودية التراث الثقافي والتطور العميق للثقافة الأندلسية ذات العمران المتقدم في الأندلس.
في هذا السياق نطرح بعض الأسئلة التي تبدو لنا مشروعة من قبيل: لماذا تأثرت الثقافة الأندلسية بالمشرقية بشكل لم تتأثر به المغربية رغم أنها أكثر قرباً من المشرق؟ لماذا تأخر مسيحيو الشمال نحو قرنين في التعرف إلى المدنيّة؟ إنّ مساهمة المورد البشري أساسية للإجابة عن مثل هذه الأسئلة لأنها من أهم ما ميز الحضارة الأندلسية عن جاراتها في الشمال والجنوب.
فمن ناحية أولى، تطورت اللغة العربية المكتوبة في الأندلس بدرجة قصوى في القرن الحادي عشر، في وقت كانت فيه الإسبانية تقتصر على التعبير الشفوي دون أي تقليد مكتوب باستثناء اللاتينية التي كان استعمالها يقتصر على الشؤون الدينية. ونفس الشيء في المغرب حيث كانت تُتداول اللهجات البربرية فيما تقتصر اللغة العربية على الشوؤن الدينية والقانونية.
ومن ناحية ثانية، فقد نجم عن تطور اللغة العربية نتاجٌ فكري وفير بلغ أوجه في القرن الحادي عشر مع ظهور المعاجم السيرذاتية والمختارات الأدبية والمذكرات الشخصية والمصنفات التاريخية والقانونية وما إلى ذلك... ولم يكن لهذا المتن الثقافي الأندلسي أن يتحقق لولا تقدم الحواضر الكبرى، وخاصة قرطبة التي تعتبر العاصمة الثقافية للأندلس.  ومن خصائص النتاج الثقافي الأندلسي في هذه الحقبة نذكر:
حرية الفكر والتعبير التي سمحت بصياغة فكر أندلسي ذي بعد كوني. فابن حزم مثلا كان نموذج المفكر الموسوعي في المشهد الثقافي الأندلسي في تلك الفترة.
تطور النقد في الساحة الثقافية والسياسية، وابن بسام – الذي صنف مختارات أدبية للقرن الحادي عشر– كان ناقداً أدبياً متمكناً. كما تمت ملاحقة بعض المثقفين بسبب أفكارهم المثيرة للجدل.
تنوع العناصر الثقافية وتلاحمها داخل فضاء ثقافي منظم، حيث إن الأندلسيين كانوا على اتصال بأحدث التيارات الثقافية سواء من المشرق أم تلك الوافدة من الإمبراطورية البيزنطية.
كما أن الاتصال الدائم للأندلس بالمشرق وانفتاحه على ثقافات أخرى ساهم في إثراء الثقافة الأندلسية وجعلها ثقافة متعددة.
يضاف إلى ذلك أن المستوى الثقافي الذي كان يتمتع به ملوك الطوائف، مثل المعتمد ابن عباد، ساهم في تطور الثقافة الأندلسية في القرن الحادي عشر. وذلك في مقارنة مع  ما تقوله المصادر التاريخية عن الملك ألفونصو السادس، والذي يبدو رجلا جاهلا، شديد القسوة ومتوحشاً[6]. غير أنه لا شك في أن العامل الذي ساهم في تطور الثقافة الأندلسية إنما يكمن في الوعي والإيمان العميق الذي كان يتمتع به الأندلسيون أنفسهم بثقافتهم.
إن أهمية الثقافة الأندلسية جلية وغنية عن أي تمجيد، إلا أن المثير للاهتمام هو أن تطورها خلال القرن الحادي عشر تزامن والسياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي المتدهور، وهذا ما يُفسَرُ بكونها كانت ثمرة رد فعل المفكرين والعلماء إزاء هذه المقتضيات التاريخية. مما يدعونا إلى طرح الأسئلة التالية: كيف يمكن لنا ربطُ هذه الظروف التاريخية بالدور الذي قد تضطلع به الثقافات الإقليمية في سياق العولمة، سواء في أمريكا اللاتينية أم في قارات أخرى؟ وكيف يمكن استخدام الثقافة في مواجهة المشاكل التي تفرزها العولمة والتي تهدد بلدان العالم الثالث؟ ثم كيف يمكن مواجهة العنف للحصول على سلام دولي؟


 
[1] ) للاطلاع على مختلف مناحي الحضارة الأندلسية يمكن العودة إلى:
·                     M.Benaboud: « El papel polيtico y social de los ulemas en Al-Andalus durante el periodo de los Taifas », Cuadernos de la historia del Islam, N°11, pp. :198
·                     « Old and New Conceptions of Al-Andalus », Revue d’Histoire Maghrébine, N°, pp: 198.
·                     « Historiography in Al-Andalus during the period of the Taifa States », 5° Century A.H../11°A.D., Hesperis-Tamuda, N°    pp :198.
·                     M. Benaboud, « Religious Knowledge and Political Power in Al-Andalus during the period of the Taifa States », (Saber religioso y poder politico en el Islam
ضمن أشغال ندوة دولية عُقدت في غرناطة في أكتوبر 1991 ونشرت مداخلاتها في مدريد عام 1994، س39-52.
[3] ) عن ثراء المراجع الأندلسية بخصوص القرن الحادي عشر يمكن العودة إلى: « Twenty Years of Research »، تطوان، 1997.
[4] ) M’Hammad Benaboud, « Economic Trends in Al-Andalus during the Period of the Taifa States, 5°century A.H./11°A.D. » in Hespéris-Tamuda, vol   pp.198/
[5] ) ويبدو التأثير الأندلسي في هذه المدن جلياً في أشكالها العمرانية. انظر في هذا الصدد:
*« Tétouan entre la spécificité et le patrimoine universel, acte de la rencontre… » Rabat, direcciَn de Arquitectura, 2001.
* « Tetuلn patrimonio cultural de la humanidad, una medina en CD-ROM » 2ed, Rabat, 2001.
[6] ) Tom Dury, « The Image of Alfonso VI and his Spain »
أطروحة غير مطبوعة في جامعة برينستون، 1973.