محاولة تطبيقية على مناظرة السيرافي ومتى - اشريف مزور و رشيد الأمين

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أ- تقديـم:
رغم كل ما يوجه إلى نصوص التراث من انتقادات من قبل البعض، فلاشك أنها مازالت تزخر بالعديد من الجوانب المضيئة، خاصة عندما نتناول بعضا من نماذجها الحوارية، والتي تعكس بقوة عمق الإشكاليات والمواضيع المختلف بشأنها في العصور الإسلامية الأولى.
ولعل المناظرات التي جرت في ذلك الإبان بين مختلف شرائح المثقفين تشكل مادة جديرة بالدرس، في هذا الإطار سنتناول نموذجا واحدا هو المناظرة التي جرت بين أبي سعيد السيرافي النحوي وأبي بشر متى بن يونس القنائي المنطقي سنة 326هـ في مجلس الفضل بن الفرات وزير المقتدر، والتي أوردها أبو حيان التوحيدي في كتاب "الإمتاع والمؤانسة" في الليلة الثامنة (الكتاب مقسم إلى موضوعات تحمل رقم الليالي التي تبلغ الأربعين ليلة) نقلا عن علي بن عيسى الرماني بإملائه.

من المفيد التنبيه إلى أن أسلوب المناظرة لا يختلف كثيرا عن الأسلوب الذي كتب به مؤلف "الإمتاع والمؤانسة"، مما جعلنا نتساءل حول تنميق أو زيادة أو نقصان من لدن أبي حيان حتى يغلب موقف طرف على آخر، لكننا سنتعامل مع نص المناظرة الموجود بين أيدينا كما لو كان هو الحوار الحقيقي الذي جرى في مجلس الوزير ابن الفرات.

ب- فحوى المناظرة:
بدأت المناظرة بدعوة الوزير ابن الفرات للحاضرين-وفيهم السيرافي- قائلا: "ألا ينتدب منكم إنسان لمناظرة متى في حديث المنطق، فإنه يقول لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل... إلا بما حويناه من المنطق وملكناه من القيام به واستفدناه من واضعه على مراتبه وحدوده، فاطلعنا عليه من جهة اسمه على حقائقه" ([1]).
بعد موافقة التصدي لمتى تقدم إليه السيرافي بالسؤال التالي: "حدثني عن المنطق ما تعني به ؟ فإنا إذا فهمنا مرادك فيه كان كلامنا معك في قبول صوابه ورد خطئه على سنن مرضي وطريقة معروفة"([2]). فلما أجاب متى بأن المنطق آلة من آلات الكلام التي يعرف بها صحيح الكلام من سقيمه، وفاسد المعنى من صالحه كالميزان([3])، انتهز السيرافي هذا الجواب مشنعا على متى على اعتبار أن النظم والإعراب هما اللذان يحددان صحيح الكلام من سقيمه، ويذهب السيرافي أبعد من ذلك عندما يفترض أن المنطق وإن عرفنا بالراجح من الناقص، فإنه لا يسعفنا في معرفة جوهر الموزون أو خصائصه أو صفاته([4]). أضف إلى ذلك أن المنطق اليوناني ينبغي أن يبقى مقصورا على من أنتجه واستهلكه فلا يلام الترك أو العرب إن لم ينظروا فيه ولا يلزمهم حكما أبدا([5]). هنا اعترض متى معتبرا أن الناس في المعقولات سواء ومن ثمة يلزمهم المنطق جميعا؛ أفليس إضافة أربعة إلى أربعة يساوي ثمانية عند جميع الأمم([6]). إلا أن السيرافي لم يقتنع بهذه الحجة معتبرا أن المطلوبات بالعقل ليست واضحة ولا يمكن التوصل إليها دون معرفة اللغة، متهما متى بالتمويه بهذا المثال([7]). من هذا المنطلق حكم السيرافي على متى بكونه داعيا إلى تعلم لغة اليونان، وليس إلى تعلم المنطق([8]). ولم تفت الفرصة السيرافي للتنبيه على التحريف الذي قد تلحقه الترجمة بمقاصد النصوص الأصلية وعلوم الأوائل، وقد رد متى بكون الترجمة حفظت الأغراض وأخلصت الحقائق([9]).
ثم جعل السيرافي بعد ذلك يسأل متى عن أمور في النحو؛ كسؤاله عن أحوال الواو وصيغ التفضيل وغيرها، إلا أن متى لم يستطع الجواب عن هذه المسائل، بل حاول أن يدافع بأداة مماثلة قائلا: "لو نثرت أنا أيضا عليك من مسائل المنطق أشياء لكان حالك كحالي" ([10]). هذه العبارة أثارت اعتراض أبي سعيد لأن المعيار عنده في التعامل مع الجمل هو صحة اللفظ ووضوح المعنى، وإلا فإنه لا يبالي بما عدا ذلك.
وبعد أن اعتبر السيرافي الغاية من استعمال مصطلحات المنطق هي التهويل، دعا متى إلى تمثل الفرق بين المنطقي والنحوي مع تفضيل هذا الأخير([11]).
وانتهت المناظرة بتقرير أبي سعيد بأن ما جاء من اليونان يضحك الثكلى ويشمت العدو. ويضيف التوحيدي بأن ابن عيسى قال: "وتقوض المجلس وأهله يتعجبون من جأش أبي سعيد الثابت ولسانه المتفوق ووجهه المتهلل وفوائده المتتابعة"([12]). فيما حكم الوزير على كلام السيرافي بأنه مبيض للوجوه مند للأكباد وهو طراز خالد لا يبليه الزمان ولا يتطرق إليه الحدثان([13]). ويبدو أن انتهاء المناظرة على هذا النحو يعكس شكلا من أشكال إعلاء الموروث ورفعه وحط الوافد ووضعه.

ج- مدى تقيد المتناظرين بأخلاقيات ومنطقيات المناظرة:
إن تأمل الإطار النظري الذي يدعي ضبط المناظرة يجعلنا نستشف أنه أقرب إلى المثالية منه إلى الواقعية، ومع ذلك فهو ضروري ونافع، فما لا يدرك كله لا يترك جله، فإذا كان المناطقة أثناء حديثهم ومناقشاتهم لا يلتزمون بما هو مسطر في رسائلهم المنطقية(*)، فإن المتناظرين لا يستثنون من هذه القاعدة إلا لماما، فالواحد منا يسلم من الوجهة النظرية بالحق في الاختلاف، لكن لا يلبث أن يعرض عن هذا متى انتقل إلى مستوى التطبيق، بأن يوقف هذا الحق في اتجاه واحد، فيتحول إلى سلطة معرفية كل من خالفها فهو عدو ومكابر ومنحرف... ([14]). وقد تبين لنا هذا في مناظرتنا قيد الدرس.
إن تناولنا لهذه المناظرة وقراءتها على ضوء المعطيات النظرية المؤطرة للحجاج والتناظر جعلنا نرصد مجموعة من الملاحظات نجملها فيما يلي:
أ- إذا عمدنا إلى إفراغ المناظرة من مضمونها المعرفي وأدلتها المادية واكتفينا فقط بقالبها أو بهيكلها الشكلي، فإننا سنحصل على ما يلي:
- ثم واجه متى فقال: ... (سأله عن تعريف علم المنطق / ثلاثة أسطر)...
- قال متى: ...(يعرف علم المنطق/ثلاثة أسطر)...
- قال أبو سعيد: أخطأت... (الاعتراض على دور المنطق / ثلاثة أسطر)... وهبك (بيان بعض مواطن عجز المنطق/ ستة أسطر) فأنت كما قال الأول ... قد ذهب عنك شيء ها هنا ... (التأكيد على خصوصية منطق يونان / ثمانية أسطر)...
- قال متى: ... (التأكيد على عمومية المنطق / ثلاثة أسطر)...
- قال أبو سعيد: ...(الاعتراض على مثال متى / ثلاثة أسطر) موهت... ولكم عادة بمثل هذا التمويه... (إلزامية تعليم اللغة/ ثلاثة أسطر).
- قال: نعم.
- قال: أخطأت قل بلى.
- قال: بلى.
- قال: ...(الترجمة لا تحفظ المعاني/ ستة أسطر).
- قال: ...(يجيب متى أن الترجمة تحفظ الأغراض/ سطران)... قال أبو سعيد: إذا سلمنا ... فكأنك تقول (لا حجة إلا عقول اليونان/ ثمانية أسطر)...
- قال متى: ...لا ...(تأكيد متى على عناية اليونان بالبحث الفلسفي والعلمي/ أربعة أسطر)...
- قال أبو سعيد: أخطأت وتعصبت ونلت مع الهوى ...(تأكيده على أن العلم مبثوث في العالم جميعا /عشر أسطر)... وهذا جهل وعناد (اليونان كغيرهم يخطئون ولو بمنطقهم /ثمانية أسطر)...هذا محال... فامسح وجهك بالسلوة... لو فرغت بالك لعلمت أنك غني عن المنطق /ستة أسطر.
- قال: ...سطر واحد...
- فقال:... نعم/ سطر واحد.
- قال أبو سعيد: ...سطر واحد.
- قال متى: سطر واحد.
- قال أبو سعيد: سطر واحد.
- قال متى: سطر واحد.
- قال أبو سعيد: ...(يسأله عن أحوال الواو/ أربعة أسطر)... فبهت متى.
- وقال: ...(هذا نحو وليس منطقا/أربعة أسطر).
- قال أبو سعيد: أخطأت... (تجريح متى في منطقه/ ستة أسطر)... وقد بقيت أنت بلا اسم لصناعتك/ أربعة أسطر.
- قال متى... (المنطقي يحتاج فقط الاسم والفعل والحرف/ سطران).
- قال أبو سعيد: أخطأت ...(المنطقي بحاجة إلى اللغة/ سطران)... كذلك أنت محتاج/ ثلاثة أسطر... وأصحابك ورهطك في غفلة عنه/ أحد عشر سطرا.
وحدثني عن قائل قال لك... (منطق لا يغير من وضع الأنا/ سبعة أسطر)...وحدثني عن حكم الواو، فإنني أريد أن أبين أن تفخيمك للمنطق لا يغني عنك شيئا وأنت تجهل... وهذه رتبة فوق العامة بقدر يسير... سمعكتم تقولون.../عشرون سطرا .
- قال ابن الفرات: أيها الشيخ الموفق أجبه بالبيان حتى تكون أشد في إفحامه/ سطر واحد.
- قال أبو سعيد: ... (يشرح معاني الواو /عشرة أسطر)...
- قال ابن الفرات: أكان هذا في منطقك؟
- قال أبو سعيد: ... يسأله في مسائل لغوية/  سطران ...
- قال صحيح.
- قال فما تقول/ سطر واحد.
- قال: صحيح.
- قال: فما الفرق بينهما/ سطر واحد. فبلح وجنح وغص بريقه.
- فقال أبو سعيد: أفتيت على غير بصيرة ولا استبانة ... غافلا و ذاهلا /ثلاثة أسطر.
- قال متى: ما هذا التهجين؟
- قال أبو سعيد: إذا حضرت استفدت، ليس هذا مكان التدريس هو مجلس إزالة التلبيس مع من عادته التمويه والتشبيه والجماعة تعلم أنك أخطأت/ سبعة أسطر.
- قال ابن الفرات: تمم لنا الكلام حتى يكون التبكيت عاملا في نفس أبي بشر.
- فقال: ... / سطر واحد
- قال ابن الفرات: ...
- قال أبو سعيد: ... (يوضح الفرق بين جملتين/ ثلاثة عشر سطرا)...
- فقال ابن الفرات:... جل علم النحو عندي...
- قال أبو سعيد: ... (يشرح معاني النحو/ عشرة أسطر)... إنما دخل العجب على المنطقيين/ ثلاثة أسطر.
ثم أقبل فقال:....(يفسر التركيب اللغوي/ستة اسطر)....
- قال ابن الفرات:.....سله عن مسألة أخرى حتى يتبين ضعفه/ سطران
- قال أبو سعيد...:(يسأله عن مسائل نحوية/ سطران)....
- قال: ما لي علم بهذا النمط / سطر واحد
- قال: لست نازعا عنك حتى يصح عند الحاضرين انك صاحب مخرقة وزرق / سطر واحد.
- قال متى: لو نثرت/ سطر واحد.
- قال أبو سعيد: أخطأت ... رددته عليك... وضع لكم في الفساد ... ما وجدنا لكم ... وأمثلة لا تنفع ولا تجدي وهي إلى العي أقرب وفي الفهاهة أذهب.
ثم:... في منطقكم على نقص ... وقد سمعت قائلكم يقول... وهذا كله تخليط وزرق وتهويل ورعد وبرق/ أربعة عشر سطرا.
وإنما بودكم... وغايتكم أن تهولوا. وهذه كلها خرافات وترهات ومغالق وشبكات... وهذا أبو العباس قد نقض عليكم ... وبين خطأكم... ولم تقدروا أن تردوا عليه وهذا منكم عجز ونكول وكلول... وأنتم عنها في سهو... دعوى أصحابك وهذيانهم ...
•    قال قائل ... هات الآن آيتك الباهرة ومعجزتك القاهرة وأنى لك ... فقد بان الآن ... لحقرت نفسك وازدريت أصحابك ... أليس الكندي وهوعلم من أصحابك يقول... حتى وضعوا له مسائل غالطوه بها ... وهو مريض العقل فاسد المزاج مائل الغريزة... جوابه على غاية الركاكة والضعف والفسالة والسخف... ما يضحك الثكلى ويشمت العدو ويغر الصديق/ سبعة وثمانون سطرا.
ب- بناء على هيكل المناظرة يتبين لنا أن أبا سعيد قد استأثر بالحديث (حوالي 286 سطرا مقابل 20 سطرا لمتى أي ما يعادل 94% من المدة التي استغرقتها المناظرة). ويبدو أنه قد لاقى دعما من الجمهور الحاضر خاصة تدخلات الوزير ليدعمه. ولعل هذا ما يجعلنا نفكر في كون مجلس المناظرة قد أعد سلفا للتهجم على المنطق "الدخيل" والانتصار للنحو "الأصيل"(!!!!). وهذا ما يدل على عدم توزيع أدوار الكلام بشكل متوازن مما يعزز عدم تكافؤ المتناظرين.
ج- من الناحية الأخلاقية والمنطقية، تخل هذه المناظرة بما سطرناه سابقا في التقويمين الخارجي والداخلي لعملية التناظر، ويظهر ذلك بالخصوص في انعقادها في مجلس هيبة تم تهييء فيه الأجواء للاحتفاء بالمأصول وذم المنقول، ويظهر بأن السيرافي قد أخل بمطلب الاختصار عندما اتجه بالنقاش صوب مسائل اللغة عوض التركيز على ادعاء متى "لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل... إلا بما حويناه من المنطق..." ([15])، وهو ما بدا لنا حيلة (الهروب عن المسألة فيعمد إلى التركيز على أمور ثانوية لا تعلق لها بالمقصود)، لاسيما عند استحضار تدخلات الوزير غير ما مرة طالبا من النحوي (المانع) حل الألغاز اللغوية التي فشل متى (المدعي) في الإجابة عنها، بل والثناء عليه ومدحه([16]) (القضايا المعروضة في المناظرة تتكئ على المواضعة اللسانية العربية أو على الاستعمال اللغوي العربي). وعلاوة على ذلك، تتسم اللغة التناظرية للسيرافي بطابع ازدراء الخصم والتشهير به أمام الحاضرين وتخطيئه (أخطأت، موهت، تعصبت وملت مع الهوى، وهذا جهل وعناد، أنت وأصحابك ورهطك عنه في غفلة، ما هذا التهجين، لست نازعا عنك حتى يصح عند الحاضرين أنك صاحب مخرقة وزرق...) وتعجيزه معرفيا فيما هو غير مطروح للتداول "أسألك عن حرف واحد، وهو دائر في كلام العرب... فاستخرج أنت معانيه من ناحية منطق أرسطاطاليس الذي تدل به وتباهي بتفخيمه، وهو (الواو)، ما أحكامه؟ وكيف مواقعه ؟..."([17])، و "أنت تجهل حرفا واحدا في اللغة التي تدعو بها إلى حكمة يونان، ومن جهل حرفا أمكن أن يجهل حروفا، ومن جهل حروفا جاز أن يجهل اللغة بكمالها، فإن كان لا يجهلها كلها ولكن يجهل بعضها، فلعله يجهل ما يحتاج إليه ولا ينفعه فيه علم ما لا يحتاج إليه، وهذه رتبته العامة أو رتبة من هو فوق العامة بقدر يسير..." ([18]).
ومما يدعو إلى الاندهاش حقا هو ارتكاب السيرافي لبعض الهنات المعرفية والمنهجية، وسكوت متى عن ذلك، أليس من أدب الجدل "ألا تسامح الخصم إلا في موضوع تعلم يقينا أن المسامحة فيه لا تضرك"([19]) و "عدم التقصير في تنبيه الخصم وإعلامه ما يظهر من مناقضاته في كلامه حتى لا يضيع الحق"([20]) ؟ !
فمنهجيا ذكر أبو سعيد نقائص المنطق واتهم المناطقة بأنهم تكلموا في الشعر والخطابة وما عرفوا حقيقتهما، وهيبوا الآخرين من ألفاظ الجنس والنوع والخاصة...([21]) وهذا حكم مطلق إذ كان عليه تحديد أسماء المناطقة الذين يقلل من شأنهم ومن شأن معقولاتهم، وفي ذات الإطار قام باستقراء ناقص (في العلم التجريبي الاستقراء يكون دوما ناقصا فما الذي يبرر الانتقال من حالات جزئية إلى قانون عام ؟) عندما قرر أن "من جهل حرفا أمكن أن يجهل حروفا، ومن جهل حروفا جاز أن يجهل اللغة بكمالها"([22]).
أما معرفيا فبعد أن فرغ السيرافي من طرح الأسئلة حول الألفاظ وعجز أبو بشر عن الإجابة عليها، عمد إلى وضع أسئلة حول المعاني العقلية، فاستفسر منه عن رأيه في صحة قول "زيد أفضل إخوته، أو "زيد أفضل الإخوة"، فأجاب المنطقي بجواز القولين، ولم يوضح النحوي إلا بعد إلحاح الوزير قائلا "زيد من أفضل إخوته" غير جائز، لأن إخوة زيد هم غير زيد وزيد خارج عن إخوته، أما "زيد من أفضل الإخوة" فجائز وصحيح([23]). برأينا يفهم من العبارتين أمر واحد هو أن زيدا يمتاز عن إخوته بخصال حميدة وصفات جيدة.
وتابع أبو سعيد تهجمه على المناطقة، فهم على رأيه، ادعوا أنهم أتوا بالسحر عندما قالوا: إن "أ" جزء "ب" و "ج" جزء "ب" إذن "أ" جزء "ج"، ولا واحد من "أ" في كل "ب" و "ج" في كل "ب" إذن لا واحد من "أ" في كل "ج"([24]). القياس الثاني هو تحديدا الضرب الأول Cesare من أضرب الشكل الثاني من القياس الحملي. وهو قياس صحيح. أما القياس الأول ففاسد لأن مقدمتيه جزئيتان. ومما يثير الاستغراب هو صمت متى عن هذا الخطأ (المتعمد أو عن سهو) إذ لم يبد أي تعليق مما يجعل الترجيح يذهب في اتجاه قصدية السيرافي التقليل من شأن المنطق.
يسهم السؤال في توسيع بؤرة الحجاج في المناظرة، باعتبارها فعالية استدلالية خطابية تنبني على عرض رأي أو الاعتراض عليه، وتروم إقناع الغير بصواب الرأي المعروض أو ببطلان الرأي المعترض عليه. وتنطلق مناظرتنا من دعوى متى " [المنطق] آلة من آلات الكلام يعرف بها صحيح الكلام من فاسده"([25]) لتتفرع إلى قضايا فرعية نتيجة الاستطراد والإطناب. إلا أن هذا التعريف اتخذه أبو سعيد حجة لتهفيت موضوع المنطق ودوره بحيث لم يفحصه أو يطالب مناظره بدليل على ادعائه، ومعلوم أن الدعوى المجردة عن الدليل تجيز للسائل (السيرافي) المطالبة بالتدليل عليها وهو شيء لم يقم به صاحبنا.
كما يستعمل السيرافي تقنية الافتراض الجدلي إذ يجاري خصمه في جزء من طرحه (دور المنطق في الفصل بين الراجح والناقص)، ثم ما يلبث أن يبين نقائص فكرته وعدم إمكانية تعميمها أي استخدام النقض التفصيلي، فإذا جاز استخدام المنطق للفصل بين الأمور لم يصح معرفة جوهر الموزون وقيمته وسائر صفاته التي يطول عدها([26]). وبين الفينة والأخرى نجد أبا سعيد يستعمل حجج السلطة Arguments de pouvoir كأبيات الشعر والأمثال المأثورة.
جر السيرافي خصمه "بحنكة" إلى مجال النحو أو لنقل إلى ميدان عدم اختصاصه (متى) واتهامه بأنه يبيت النية بالدعوة إلى تعلم اللغة اليونانية. وهنا أفصح عن شكه في إمكانية الاعتماد على كل ما ترجم من اليونانية إلى السريانية فالعربية، وخاصة أن اللغات لا تتوافق مع بعضها من كل الجوانب، كما ليست لها قدرة واحدة على التعبير. وبرأينا يبقى شك أبي سعيد بأن الترجمة العربية لا تتفق مع الأصل اليوناني، من غير دليل أو سند أي مكابرة في اصطلاح أهل المناظرة. وهذا ما يجعل شكه بعيدا عن الموضوعية، إنه أقرب إلى الشك المذهبي منه إلى الشك المنهجي.
تجدر الإشارة إلى أن أبا بشر حاول استخدام ما يسمى بالحجة المكافئة L’argument équivalent عندما قال لأبي سعيد "لو نثرت لك أيضا من مسائل المنطق أشياء لكان حالك كحالي"([27]) لكن دون جدوى، فمحاوره سحب منه هذه الحجة عندما سبقه إلى توظيف هذه المصطلحات ليصف من خلالها المنطقيين بالتهويل والتمويه.
ويذهب أبو سعيد إلى استعمال دليل واقعي مقارنا بين المنطق في بعده النظري وبين أهميته العملية، ناظرا إليه على أنه لم ولن يغير شيئا من العالم، كما أنه لا يقدر أن يخرج مشركا عن شركه، وهو ما بدا لنا مسا بديانة متى المسيحية([28]).
ويظهر بجلاء أن الهدف من المناظرة هو تبكيت وإفحام متى ومنطقه، وهذا ما يذكره الوزير وأبو سعيد وناقل المناظرة.
وإذا كان السيرافي قد وظف حق الاعتراض على دعوى مناظره، فإن الأخير قد جرد من حقوق الرد (باستثناء ما أثبته من أنه رغم انقراض أهل يونان منذ زمان، فإن الترجمة قد حفظت الأغراض وأخلصت الحقائق، وحتى هنا قد اتهمه السيرافي بالتعصب لليونان) غصبا، ولذا من الصعب جدا الحديث عن انتهاء المناظرة إلى بيان الصواب والحق بقدر ما انتهت إلى غلبة أحد  الطرفين في جو احتفالي. وبما أنها تخل بأخلاقيات ومنطقيات المفاعلة الجدلية جاز لنا وصفها بالمناظرة المذمومة التي تجعل من مقصدها غير التعاون على الوصول إلى اليقين.
رغم تقويمنا هذا الذي قد نجانب فيه الصواب، فإنه مما لا ريب فيه أن هذه المناظرة مازالت تزخر بطاقة عجيبة على العطاء المعرفي مهما بعد عنا الزمن الذي أنتجت فيه، وقد شكلت مادة خصبة لتعدد التأويلات من لدن المعاصرين (على غرار القدماء الذين انتصروا لطرف منها على آخر كالفارابي تلميذ أبي بشر الذي دافع عن أهمية المنطق والفلسفة، فيما ذهب فقهاء من بينهم ابن تيمية والسيوطي إلى الهجوم على كل دخيل منطقا كان أو فلسفة)، لاسيما في ضوء ما استجد في سماء اللسانيات والحجاج والمنطق الحواري (ظاهرة اختلاف القراءات بخصوص حدث أو مادة تراثية تفردت الهيرمينوطيقا Herméneutique ببسط القول فيها، ففهم شيء مكتوب لا يكون البتة إعادة إنتاج شيء ماض. إن الفهم -القراءة- يتداخل حاصله من المعنى مع ظروف الحاضر). ونرى من المناسب الإشارة إلى تباين قراءتي رائدي الفكر الفلسفي المغربي الجابري وطه عبد الرحمان لهذه المناظرة، فالأول في دفاعه عن القول البرهاني رأى في السيرافي نموذجا بينا عن العقل البياني الذي يلتمس قياس المماثلة، بينما الثاني وجد في النحوي يقظة فكرية وانتباها مبكرا إلى المسلكيات التداولية، بل إنه ترجم هذه المناظرة إلى الفرنسية وجعلها ملحقا لرسالته في الدكتوراه.
د- تأويلات لهذه المناظرة في الفكر المغربي المعاصر:

د-1- الجابري وقراءته للمناظرة:
عمل الجابري في إطار نقده للعقل العربي على تقسيمه ثلاثا: عقل عرفاني مستقيل وعقل برهاني اعتمده الفلاسفة العقلانيون وعقل بياني متمحور حول النحو واللغة العربية، التي يدعي الجابري أنها منتوج الأعرابي وتعبيره عن أشياء العالم، دليله في ذلك المصادر النحوية التي تؤكد أن اللغة العربية إنما جمعت من أفواه الأعراب([29]).
بناء على ذلك، واستنادا إلى مواقف الفيلسوف هيردر J.Herder الذي يقول إن اللغة تحدد نمط تفكير أهلها، يجيز الجابري لنفسه استنتاج أن الفكر العربي في عمقه حسي لأنه يعكس صورة العالم البدوي، وبذلك لا تسعفنا لغتنا العربية في التعبير عن المفاهيم الفلسفية المجردة كما عبر عنها أهل يونان([30]).
وفي تعليقه على هذه المناظرة، فإنه يراها تفسر بوضوح الاختلاف بين مقولات أرسطو ومشتقات النحاة العرب، ويرى فيها مرافعة شديدة اللهجة من قبل السيرافي الذي ركز على نقطة واحدة هي المضمون المنطقي للنحو العربي(النحو منطق ولكنه مسلوخ من العربية، والمنطق نحو ولكنه مفهوم باللغة) وبالتالي استغناء هذا الأخير عن مقررات الجدل اليوناني([31]).
ويعتبر الجابري أن أبا سعيد لم يقدم أمثلة توضح التعارض بين النحو والمنطق، بل اكتفى بأمثلة رام من خلالها إفحام خصمه وإظهار عدم معرفته باللغة العربية([32]). بل إن الأمر عند الجابري يتعلق بفشل العقل البياني العربي في استدماج المعطيات البرهانية اليونانية وهي مهمة نجح فيها أبو الوليد بن رشد عندما تصدى لطروحات المتكلمين والفلاسفة على السواء، فاصلا القول فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال

د-2- طه الرحمان ومنظوره التداولي
من المعروف أن المناظرة ممارسة حجاجية شأنها في ذلك شأن باقي الأجناس اللغوية التي تستهدف التأثير في السامعة([33])، والحجاج عامة دراسة للتقنيات الخطابية الموصلة إلى استثارة أو تقوية مقدار ميل النفوس إلى الدعاوى التي نعرضها عليها بغية التصديق بها([34]).
قد لا نبالغ إن قلنا بأنه مع انبعاث وتطور الدرس الحجاجي المعاصر برزت القيمة النوعية للإبداع العربي الإسلامي في التقعيد لأساليب الجدل والمناظرة، وقد أولى المعاصرون عناية جادة لدراسة هذا الإسهام العربي الإسلامي، وكدليل على ذلك ما يذكره المتخصص في الحجاجيات CH.Plantin من أن أهم ما أنجز في القرن 20 في موضوع الحجاج مصنف أصول الفقه لمحمد بن عبد الوهاب الذي يبقى كتابا تمهيديا في هذا المجال([35]).
يعتقد طه بأن العقل متكوثر، وبالتالي فلكل لسان ميزانه الخاص، وهذا ما لم يدركه الفلاسفة المسلمون الذين يرون أن التفكير الفلسفي متوحد بالرغم من تعدد التعبيرات اللغوية([36]).
إضافة إلى ذلك يرى هذا الباحث أن انخراط ابن رشد في شرح كتب نقلت إلى العربية جعله يبعد عن الحقائق الأصلية التي رامها أرسطو. في هذا الصدد يورد صاحبنا شرح ابن رشد لمقولات الأورغانون الأرسطي من خلال نصوص مترجمة ميزتها الركاكة والاستغلاق([37]). إلا أن هذا الشرح يحتاج لتقويم لساني حديث؛ يتعلق الأمر بالاستفادة من دراسة بنفينيست Benveniste لمقولات اللغة ومقولات الفكر، حيث يرى هذا الأخير أن المقولات الأرسطية إنما هي تجريد لمقولات الصرف والنحو اليونانين، ولو أن ابن رشد ارتفع بهذا الأسلوب التجريدي إلى درجة التكيف مع مقتضيات اللسان العربي، لعالج موضوع المقولات بغير معالجة أرسطو لها([38]) .
وفي نظر طه عبد الرحمن، فإن أبا سعيد السيرافي قد تنبه إلى هذه المسألة عندما قرر بأدلة قوية أن المنطق اليوناني لا يلزم باقي الأقوام، لأنه لا يمكن أن يمتد إلى مجالات تداولية غير التي نشأ فيها أصلا. ناهيك على أن أبا سعيد فطن إلى أن الترجمة تحرف المعاني خاصة وأن السريانية توسطت عملية النقل بين الإغريقية والعربية (جوهر الحكمة ضاع في طريق الترجمة )، وأن النقول أضعف من الأصول مبنى ومعنى لأن اللغات تتباين فيما بينها اصطلاحا وتركيبا.
ولا يبعد أن يكون لهذه المناظرة دور في انطلاق الاشتغال بالتقريب اللغوي للمنقول المنطقي (بحسبه نجح السيرافي في إبطال دعاوى خصمه الثلاث، شمولية المنطق، استقلاليته، صناعيته) خاصة مع الفارابي في كتاب "الحروف" وبالأخص مع ابن حزم في منهجيته الاختصارية ("التقريب لحد المنطق...") ([39]) (*).                                         ورغم تحديده لأصول الحوار وأخلاقياته وجعله المناظرة ممارسة أصيلة تمتد إلى القرآن الكريم، واحتكاكه الطويل بالنفس الوضعي المباطن لمدارس التحليل اللغوي وفلسفة اللغة، فإننا نعدم حديثا له عن تهجم السيرافي على متى المنطقي وإخلاله بشروط الحوار البناء.
وقد بدا لنا بعد تناول هذين الموقفين أنهما استعادا نص المناظرة لأسباب وهموم (إيديولوجية) مختلفة إلى الحد الذي يجعلنا نشكك في إمكانية قيام حوار بناء (مناظرة) بين رواد الفكر المغربي رغم انخراطهم في نفس الإشكالية متمثلة في منهج دراسة التراث.
ويرى الباحث عبد القادر قنيني –في سياق تقديمه لكتاب جورج لايكوف اللسانيات ومنطق اللغة الطبيعي- أن مشروع الدفاع عن منطق اللغة الطبيعية الذي أنجزه بعض علماء اللسان المعاصرين لم يكن غائبا عن علماء النحو والبلاغة والمنطق في لغتنا، وأبرز مثال على ذلك هو هذه المناظرة التي تدور على بناء البلاغة وتأسيسها على المنطق، وكل هذه المحاولات تدل على الشعور العميق بإمكان إيجاد منطق للغة الطبيعية وبأن اللغة الواحدة ليس لها منطق واحد وإنما ضروب كثيرة من النحو والمنطق معا.
لكن النحو في الاعتبار العربي ظل هو معرفة صحيح النطق والتكلم وليس طريقا للتفكير، بينما التصور المعاصر يرى أن البنية النحوية للجملة والبنية المنطقية لها تكاد تكون واحدة، وأن القاعدة العقلية تتفق مع القاعدة النحوية، وهذا الاتفاق ليس صدفة بل إنه راجع إلى بنية الفكر ذاته. وإذا صح ذلك ارتفع مستوى المعرفة المستنبطة من قواعد اللغة العربية إلى معرفة يقينية لا راجحة أو ظنية فقط كما تبدى ذلك لعلماء النحو والأصول العرب([40]).
 
[1] - التوحيدي أبو حيان، الإمتاع والمؤانسة، الجزء الأول، صححه وضبطه وشرح غريبه أحمد أمين وأحمد الزين، دار مكتبة الحياة بيروت لبنان، د.ت، ص 108.
[2] - نفسه، ص10.
[3] - نفسه، ص109.
[4] - نفسه، ص109.
[5] - نفسه، ص110.
[6] - نفسه، ص111.
[7] - نفسه، ص111.
[8] - نفسه، ص111.
[9] - نفسه، ص 111.
[10] - نفسه، ص 122.
[11] - نفسه، ص ص 124-125.
[12] - نفسه، ص 128.
[13] - نفسه، ص 128.
* -يرى طه بعد الرحمان أنه من الضروري التمييز بين المنطق كأداة للوصف، والمنطق كموصوف لهذه الأداة، فأحد المستويين طبيعي نحتكم فيه إلى التجربة العملية، والآخر صناعي تحكمه قوانين صورية رياضية، وقد غاب هذا التمييز على البعض فاعتقدوا أن ما يحويه المنطق الصناعي من تحسيب رياضي هو نفسه ما به نفكر عمليا، فقاسوا به مقتضيات الخطاب الطبيعي وصنفوا به المتكلمين فئات بحسب درجات التزامهم المزعوم بما هو صناعي. طه عبد الرحمن، في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثالثة، 2007، ص 30.
[14] - حسان الباهي، الحوار ومنهجية التفكير النقدي، إفريقيا الشرق، 2004، ص ص 13-14.
[15] - أبو حيان التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، مرجع سابق، ص 108.
[16] - نفسه، ص 117- 118-120-122.
[17] - نفسه، ص 114.
[18] - نفسه، ص 117.
[19]- محمد أيت حمو، "الجدل واستيلاد اليقين"، مجلة المنهاج، عدد 59، السنة 15، خريف 1431هـ/2010م، ص 188.
[20] - الجويني، الكافية في الجدل، وضع هوامشه خليل المنصور، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1420هـ/1999م.ص 322.
[21] - التوحيدي، الإمتاع والمؤانسة، مرجع سابق، ص 123.
[22] - نفسه، ص 117.
[23] - نفسه، ص 118-119-120.
[24] - نفسه، ص 123.
[25] - نفسه، ص 109.
[26] - نفسه، ص 110.
[27] - نفسه، ص 122.
[28] - نفسه، ص 125.
[29] - محمد عابد الجابري، سلسلة مواقف، عدد 15، دار النشر المغربية، ط 1، مايو 2003، ص 60.
[30] - نفسه، ص 60.
[31] - محمد عابد الجابري، التراث والحداثة، دراسات.. ومناقشات، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثالثة، بيروت، أيار/مايو 2006. ص 149.
[32] -  محمد عابد الجابري، سلسلة مواقف، مرجع سابق، ص 62.
[33] -  Ch. Perelman et L.O.Tyteca. traité de l’argumentation, la nouvelle rhétorique, by éditions de l’université de Bruxelles, 1970. p. 28.
[34] -  Ibid,  p. 5.
[35] - Christian Plantin, l’argumentation, In que sais-je ? P.U.F, 2005, p. 109.
[36] - طه عبد الرحمن، اللسان والميزان، والميزان أو التكوثر العقلي، المركز الثقافي العربي، الطبعة 1، 1998 ص319.
[37] - نفسه، ص328.
[38] -  طه عبد الرحمن، اللسان والميزان، مرجع سابق، ص 341. لكن يبدو أن استناد طه عبد الرحمن إلى بنفينيست لا يجعلنا نشايعه ما يقول لاسيما عند استحضارنا نظرية شومسكي N.Chomsky التي مؤداها أن اللغات تختلف في بناها السطحية فقط ولا يمتد الأمر إلى البنى العميقة التي هي مشتركة عند الجميع بله فطرية.
[39] - طه عبد الرحمان، تجديد المنهج في تقويم التراث، المركز الثقافي العربي، الطبعة 3، 2007. ص 331.
* - قد يكون من المفيد أن نسجل ملاحظتين هنا بخصوص أصالة المناظرة عند طه عبد الرحمان. فقد ذهب الباحث محمد مرسلي إلى وقوع طه تحت تأثير ابن خلدون عندما ربط بين المناظرة الإسلامية وأصول الفقه بدل ربطها بالمنطق في عمومه وبالجدل والخطابة الأرسطيين منه تحديدا. ولذا فالمناظرة بحسبه من صميم الممارسات الحوارية التي عرفها اليونان. محمد مرسلي. فن المناظرة مدارات فلسفية، مجلة الجمعية الفلسفية المغربية، كلية الآداب الرباط، دار أيت رقراق للطباعة والنشر، عدد 19، 2010، ص ص 6-7. وينبغي مراجعة مقولة المجال التداولي الذي جعل منه طه عبد الرحمن مصفاة للأفكار، وتحيينه وفق تطور المعارف حتى لا يتحول إلى معيار جامد وثابت، فهو إطار معرفي وقالب ثقافي يتعين أن يكون مرنا، فهو في العصور الوسطى غيره في الحديثة وإلا أصبح سياجا دوغمائيا. وقد يكون التشبث بالمجال التداولي العربي الإسلامي وراء ترجمة طه للكوجيطو بـ "انظر تجد"، والحال أنه لا يجوز التخلي عن صيغة المتكلم في الكوجيطو لأنها الركيزة الأم لكل الفلسفة الحديثة بما هي إقرار بمركزية وفاعلية الذات الإنسانية في الفكر الحديث (الوظيفة التأسيسية للذات). محمد سبيلا، متى يعود زمن الإبداع الفلسفي ؟ مدارات فلسفية، مجلة الجمعية الفلسفية المغربية، الهلال العربية للطباعة والنشر. العدد 1. 1998، ص ص 180-181.                            
[40] - جورج لايكوف، اللسانيات ومنطق اللغة الطبيعي، ترجمة عبد القادر قنيني، أفريقيا الشرق، 2008. ص ص 6-7.