اليهود المغاربة ما بين وعود الصهيونية السياسية والحركة الشيوعية والنضال الوطني (4) - محمد أبرقي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

"هناك ثلاثة عناصر ضرورية للإجابة على هذا السؤال: المكان، والزمان، والهوية...وأعتقد الآن أن التجربة الشيوعية كانت على صعيد المتخيَّل والبعد الوجودي بمثابة انفجار تحطمت معه كل الحدود، وكنا وقتئذ في حضرة ما يشبه الشفق القطبي وأمام نوع من الولادة" إدمون عمران المالح ،حوار مع ماري ريدوني،2005 .
اختارت المؤرخة ألما راشيل هيكمان لهذا الفصل، من كتابها شيوعيو السلطان الذي ترجمه إلى اللغة العربية المؤرخ المغربي خالد بن الصغير(2023)عنوان "الفرص والاحتمالات، الحرب العالمية الثانية وانتماء المغاربة اليهود" ويشمل تقديما ومقاطع سردية تاريخية جاءت تباعا كالتالي :
*المغاربة اليهود وفرنسا: 1939-1940
*نظام فيشي في المغرب وإخلاف الوعود
*اللاجئون و"غير المرغوب فيهم"
*عملية الشعلة وتحولات الديناميات العالمية
*الشيوعية والصهيونية والحركة الوطنية ما بعد عملية الشعلة
*خلاصة .
وضعت الباحثة تحقيبا تاريخيا للقضايا التي عرضتها في هذا الفصل يمزج في تركيبه التاريخي، وبتوليفة سردية تشتمل على الكثير من الذهاب والإياب، ما بين اللحظات المفصلية في تتبعها لموضوع اليهود المغاربة وصراع الاختيار في التجربة السياسية والانتماء، وتأثيرهم، ثم تأثرهم، بالأحداث الكبرى ذات الطابع العسكري "الحرب العالمية الثانية وإنزال الحلفاء بالمغرب" والسياسي " نظام وحكومة فيشي بمغرب الحماية الفرنسية" والإيديولوجي " المد الشيوعي الهائل بعد اندحار النازية" ثم الاجتماعي-الاقتصادي " حصار ومقاطعة الأعمال والأنشطة الاقتصادية لليهود والعمل القسري" .

لقد مثّل إنزال الحلفاء يوم 08 نونبر 1942 بالدار البيضاء، بتنسيق ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وابريطانيا، نقطة تحول، ومنعطفا رئيسيا، سواء في مسار المواجهة الحربية وجبهاتها، أو في الصراع ضد الحركات السياسية اليمينية العنصرية للفاشية والنازية، أو في مخاض النضال من أجل الاستقلال والتحرر المغربي من ربقة الاستعمار الفرنسي.
أما في الصلة بالإشكالية التي تعالجها المؤرخة هيكمان، فقد كان إنزال الحلفاء بالدار البيضاء، وما جاء به الأمريكيون من وعود ونوايا التعاون سواء لفائدة المغرب أو لصالح الأقليات والشعوب وحقها في التخلص من الاضطهاد وتقرير مصيرها، مناسبةً لانتقال اليهود المغاربة من وضعية الرعية التي "لا صوت لها" إلى الجهر بالمطالب، والانضمام العلني للمنظمات والعمل السياسي، والنضال العمالي .
فقد أثار إنزال قوات الحلفاء، وما أعقبه من قصف، امتد أيام 08-11 نونبر1942،ضد الحامية العسكرية التابعة لنظام فيشي وتحت إشراف محلي بالمغرب للمقيم العام "نوكيس"، التفاؤلَ وتعدد الفرص أمام اليهود المغاربة، والانتقال إلى سؤال الانتماء السياسي، والإحساس بالوطنية المغربية، والبحث عن إجابة لمسألة مستقبل اليهود في المغرب .
لذلك تدعو المؤرخة إلى القيام بإعادة تحقيب اللحظات الفاصلة في التاريخ اليهودي المغربي ومكانة اليهود داخل أوطانهم وخارجها منذ هذه المرحلة.
فإذا كانت الغالبية من اليهود المغاربة قد اختارت الابتعاد عن العمل السياسي ومشاكله(ص134) فإن هذا لم يمنع من ميلاد الطموح لاستغلال الفرص السياسية المتاحة منذ إنزال الحلفاء ونجاح عملية الشّعلة، وهو ما سيتأكد من بداية الانضمام للحزب الشيوعي المغربي، والتحاق شخصيات من النخبة الحضرية المشبعة بالثقافة الفرنسية وقيم الجمهورية بركب النضال السياسي اليساري، كان من بينها :
-أبراهام السرفاتي الذي نشأت علاقته الأولى بالوعد الأمريكي، وبالنضال، حينما كان يعمل حارسا ليليا في مرافق ميناء الدار البيضاء( ص174) وكان أحد المغاربة اليهود الذين بادروا إلى التعبير عن تأييدهم القوي للأمريكيين وقوات الحلفاء قبل أن يتحول لاحقا إلى معسكر الشيوعية المناهضة للإمبريالية.
- جرمان عياش الذين تطوع لمساندة فرنسا الحرة والحرب في الجبهة الإيطالية(ص182) ودعَمَ تحويل الروح النضالية إلى مطالب وطنية.
- إدمون عمران المالح الذين تولى تدبير شؤون الحزب الشيوعي المغربي سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، قادما إليه من عمله النضالي في وحدة صناعة السيارات (فياط) بالبيضاء، قبل أن يتخلى عن المسؤولية الحزبية في المكتب السياسي ويتابع "غواية" الفكر المتحرر في عزلته الطوعية مع الكتابة والنصوص الروائية.
- روني سلطان الوافد من الجزائر بجنسية فرنسية (مرسوم كريميوه) ويمثل لحظة التضحية السياسية، من داخل انتمائه للحزب الشيوعي، لانتزاع الاعتراف بالحقوق التي صادرها نظام فيشي من اليهود المغاربة واللاجئين من أوربا نحو شمال إفريقيا، حين التحق للخدمة في الجندية إلى جانب قوات فرنسا الحرة حيث أصيب بجروح في ألمانيا كانت تبعاتها سببا في وفاته بالبيضاء سنة 1945.
- علي يعته المغربي المسلم من أب جزائري وأم مغربية، وخريج ثانوية ليوطي بالبيضاء، والذي استطاع تولي القيادة السياسية في الحزب الشيوعي المغربي منذ 1949 وبقي في منصب الأمانة العامة حتى وفاته سنة 1997،وتمكن من ربط الحزب بقضايا النضال الوطني المغربي في أبرز محطاته منذ ما بعد تقديم وثيقة الاستقلال، وقد كان إلى جانبه صهره المستقبلي ليفي شمعون.
ترى الباحثة بأنه إذا كانت طائفة من اليهود المغاربة قد تجاوبت مع دعوات الحركة الصهيونية خاصة بعد تأسيس إسرائيل سنة 1948،وعلى الرغم من جهود الرابطة العالمية لليهود التي كانت أنشطتها ومجالات عملها تسعى لتحقيق المواطنة لليهود داخل الأوطان التي يوجدون بها، فقد كان الحزب الشيوعي المغربي الخيار السياسي المميَّز والمقنِع لليهود الذين يفكرون في الكيفية التي قد تسعفهم في التحول إلى مواطنين يهود في دولة وطنية مغربية مستقلة(ص189) وإن كانوا أقلية لكنها أقلية قوية وذات رمزية(ص188).
اتخذ منحى خروج اليهود المغاربة من الدائرة المغلقة التي يمثلها الملاّح داخل مورفولوجيا المدينة الاسلامية، والتحاقهم للانخراط بالمنظمات اليسارية والشبيبة الشيوعية بالمغرب، اتجاهات تأثرت بالظروف العامة الدولية خاصة تطورات الحرب العالمية الثانية، والظروف الداخلية بالمغرب تحت الإدارة الاستعمارية الفرنسية، وما طبعها من تبدل أحوال خاصة بالنسبة لمستوى النضال الوطني فترة الأربعينات والخمسينات، وأدوار السلطان محمد الخامس التي تجاوزت حدود الرمزية وظِلال الإقامة العامة إلى الفعل في الواجهة والمبادرة.
المغاربة اليهود وفرنسا 1939-1940.
عبّر اليهود المغاربة، وعلى غرار الموقف الذي اتخذه المخزن المغربي تقليديا في علاقته بالدولة الحامية، عن تأييدهم لفرنسا في مواجهتها للنازية، وولائهم لها ولقيمها التي كانوا يأملون منها اكتساب حقوق المواطنة الكاملة، وقد تجلى ذلك التأييد بشكل خاص في مبادرات الرابطة اليهودية بمختلف المدن المغربية الكبرى لدعم الجيش الفرنسي، ومؤازرة اللاجئين اليهود الأوربيين، وإطلاق ورشات حرفية يدوية لصناعة مستلزمات لصالح الجنود (قفازات صوفية-سترات..) بمشاركة مدارس الرابطة للفتيات، ثم الدعم المالي لليهود في مواجهتهم للنازية.
المفارقة هنا تكمن في أن تلك المشاعر الوطنية والولاء لدى اليهود المغاربة نحو فرنسا كان مقابلها هو النظر إليهم بمثابة "رعايا محميين" وعدم السماح لهم للتطوع والخدمة العسكرية بمبرر "عدم وجود فوج عسكري مناسب يمكن دمجهم فيه" (ص142) بينما ازدادت حدة معاداة السامية واتهام اليهود المغاربة باستغلال فرصة الحرب للاستفادة من الأعمال الاقتصادية والتجارية والمالية للاغتناء .

اليهود المغاربة مرحلة نظام فيشي 1940-1944 .
مثّل انهزام فرنسا أمام الألمان، وتوقيع الهدنة يوم 22يونيو1940، بداية سياسة نظام فيشي داخل فرنسا وفي مستعمراتها، ومنه التخلي عن القيم التقليدية للجمهورية التي جاءت بها ثورة 1789 وصار شعار "العمل، الأسرة، الوطن" بديلا لشعار جمهورية الأنوار والحقوق والمواطنة، وازدادت مظاهر التعاون مع النازيين بما فيها معاداة المنظمات اليسارية والشيوعية، والتحريض ضد اليهود داخل أوربا وخارجها، حيث بدأ المقيم العام "نوكيس" بتنفيذ تشريعات فيشي، والتنصيص عليها قانونيا في الجريدة الرسمية (نونبر 1940وغشت1941) و تقييد ولوج اليهود المغاربة للتعليم خارج مدارس الرابطة اليهودية بمنحهم نسبة 10 في المائة (وهو ما كان سببا مثلا في حرمان أخت ابراهام السرفاتي من التعليم) ثم حصر حقهم في الولوج لمهن الطب والمحاماة والخدمات القانونية(تخصيصهم نسبة 2 في المائة، بل سيحرم بعض من كان منهم يمارس المحاماة سابقا مثل روني سلطان).
علاوة على القيود القانونية ، تميزت مرحلة فيشي بالمغرب بالتحريض الرسمي والشعبي لاستعداء اليهود المغاربة والنظر إليهم بصفتهم عدوا استغلاليا مشتركا(ص145) يتحمل مسؤولية المعاناة الاقتصادية، بل ومسؤولية مآسي الحرب الأهلية الاسبانية، وقد ساهمت الآلية الدعائية المنظمة (الرابطة المناهضة لليهود بطنجة) في انتشار المعاملة العنصرية ضد اليهود المغاربة، وتجميعهم داخل أحياء الملاّح في ظروف اجتماعية وصحية صعبة، والتضييق على تحركاتهم داخل المغرب وخارجه، وتشديد الرقابة عليهم لمنعهم من الحصول على تأشيرات الهجرة (نحو دول ابريطانيا والولايات والبرازيل) إضافة إلى منعهم من تأسيس التنظيمات السياسية أو عقد تجمعات سياسية، واستغلالهم في مخيمات ومعسكرات العمل القسري وأشهرها كان شرق المغرب( بير كَنت/ عين بني مطهر) والتي يشرف عليها فيلق عسكري ممن يعادون اليهود، ومعهم عساكر الكَوم المغاربة وجنود المشاة السينغاليين(ص160) مع تشديد الحصار على مبادرات الجمعيات الخيرية اليهودية .
كان لتلك الأوضاع دور في بروز عدد من المحاولات لطلب المعاملة الاستثنائية ورفع التقييد خاصة من اليهود الذين استفادوا سابقا من التجنيس (روني سلطان) أو كان لأسرهم دور في العلاقة مع فرنسا الحامية منذ القرن 19 (التاجر ريمون بن سمحون بفاس الذي استقبل جده جودا بن سمحون الرحالة شارل دو فوكو وساعده على القيام بمهمته تحت قناع حاخام) .
لقد شكلت المرحلة مناسبة لتأسيس خطاب تاريخي وطني صار بمثابة أسطورة وطنية(ص149) حول إنقاذ السلطان ليهود المغرب على الرغم من محدودية مجال فعله السياسي، وتأكيد العلاقة التّمَلُكِيّةِ بين المخزن واليهود المغاربة، وحمايتهم كرعايا بعدما أخلفت فرنسا فيشي وعودها.

إنزال الحلفاء بالدار البيضاء وخيارات اليهود المغاربة ما بين الشيوعية والوطنية والصهيونية .
كان إنزال الحلفاء في البيضاء يوم08نونبر1942 بقيادة "إيزينهاور" بمثابة منعطف في مجريات الأحداث الدولية والإقليمية والوطنية، ومعه برزت تحولات سياسية فارقة استمرت آثارها إلى مراحل ما بعد الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشرقي .
ترى المؤرخة أن إنزال البيضاء" عملية الشّعلة" (طورش) دشّن، بالنسبة لليهود المغاربة، فترة الأسئلة الوجودية حول الانتماء السياسي، والاختيار ما بين الانخراط في الكفاح الوطني لأجل الاستقلال، أو الهجرة والتجاوب مع دعوات الصهيونية السياسية خاصة بعد تأسيس إسرائيل1948،كما أنه أعطى الضوء الأخضر لتدخل الولايات كفاعل رئيسي في المنطقة ومجالها الحيوي المتوسطي بضفتيه الإفريقية والأوربية وعمقه الأسيوي.
تجاوز اليهود المغاربة الوضعية الضبابية (صهيونية- شيوعية) التي طبعت حقبة الثلاثينات، وانتقلوا إلى حالة يسود فيها معنى جديد للإحساس بالوطنية المغربية(ص133) بدل الاستمرار في التماهي المباشر مع فرنسا الحامية، وارتفعت حدة الاحتجاج لديهم ضد الفاشية وتشريعات فيشي بقدر ما التحقت الأقلية السياسية منهم، وفي أنشطة علنية من داخل المنظمات اليسارية والعمالية، بالحركة المناهضة للاستعمار والمطالبة بالتحرر، وترى المؤرخة بأن هذه اللحظة بعينها هي اللحظة التي بدأ فيها "يهودي السلطان" في حقبة ما قبل الاستعمار يشقّ طريقه للتحول إلى نموذج "شيوعيّي السلطان"(ص138).
انتهت علمية الإنزال العسكري للحلفاء وقصف البيضاء بعد توقيع هدنة 11نونبر1942،واستقبل اليهود المغاربة مجيء الأمريكيين إلى المغرب بالبهجة والاحتفالات وب "حماقة طائشة" (ص165) كما استقبله عموم المغاربة بالدهشة وهم يندفعون" للتحديق مَليّا في الأمريكيين" الذين يوزعون على الحشود علب الحلوى والسجائر وعلكة الشوينكوم(ص165) . وبدأت علميات الضغط لاستعادة الحقوق والاستفادة من حالة الضعف التي صارت عليها فرنسا والإقامة العامة بالمغرب، كما تضاعفت جرأة السلطان محمد الخامس سياسيا على مواجهة الإقامة العامة واستقبال قادة التنظيمات السياسية الوطنية والمطالبة بتحرير البلاد بعد اللقاء بالرئيس الأمريكي روزفلت، وحضور مؤتمر أنفا 14-24 يناير 1943. فقد كانت الجلسات بين محمد الخامس وروزفلت "تتم دون الحصول على موافقة المقيم العام نوكيس"(ص168) ونشأت شبكة علاقات بين المخزن والولايات المتحدة الأمريكية ومعها" صياغة خطاب وطني يتسم بدرجة عالية من القوة"(ص168) حول الدعم الأمريكي للطموح الوطني الاستقلالي لدى المغرب، ومعه خطاب تاريخي يعلي من دور محمد بن يوسف في حماية المغاربة المسلمين واليهود على السواء، وكانت مناسبة لتجدد أعمال الجمعيات الخيرية لرفع الاضطهاد عن اليهود وتحريرهم من أشغال معسكرات العمل القسري، والسماح لليهود بالعودة إلى أنشطتهم .
ساعدت ظرفية ما بعد إنزال الحلفاء، وإعلان الميثاق الأطلسي والتقارب المغربي-الأمريكي على انتقال مطالب الوطنيين سنة 1943 إلى مستوى الاستقلال والتنسيق في ذلك مع السلطان محمد الخامس، ومعها ازداد إشعاع التنظيمات الشيوعية عالميا، حيث ارتفع عدد المنخرطين في الحزب الشيوعي الفرنسي منذ 1945 لدوره في مناهضة الفاشية ودعم فرنسا الحرة(ص177) لكن موقفه بالنسبة للعلاقة ما بين فرنسا والمستعمرات شجع على التخلص من الارتباط السياسي بينه وبين الحزب الشيوعي في المغرب الذي صار يهتم أكثر بآلياته التنظيمية المستقلة سنوات 1943-1945 عبر المدن الكبرى بالمغرب، وقارَب عدد المنخرطين فيه 10.000عضوا، برزت في قيادته السياسية شخصيات من اليهود المغاربة والنخبة الحضرية المثقفة أمثال جرمان عياش، وعمران المالح، ثم ليفي شمعون، وأقبلت الأقلية من اليهود التي خاضت غمار العمل السياسي على الانخراط في الحزب الشيوعي ودعم الشبيبة الشيوعية (منهم ابراهام السرفاتي) وتنظيم التجمعات بمدن وقرى المغرب مرددة أناشيد "لامارسييز" والأممية الاشتراكية و" النشيد الشّريفي " المغربي (ص183) على الرغم مما شكله عائق اللغة الفرنسية أمام المغاربة في الالتحاق بالحزب.
بالمقابل كان جزء من الطائفة اليهودية تحت تأثير حملات الصهيونية السياسية وصحفها الصادرة في أوربا وفي البلدان المغاربية، وارتفعت حدة تلك الحملات بعد إنزال الحلفاء مستغلة ظهور تأييد عدد من الأمريكيين والبريطانيين لمشاريع الاستيطان اليهودي في فلسطين (ص184) وتكوين منظمات داعمة للصهيونية (الصندوق القومي اليهودي والمنظمة الصهيونية الدولية) .
أدى هذا الوضع في النهاية إلى تشكّل نوع من الازدواجية في الانتماء والاختيار، حيث تؤكد المؤرخة اعتناق "بعض المغاربة اليهود أفكار الحركة الوطنية المغربية عبر منظار الشيوعية العالمية"(ص188) بينما "انتهى الأمر بالكثير منهم إلى الارتماء في أحضان الصهيونية"(ن.ص) وإن أظهرت فترة ما بعد 1945 أوج انضمام المغاربة اليهود إلى الحزب الشيوعي المغربي الذي كان بمثابة "بوتقة ينصهر فيها التضامن بقوة مع النضال" بتعبير لفي شمعون .
بعد حلول سنة 1949 صار المكتب السياسي للحزب الشيوعي المغربي يضم أحد عشر عضوا ضمنهم خمسة مغاربة، ليواصل الحزب مغربة ذاته،وهويته،ومطالبه،وضمنه مغاربة يهود ومسلمون، إلى جانب باقي الهيئات الوطنية وهي تلج عهد النضال من أجل الاستقلال و"محاربة الإمبريالية بجميع أشكالها وتجلياتها"(ص195).
- يفرن 13غشت 2023 -