صباح عودة من العمل - قصة: رحال لحسيني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

حافلة بيضاء متوسطة الحجم، تتجاوز سور المدرسة وتتوقف، فتيات تترجلن، وبعدهن رجل، وواصلت طريقها.
الساعة تقترب من الثامنة صباحا.
إحداهن ينتظرها طفل في العاشرة تقريبا، يحمل حقيبة مدرسية. علامات الفرح بادية عليه.
الثانية، تتقدم شمالا في نفس اتجاه الحافلة، رفقة الرجل، يختفيان في زقاق داخلي.
* * *
الثالثة تتجه يمينا، نحو ساحة الحي.
البقال يسرع للجلوس أمام متجره، يفتحه باكرا لبيع خبز الصباح للموظفين وذوي المهن والعمال والعاملات الذين يغادرون بكثافة إلى وجهاتهم، والمتسكعين أيضا.
تطل من زاوية الزقاق.. أنفاسه مضطربة من جلوسه العاجل. تمر أمامه عابسة ومستعجلة، يتردد في إلقاء التحية عليها:
- صباح الخير.
(-... لا مجيب....)

تتجاوزه بخطوات نحو باب المنزل ذي الطوابق الثلاث، رجلاها تتراقصان، تلج بهوه الضيق.
تبدأ رحلة صعود تتعبها أكثر من ساعات العمل الليلي.
***
الطابق الأخير، الغرفة الثانية، زميلتها لا زالت تلازم سريرها، تلتمس منها الهدوء، وعدم فتح النافذة. تعرضت لأزمة صحية ألزمتها الفراش. طلب منها رئيسها عدم القدوم إلى حين إنهاء مدة الاستشفاء، يخشى نقل العدوى للآخرين.
لا تطيق المكوث في المنزل، المصنع كل حياتها، تعمل فبه وتضحك وقد تتواعد احيانا. لا أحد يسأل عنها هذه الأيام باستثناء صديقتها هذه.
* * *
صديقتها، ترمي حقيبة يدها وقفتها فوق الخزانة، تخلع كسوتها وتركض.
ترتدي كسوة قصيرة تظهر مفاتنها،
تدخل المطبخ المشترك بين الغرف الثلاث للشقة، تعد وجبة الفطور، قبل أن تنام.
قطعتا خبز وسط ثوب في كيس، وشاي وقطرات زيت. تتفادى الذهاب عند البقال في الصباح.
لا تمانع في الارتباط به، تفكر جديا في الاستقرار، تتمنى أن يكون لها منزل لاستقبال عائلتها، لا تستطيع استضافتهم هنا، بسبب الضيق وتعليمات صاحب العمارة.

غير متيقنة من نواياه تجاهها، تعتقد أنه يبحث عن التسلية فقط. أصبحت تشك في أن لديه أسرة في بلدته، تأخر كثيرا في العودة في مناسبة العيد الكبير هذه السنة.
عندما يشتد عنده الاكتظاظ، تذهب لاقتناء ماتريد.
* * *
الطفل لازال هادئا. يتقدم نحوها ويبتسم، يقبل خدها، تحتضنه قليلا ويتجه إلى مدرسته.
يرفع يده إليها ويلوح، ويقبل كفه اتجاهها.. ويدخل.
بعد الحصة سيلتقي بها، تكون قد نامت قليلا.
جارتهم غير موجودة، اعتمد على نفسه في فطوره ولباسه وأدواته.
أتت به من منزل عائلتها، يعتمد على نفسه حين تشتغل ليلا.
تلوح بيدها بدورها اتجاهه، تبادله التحية قبل دخولها.
انتقلت لمنزلها الجديد رغم قيمة كرائه المرتفعة، لقربه من محطة الحافلة والمدرسة.
أضافت إليها سيدة فيه، تتقاسم معها أعباءه. تنتمي لعائلة زوج صديقة لها تعمل في مصنع آخر بالحي الصناعي.
***
السيدات الثلاث قد تكن نائمات (وربما أيضا ذلك الرجل).
بعد ثلاث ساعات أو اكثر بقليل، يجهزن وجبات الغذاء، يقمن ببعض الأعمال المنزلية، ويشرعن في الإستعداد للذهاب إلى .. العمل.