الكتابة التاريخية عند جورج سبيلمان من خلال كتابه "أيت عطا الصحراء وتهدئة درعة العليا" ـ عبد الفتاح أيت ادرى

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

AitAtta 2222تقديم:
كان ضباط الشؤون الأهلية ينجزون أعمالهم وفق توجهات القيادة العليا، تبعا للغزو السياسي والعسكري والاقتصادي ،و تميزت أعمالهم بطابع استخباراتي وكان المقصود هو تقديم معلومات سياسية_احصائية_دينية بهدف استثمارها في التمهيد للاحتلال الفعلي . وقد برزت عدة أعمال على شكل منوغرافيات ل'' بلاد السيبة'' اهتمت بدراسة ميادين القوة والضعف لاستغلالها. وكان من أبرز ضباط الشؤون الأهلية الضابط جورج سبيلمان(Georges Spillmann) الذي خلف كتابا هاما بعنوان Les ait atta du sahara et la pacification du haut dra المنشور سنة 1936.

 إذن فمن هو سبيلمان؟وماهي مميزات كتابه أيت عطا وتهدئة درعة العليا ؟ وكيف ساهم بدراساته في احتلال درعة وإغناء البحث الميداني ؟



المحور الأول : التعريف بسبيلمان :

    هو ضابط من ضباط الجيوش الفرنسية إبان فترة الحماية قضى جل مساره العسكري والإداري ضمن هيأة ضباط الشؤون الأهلية، ولد في مدينة استراسبورك سنة  1899 يوم كانت تحت الحكم الألماني، وما إن اندلعت الحرب العالمية الأولى حتى التحق بالتراب الفرنسي وتخرج من مدرسة سانسير العسكرية، ثم إنه انتقل إلى المغرب سنة 1920 ليندمج في صفوف ضباط الشؤون الأهلية في منطقة مراكش، تعلم اللغتين العربية والأمازيغية وشارك في أعمال ''البّاسفيكاسيون'' في العديد من جهات الأطلس مبتدئا بناحية أزيلال سنة 1922، عيّن حاكما على بعض فرق آيت محمد وشارك في المفاوضات مع شيخ الزاوية الحنصالية ، ألحق سنة1924 بالقسم السياسي لدى الإقامة العامة، ثم عين حاكما على تلوات سنة1926، ثم انتقل إلى حكم ورزازات وقد قام جورج سبيلمان بأهم الأدوار الريادية حيث تعرف برّا وجوّا على مجرى وادي دادس واعلى مجرى وادي درعة وألفّ في ذلك أول مؤلفاته تحت عنوان المناطق غير المسلوكة لوادي درعة الصادر سنة   1929 معزرا اياه بكتاب عن اقليم وقبائل درعة العليا 1931[1].

وكان يصنف ضمن الضباط العسكريين الذين اطلق عليهم ''العلماء العسكريون'' إذ لاتنفصل لديهم الوظيفة العلمية عن الوظيفة العسكرية، وقد كان سبيلمان من واضعي ''سوسيولوجيا التوسع العسكري الفرنسي بالمغرب'' لهذا كانت الأوساط الاستعمارية الفرنسية تكن له اجلالا حقيقيا، إذ ساهم بدراساته  في تنوير ضباط الشؤون الأهلية[2].

وقد سارع سبيلمان إلى إنشاء مكتب للشؤون الأهلية سنة 1928 قرب قصبة الكلاوي. وقام باستصلاح مدرج لطائرتين من نوع(Berguet14) للقيام بمهام استخباراتية حيث تقوم بمسح المنطقة عن طريق الصور الجوية وكذلك مراقبة تحرك القبائل، وإضافة إلى هذا العمل الاستخباري كان سبيلمان يعزز ذلك برحلات استطلاعية في اتجاه درعة ودادس فكان يحرر التقارير قصد التمهيد للاحتلال[3].

خلف سبيلمان عدة مؤلفات حول درعة نذكر منها :
            - Les Pays inaccessibles du Haut Draa :
وهي عبارة عن مقالة طويلة أنجزها سبيلمان صحبة القبطانPennes
وتتكون هذه المقالة من حوالي 60 صفحة مصحوبة بخريطة عامة للجنوب المغربي وخريطة مفصلة للواحات الشمالية لدرعة ومجموعة من الصور الجوية لسواقي وقصور واحات مزجيطة وتينزولين وترناتة[4].


Districts et tribus de hautes vallées du draa:

 

نشر هذا الكتاب بباريس سنة1931 ضمن سلسلة Archives Marocaines وهو الجزء الثاني من المجلد التاسع في إطار الأبحاث التي أنجزت عن مدن المغرب الجزء الثاني من المجلد التاسع في إطار الأبحاث التي أنجزت عن مدن المغرب وقبائل المغرب.
يتألف الكتاب من دراستين ، احداهما خاصة بوادي درعة وقد قام بإنجازها جورج سبيلمان وتستغرق حوالي 200صفحة والثانية خاصة ببلاد تودغة واميضروا شرق صفرو أنجزها الضابط بوربرو Beaurpreتستغرق حوالي 66صفحة.

La Zaouia de Tamgrout et les Nasirryines
Esquisse à l’histoire religieuse au Maroc
-Les confréries religieuses au Maroc

المحور الثاني مقاربة لكتابه أيت عطا :

في هذا الكتاب'' أيت عطا'' تناول سبيلمان الأحداث العسكرية والسياسية والحياة الاجتماعية لقبائل أيت عطا وقد استفاد في ذلك من وظيفته كضابط وحاكم بالمنطقة بعد عشرين سنة من مروره كدارس متنكر، واعتمد على عدة منوغرافيات سابقة مدققة وعدة تقارير ذات طابع سياسي وعسكري، وخصص قسما من مؤلفه لتدوين أحداث التهدئة بالجنوب الشرقي من سنة 1926 إلى 1934 مستعرضا الأحداث التي عاينها وساهم فيها كضابط ، والتي توجت بإقامة مراكز عسكرية بكل من رباط تينزولين وأكدز وجبل زاكورة ، بخضوع ايت إسفول وأيت أونير ، واصفا المناوشات والمعارك التي خاضتها القوات الفرنسية ضد مجموعة من المقاومين أمثال بلقاسم النكادي الفار من تافيلالت ، مصحوبا بمجاهدي أيت خباش وأيت حمو ، ثم منطقة تازارين للزحف على صاغرو وأخر معقل لأيت عطا [5].

 لا يخلو الكتاب من الروح الاستعمارية التي مهدت الطريق للاحتلال المباشر. إن سبيلمان قد استفاد من اطلاعه على عدد من المؤلفات والمصادر العربية المترجمة إلى الفرنسية،مما ساعده على إنجاز هذا العمل ، ولم يخف  سبيلمان توجهه الاستعماري حيث كانت له علاقات مع مؤسسة'' معهد الدراسات المغربية العليا'' وكذلك علاقاته بإدارة شؤون الأهالي ، فضلا عن دوافع رحلته إلى منطقة درعة التي يقر بها في نهاية المطاف عندما يصرح علانية بأن احتكاكه بأيت عطا سهل معرفتهم وفهمهم ، وكشف عن خبايا حياتهم وطباعهم وحاجياتهم وسلوكهم ، ومن ثم سهولة التحكم في أكبر مجموعة قبيلة في الجنوب الشرقي أو ما أسماه في تقديمه لكتابه : "مشكل أيت عطا ".[6]

يتكون الكتاب من خمس أقسام: استهل الكتاب القسم الأول بالتوطين الجغرافي لبلاد أيت عطا والخصائص العامة للمنطقة الممتدة بين درعة وتافيلالت، وتناول التضاريس والمناخ والموارد الاقتصادي التي تتوفر عليها المنطقة، كما خصص جانبا من هذا القسم للسكان وفي القسم التاني، عرج سبيلمان على الخصائص العامة لأيت عطا وتاريخهم والمورفولوجيا الاجتماعية، كما تحدث عن الأعراف والمؤسسات السياسية والتنظيم القضائي لأيت عطا  وأحاط بالجوانب الدينية والأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية.

أما القسم الثالت فقد افرده للحديث عن التقسيمات القبلية لأيت عطا وخصائصهم في آواخر عام 1930، أما القسم الرابع كان حول تهدئة واحة درعا وبلاد أيت عطا ويتكون من فصلين خصصهما سبيلمان للأحداث وعمليات السيطرة والاحتلال ،التي عاينها كضابط فرنسي.

لقد ركز سبيلمان في كتابه على أيت عطا الصحراء بدرعة ، محاولا بذلك أن يفصل بين هؤلاء الساكنين في الثخوم الصحراوية والسفوح الجنوبية للأطلس الكبير بين أيت عطا نوسامر وبين أيت عطا نومالو ، وبذلك يكون قد ربط التسمية بالرقعة الجغرافية التي يستغلها أيت عطا في الفترة التي تمكن فيها من معاينتهم ، على عكس دافيد هارت الذي اعترض على هذه التسمية واقترح أيت عطا صاغرو ، أي نسبهم الى موطنهم الأصلي ولم يهتم بمناطق نفوذهم التي اعتبرها أرض غزو واحتلال [7]

تعريف أيت عطا حسب سبيلمان:

         ذكر سبيلمان أنه من الصعب تعريف أيت عطا في بضع سطور،حيث قال أن ''كلما ازدادت معرفتنا بهم اكتشفنا أن كل تأكيد حيالهم يحتمل تصحيحا''، كما قال عنهم'' إن أيت عطا يظهرون هكذا في آن واحد حسب المناسبات خونة وأوفياء، نهّابا وشجعانا،  بشعين ولامبالين لادين لهم وخرافيون تقة، رحل ومستقرون، ديمقراطيون وأنصار حكم الأقلية كما يفتقدون إلى التماسك ومع ذلك يتضامن بعضهم مع بعض، استغلاليون وأحيانا يدخلون في مساومات مريبة مع ممثلي الحكم المركزي الذي يحتقرونه ويكرهونه''[8].

ثم يذكر أيضا أذا احتك المرء قليلا بأيت عطا يندهش لنبل مواقفهم وشرفها، إنهم لايعرفون أي مذلة، وهم أناس يتحدثون مع الآخرين حديث الند للند... وحتى وهو منهزم لايحسب العطاوي نفسه ضعيفا.. إن لأيت عطا اعتزازا بعرقهم.. يضيف سبيلمان إن العطاوي الحقيقي يعتبر خدمة الأرض انحطاطا''[9]

وفي حديثه عن السمات غير الحسنة لأيت عطا فإن سبيلمان قد اعتبرهم أنهم ''مخيبين للأمل لكونهم شديدي التقلب، ولايعتمد عليهم كثيرا، إنهم يقتلون وينهبون ويسرقون دون أي

تردد إن طباعهم قاسية ولايعرفون الرحمة أبدا.. لايشمئزون من الكذب وسوء النية... ليخلص في آخر وصفهم أنهم أناس تصعب إدارتهم، كما أنهم نشيطون ومتمردون وذو مزاج متقلب'' [10] 

     انتقل سبيلمان للحديث عن اتحادية أيت عطا وشكل التضامن داخلها وقد ذكّر بتاريخ تأسيسها والذي أرجعه إلى القرن 16م بهدف زعزعة النفوذ العربي، وفي القرن18 اعتبر سبيلمان أن الاتحادية أصبح يتهددها خطر جديد تمثل في تدخل المخزن العلوي في شؤون الجنوب، وأن مابين 1678حتى1816 أرسل اربعة سلاطين حملات عسكرية نحو مناطق تافيلالت ودرعة، واعتبر أن الأطماع الحاكمة في الواحات الصحراوية جعلت قبائل أيت عطا موحدة ومتماسكة فيما بينها في مواجهة التهديد المخزني، وهذا ماسيتغير في منتصف القرن19 بعد أن أصبح الحكم المركزي في انحطاط تام توقف عن متابعة أحداث الجنوب عن قرب فغابت السلطة وزال معها الخطر المباشر حسب سبيلمان .

     وقد كان لأيت عطا أعداء وهم أيت يافلمان وهي اتحادية جديدة مكونة بمبادرة من المخزن الذي سيتفيد من مساندتها ، ويلاحظ اعتماد سبيلمان في تفسير وقراءة مايجري في قبائل أيت عطا على النظرية الإنقسامية  ولا يتوالى في تطبيقها والاستعانة بها لتفسير معايناته، وهو مايذكره عند جديثه عن أن قبائل أيت عطا عندما تصل إلى هدفها في الحرب، يواجه بعضها بعضا بعنف، أي أن الانتصار يفكك روح العشيرة الذي يشكل قوة القبيلة البدوية[11].

حسب سبيلمان فإن أيت عطا يتخلون طواعية عن الحياة الرعوية عندما يتوفر لديهم إمكانية الإنغراس في تراب منطقة ظروف الاستقرار فيها أشد ملائمة، ويحصل هذا الاستقرار بشكل تدريجي، حيث تحصل الأسر على الممتلكات عن طريق الشراء أو بالقوة، ويؤدي هذا الإستقرار بحسب سبيلمان إلى تحول في التنظيم الاجتماعي للقبيلة وتظهر أشكال أكثر تعقيدا كارتخاء الروابط الاجتماعية التي حافظت عليها الحياة الرعوية.

ولم يكن الاستقرار وحده المساهم في تغيير البنية المرفولوجية لأيت عطا بل كذلك وحسب سبيلمان، الانحلال الذي أصاب الاتحادية هو بفعل التصرفات المزمنة للقواد الكبار أولا، وللمخزن فيما بعد.

وقال سبيلمان أيضا في كتابه أن أيت عطا لم يكن لهم حلف متميز وماكان عندهم تمثله القرابة والمصالح لاغير. وغالبا ما تكون التحالفات ظرفية، بحيث تعقد لتُفسخ من جديد بسرعة تبعا للمناسبات. ويعتبر الدفاع عن المنطقة والحدود المشتركة وغزو المناطق الخارجية عن تأثير الاتحادية من الدوافع الأساسية لهذه التكثلات والتجمعات. ويوجد نوعين من المواثيق عند أيت عطا'' تاضا'' وتافركانت'' وهي معاهدات عدم الاعتداء والصداقة أكثر مما هي معاهدات تحالف.

وفيما يخص التنظيم القبلي والأعراف، فإن القبائل تحافظ على العرق عن طريق الرواية الشفوية، ويجتمع الأعيان ويملون نصّا من النصوص على فقيه، وغالبا ماتكون هذه التصريحات القضائية مدققة بشروح وتفسيرات شبيهة بحيثيات وأسباب الأحكام التي تصدر عن محاكمنا شكلا وطبيعة'' .

أما المؤسسات السياسية فقد خصص سبيلمان فصلا للحديث عنها، وذكر أن اتحادية أيت عطا تنتخب كل سنة'' شيخ العام'' الذي يُختار وفق نظام يقره العرف في كل خمس. ويقوم الشيخ بالفصل في النزاعات بين القبائل، وتحديد شروط الانتجاع الصيفي في الأطلس الكبير، وقيادة المفاوضات في المجموعات الأخرى المجاورة للاتحادية، والسهر على حماية البلاد والمصالح المشتركة ويوجد إلى جانب ''شيخ العام'' جماعة الأعيان التي تنصحه وتراقبه وتضم ممثلي القبائل. وتتوفر القبيلة أو الفخذة على نفس التنظيم السياسي للاتحادية. إن شيخ العام وشيوخ القبائل والفخذات لايأحذون أي ضريبة باستنثاء الزيارة التي يدفعونها لشريف تامصلوحت. ولا يأخذون سوى نتاج بعض الغرامات( إزماز=غرامة) ويوظفونها في سد النفقات العامة ذات الطابع السياسي عموما. وقد لحقت هذه المؤسسات السياسية تغيرات في بداية القرن 20.

خصص سبيلمان في دراسته عن أيت عطا جانبا للحديث عن الحياة الاجتماعية والدينية لهذه القبائل من لباس وتغذية وديانة ولاحظ أن جميع أيت عطا يرتدون أقمصة من الكتان وعليها يلبسون جلبابا من الصوف ذي اللون البني أو الأسمر الفاتح والقليل الإثارة. أما الأعيان فيفضلون البرانس الصوفية ذات اللون الأزرق الفاتح.

      وكان سبيلمان حريصا على نقل كل ما يخص أيت عطا حتى تغذيتهم، زذكر في هذا الصدد أنهم بسطاء للغاية. وتغذيتهم تتمثل أساسا في '' طليمة'' من الشعير ثم التمر والتين المجفف والحليب والشاي والسكر، ونادرا ما يأكلون لحم الخروف والماعز...

     سجل سبيلمان ملاحظاته كذلك حول تدين أيت عطا وممارساتهم الدينية، حيث قال إن أيت عطا مسلمون وإسلامهم كانت فيه خصوصيات، إذ أدرجوا عبادة الأولياء المحليين كما كانوا يبجلون المرابطين ويلتمسون نصائحهم وكرامتهم ولكن لايترددون مع ذلك في نهبهم. ورغم وجود المساجد تقريبا في كل مكان فهي في الحقيقة جد متواضعة، لأن أيت عطا تقريبا أميّون جاهلون للدّين حسب سبيلمان[12].

لايتوفر أيت عطا على أي صناعة فهم لايصنعون الزرابي وتكتفي نساءهم بنسج الخيوط(فليج) لصنع الخيام وصيانتها. ويمارسون تجارة المواد الجنوبية: الثمور والحناء، والجلود.

      دوّن سبيلمان في القسم الخامس من الكتاب أحداث التهدئة بالجنوب الشرقي مابين 1926 إلى سنة 1934، وسجلّ في بداية القسم أن الانتصار المحقق في الريف هو الذي مكنّنا من التدخل في مشاكل الجنوب، وأضاف أنه منذ عام 1925إلى عام1930 بدأت القيادة العسكرية التابعة لمنطقة مراكش في تحضير الأرضية للتدخل. وأنه في البداية اقتصر دورها في توطيد  سلطة كلاوة على قيادتهم الواسعة في هامش الصحراء، وإقامة القواعد العسكرية في اتجاه درعة. كما استعرض سبيلمان الأحداث التي عاينها وكان فاعلا فيها، ورصد عمليات اخضاع القبائل، ومقاومة بلقاسم النكادي الذي فرّ من تافيلالت مساندا من أيت خباش، وأيت حمو. وتطرق للزحف العسكري الذي شنه الجيش الفرنسي على هذه القبائل باتجاه جبل صاغرو الذي عرف أعنف المعارك، وقد تم اخضاعه في فبراير ومارس 1933وقال سبيلمان تشرف معارك صاغرو خصومنا في المواجهة. وفي وصفه لمجريات الأحداث العسكرية ولمقاومة أيت عطا، نعت سبيلمان هؤلاء المقاومين بالمتمردين والفوضويين، وقطاع الطرق، والخونة.

وفي القسم الأخير من الكتاب كان حول تهدئة واحة درعة وبلاد أيت عطا، تطرق للتنظيم السياسي والإداري لأيت عطا بعد عملية'' التهدئة''، وقال سبيلمان أنه تم احترام التنظيم السياسي ولم تكن هناك محاولة لتجديد مؤسسة الشيخ العام للاتحادية، وتم إنشاء محاكم عرفية بعد اخضاعهم. وفي الصفحات الأخيرة من الكتاب يلاحظ أن سبيلمان يحاول تعداد الأشياء الإيجابية التي قامت بها فرنسا في منطقة درعة محاولا تغطية الجوانب السلبية المتمثلة في التدخل في شؤون القبائل واحتلال أرضهم وخلق البلبة والنعرات والتفرقة فيما بينهم. فنجده يتحدث عن الطرقات وعن المبادلات التجارية وعن القروض كوسيلة لتهدئة النفوس وتحبيب القبائل في الوجود الاستعماري الفرنسي على أرضها.


المحور الثالث أهمية كتاب سبيلمان :

رغم الحس الاستعماري الواضح في كتاب سبيلمان و الأغراض التي ألف الكتاب من اجلها والتي هي الاحتلال والتحكم في قبائل أيت عطا، فإن الكتاب يحتوي على جوانب إيجابية كثيرة إذ يعتبر مصدرا أساسيا حول المنطقة التي يصعب إيجاد دراسة ميدانية مماثلة حولها سواء في القديم أو المعاصر وهذه الأهمية التي يحظى بها كتاب سبيلمان ''آيت عطا'' هو نتيجة لعدة عوامل ، منها توفره على إمكانية التنقل في المنطقة وعلى وسائل جمع المعلومات وقربه من مراكز التوثيق والتقارير السياسية و العسكرية، ومعرفته باللغتين العربية و الأمازيغية،هذا بالإضافة إلى توفره على حس تاريخي استغله في عمله بمنطقة أزيلال ودرعة ، ووقوفه على مجموعة من الأحداث والظواهر التي أعطاها تأويلا حينها ، واعتبرها مرجعا أساسيا وضروريا لكل دارس مهتم بالتطور الاجتماعي بالمنطقة لمعاينته للأجهزة السياسية والقضائية المعمول بها من قبل قبائل أيت عطا[13] ، كما يعتبر كتابه مرجعا هاما فيما يتعلق بالأحداث العسكرية بالمنطقة ومراحل تغلغل القوات الفرنسية في درعة و يرصد كذلك جانبا مهما  من مقاومة ايت عطا لهدا التغلغل،والعمليات العسكرية في المنطقة خلال هذه الفترة والجوانب الاجتماعية والسياسية و التاريخية.   

كما أن شهادات سبيلمان تتميز بكونها غير متقوقعة في ذلك القالب الايديولوجي الاستعماري السافر الذي نجده عند غيره ، بل نستشف منها مواقف تنم عن نزاهة فكرية لدى الرجل ، إذ لم ينزلق مع مشاعر الحقد وأخذ الثأر وتشويه الحقائق ، بل لم يتردد في الاعتراف بكثير من خصال وفضائل أعدائه ، مبديا احترامه للأخر بتقاليده وأعرافه وثقافته  موجها في الوقت نفسه نقدا ذاتيا للفرنسيين[14] حيث نجده يقول عند تقديمه  لأيت عطا :"إنهم باختصار أناس بسطاء ولكن غير  منقادين بسهولة ، ويقظون ومنتقدون ، وذوو مزاج متقلب ، وكلها أشياء يقدرها الفرنسيون في العمق ويبتغونها لأنفسهم ولكنهم لا يعجبون بها كثيرا عند الاخرين".     

إن أهمية هذا الكتاب مرتبطة إلى حد كبير بدقة وبراعة ضباط الشؤون الأهلية – الذي كان سبيلمان منهم- في دراسة تاريخ وثقافة القبائل المغربية ، حيث بذلوا جهدا جبارا يستحيل أن يقوم به المغاربة ، فسبيلمان مثلا يبرهن على دهائه أولا في جمع وتدوين كل المعطيات مهما تواضعت قيمتها ، ثم يستغلها بذكاء في تنفيذ سياسته سواء الادارية أو العسكرية.[15]


المحور الرابع ملاحظات حول عمل سبيلمان:

  بداية نشير أن هذا الضابط الذي جاب بلاد أيت عطا وخاض مختلف المعارك ضد المقاومة العطاوية ، وباشر أعماله التجسسية المساعدة لمد نفوذ بلاده ، قد قدم خدمة لا تعوض للباحتين في تاريخ أيت عطا ، ولولاه لضاعت مجموعة من المعطيات المهمة حول هذه القبيلة ، لكن هذه الرحلة العسكرية والمعرفية التي قام بها ، وكذلك إطلاعه على مجموعة من الأبحاث التاريخية والسوسيولوجية ، ولد لديه رغبة في الكتابة التاريخية ، وتقديم مساعدة للمؤرخين والسوسيولوجيين كما أقر هو نفسه في مقدمة الكتاب .[16]  

ان سبيلمان عند حديثة عن أيت عطا غالبا ما يستعمل كلمة اتحادية La confédération، وهو بذلك يقر بضرورة التلاقح والتكامل بين عناصر مختلفة في إطار عرفي ينظم مختلف أنواع العلاقات بين عناصر مختلف الأصول ،في حين أن إيمانها   بانتمائها إلى جد واحد "دادا عطا"، يفرض حسب سبيلمان أن  نعتبرهم مجموعة قبلية ، وهذا يوضح حسب امحمد احدى مدى الارتباك المفاهيمي لدى سبيلمان ، الذي لا يميز بين مفهوم  الاتحادية وما يمكن أن يوحي به من التعارض مع الانتماء  إلى جد واحد عندما يوافق GAUTIER في تحديد هوية القبيلة لدى أيت عطا ، باعتبارها ذات مفهوم بيولوجي سلالي ، ليدعي مرة أخرى إمكانية انتماء بعض العناصر اليهودية إلى أيت عطا ، لكن دون أن يفصح عن أصولهم ، وهذا لا يمكن أن يقصيهم من الانتماء إلى نفس الجد ، ومن تم الانتماء القبلي لها ، دون أن يمس ذلك بتنظيمهم المبني على القرابة والسلالة [17]

كانت أعمال سبيلمان بمثابة توطئة لأجل التدخل العسكري أو لأجل دعم الوجود الاستعماري، وقد حاول سبيلمان بناء على دراسات أووثائق عثر عليها. رسم صورة أكثر وضوحا عن تاريخ وواقع منطقة درعة آنذاك. وخرج باسثنتاجات لاتخدم الحقيقة التاريخية

أكثر مما تخدم التغلغل الاستعماري. وقد كان يصرح بأن دوافع رحلاته إلى منطقة درعا واحتكاكه بآيت عطا ''سهل معرفتهم وفهمهم وكشف عن خبايا حياتهم وطباعهم وحاجياتهم وسلوكهم ومن ثم سهولة التحكم في أكبر مجموعة قبلية في الجنوب الشرقي''.

     كما يمكن القول بأن المدرسة الأنجلوساكسونية الإنقسامية استفادت من دراسات سبيلمان حول درعة،  خاصة منذ الخمسينات إلى الآن على سبيل المثال دافيد هارت(David Hart  ) الذي اعتمد بالدرجة الأولى على أعمال سبيلمان في دراساته حول أيت عطا. ومن البديهي الاحتراز من الأحكام المسبقة والنتائج التي استخلصها سبيلمان عن طريق العلاقات السائدة بين المجموعات الساكنة بدرعة[18]، أو تلك السائدة بين المخزن والقبائل حيث يحاول سبيلمان إظهار أيت عطا بمظهر الرافضين للسلطة المركزية من خلال رفضهم دفع الضرائب ، بل يذهب بعيدا ويرجع هذا الرفض إلى كون المخزن من أصول عربية على عكس أيت عطا الأمازيغ مستعرضا في هذا الصدد الحملات العسكرية للسلاطين العلويين .[19]

كما أن سبيلمان يظهر قبائل أيت عطا في مظهر الأفخاذ المتنازعة فيما بينها مستدلا بمواثيق التضامن تفركانت و تاضا ، ويتغاضى عما تمثله هذه المواثيق حقيقة ، إذ ليست فقط معاهدات حسن الجوار ، بل تقتضي الاتحاد على مستويات أدنى من القبيلة .[20]

 

خاتمة :

إن كتاب سبيلمان عن أيت عطا وإن قدم معلومات مهمة ، فإنها كانت تهدف إلى تسخير العلم لخدمة أهداف الغزو ، حيث نستشف من خلال كتابته عن أيت عطا أن هذه القبيلة تعيش في زمانها اللاتاريخي وعلى فرنسا الأنوار أن تتدخل لإخراجها من الفوضى وإدخالها إلى الحضارة ، وهذا لن يتأتى إلا بإخضاع هذه القبيلة ، لهذا ركز على إثارة النعرات القبلية من أجل تفكيك جبهة المقاومة العطاوية ، وهو ما عبر عنه هو نفسه بعد تقاعده في كتابه les souvenirs d’un colonialiste.

 

[1] معلمة المغرب ، ج14،مادة جورج سبيلمان ص 4874
[2] عبد القادر بوراس ، مقال افاق وحدود استثمار تقارير ضباط الشوؤن الأهلية في كتابة التاريخ ضمن وثائق عهد الحماية تنسيق عبد الهادي بوطالب ، منشورات كلية الاداب والعلوم الانسانية الرباط،ص110
[3] م س ، ص 102                                               
[4] أحمد البوزيدي ،التاريخ الاجتماعي لدرعة مطلع القرن 17_مطلع القرن20 بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ 1988   ص 58
[5] امحمد احدى ، رحل الصحراء الشرقية من خلال كتاب جورج سبيلمان، منشور ضمن مجتمع الصحراء في الكتابات الاستعمارية تنسيق وتقديم رحال بوبريك ، ص 112-113.
[6] م ن ، ص 107
[7] أورده امحمد احدى ، م ن، ص 110.
[8] جورج سبيلمان ، أيت عطا وتهدئة درعة العليا ، ترجمة امحمد احدى ، ص 52
[9] م س ، ص 57
[10] م س ، ص58
[11] م ن ، ص 60
[12] م ن ، ص 91
[13] امحمد احدى ، رحل الصحراء الشرقية،م ن، ص 107.
[14] محمد بوكبوط ، مقدمة ترجمته لكتاب جورج سبيلمان أي عطا وتهدئة أفلا ندرا ، ص9
[15] م ن ، ص 10
[16] امحمد احدى ، مقال رحل الصحراء الشرقية ، ص 107
[17] م ن ، ص 110
[18] عبد القادر بوراس ، م ن ، ص 104
[19] امحمد احدى ، رحل الصحراء الشرقية ، ص 111
[20] م ن ، ص 112

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟