تمهيد :
تَتَوَزَّعُ الكتب والبحوث والأطاريح والإنجازات الخطابية ( البلاغية ) rhetorical العربية المعاصرة بين الغث والسمين ، إذ ْنجدها تسلك ثلاثة اتجاهات متمايزة تظهر من خلال :
1 _ مقاربات متباينة للتراث الخطابي الإغريقي والعربي القديمين يتم التركيز من خلالها على بعض الموضوعات ، والمنهجيات ، والمفاهيم ، والأعلام ، والمتون corpus المؤثرة .
2 _ محاولات تجديد النسق المعرفي عن طريق المزاوجة في الوصف والتحليل بين الجانب الشعري ( التخييلي ) والجانب التداوليpragmatic ( الحجاجي ) argumentativeأو الفصل بينهما ، كما يتم أحيانا في هذا المستوى استغلال بعض التطبيقات والعينات المتخصصة وغير المتخصصة . تستند بعض هذه المحاولات إلى طرائق استشرافية أو توفيقية وتكاملية ، وأحيانا ترقيعية ومتهافتة.
3 _ مساعي حثيثة لنقل التراث الخطابي الغربي الحديث ، والاهتمام ببعض الموضوعات الحجاجية ( التداولية ) ، والمفاهيم ، والمدارس والتيارات الخاصة ، والأعمال المتباينة لأعلام مؤثرين كبيرلمان Chaim Perelman وتيتيكاه ، وكريستيان بلونتين ، وهنريش بليت Hen rich Plitt ، وكورتيس Curtiss، وتولمين ، وريبول ، وموشلار ، وتودوروف Todorov، وبارث Barth ، وجيرار جينيت Gerard genet ، وكونتر conter، ودوكهورن dekhorne ، ولوسبيرغ luc burgh ، وشانيي ، وآنسكومبرAnscombre ، وديكرو Ducro وغيرهم .
تَتَعَدَّدُ وتتداخل تعاريف البلاغة ( الخطاب ) discourse، وأقسامها ومكوناتها ، وأنواعها ، وطرائق ( توسيعها ، تعميمها ، كليتها ، رحابتها ....) ، وتطبيقاتها عند أرباب الاتجاهات الثلاثة السالفة ، حيث تنتشر وتتكرر سماتها أو تتماثل بشكل مثير ومستنزف بين ثنايا عدة بحوث ، وكتب ، وأعمال تطبيقية ، ورسائل جامعية ، ومجلات ، وندوات ومؤتمرات ، ومختبرات متخصصة ، فتتعدد معها وجوه (( الغزو الخطابي )) بين ظُهْرانَيْنَا من خلال تكرار بعض قضايا البلاغة (( الجديدة / الحجاجية )) ، ولسانيات النص ، والأسلوبية ، والتداوليات .
لَقَدْ توزعت اشتغالات النسق الخطابي ( البلاغي ) العربي القديم بين اتجاهيين بارزين :
أ _ النسق الرصين العلاقات والوظائف الذي يهتم بوسائل التعبير ، والتنميق ، والمتعة فقط .
ب _ الأيديولوجيا المسيطرة التي كانت لا تراعي بلاغة المخاطب والحوار والحجاج ، وتقنيات الخطاب ، والعقلانية ، ولا تميز بين النصوص الشفهية والمكتوبة ، أو تسبر أغوار سماتها وقوانينها الخاصة .
وَاجَهَتْ هذه البلاغة صعوبة كبيرة تتعلق بضبط مفاهيمها وتداخلات عدة حقول معرفية متباينة الرؤى ، والمنهجيات والتيارات الفكرية ، في حين ارتكز النسق الخطابي الغربي على اتجاهين مخالفين :
أ _ النسق الموحد .
ب _ الجانب التعليمي .
مكونات النسق الخطابي الكلي
يَقُومُ النسق الخطابي الكلي على كفاية competenceوصفية وتحليلية تزود الأطراف المتحاورة بالنماذج والملفوظات البلاغية التي تلائم تجربة معينة ، حيث يتم عرض الموضوعات والقضايا البلاغية من خلال أقوال منتقاة ، يقع تفسيرها تبعا لقواعد المكون السيكو خطابيrhetorical psycho component والمكون السوسيوخطابي rhetorical socio component
يَلْعَبُ هذان المكونان دورا مهما في وصف وتفسير الجمل والمتواليات المترابطة ، وتحديد مواقعها وتوزيعاتها المطردة ضمن إنتاج المتون والأنماط الخطابية المتنوعة . إنهما يضبطان آليات الاشتغال ، وسياقات النصوص المختلفة ، وهو ما يجعلهما يشكلان إنجازا ابستمولوجيا ومفاهيميا خاصا بالنسق الخطابي الكلي ؛ لأنهما يسهلان الانتقال من المستوى التركيبي إلى المستوى الدلالي والمقامي بالاعتماد على عدة علاقات وروابط منسقة .
يُمَثِّلُ المكون السيكو خطابي هنا نسقا من القواعد النفسية البلاغية النصية التي تتحكم في تشكيل الصور والأشكال الإبداعية . أما المكون السوسيو خطابي فإنه يخلق عدة (( قراءات متنامية )) للنصوص والمتون المحللة .
تَتَحَقَّقُ مماثلة بين هذين المكونين ، إذ يتمُّ دمج قواعدهما على مستوى دلالات ومقاصد الأعمال المدروسة ، ويحصل الاستيعاب والتفسير للعمل بشكل معياري موسع تبعا لاختيارات المتكلم والمخاطب وموقفهما التجريبي .
يُقَدِّمُ لنا النسق الخطابي النماذج النصية الإبداعية والتفسيرية المشكلة من أمثلة تجريبية متنوعة ، تبرز لنا دقة الفرضيات وصحة القواعد وملاءمتها لطريقة اشتغال المكونين المذكورين .
تَتَبَلْوَرُ مختلف الإبداعات والأنماط الفكرية العربية القديمة والحديثة من خلال آليات اشتغال المكونين المذكورين . أما (( الفعل الخطابي )) rhetorical act فهو الذي يبني التفرعات والعناصر الصغرى اللازمة لتعمير هذين المكونين ( الصوت ، الصرف ، التركيب ، المعجم الدلالة ، التداول ) . تبرز هنا عدة أنواع من التبادل والعلاقات بين القواعد المشكِّلة للمكونين عن طريق النصوص النموذجية / القدوة المنتقاة selected alosop ( المجلد الثالث من ألف ليلة وليلة ، مختارات من ديوان شاعر الحمراء محمد بن إبراهيم ، نماذج من حكم وأقوال الإمام مالك بن أنس ) . يدلُّ هذا الإنجاز على وجود علاقات من الترابط والتغذية بين المكونين السيكو والسوسيو خطابي ، كما يظهر ذلك في النماذج العربية القديمة والحديثة المختارة .
يَحْوِي النسق الخطابي الكلي مظاهر ونماذج متفاعلة ومتكاملة على مستوى الوصف والتحليل :
1 _ المظهر الحجاجي / المنطقي ( الفلسفي ) .
2 _ المظهر الأسلوبي / الأدبي ( الشعري ) .
3 _ المظهر / السيميائي ( الخطابي ) .
يَسْعَى هذا النسق البلاغي للاشتغال من أجل :
أ _ تحديد قوانين دلالات المسرودات العربية المتعاقبة diachronic
ب _ إنتاج سياقات مفتوحة .
ج _ مزج القديم بالحديث بالاعتماد على بعض الأشكال المتطورة والتجريبية .
د _ تحليل آثار وتقنيات الفعل الخطابي عند المتلقي العربي .
ه _ رصد وتحليل التأثير السيميائي للأنماط ( الأنواع ) الخطابية rhetorical genres في الحياة العربية .
يَتَوَخَّى هذا المشروع تحديد مساحات وآفاق جديدة تتعلق بالممارسة البلاغية والعمل النقدي المتخصص بغية احتضان مكونين رائدين واستشرافيين يحركان بنى النسق الخطابي الكلي لتأسيس علم لساني نصي واسع ومتميز يخدم أغراض المجتمع العربي المعاصر ، ويساهم في تغيير النسق المعرفي ، والمنهجيات الثقافية والحضارية العربية المعاصرة .
يُؤلِّفُ هذا النسق الخطابي الكلي بين الموضوعات البلاغية التي تصفها وتحللها الأجيال العربية المتعاقبة لتطعيم وتوسيع بعض القراءات الحجاجية والتداولية المعاصرة ، حيث يهتم ببناء نظرية بلاغية عربية (( حجاجية
/ اتصالية )) تتحرك من خلال المكونين المذكورين ، كما أنه يقدم تطبيقات خاصة لمتون سردية narrative منتقاة من مختلف العصور والأنماط الفكرية ( 1 ) .
يَرْبِطُ المكونان بين الجانب البنيوي ( الداخلي ) والتداولي ( المقامي ) في إطار النسق الكلي ويدمجانهما في عملية التلقي والتأويل . تتعدد الأسئلة والإشكالات المطروحة والمباحث الاستشرافية البلاغية المتعلقة بالطرائق الناجحة التي تقدم الدرس الخطابي العربي الناجع بالنسبة لجميع الأجناس الفكرية كموضوعات ، ومنهجيات ، ومفاهيم .
إِنَّنَا نبتغي من وراء نشر هذا المشروع خلق رابط موضوعي ومنطقي بين هذه الأنماط الخطابية ، واستيعابها ، ومنحها أبعادا كلية عربية دون أي استلاب أو اجترار للنماذج المستنزفة التي لا ترقى لمباهاة الأمم .
يَرُومُ النسق الخطابي الكلي هنا خلق وحدة متسقة تجمع بين الجانب الشعري ( التخييلي ) imaginary والحجاجي ( التداولي ) ، إذ إنهما يتفاعلان ويتكاملان من خلال آليات اشتغال المكونين السيكو والسوسيو خطابي ، كما أنهما يعالجان خطابات عربية تعاقبية احتمالية ؛ أي أنهما يمزجان بين السرديات والحجاج المتنوعة . لذلك فإننا نعانق بين طيات هذا النسق الكلي عدة فروع لسانية ، كما يظهر ذلك عند حازم القرطاجني ، وابن سنان ، والجاحظ وغيرهم ...
يُدْمِجُ مشروعنا الخطابي الاتصالي بين الحجاج والأساليب في بُعْدَيْهَا النفسي والاجتماعي اللذين يحدثان المتعة والإثارة والإقناع ويضبطان التقنيات الواضحة من خلال التركيز على تحليل محورين مهمين :
1 _ تعمير ( دينامية ) dynamism ( 2 ) عملية التلقي العربي في الخطابات المتنوعة ، والربط بين عناصرها من المنظور النفسي والاجتماعي .
2 _ وصف وتحليل الحجاج المشكلة للأنماط الخطابية العربية المتنوعة .
لِذَلِكَ فإن النسق الخطابي الكلي يهدف إلى بناء فرضيات تخصُّ المكونين المذكورين ، ويبرز الغاية الكبرى والصغرى للعمل بأكمله عن طريق :
أ _ الاهتمام بمعالجة تقنيات اتصال وانفصال القضايا الخطابية .
ب _ التركيز على البناء المرصوص لبدائل خطابية عربية واضحة .
يَقُومُ هذا النسق (( الحجاجي / الجديد )) على جانب وصفي وآخر تحليلي متخطيا الجانب المعياري الذي يهتم بخلق النصوص ولذتها فقط ، كما أنه يركز على مقاصد intentionsأنماط الخطاب العربي وتقنياته التطبيقية المتنوعة ، علاوة على قيامه بتوسيع المفاهيم القديمة ، مثلما نجد عند جاكبسون Jacobson وكوهنCohen ، ومولينو Molino وطامين taming وغيغليون وغيرهم . لذلك فإن البعد الحجاجي الاتصالي communicative والمقامي البلاغي في هذا النسق يتشعب كثيرا .
يَرْتَكِزُ النسق البلاغي الكلي ( المعمم ، الموسع ، الرحب ) على إرث تكويني يترجم لدينا فعليا بناء على آليات اشتغال المكونين الأساسيين :
أولا ) المكون السيكو خطابي :
يَقُومُ هذا المكون بضبطُ التفكير العقلي الخطابي عند سائر أفراد المجتمع ، ويحدد نوع نشاطهم عن طريق الإنجازات المترابطة التي تعانق مواقف واضحة ، كما يقوم بنقل أفكار المتكلم إلى الآخرين أثناء المعاملات والاتصالات معتمدا في ذلك على استخدام قوالب متماسكة تحمل الأفكار الدالة التي يخزنها في ذهنه ويترجمها إلى كلمات محددة . يبني المكون السيكو خطابي الصور الذهنية والمدركات الحسية ( 3 ) ، ثم يحولها إلى خطابات فعلية ، وهو ما يجعل منه جسرا رابطا بين أفكار أفراد المجتمع ، والسبب والنتيجة .
يُحَرِّكُ البعد الحواري ( الجدلي ) في إطار النسق الخطابي الكلي تفكير الإنسان ؛ ليشكل منه نصوصا سيكولوجية ثقافية psychological cultural . نجد تلازما منطقيا واقعيا كبيرا بين المكون السيكو خطابي وفكر الإنسان عند العديد من علماء النفس والسلوكيين والنظرية التوليدية عند تشومسكي .
يَشْتَغِلُ هذا المكون داخل النسق الخطابي الكلي حسب أربع مراحل منضدة :
1 _ مرحلة استنهاض المتكلم لفكر ووجدان وخيال المخاطب .
2 _ مرحلة استخراج الصور الصوتية والتعبير عن الأفكار والتصورات الذهنية .
3 _ مرحلة استغلال المخاطب لحواسِّه ، وتدعيم عمله بالحركات والرموز السيميائية المتنوعة .
4 _ مرحلة ضبط التأويل الخطابي عن طريق فك الرموز المشفَّرة القابعة في المخ .
البعد الخطابي لهذا المكون
يَرْبِطُ النسق الخطابي الكلي هنا بين المجال اللساني النصي والمجال السيكولوجي باعتبارهما نشاطين إنسانيين أساسيين في الحياة . لذلك فإن دراستهما تمثل جسرا رابطا بين اللسانيات النصية وعلم النفس .
يَهْتَمُّ المكون السيكو خطابي بضبط العناصر والمقولات الأساسية المحركة للنسق البلاغي الكلي بناء على :
أ _ قواعد السلوك الخطابي الذي يرتبط بظواهر التعلم والكفايات المبثوثة بين طيات المسرودات المتنوعة .
ب _ محتوى المادة النصية المحايثة immanence .
ج _ بنى المثيرات (المنبهات ) stimulus السيكو خطابية.
د _ شفرات codesالنسق الخطابي الموظف من طرف المتكلم والمخاطب .
ه _ علاقات المعاني السكو خطابية باستجاباتها الفعلية .
يَرْتَكِزُ هذا النسق على عدة علاقات ووظائف يحركها ويفعِّلُها المكون السيكو خطابي عن طريق :
1 _ تنظيم اللغة الواصفةmetalanguage الموظفة في الخطابات ( الفهم والإنتاج ).
2 _ تحديد وظيفة القواعد السيكو خطابية الاتصالية Communicative discursive psychological rulesالاتفاقية التي تستعملها الأطراف المتحاورة .
3 _ ضبط طريقة اشتغال الآليات الذهنية وتحكمها في (( الفعل الخطابي )) الكلي .
4 _ تعقب الأسس السيكو خطابية للإنتاج .
5 _ تحديد طرائق توظيف دوافع ووظائف السلوك والميول والحاجات .
يُمَثِّلُ المكون السيكو خطابي عنصرا مهما في عمل النسق البلاغي الكلي ؛ لأنه يضبط سمات النظم التركيبي ، والدلالي ، والمقامي التي تشكل الخطابات المتنوعة ، كما أنه يشتغل كمنهجية وصفية وتحليلية تمنح الإنتاج بطريقة سُلَّمية مرصوصة ومحايدة هويته الثقافية الشاملة ، ومرجعتيه ، ومقاصده . يتحقق اشتغاله من خلال قالب وضعي عادل ومعتدل ، حيث يخلق تجاذبا ثقافيا cultural gravity وتركيبيا وعدوى وتطورا فعليا متبادلا بين النصوص المختلفة.
لَقَدْ شهد النسق البلاغي الكلي في السنوات الأخيرة أعمالا ومقاربات وإنجازات متنوعة :
أ _ التحليل التأويلي interpretative .
ب _ التفكيك deconstruction .
ج _ التحليل السيكولوجي والاجتماعي social and psychological analysis .
يَسْعَى المكون السيكو خطابي إلى (( تسويق )) marketingثقافة بلاغية حجاجية / اتصالية ونصية غير ملزمة بالتفسير القبلي ، وهو ما يمكن هذا المكون من خلق حوار حضاري ، لأن كل طبقة اجتماعية تحمل (( هوية ثقافية بلاغية )) تختلف في تراكيبها ، ودلالاتها ، ومقاماتها تبعا لتطورها النفسي ، والاجتماعي ، والاقتصادي ، والسياسي ... يعانق هذا المكون ثقافة كل أمة ، حيث يحدد (( الهويات الثقافية البلاغية )) التي تخضع للاندماج ، والاضمحلال والصراع ، والتغير .إنه يُسَاهِمُ في تفعيل واستمرارية عمل النسق الخطابي الكلي ثقافيا ، إذ يخطط (( لنسق استشرافي ))system futurology ، ويعالج التنوع ، والاختيار البلاغي ، والتعادل بين الأنماط الفكرية ، ويفعِّلُ المعايير السردية الشعبية المتنوعة ، كما يحدد مصير أفراد المجتمع من خلال وسائل التعبير عن أغراضهم المختلفة .
يَتِمُّ الاهتمام بتحقيق الاتزان والسبك cohesionالتركيبي ، والحبك coherence الدلالي ، والقصد المقامي بين عناصر النسق الخطابي الكلي عن طريق :
1 _ التعادل بين التراكيب البلاغية التي تشكل السرديات المتنوعة .
2 _ الصفاء و (( اللذة البلاغية )) rhetorical pleasure
والتقنيات الحجاجية المنفتحة .
_ 3 الإشراق والتأثير والإقناع .
يَقُومُ هذا المكون بتقويم الأعمال وتمييزها عن بعضها ، إذ يعبر عن (( الذوق المثقف )) ( 4 ) ، ويحدد ثقافة التجاذبculture gravitation ( ثقافة التَّناصُّ ) المبثوثة بين طيات الخطابات ، كما أنه يعالج سجلاَّتها المتنوعة ( 5 ) .
يَسْتَغِلُّ النسق الخطابي الكلي هذا المكون لتحقيق إنجاز فكري متطور ومتراكم يوازي بين طاقات المتكلم والمخاطب وسلوكهما اللغوي ، وهو ما يجعل منهما طرفين فاعلين في توظيف المكون السيكو خطابي عن طريق الملكة العقلية .
قَدْ يفقد البحث العلمي البلاغي الحجاجي الاتصالي والحياة الثقافية في عالمنا المعاصر أحيانا معناهما نظرا لكثرة الاختلافات ، وسطحية الفهم ، وشيوع بعض التكتلات الفكرية ، وغياب القوانين الموضوعية الاتفاقية ، وتهافت بعض قضايا اللسانيات البنيوية ، والتوليدية ، والتداولية ، واللسانيات النصية في العديد من البلدان العربية ، وهو ما يقلل من الإيمان بالنسق الخطابي الكلي ودقة استيعابه .
تُعَدُّ الاختلافات بين البلاغة القديمة والجديدة ، ولسانيات النص ، والسيميائيات ، والبنيوية ، والتوليدية ، والتداولية أمرا طبيعيا ، فلا يوجد نسق بلاغي كوني مشترك ومحيط . نصادف عدة تنظيرات لسانية وبلاغية متناثرة ، لكنها لا نعانق _ حسب ظننا _ التطبيقات الحجاجية الاتصالية ، السيكو والسوسيو خطابية التي نطرحها في إطار النسق الخطابي الكلي global rhetorical system المرصوص العلاقات والوظائف ، كما يبرز ذلك في تصورنا المبلور من خلال هذا الرسم :