في كتابه الاسم العربي الجريح، يشير المرحوم عبد الكبير الخطيبي إلى حكاية الطائر الناطق، حكاية تربطها بعض الوشائج بالديوان الزجلي "رياح النور" لصاحبه الزجال أحمد اليعقوبي، فالطائر في الحكاية عبر فعل الحكي يكشف سرّا ظلّ مغيبا لردح من الزمن. كذلك الشأن بالنسبة لهذا الديوان فمنذ القراءة الأولى يتبدّى للقارئ أن الشاعر من خلال قوله الزجلي يكشف في كثير من المواضع عن بواعث تحليق طيره الزجلي الأخّاد:
يقول الشاعر :
جاء عزّ طياري مْزِّينه م ڭْرين للحري سرّي كالكنز المدفون
إن بواعث التحليق في سماء الكتابة الزجلية عند الشاعر منطلقة بإيمانه القوي بنظمه المعوَّل عليه من أجل أن يرفرف عاليا مستجليا مكامن الجمال، ففعل الكتابة عند أحمد اليعقوبي أساسه القناعة الراسخة بما هي تعبير جمالي يحرك وجدان الشاعر و محيطه. يقول الشاعر
نوض اطلع آ نظمي راني معوّل عليك الاّ يْديرك طيري جنحان ويَزْها بك
إن دعوة الشاعر طيره/ إبداعه إلى التحليق مرتبطة بالذات الشاعرة المتفاعلة مع قولها، إذ إن القول الزجلي هنا يغدو جزء من كينونة الشاعر فبتحليق هذا القول تحلق ذات المبدع عاليا:
زِد حَوّمْ الفوڭْ لا طيح بي** روحْ تْعَلاّ آعزي غي بالشوية
بِتحقُّق هذا التحليق يتعزز القول الشعري لدى الشاعر إذ تنفتح له كل المغاليق:
كي نوار اللتشين الڭْول يفتح
إنه فتح منتج لقول زجلي بمثابة الطائر المحلِّق بانتشاء في سماء الإبداع، انتشاء تغذيه المنكوشة.
يا لمنڭْوشة يا لزين الجراح** قَسْت ڭْلبي طار من سرّك يصدح
يازينة لوشام بك تَحْلا لفراح **يا شايلة لحزان بك طيري يفرح
إن هذا المقطع يكشف بجلاء أن القول الشعري عند الشاعر ينتعش بما تقدمه هذه المنكوشة من ألحان، ألحان هي الدافع الأساس للقول الشعري الذي يوجهه الحب، حبّ ينشرح له صدر مبدعنا ليفيض قولا زجليا :
طير الحب يطير من حبك مشراح** مجنوح ڭْلبي راح لجواك ينشرح
إن طير الإبداع لدى شاعرنا حرّ طليق، وحريته لم تتحقق إلا من خلال تقييد الروح في’ سجن القصبة’ الآسرة للشاعر، سجن قوامه المحبة، إذ عبر هذا التقييد يتحرر الشاعر في دواخل أحمد اليعقوبي ، بذلك يتحقق الخلاص المتولِّد عبر هذه الثناية الضدية؛ السجن/الحرية، فتقييد الذات العاشقة مع محبوبتها (القصبة) هو الكفيل وحده بتحرير الذات المبدعة الشاعرة، يقول الشاعر :
فيك نسجن روحي وما نطلب صراح** لاَ حَذر نبرا ،بك ڭْلبي تَجْرح
فجراح الشاعر لا سبيل للملمتها إلا عبر هذا التقييد الذي يأبى الشاعر التحرر منه لعلّ ذلك يخفف من هذه الجراح.