عندما يتعلق الأمر بسياسات الدول الخارجية لا موجب للحديث عن دولة فاضلة وأخرى شريرة، أو عن دولة "الملائكة" في مقابل دولة "الشياطين". الرابط بين جميع الدول حول العالم هو وجود مصالح معينة، مع السعي الحثيث لتحقيقها بكافة السبل الممكنة، بما في ذلك الأساليب القذرة وغير الشريفة. وهذا مسلك تستوي فيه جميع دول العالم بلا استثناء الصغيرة منها والكبيرة، المسلمة وغير المسلمة، الديمقراطية وغير الديمقراطية. كما تتلاقى هذه السياسات في كون معظمها، وليس كلها طبعا، تتم في السر وتديرها شبكات متداخلة.

للتدليل على خطأ نظرة بعضنا لسياسة الدول، وسعي الكثيرين نحو المفاضلة الأخلاقوية المثالية بين مواقف وتصرفات الدول، وبناء مواقف ثابتة إزاء مسلكيات هي متحولة بشكل متواصل. للتدليل على ما قلنا يكفينا تقديم مثالين من عالمنا الاسلامي. يتعلق الأمر بتركيا والعربية السعودية. وهنا تبدو صورة السعودية في وعي أغلبيتنا على أساس أنها تمثل الشر كل الشر، بينما تظهر تركيا مدثرة بثوب الفضيلة والعفة. سنرى كيف أنه توجد مصالح وحسب. ولا وجود البتة لأشرار وأخيار في مجال سياسات الدول.

خلال إحياء ذكرى مرور 75 عاماً على غارة "فيل ديف" Vel’ d’Hiv في يوليوز 2017 (وهي أكبر عملية اعتقال جماعي لليهود في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية)، حيث تمت دعوة مسؤول إسرائيلي لأول مرة، اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كلمته على النحو التالي: "عزيزي بيبي، لن نستسلم لمعاداة الصهيونية لأنها هي الشكل المعاد اختراعه لمعاداة السامية ". كتب المؤرخ دومينيك فيدال مقالا ليرد على كلمات الرئيس، التي وصفها بأنها خطأ تاريخي وسوء سلوك سياسي.

- مقالك جواب عن إيمانويل ماكرون. ماذا تقول جملته؟ ولماذا نطق بها؟

- كان خطاب ماكرون مناسبًا وكان بمثابة تفسير لخطاب شيراك في عام 1995 بشأن الاعتراف بطبيعة مسؤولية الدولة الفرنسية في ترحيل اليهود من فرنسا. وفجأة، يلفظ هذه العبارة مخاطبا ضيفه بنبرة حميمة، رغم أن إسرائيل لم يكن لديها على الإطلاق دخل في هذه القصة. لن أغامر في البحث عن تفسيرات لدوافع الرئيس. ومع ذلك، فإن مثل هذا التأكيد يشكل خطأً تاريخيا فادحا وخطأً سياسيا مع عواقب وخيمة. خطأ تاريخي، لأنه ينكر تاريخ اليهود وعلاقتهم بالصهيونية. كتذكير، كانت الأخيرة تهدف إلى إنشاء دولة يهودية. لكن غالبية اليهود عارضوا حتى عام 1939 مثل هذا المشروع، في فلسطين أو في أي مكان آخر. وعلاوة على ذلك، فإن جزءًا كبيرًا من اليهود الأوروبيين الذين ذهبوا بشكل غير قانوني إلى فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية، ثم منذ عام 1948، إلى إسرائيل، فعلوا ذلك " افتراضيا " وليس عن اختيار صهيوني.

بعدما كان صحافيا في الأسبوعيات الشيوعية ك"France nouvelle" و"Révolution" التي أعفي منها بمعية ثلث هيئة التحرير سنة 1987، عمل لفائدة جرائد مختلفة، منها "La croix" التي بقي فيها إلى حدود 1991. فيما بعد، أصبح مديرا دوليا لمركز تكوين وتجويد الصحافيين" ورئيسا للجمعية الأوربية للتكوين في الصحافة. سنة 1995 التحق بالمجموعة الدائمة ل"Monde diplomatique" التي أصبح رئيسها تحريرها المساعد ثم مسؤولا فيها عن المنشورات الدولية وعن التنمية. باعتباره متخصصا في الشرق الأوسط، لا سيما في الصراع الإسرائيلي-العربي، أفرد له دومينيك فيدال عدة كتب، ألفها بمفرده أو بالاشتراك، خاصة مع زميله ألان جريش.
حينما تأثر عن حق المجتمع الدولي بالعمل الإرهابي الشنيع الذي قام به المستوطنون الإسرائيليون في دوما والذي تسبب في الموت حرقا لعدة أفراد من عائلة دوابش، من ضمنهم رضيع لم يعش سوى بضعة أشهر. رغم ذلك، فالمثير حقا هو الإيحاء بأنه تم "اكتشاف" ظاهرة قديمة مرت في صمت: الإرهاب اليهودي.
في هذا الحوار، يقدم دومينيك فيدال تحليلا وإجابات تضع الأشياء ضمن سياق تاريخي وسياسي مهمل كليا، عن خطإ، من قبل الهيئة الصحافية لوسائل الإعلام السائدة وأيضا من قبل الطبقة السياسية والدبلوماسية الدولية.

 بعد أن هدأت الحرب الأهلية (1917 -1920) في روسيا تناول عدد كبير من الكتّاب الروس موضوعا بالغ الصعوبة والحساسية، وهو علاقة المثقف بالثورة ، في وقت أضحى فيه العمال والفلاحون يشكلون عماد النظام الجديد ، وانحسر دور المثقفين ، وباتوا منبوذين وعلى هامش المجتمع ،  وموضع شك وريبة من قبل البلاشفة .
الحرب الأهلية الروسية بين الجيشين المتحاربين – الأحمر والأبيض - هي احدى الحروب الأكثر دموية في العصر الحديث ، وقد رافقها ارتكاب أعمال عنف وحشية ، واسعة النطاق ، ليس فقط على جبهات القتال، بل أيضاً ضد المدنيين من النبلاء وأعيان الريف والفلاحين الميسورين . وحصدت أرواح ما يقارب ثلاثة عشر مليون انسان .
معظم الأعمال الأدبية التي عالجت  موضوعة الحرب الأهلية كانت روايات بأقلام كتّاب شباب أسهموا في معارك الحرب الى جانب الجيش الأحمر المنتصر، يتغنّون فيها ببطولات المحاربين الحمر في إبادة الخصوم الطبقيين ، ويشيدون ب(الموجيك) الأمي البسيط ،الذي يضحي بحياته من اجل بناء مجتمع إشتراكي، وصوغ انسان جديد . روايات  تتسم بالرومانسية الثورية المزيفة ، وتزعم ان المقاتلين الحمر كانوا اناسا طيبين يتسمون بالشجاعة والنبل والشهامة ، على النقيض من أعدائهم المقاتلين البيض الأشرار.
ولم يجرؤ هؤلاء الكتّاب على قول الحقيقة المأساوية عن الثورة والحرب التي اعقبتها ، ووصف ما شاهدوه وسمعوه على أرض الواقع . ولعل رواية " تشابايف " لـدميتري فورمانوف، الصادرعام 1923 أبلغ مثال على هذه الروايات الدعائية. و" تشابايف " هو اسم  القائد الحربي (الأسطوري) فاسيلي ايفانوفيتش تشابايف ( بطل ) الحرب الأهلية. وهو الشخصية الرئيسية في الرواية .

في الصباح الباكر من يوم 8 يناير 1992 مات عبد الرحيم بوعبيد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والشخصية الكاريزمية التي شاركت جموع غفيرة في موكبها الجنائزي الذي امتد من مسجد السُنّة إلى المقبرة المجاورة للبحر بمدينة الرباط.وما أثبت هذه الكاريزمية، ضمن معطيات أخرى، هو أن عبد الإله بلقزيز، المفكر والكاتب المغربي المعروف، اعتبر قبل عامين أن الفترة التي رحل فيها الراحل الكبير عبد الرحيم بوعبيد، هي الفترة التي بدأت السياسة والعمل الحزبي يشهدان فيها اندساساً غير محسوب لمنظومة قيم كانت برانية على العمل السياسي والعمل الحزبي في المغرب، لعله آخر الكاريزمات الكبيرة في تاريخ المغرب..
إلى حدود هذه اللحظة، لا وجود لمكتب محلي في أكدز يمثل الحزب..الإخوان في النقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل يحاولون تعويض هذا الغياب بحكم أن نقابتهم شكلت الذراع العمالي/الاجتماعي للحزب مع أنه يراد لها ان تكون منظمة جماهيرية ديمقراطية مستقلة..في هذه الفترة، كنت مقيما في كوخ طيني واقع غير بعيد عن مدرسة آيت مْلَكْتْ، خلفها بالضبط في سفح الجبل وسط الصخور..لا شيء يغري بالبقاء هنا خارج أوقات العمل..لذا، كنت منجذبا إلى قرية أكدز التي تمنيت كثيرا أن أعمل وأقيم فيها لعدة اعتبارات أسوق منها ما يلي..
تقع أكدز في الجنوب الشرقي للمغرب، وبالضبط بين مدينتي ورزازات وزاكورة السياحيتين يحيط بها من كل جانب الجبال وأهمها سلسلة الأطلس الصغير، ويتميز مناخها بالطابع الشبه صحراوي، أي أنه مناخ شبه قاري بارد شتاءا وحار صيفا، أما بالنسبة للغطاء النباتي فيغلب عليه الاكاسيا أو ما يسمى محليا ( بالطلح).

في كتاب ترجم مؤخرا إلى الإنجليزية في الولايات المتحدة، يعود الصحفي رونان بيرغمان إلى الاغتيالات المستهدفة التي قامت بها الأجهزة السرية الإسرائيلية. أهم ما كشف عنه الكتاب: الدور الرائد الذي منح للدولة اليهودية في قضية بن بركة.
أقترح (يقول البشير بن ياحمد، كاتب المقال) في هذا الأسبوع أن أوجه انتباهكم إلى كتاب نشر في الولايات المتحدة، بعد ترجمته من العبرية. عنوانه " خذ المبادرة وكن أول من يقتل" « Rise and Kill First »، وعنوانه الفرعي "القصة السرية للاغتيالات المستهدفة من طرف إسرائيل". يقول مؤلفه رونين بيرغمان ، وهو كاتب صحافي مرموق، إنه أجرى عدة أبحاث خلال سبع سنوات لجمع حصاد المعلومات التي يمدنا بها.
هو كتاب ضخم من 750 صفحة (بما في ذلك الملاحظات) مؤلفه إسرائيلي مخلص لبلده لكنه يعارض بعض ممارسات حاكميه. أكد أن إسرائيل - خلال سبعين عاما تناوب فيها اثنا عشر رجلا على رئاسة الوزراء، من بينهم ثلاثة جنرالات - استهلكت قدرا كبيرا من الطاقة، كما برهنت عن جرأة وحذاقة في اغتيال المئات من الناس، بمن فيهم كبار القادة المدنيين والعسكريين، الذين اعتبرهم القادة الإسرائيليون أعداء حقيقيين أو محتملين لبلدهم.

1- المصادقة على حرية المعتقد
تناقلت وسائل الإعلام الوطني، قبل أربع سنوات، خبرا سارا تحدد مناطه في توقيع المغرب ومصادقته على حرية المعتقد. ونظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها هذا الحدث على مستوى تطلع المغرب إلى اللحاق بالمسار الكوني الحداثي المؤدي إلى احترام حقوق الإنسان و الذي انخرطت فيه الدولة المغربية عبر مراحل و بشكل محتشم من خلال الحرص على التنصيص على هذا المطلب ابتداء من دستور 1962 وصاعدا دون أن يترجم ذلك التنصيص إلى حيز الواقع بحيث يمكن تصريفه في صورة التقليص على الأقل من حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا؛ وهذا بشهادة التقارير السنوية المنجزة من قبل جمعيات حقوقية وطنية ودولية، (نظرا لكل ذلك) أسال مدادا غزيرا وأثار ردود فعل إيجابية لدى قطاع واسع من الرأي العام الوطني مشكلا، في الوقت نفسه، امتدادا لدينامية النقاش العام التي استمدت طاقتها من رياح الحراك العربي.
في هذا السياق، قرأنا للكاتب سعيد لكحل، يوم الخميس 10 ابريل 2014، مقالا بعنوان "حرية المعتقد بين المصادقة والدسترة" على الصفحة الأخيرة من جريدة "الصباح ". ويبدأ سعيد لكحل مقاله بفقرة صغيرة الحجم ينوه فيها بمصادقة المغرب على القرار الأممي المتعلق بحرية المعتقد خلال الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان مبرزا أهمية الحدث في تناغم وتجاوب مع السياق المذكور في مقدمة هذه المقال الذي يطمح لأن يكون تركيبيا. في الفقرة الثانية، وهي أكبر حجما، يشير الكاتب إلى الوقت الضائع المسجل على هذا المستوى والمترتب عن استعمال التيار الأصولي، الذي استقوى بحركة 20 فبراير، لكل أوراقه للضغط على اللجنة المكلفة بمراجعة الوثيقة الدستورية وحملها على إسقاط دسترة حرية المعتقد من المسودة . سوف نعود لهذه القصة بشيء من التفصيل في موضع لاحق من هذا المقال.

ترى ماذا لو كان الغرب يتوفر على شريحة شابة في هرمه السكاني كالتي نمتلكها نحن في دولنا العربية؟ لا شك أنه سيصنع بها المستحيلات، وسيحول الصحاري إلى جنات، والفضاء إلى منتجعات ومنتزهات.
مرحلة الشباب أو مرحلة التطلع إلى المستقبل، أهم فترة يمر بها الإنسان في حياته، تتبلور فيها شخصيته وينمو طموحه وتنتفض حيويته نحو البذل والعطاء، تنساب مشاعره فيها كما تنساب جداول الماء من منبعها، وتنضج قواه العقلية والفكرية كما تنضج الفاكهة في فصلها، فيخيل للفرد أن بمقدوره تحقيق كل شيء يرغب فيه، أو أي حلمٍ يراوده منذ طفولته.
لكن ماذا لو ظلت الفاكهة الناضجة معلقة منسية في أغصانها، حتى يطول عليها الأمد، فتقل جودتها وتتعفن شيئًا فشيئًا، ماذا لو أدرنا ظهورنا لهذه الطاقات الشابة الهائلة، وهذه العزائم المتدفقة، وهذه الإرادات القوية، حتمًا ستأفل ويخفت بريقها يومًا بعد يوم، ماذا لو أهملنا هذه الفئات الفاعلة في شرايين المجتمع، النابضة بالحيوية، المتشبعة بالعزيمة والإصرار على ترك بصمتها في الحياة، حتمًا سيضعف تنفسها، وتهزل رئاتها، وتموت اختناقًا مع الزمن.