في فترة الثمانينيات، دارت فصول حوار فكري مثير وشائق في صفحات مجلة اليوم السابع بباريس بين اثنين من أهم أعلام الانتلجنسيا العربية، المغربي محمد عابد الجابري (1935-2010)  والمصري حسن حنفي (1935 – 2021)، وهو الحوار الذي جرى ضمه لاحقا في كتاب صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت في العام 1990، بحيث يعكس أهم القضايا والمواضيع التي شغلت عقول النخبة المثقفة العربية وكيفية تعاطي الأخيرة معها، بالتزامن مع التحولات الدولية التي كانت تلقي بثقلها على الثقافة العربية في سياق الانتقال إلى نظام القطب الواحد والعولمة المكتسحة لكافة مجالات الاجتماع الإنساني. وسنعمد فيما يلي إلى تلخيص أهم مواقف المفكريْن من القضايا والأسئلة موضوع هذا الحوار:

الأصولية والحاجة إلى "كتلة تاريخية"

يرى حنفي بأن ما يسمى ب "الظاهرة الأصولية" تتسم بسمات عامة اعتبارا لهيمنة الجناح اليميني عليها: القراءة الحرفية للنصوص دون مراعاة "أسباب النزول"، التشبث بإسلام طقوسي شكلي عوض الالتفات إلى روح الشريعة ومقاصدها السامية، رفض وإقصاء المكونات السياسية والأيديولوجية الأخرى (يساريين، ليبراليين، قوميين... الخ). ومن ثم فإن التحدي أمامنا – عند حسن حنفي - هو تقوية الجناح اليساري في الحركة الأصولية الذي برغم أفكاره العميقة ما زال يفتقر إلى الإطار التنظيمي الملائم.

بينما يرفض الجابري التحزب لهذا التيار الفكري أو ذاك (سلفي، ليبرالي، قومي، ماركسي) بالرغم من إقراره بشرعية وجود تلك الاتجاهات الفكرية. وبدلا من ذلك، يدعو إلى البحث عن "نقط التقاء" بينها في إطار كتلة تاريخية تستوعب جميع الأطياف الأيديولوجية للتفكير بجدية في قضايا المصير المشترك التي تهم الأمة بأسرها.

الموقف من العلمانية

يذهب المفكر المصري إلى أن العرب والمسلمين في غنى عن التمسك بأهداب العلمانية الغربية، إذ يكفي الإنصات لروح ومقاصد الشريعة التي تتصف بقدر كبير من المرونة والقدرة على مواكبة التطور التاريخي والعمراني لكونها جاءت لتحقيق مصالح العباد وحقوقهم: "الإسلام دين علماني في جوهره، ومن ثم لا حاجة له لعلمانية زائدة عليه مستمدة من الحضارة الغربية".

وبالمقابل لا يوافق الجابري محاوره على العبارة التي استخدمها (الإسلام دين علماني)، ويذهب إلى أنها تعمق سوء الفهم بدل تبديده. لكنه يتفق من حيث الجوهر مع حنفي من خلال إقراره أن مفهوم العلمانية كما طرح في الغرب لا يجيب عن الحاجات التاريخية والموضوعية للمجتمعات العربية لما يكتنفه من لبس شديد، وبدلا من تلك اللفظة يطرح مفهومي الديمقراطية والعقلانية كخيارين لا مندوحة منهما لنهوض العرب.

على مدى آلاف السنين الماضية، كان تاريخ العالم مدفوعاً بقوى أربع حضارات مهيمنة: الصينية، والهندية، والعربية، والأوروبية. وبينما طورت هذه الحضارات الأربع هوياتها الخاصة وشرائع الأعمال المقدسة، كان هناك على مر التاريخ قدر كبير من التلقيح المتبادل بين الحضارات الأربع. ونذكر مثالاً واحداً فقط من أمثلة متعددة: كان العالم العربي المسلم، ابن رشد (1126-1198)، المولود في قرطبة، وهو عالم في الفلسفة الأرسطية، ويُعرف على نطاق واسع بأنه الأب المؤسس للفكر العلماني في أوروبا.

تطورت الحضارات الأربع وتوسعت من خلال مزيج من التجارة والاستكشاف والحرب والغزو والأيديولوجية (الدين). وكانت الحضارة العربية هي الأخيرة من الناحية التاريخية. نشأت من زمن النبي محمد” ﷺ " (570-632) وتجميع القرآن الكريم، مدفوعاً بمفهوم الأمة – مجتمع جميع المسلمين الذين يوحدهم الدين وليس العشيرة أو العرق. وفي القرون التالية توسعت الأمة عبر معظم جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط، وشمال وشرق أفريقيا، وعبر آسيا الوسطى وصولاً إلى الهند، عبر المحيط الهندي، عبر بحر الصين الجنوبي، لتصل إلى ما يسمى اليوم إندونيسيا.

بدأ صعود أوروبا مع "عصر الاكتشافات" في أواخر القرنين الخامس عشر والسادس عشر، حيث أتاحت التقنيات البحرية الجديدة ورسم الخرائط وانتشار المطبعة للإمبراطوريات الأوروبية المنقولة بحراً غزو "العالم الجديد". مع الثورات الزراعية والعلمية والتجارية والصناعية والأيديولوجية والثقافية والاجتماعية والسياسية التي حدثت، منذ أوائل القرن التاسع عشر، أصبح شمال غرب أوروبا يهيمن على العالم. وفي حين كانت حصة أوروبا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1700 تبلغ 20%، فإنها بحلول عام 1900 تضاعفت إلى أكثر من 40%.

لقد تحطم التوازن الاقتصادي والسياسي والعلمي والعسكري والثقافي والنفسي الذي كان قائماً بين الحضارات الأربع لعدة قرون في ضوء صعود أوروبا الذي لا يرحم على ما يبدو، وفي ضوء تحول الأوروبيين، على حد تعبير عنوان العمل الذي كتبه الراحل المؤرخ فيكتور كيرنان، "أسياد الجنس البشري" (1969). يشير الصينيون إلى الفترة التي تلت حرب الأفيون الأولى (1839) إلى التحرير (1949) باسم "قرن الإذلال". لقد تعرض جميع غير الأوروبيين للإذلال.

" هل يمكن أن نكتب بحثا متماسكا عن الشخصية المغربية؟
لقائل أن يقول يا أيها المؤرخ نحن لا نسألك عن الطباع والوجدانيات التي لا جدال في أنها مثل الرياح لا تستقر على قرار، ولكن نسألك عن الشخصية المغربية التي هي لباب كل ذلك.. وعن الثوابت التي تجعل المغربي يدرك عن وعي أو غير وعي بأنه يختلف عن باقي الأقوام فيترتب على ذلك قدرة الأجانب على تمييزه هم أيضا عن كل شبيه به. أليس دور المؤرخ استخراج الثوابت من المتغيرات علما أن..التغيّر هو السر الذي لا يتغير؟".
المؤرخ ابراهيم بوطالب(تاريخ المغرب الحديث والمعاصر،ج1،ط1،2014،ص.217).
التساؤل عن النفسانية المغربية والشخصية المغربية موضوع عاد إليه المؤرخ الطيب بياض بطموح كشف الضوء عما تراكم أسفل طبقات البنيات العميقة وضمن منظور الزمن الطويل وتاريخه البطيء، وبعنوان درس افتتاحي بنفس بحثي قدمه برحاب جامعة الحسن الثاني يوم 09 يناير2024 .
ولتعميم المعرفة التاريخية صدر الدرس في كتاب تحت عنوان" الشخصية المغربية، تأصيل وتأويل" عن منشورات باب الحكمة، سنة2024 .
يقع الكتاب في 91 صفحة من الحجم المتوسط، ويتضمن توطئة عرضها خالد الحياني أستاذ علم الاجتماع بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ومدير المكتبة الجامعية محمد السقاط، كشف فيها سياق اختمار الفكرة وتطور المشروع الفكري حول الموضوع لدى المؤرخ الطيب بياض من زاوية بحثية من صميم اهتمامات المؤرخ .
بعدها يأتي الموضوع وفق منهجية تصاعدية وعبر محاور كبرى :
- مقدمة
- في تقديم الإشكالية وعدة معالجتها
- ولادة مبكرة وتشكل في الزمن الطويل
- بصمة الاسلام وصدمة الحداثة
- عصر الازدواجية أو مغرب الثنائيات
- استشراف أفق أو في معنى أن تكون مغربيا
ثم بيبليوغرافيا وفهرس.

كشفت حالة الفوران التي تشهدها الظواهر الدينية عن تخبّط في الوعي بحقل المقدّس وقضاياه في البلاد العربية. وهو تخبّط يعود في عمقه إلى عدم تطابق أدوات المعرفة مع حقل المعرفة. حيث يستحضر "العقل الخامل" أدوات معرفية لاغية أو محدودة الأثر، متوهّماً قدرتها على فهم "الكائن المتدين" وحلّ إشكالياته العصيّة. فما الذي فات الدارس العربي ليلج طور الحداثة في فهم الدين والتحكم بتشظيات المقدّس والإحاطة بتحولاته؟

المنهج اللاهوتي والمنهج العلمي

بدءاً يتلخّص الإسهام العلمي للمناهج الحديثة في دراسة الظواهر الدينية، وِفق ما أوضحه الفرنسي ميشال مسلان في كتاب "علم الأديان" (مشروع كلمة، 2009)، في التركيز على متابعة العلاقة الأفقية وتخطّي العلاقة العمودية في علاقة "الكائن المتدين" بالمقدّس. بوصف علم اللاّهوت هو علم معياري سياقاته مشروطة بمدى ما يتمتّع به الإيمان من صدق... ذلك أن المقاربات اللاهوتية تجيب عن سؤاليْ: ما الواجب علينا الإيمان به؟ ولماذا ينبغي علينا الإيمان بذلك؟ في حين يهتمّ علم الأديان بكلّ ما هو معتقَد من قِبل البشر. وبذلك يكون علم الأديان جملة القواعد والضوابط العامة -التي تحضع لها التجربة الدينية، تجربة الإنسان مع المقدّس- المستمدة من العلوم الاجتماعية والإنسانية.

ولتتّضح معالم النهجين، أعود إلى التطرق إلى خاصيات مجالات اللاهوت، أو لنقل "العلوم الشرعية" بصيغة إسلامية. فهي علوم على صلة بلحظة مفارقة غير تاريخية، تُعبّر عن وجهة نظر المؤمن "الداخلية". حيث أن أصل كلمة "teo-logia" إغريقي، وفي مدلولها العربي تعني "خطابا حول الله"، هو في الواقع خطاب حول ما لا عيْنَ رأت. حيث ينصبّ اهتمام علم اللاهوت على دراسة القضايا الفقهية والمسائل التشريعية، وضبط قواعد الاستدلال بشأن الغيبيات، عبر تأصيل الأحكام وتقعيد الصلات بين العبد وخالقه، بغية تقديم نظام أخلاقي دنيوي، في وصال مع ما يتصوّر المؤمن أنه الحقيقة المطلقة. أي ضمن أي السُّبل يتحقق الفلاح الدنيوي والخلاص الأخروي.

كتاب من تأليف المفكر المغربي سعيد بنسعيد العلوي، صدر عن المركز الثقافي العربي ببيروت في العام 1987، يضم في طياته سلسلة من المقالات المتفرقة التي تشكل في مجموعها الإطار العام للبحث المتمثل في الوقوف على كيفية تعاطي الفكر العربي المعاصر مع أسئلة النهضة والحداثة.

أولا: السلفية الإصلاحية وامتداداتها في المغرب

استهل المؤلف قراءته لأهم تيارات الفكر العربي المعاصر بالتيار الإصلاحي السلفي الذي ظهر في المشرق إبان ما عُرف بعصر اليقظة العربية، ومن بين طروحاته الأساسية تشديده على أن سبب التأخر والانحطاط ليس هو الإسلام كعقيدة، بل يعزى أساسا إلى انزياح المسلمين عن تعاليم دينهم. كما يصدر الموقف السلفي من إشكالية سياسية ترد الواقع المتردي إلى استبداد وجور الحكام، قبل أن تتحول (في لحظة تالية) إلى إشكالية دينية من خلال المناداة بإعمال العقل والاجتهاد عبر ترك البدع المثبطة للتقدم.

ويشير الكاتب إلى أن المغرب لم يكن في منأى عن هذا الطرح الفكري، بحيث تَبَلور وعي سلفي ظهرت إرهاصاته الأولية في مطالع القرن العشرين مهدت له الظروف العصيبة التي كان يعيشها المغرب في السنوات السابقة للاستعمار (تهديد خارجي، فتن وثورات داخلية... إلخ)، قبل أن يبلغ لحظة النضج الفكري مع الحركة الوطنية ومُنَظرها الفكري علال الفاسي. وفي هذا الباب، يعرض الباحث لنموذج "مثقف مخزني" برز أثناء فترة الحماية ألا وهو محمد بن الحسن الحجوي (1874 – 1956)، ليخلص إلى أن موقف التيار السلفي من دعوة التحديث والاجتهاد كان ذا نطاق ضيق في مجمله، بحيث طال البنى المادية للمجتمع (التجارة والصناعة... إلخ) دون أن يمتد ليشمل الحداثة الفكرية بمفهومها الواسع.

ضمن ما سأتطرّق إليه بشأن بيان حدود الاتصال والانفصال بين المنهج العلمي والمنهج اللاهوتي في معالجة الظاهرة الدينية، أستهلّ حديثي بكلمة قالها الفرنسي ميشال مسلان في كتاب "علم الأديان": "أن نتابع الحفر في خندقنا مع إلقاء نظرة بعيدا صوب الحقول الأخرى". بهذا الشكل يتجنّب دارس الظاهرة الدينية الانحصار داخل رؤية ضيّقة، ويثري أدواته برؤى خارجية. ومن جانب آخر تدفعني مقولة البولندي زغمونت باومان بشأن سمة "السيولة" التي تطبَعُ عالمنا اليوم: "المجتمع السائل"، و"الحداثة السائلة"، إلى إدراج الدين ضمن هذا الواقع السائل، الذي بات عصيّا على الفهم ضمن إطار محدد. فـ"الواقعة الدينية"، و"التجربة الدينية"، و"الكائن المتدين"، و"المقدّس" عامة، هي مظاهر نابعة من معين واحد، وهي في أمسّ الحاجة إلى تنويع المناهج وتوحيدها، في الآن نفسه، لسبر غور تلك التشظيات.

الظاهرة الدينية

سوف تتمحور هذه الدراسة حول ثلاثة عناصر أساسية: الظاهرة الدينية، المنهج اللاهوتي/المنهج العلمي، لأخلص بالحديث إلى آفاق التكامل بين المنهجين. في البدء يقتضي الحديث تعريفا لمفهوم الواقعة الدينية أو الحدث الديني الذي نحن بصدد معالجته، وهو ما نُطلق عليه تجوزا الظاهرة الدينية أو التجربة الدينة. ذلك أن الظاهرة/التجربة هي اختزالٌ لبُعد أنثروبولوجي لازم الكائن المتدين، وهي تجلٌّ ديني، نحاول حصره ووضعه بين قوسين. إذ صحيح أن الظاهرة الدينية هي ما يظْهَر من فعل مشوب بمسحة قداسة؛ ولكن كلمة "الظاهرة" هل تغطّي ما يعتمل في ذات الفرد وباطنه أيضا؟ لنأخذ على سبيل المثال حالة الوجد الصوفي، أو ما شابه ذلك من مظاهر الورع والتقى والربّانية، والتطويب والتقديس في السياق المسيحي حصرا، فهي مظاهر شفّافة غير قابلة للرصد العيني أحيانا. وذلك ما أملى إضافة توضيحية لكلمة الظاهرة، كأن نقول: "الظاهرة النفسية"، "الظاهرة الاجتماعية"، "الظاهرة التاريخية"، "الظاهرة الدينية"، في مسعى للإحاطة بما تتعذّر الإحاطة به بالركون إلى كلمة "الظاهرة"، كونها في الأصل متابعة لما يظهر لا غير.

ضمن هذا السياق يجرّنا تناول الظاهرة الدينية إلى إدراج الموضوع ضمن مبحث عام ألا وهو "الظواهرية الدينية"، بوصفه الإطار الأشمل والأعمّ لاختبار الظواهر. إذ يعود مصطلح "ظواهرية الدين" إلى الهولندي بيار دانيال شانتبي دي لا سوساي (P.D. Chantepie de la Saussaye) مدرّس تاريخ الأديان في جامعة أمستردام مع أواخر القرن التاسع عشر، في كتابه: "مدخل إلى تاريخ الأديان" (1887). فأمام إدراكه أن مقصد الظواهرية ليس قاصرا على متابعة العيني والمرئي، أي ما ظهر للعلن، جرى تفريع الانشغال إلى فرعين أساسيين: "الظواهرية الدينية الوصفية" و"الظواهرية الدينية الفهميّة"، وهذه الأخيرة هي ما حاول فان دير لاو تأسيسها، حيث عرّف الظاهرة بقوله "هي في الآن شيء على صلة بموضوع وموضوع على صلة بشيء"[1]. معتبرا أن المكوث عند التقرير الوصفي دون الولوج إلى غور الظواهر يُبقي الدارس عند مجرّد وصف الظاهرة الدينية[2]. وبالتالي السؤال العميق المطروح أمام الظواهرية الدينية هو سؤال الفحوى والدلالة بشأن معنى الظاهرة. إذ لا يفي بالغرض رصد الحالة وتوصيفها، ما افتقر الحدث إلى تأويل ومعنى. وفي اللسان العربي كلمة الظاهرة هي ترجمة مستوحاة من الإغريقية (phainomenon)، التي تعني حرفيا الشيء الظاهر، الظاهرة، والمصطلح كما هو مخاتل في اللغات الغربية، هو بالمثل في العربية.

استعمل الفيلسوف-المؤرخ عابد الجابري مفهوم الاستقلال التاريخي بعد أن استعاره من الحقل المفاهيمي والنظري للمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، ووضعه ضمن نسق فكري ومنهجي جديد يتوافق مع الأطروحة الفكرية والسياسية للوطنيين المغاربة في علاقتها بالتراث(السلفية الوطنية) وبالآخر (الغرب) فأصبح الاستقلال التاريخي لدى الجابري هو قدرة الأمم على فَحص تراثها بعقل متحرر، ونقد علاقتها بالغرب لامتلاك أسباب استقلالها الذاتي.
انقلبت موازين المواجهة في الحرب العالمية، وتراجعت قوة "نظام فيشي" بفرنسا وتأسس تيار "فرنسا الحرة" الذي سيعقد مؤتمرا له في برازفيل سنة1944 (حضره جاك بيرك ممثلا للإقامة العامة حينها) نضجت فكرة مطلب الاستقلال لدى الوطنيين المغاربة.
لقد فقدت فرنسا فرصة الحفاظ على الوضع القائم قبل الحرب، ولم يعد بإمكانها تأمين "الوجود الودي" و"نظام التفاهم" (ستعود إليه بعد1953 ومعها ستطرح فكرة الاستقلال في إطار التبعية لأول مرة سنة1954 ).
تقدم الوطنيون بعرائض ومذكرات في كل من المنطقة السلطانية والخليفية ولدى قناصلة الدول بطنجة الدولية، ولم يعد سرا لدى المؤرخين أن وحدة المطالب هي ما يفسر وجود أكثر من وثيقة أو مذكرة للمطالبة بالاستقلال، لعل أشهرها، لأنها صدرت عن أكبر تنظيم سياسي جامع حينها ومؤثر، هي وثيقة 11يناير1944.
تقول الرواية التاريخية الجديدة بأن هناك أيضا "مذكرة تطوان" بتنسيق ما بين حزب الإصلاح الوطني(ع.الخالق الطريس) وحركة الوحدة المغربية(المكي الناصري) يوم 14فبراير1944، ثم مذكرة الحزب الشيوعي المغربي(إ.عمران المالح).
بيان11يناير 1944 جاء بعد 10سنوات من تقديم دفتر مطالب الشعب المغربي ومطلب الإصلاحات، وشكّل أرضية للمطلب المشترك للوطنيين في علاقة بالمنتظم الدولي:

كتاب من تأليف الباحث المغربي عبد الهادي البياض، صدر عن دار الطليعة للطباعة والنشر ببيروت، يتألف من بابين رئيسيين موزعيْن على عدة فصول، وهو بمثابة دراسة أكاديمية تبحث في تأثير الكوارث الطبيعية (القحوط، المجاعات، العواصف، السيول، الجراد، الحرائق، الزلازل، الأوبئة) على ذهنية وسلوك إنسان المغرب والأندلس، وما قد تفضي إليه من تحولات قيمية، وذلك في الفترة الممتدة من القرن السادس إلى القرن الثامن الهجري، عبر مقاربة منهجية تمزج بين ما هو كمي إحصائي، فضلا عن المناهج الأنثروبولوجية والسوسيولوجية، ومقاربات التحليل النفسي والسلوكي، والمنهج المقارن. كما يقر صاحب الكتاب ببعض الصعوبات المنهجية التي اعترضته من قبيل ندرة المصادر النصية التاريخية التي يمكن الاستناد إليها.

وفيما يخص الآثار المترتبة على وقوع كارثة ما، عادة ما ينجم عن ذلك عواقب ديمغرافية من حيث تناقص عدد السكان، فضلا عن بروز توزيع جغرافي جديد (هجرة القبائل الصحراوية إلى الأراضي الخصبة، إذ كان سكان المناطق الصحراوية أكثر صمودا في وجه الكوارث بفضل المناخ الصحراوي الحار ونظام التغذية المعتاد على التقشف)، بالإضافة إلى تداعيات سياسية مثل إضعاف وباء 610 ه لسلطة الموحدين، ومن ثم استفادة خصومهم المرينيين من ذلك المعطى، دون إغفال تداعيات أخرى سنعرض لها فيما يلي: