هل تحتاج التربية الى فلسفة ؟ - ابراهيم ماين

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

تقديم عام :
   يولد الإنسان ضعيفا لا يفصله عن عالم البهيمية إلا خيط هزيل، لكن التربية تسمو به و ترفعه الى مراتب الإنسانية، فما كان الإنسان ليكون إنسانا لولا التربية، و لو جاز لنا أن نحده بحدود تسيج كيانه فلن نقول إنه كائن عاقل أو ناطق، بل سنقول أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يربي و يربى، و الدليل على ذلك هو استحالة تصوره خارج إطار التربية، بل قد نغالي و نشاكس الفلسفات التي مجدت الإنسان باسم العقل و اللغة و الأخلاق أن هذه الأشياء كلها لا تحصل إلا بالرعاية، و الرعاية ليست شيئا أكثر من التربية، فالعقل يحتاج الى تهذيب إذا ما كان فطريا، و يحتاج الى تشذيب إذا ما كان مكتسبا، و اللغة لن تتجاوز حدود المحاكاة الطبيعية إذا لم يتم تطويرها عبر التربية انطلاقا من تجسير علاقتها بالثقافة، و ستبقى مهلهلة مفككة مفتقرة للنظام و الانسجام ما إن لم تتخذ التربية طريقا لها لتغتني و تتقوى، و أمارة ذلك أن لغة الشعوب البدائية التي تعيش نمط حياة أقرب الى الحيوانية لا تتعدى أن تكون لغة عيش فقط، لا لغة ثقافة و حضارة، و ليس ذلك قدحا و احتقارا لهذه الشعوب بقدر ما هو تشخيص واقعي حي لما هو حال الشعوب التي لا تتبع سبلا في التربية تستهدف الإبداع الفردي و الارتقاء بالمجتمع الى مستوى من التلاحم و التناغم  . أما الأخلاق فحسبنا أن لا شيء يصنعها إلا التربية، حتى و لو استغرقنا في التفكير في الأخلاق المجردة فإننا نغرق في المثالية، وكما تصنع التربية الأخلاق المثيرة للاستحسان تصنع أخلاقا جالبة للاستهجان، فبقدر ما تستطيع أن ترسخ الأخلاق الإنسانية تستطيع أن توسخها، و بقدر ما تستطيع أن ترصن العقل تستطيع أن تذلل عمله و تقوض رجاحته، و بقدر ما تستطيع أن تثري اللغة و تنمي من قدرات التواصل تستطيع أن تضعفها و تبددها، لذلك، لا يجب أن ننساق مع التصورات التي تلمع من صورة التربية و تعتبرها أساس إبداع الفرد و ازدهار المجتمعات، اللهم إذا ارتبطت بمنظور معين يحدد ما يجب أن تكون عليه، أي الغايات التي نسترعيها منها، و غايات التربية لا تخرج عن نطاق فلسفة التربية، صحيح أن هذه الأخيرة تنتهج نمطا من التفكير ينصب على ما ينبغي أن يكون، إلا أنها لا تكتفي بمهمة التعيير ( وضع معايير ) و إنما تفحص و تشخص ما هو كائن في حقل التربية إن قصد النقد و إن قصد التدخل، و قد يقول قائل أن البحث في التربية انطلاقا من الفحص و التشخيص اعتمادا على الاستقراء هو من اختصاص علوم التربية، و بالأخص السوسيولوجيا و السيكولوجيا و أن الفلسفة هي مجال التنظير فقط و لا يسعها أن تقوم بفعل التدخل لأن ذلك لا يتناسب مع طبيعتها، و الحق أن هذا القول لا يخلو من الصواب، لكن في جزء منه فقط، فعلوم التربية تقتصر على معاينة الفعل التربوي و ما يحيق به من ظواهر بغية حياكة شبكة من البيانات و المعطيات التي تكمم الواقع من أجل تفسير الظواهر التي تتشابك داخله، لكنها لا تتدخل في تغييره، أما الفلسفة فحسبها أن تحمل مشعل التغيير عملا بالأمر الماركسي الذي يقول أن الفلسفة قد اكتفت بتأويل العالم و التفكير فيه و آن أوان تغييره "، إذن، تضطلع فلسفة التربية بثلاثة وظائف : الأولى فحصية تسعى الى تفسير و فهم الفعل التربوي، الثانية تغييرية همها تغيير هذا الفعل مما هو كائن إلى ما يجب أن يكون، و الثالثة نقدية بمعنيين : المعنى الأول هو  نقد الفعل التربوي و فضح العيوب التي تتستر خلف الانطباع المسبق عن التربية، المعنى الثاني هو نقد جينالوجي يستهدف إذابة المحددات الأخلاقية و الضوابط الاجتماعية و السياسية التي تضفي على التربية طابعا ثقافيا، أي نزع ثوب الأخلاقية منها و العودة الى أصولها قبل أن تختلط بالثقافة و المجتمع و تتحول الى مجموعة من المعايير . و الأسئلة التي تخامرنا هنا هي: هل تحتاج التربية الى علومها أم الى فلسفتها ؟ و كيف يمكن للفلسفة أن تبلور تصورا عاما للتربية ينفذ من ضيق المحلية الثقافية الى أفق الكونية الإنسانية؟ و هل ما ينبغي أن يكون في التربية قد ينقلب الى ما هو كائن بفضل الفلسفة أم أن ما ستقدمه الفلسفة للتربية لن يكون إلا نماذج مثالية بعيدة المنال و مخيبة للآمال ؟ و ما الذي جعل التربية موضوعا للفلسفة ؟ و هل يمكن أن نربي بدون فلسفة ؟ هل من الضروري أن نفلسف التربية أي نخرجها من طابعها المألوف الى طابعها غير المألوف ؟

1 . التربية من سكينة المألوف الى ضجيج التفلسف :

     تظل جميع المفاهيم و المواضيع المتداولة بين الناس في حالة من الاستكانة و الاستقرار حتى تقترن بالفلسفة  فتتزعزع، فالاستعمال الشائع لمفهوم التربية قد أضفى عليه طابع البداهة و الوضوح، و التفكير فيه هو ضرب من ضروب الهراء و الهذيان، و هذا من طبيعة الإنسان، إنه يميل الى الواضح من الأفكار، دون أن يضني نفسه و يكلفها مشقة التفكير و البحث. ثم إنه لا يجب أن نختزل التربية في جانبها العملي فلا نقتصر في فهمنا لها على ممارستها فقط، و إلا سيسقطنا ذلك في فخ ما يسميه إدغار موران ب " منظومة التبسيط " .

    إن دخول الفلسفة على التربية قد سحبها من دائرة المألوف و ألقى بها في دائرة غير المألوف حيث تنتفي البداهة و الوضوح و يحضر الالتباس و الغموض، و ليس  يعني ذلك أن الفلسفة تسعى الى تعقيد المفاهيم و جعلها عويصة على الفهم أو أنها تنتشي بإيلاج دجنة المواضيع باحثة عما يتوارى خلف ظاهرها، و إنما يعني أن الفلسفة تستشكل التربية و تضعنا أمام حقيقة جهلنا بما نعرفه عنها أو بلغة جان بودريار  Jean Baudrillardتجعل المفهوم غير قابل للفهم[1]،  إن الفلسفة كما اعتبرها الفيلسوف الفرنسي أوليفيي روبول Oliver Reboul تبدأ هناك حيث لا تسير الأمور من تلقاء ذاتها، هناك حيث ما كان واضحا بالنسبة للجميع يكف عن كونه كذلك، إنها تبدأ من السخرية السقراطية المتمثلة في طرح السؤال عن الشيء مع إظهار الجهل به. و بناء عليه فإن فلسفة التربية تبدأ، إذن، و قبل كل شيء من السخرية، حيث تضع كل ما نعرفه أو نظن أننا نعرفه عن التربية موضع سؤال شمولي و استشكال جذري[2]، إذ أن ما يهمها في التربية هو كونها ذات بعد إنساني و كوني و لا ترتبط بثقافة بعينها، لأن ارتباطها بالثقافة يجعلها موضوعا للعلوم الاجتماعية. ثم كونها تحفر بعيدا في أغوار التربية منقبة عن الدعائم التي أسست لها.

   إن حاجتنا إلى التفكير في التربية، هي الحاجة الى الحرية حيث اجتراح ممكنات الإنفلات من مغالق البعد الواحد حيث الاجترار و التكرار اللذين نسفا بالإبداع الفلسفي، و الانفكاك من الآراء السائدة حولها و التي لا تترك مساحة مغايرة للتخندق مع أو ضد، و التحرر من الانحشار في قولبة الممارسات الروتينية التي تخنق كل إمكان للتفكير في هذا الذي يسري و يجري دون أن يتوقف. إن التربية بالمعنى الدوركايمي أي تربية الأجيال السابقة للأجيال اللاحقة يجعلها موضوعا لا يستحق أن نمعن فيه النظر، ذلك أنها فعل قامت به الأجيال منذ القدم، و تكرر على مدى القرون و السنين، حتى تقررت معه التربية كعادة أو كقانون إنساني، و معلوم أن العادة إذا ما استبدت بالإنسان فإنها تجهز على ملكة التفكير عنده فتبطل عملها، فلا يكون بمكنته الإمساك بهذا الذي يسيل و لا القبض على هذا الذي يجري، فالتربية سيالة إذا ما لم تؤسس على أساس صلب، و يكمن هذا الأساس في الفهم، و الفهم ينبثق من صلب التفكير الفلسفي، و ذلك لأن ممارسة فعل التربية دون فهمه لا يمكن أن يثمر غايات مثلى يرجى تحقيقها من ذلك الفعل .

2 . التربية بين الاتباع الثقافي و الإبداع الفلسفي :

    إننا سنكون على خطأ إذا ما سلمنا بأن التربية ممارسة و الفلسفة تنظير، ذلك أن من شأن الفلسفة أن تصبح ممارسة بدورها، و بدل أن نعقد اتصالا بينها و بين التربية، نعقد اتصالا بين التفلسف و التربية، فلما كانت الفلسفة كممارسة إبداعا للذات أو ما يسميه فوكو ب "جماليات الوجود " كانت التربية ممارسة يفيض منها الغذاء المادي و المعنوي و الأخلاقي و الروحي الذي يقود الفرد الى النمو و الاندماج الاجتماعي، غير أنه لا يجب أن نفهم من الممارسة أنها عادة من العادات الاجتماعية التي تكرر ذاتها خصوصا إذا ارتبطت بالتربية، و إلا تحولت الى تمترس أو الى " هيكسيس " بلغة جون بول سارتر، و إذا حصل هذا الفهم فإن الفلسفة تنتفي و تختفي، بل إنها – أي الممارسة -  فعل أو " براكسيس" تكون الغاية منه إحداث تغيرات و آثار على صعيد الفرد أو على صعيد المجتمع، و الفلسفة بدورها تنشد التغيير و تطمع في التجديد و ترنو الى الإصلاح و التحديث .

    لذلك فإن التربية إذا لم تقترن بالفلسفة فإنها ستنجرف مع تيار الاتباع، و إذا ما استعانت بالفلسفة فإنها تشق لنفسها مسارات للإبداع، فأن تصنع إنسانا ليس هو تبتكره، فالصنع يعني إحداث شيء جديد على شكل معين من شيء مخصوص سابق، فيكون مقتضى تحققه وجود سابق عليه يصنع على أساسه، بمعنى صنع إنسان جديد على سجية أجداده يحذو حذوهم و يقتفي أثرهم الأخلاقي و الديني و الاجتماعي، و لا يكون له مناص من خرق قانون التربية الاتباعية القائم على التوريث، فينطبق على الصنع منهج الاتباع و الاحتذاء .

    أما الابتكار فهو إحداث شيء على غير مثال سابق، فيكون مقتضى تحققه كبح ميول الإنسان الى تقديس موروث الأجداد الذي أشرب قلبه به، فلا يكون منتفضا ضده، ولا متمردا على ثقافته، ذلك أن من شأن التمرد أن يعزل الفرد و يشرده، فالإنسان يعيش في عالم تحكمه " المعية " و لا فكاك له من المجتمع الذي ترعرع فيه، لكن التربية المقرونة بالفلسفة تضع ذاته على مسافة من مجتمعه، لأن غياب هذه المسافة يؤدي الى ذوبان الإنسان في ثقافته، فلا يكون هو نفسه، و لا ينفتح على ممكنات يحتمل أن يكونها .

  و إن نحن سلكنا في التربية الاتباعية الخالية من الفلسفة و القائمة على الصنع مسلكا فإننا نسلم أن فساد الفرد من فساد الثقافة التي تحتضنه، في حين أن التربية الإبداعية اللصيقة بالفلسفة و القائمة على الابتكار تدعو الى تدبير المتوحد بلغة ابن باجة و الى التفكير في آفاق و ممكنات حصول مجتمع فاضل تأفل فيه أشكال الفساد الخلقي و التفسخ القيمي، و يشترط في هذا التفكير أن يتحول الى ممارسة تكون الغاية منها إحداث تغيير  في الواقع بدل الاستسلام و الإذعان لعاداته التي تزهق روح الابتكار، و ما التغيير إلا إبداع لحياة جديدة تنطلق من الفلسفة و تنتهي في التربية، و الباقي مكفول بها لأنها هي الأساس، فإذا اهترأ الأساس ارتخى البنيان .

3 . تربية الإنسان و أنسنة التربية :             

    و إذا تبث لدينا أن التربية المقرونة بالفلسفة هي تربية إبداعية قائمة على ابتكار الإنسان، فإن ما يتقرر بعد هذا الثبوت هو كون التربية أخص بالإنسان دون غيره من الكائنات الأخرى، و لا يصح أن نقحم الحيوانات في هذا الحد الذي نسيجه به، لأن الرعاية التي تحظى بها أقرب الى التدجين منه الى التربية، و التدجين يعني تليين و تلطيف طبائع الحيوانات و تطويعها و ترويضها و إخضاعها، و هذه المعاني التي ترادف التدجين توحي الى سبق حالة التوحش عليها، فيكون المقصد منه هو جعل الحيوانات أليفة . في حين أن التربية تخلو من هذه المعاني، بالرغم من أن بعض التيارات النقدية ترى أن التربية أضحت مؤتلفة مع التدجين، إلا أن ذلك لا يمنعنا من استحضار معاني الرعاية و العناية التي تتقوم بها . و لا يخفى علينا أن الرعاية القائمة على التدجين تنحصر في البعد البيولوجي، فيكفي أن تشبع الحيوان  عبر توفير الطعام له، فيتحقق مقصد التدجين من الإشباع، أما الرعاية التربوية فتتخطى البعد البيولوجي لتلامس البعد الثقافي و الاجتماعي المتمثل في القيم و المعايير و الأخلاق ...، فيتحقق مقصد التربية من الاقتناع، أي قبول المنظومة الثقافية التي تشربها الإنسان من خلالها و العمل بها. و قد يحصل أن تتحول التربية الى تدجين بمجرد أن يتحول مقصد الاقتناع الى مقصد الإشباع، حين لا تلبى حاجة الإنسان البيولوجية فإنه يجنح الى البهيمية و يبتعد عن إنسانيته، فيسهل حينذاك تدجينه، أما إذا تحققت حاجته تلك فإن البعد الثقافي عنده يتقوى، و إننا نقصد بالبعد الثقافي كل ما يجعل من الإنسان إنسانا، سواء كان هذا المميز فيه عقلا أو خلقا أو لغة أو تربية، و يزخر تاريخ الفلسفة بالتحديدات التي حصنت الإنسان من تربصات الكائنات الأخرى التي ما تفتأ تقترب منه من حين لآخر، و سنسير على نفس النهج الذي بدأنا به مسلمين بفرضية أن الإنسان كائن تربوي .

    نجد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط يفتتح نص تأملات في التربية بقوله : " الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يجب تربيته " [3]، و المثير في كلام كانط هذا هو استعماله لمفهوم الواجب الذي ينم عنده على " ضرورة القيام بفعل عن احترام خالص للقانون العملي " [4]، فيحكم على الفعل على أنه أخلاقي إذا كان متطابقا و متسقا مع هذا القانون، و يكون غير ذلك إذا دخلته أشكال المنفعة و المصلحة و الغرض. هل هذا يسوقنا الى القول بأن التربية فعل أخلاقي ؟

   يميز أندري لالاند بين معنيين للواجب من جهة اعتباره فعلا : يحيل المعنى الأول  على الوجوب، أي ما يجب حدوثه بالضرورة، بمعنى أن من غير الممكن عدم حدوثه، لذلك فالواجب الأخلاقي الموسوم بفعل " يجب " يتصل مباشرة بالإمكان، و جاز أن نقول " يجب عليك، إذن يمكنك " . المعنى الثاني يحيل على المواضعة، أي ما يلزم وقوعه بالاستحسان، بمعنى من المستحسن حدوثه، بدلا من عدمه، فيقع في تقابل لما هو كائن أو لما يجب ألا يكون، كتعارض الخير و الشر، الصحيح و الباطل، الجميل و البشع، النافع و الضار، الشرعي و غير الشرعي[5] . و هنا نعود لنطرح السؤال السابق بطريقة أخرى : هل التربية فعل أخلاقي بالوجوب و الضرورة أم بالمواضعة و الاستحسان ؟   

    لا غرو أن الجواب الذي سيقدمه كانط عن هذا السؤال هو أن التربية فعل أخلاقي قائم على الوجوب و الضرورة، بحيث تكون تربية الإنسان و التربية الإنسانية ضرورة يمليها القانون العملي الأخلاقي، و وازع ينبعث من الضمير الباطني، فلا يصلح مع هذا التحديد وضع التربية في قوقعة ضيقة تحكمها نوازع الفائدة و ميول المصلحة و إلا تحولت الى ما يشبه الاستثمار في البشر . أن تربي لا يعني أن تصنع إنسانا على مقاس ما ترتضيه له الأعراف الاجتماعية أو الحاجات الاقتصادية، بل يعني إخراجه من حيوانيته الى إنسانيته، بما تنضوي تحته الإنسانية من معاني التثقيف و التعليم، فمن لم يثقف يظل فظا، و من لم يتعلم الانضباط يدنو الى أسافل التوحش .

   يناقش كانط التربية من منظور " ما يجب أن يكون "، و تتضمن تأملاته أملا كان يحذوه في جميع كتاباته، و هو إضفاء طابع الكونية على معظم الموضوعات التي تستعصي على التعميم، و هذا ليس بالأمر الهين خصوصا إذا تعلق  بالتربية، فهي الأكثر ارتباطا بالثقافة، و هو ما جعلها تنشطر و تتجزأ، و لكن كانط استطاع أن يذلل هذه الصعوبة حينما حدد منذ البداية موضوع التربية عنده في الإنسان، بحيث هشم الخصوصيات الثقافية التي تحصر مفعول التربية في المجتمع المحلي ليوقد ذكوة الكونية التي تتسنم بها الى مرتبة المجتمع الكوني . إن كانط لم يهتم بتربية الألماني أو تربية الفرنسي، بل اهتم بتربية الإنسان، إذ " بوسع التربية أن تصبح دائما أفضل باطراد، كما بوسع كل جيل أن يخطو بدوره خطوة أكثر نحو اكتمال الإنسانية، إذ يكمن في صلب التربية السر الكبير لكمال الطبيعة البشرية . ومن الآن يمكن السير في هذا الطريق، لأنه حاليا فقط بدأنا نعتبر عن صواب و ندرك بوضوح ما هو ضروري حقا لتربية سليمة . و إنه لشيء يبعث على الحماس أن نرى الطبيعة البشرية تنمى دائما بالتربية تنمية أفضل، و أنه بمقدورنا التوصل الى إعطاء هذه الأخيرة شكلا جديدا جديرا بالإنسانية . وهذا يفتح لنا أفقا على نوع بشري مقبل يكون أكثر سعادة " [6].

4 . تخليق التربية : خلق تربية جديدة و خلق التربية الجديدة

   إن تربية الإنسان لا تعني التربية على الأخلاق الإنسانية لأن الانسياق مع هذا التصور يؤدي الى جعل هذه  الأخلاق تتبوأ منزلة تسمو على فعل التربية نفسه الذي يجري بها تحصيلها، الأمر الذي يصبغ عليها طابع المثالية و التجريد، فلا معنى مثلا للتسامح إذا لم يكن مرتبطا بالتربية كممارسة أكثر من ارتباطه بالأخلاقية الإنسانية كفلسفة، و ندعو هنا في المقابل الى تخليق التربية بدل التربية الأخلاقية، و أنسنة التربية بدل التربية الإنسانية، فما المقصود بتخليق و أنسنة التربية ؟ و كيف يمكن للفلسفة أن تعالج التربية في مدخلاتها بدل أن تتجه الى مخرجاتها بناء على مفهومي التخليق و الأنسنة ؟

   إنني أتوخى من التخليق أن يكون منهجا و طريقة في إيجاد الأخلاق في الخلق ( بفتح الخاء )، أي دمج الخلق ( بضم الخاء ) في الخلق، و جعل الأخلاق سمة تمنح الإنسان التفرد و التميز، و يظهر أن التخليق ينبني على بعدين : البعد الأول هو خلق ( إبداع ) تربية جديدة . البعد الثاني هو خلق ( أخلاق ) التربية الجديدة.

3 . 1 خلق تربية جديدة :

     إن الإتيان بتربية جديدة هو مغامرة و مجازفة منقطعة النظير، و إن محاولة التفكير فيها تؤدي غالبا الى التكفير، ذلك أن الجديد بما يتضمنه من دوافع التحوير و التغيير يتغول أحيانا على القديم و يتهول أمره إذا ما انطوى على نسف و تدمير، فتفهم التربية الجديدة على أنها هجوم ضار على أنماط التربية السائدة في المجتمعات و الثقافات المختلفة أو على أنها قصف لأشكال التربية التقليدية القائمة على توريث القيم و الأخلاق، و خسف لكل مظهر من مظاهر ما سميناه سابقا بالتربية الاتباعية . من الطبيعي أن تفضي فكرة التربية الجديدة المتغولة بهذه المعاني التدميرية و التخريبية و المتوغلة في دروب التنوير و التحرير الى الذعر و التنفير . و لعل انغلاق الثقافات على الأخلاق التي أنتجتها قد سلب من الانسان قدرته على الانسلال خارجها، حتى أنه كاد يجزم جزما لا رجعة فيه أن الأخلاق التي يتمتع بها و التربية التي حظي بها لا تقارع و لا تقبل البث فيها و لا النظر في شأنها، و الحال أن التربية إذا سوغت و بررت بثقافة محلية ما فإنها تلتصق بها، و إن من دين يسطو على هذه الثقافة فلا يسع للتربية هنا إلا أن تكون دينية، و ما من تربية تحفز على الانسداد و الانطباق أكثر من التربية الدينية، و معها يستحيل خلق تربية جديدة، لأنها تقوض أفق الإبداع و تحبط كل محاولة لتفجير نبع التجديد و تصفد الأيادي القادرة على تثوير التربية بتثمير طاقات الأجيال المعنية بها في النفاذ خارج الدائرة الخانقة للفكر و الحانقة على التغيير .

    يقتضي الأمر إذن ربط التربية بالتنوير، و جعلها استراتيجية لتحقيق التغيير الاجتماعي و السياسي و الثقافي عن طريق توليد ما في داخل الإنسان من مهارات و قدرات، بل إن الفلاسفة من غالى في تشبيه الدور الذي تضطلع به التربية بالوحي، و من هؤلاء الفيلسوف الألماني الذي بزغ نجمه في عصر الأنوار غوتهولد إفرايم ليسينغ Gotthold Ephraim Lessing حيث قال : " الوحي بالنسبة للجنس البشري قاطبة بمثابة التربية بالنسبة للفرد الواحد " [7]، و إذا كان الوحي باعتباره تربية للإنسان قد أرشد العقل حتى الآن، فقد آن الأوان للعقل و قد بلغ رشده أن يوجه تربية الجنس البشري بكامل أنواره يهتدي به الى أزكى الأخلاق و أسنى القيم، و ليست يقظة العقل عند ليسنج سوى الانعتاق من أغلال الانصياع و الخنوع الأعمى و التحرر من غياهب الجهل و الخرافة، و هي اليقظة التي حث عليها كانط نفسه في نصه ما الأنوار ؟ لذلك تجدنا نقر بضرورة أنسنة التربية و تخليقها بدل الاستكانة عند أنماط التربية الجافة و العقيمة التي لا تنتج إلا التكرار .

   إن التربية إذا تماهت مع التنوير تنتقل من مستوى تربية الفرد الى مستوى تربية الإنسانية، إن " التربية في جوهرها إذكاء للشعور و إظهار له . التربية كشف عما هو موجود و ليست فرضا من الخارج على ما هو موجود. تربية الإنسانية اكتشاف لشعورها و إيقاظ لهز فالإنسانية الخاملة لم يعمل فيها الوحي بعد، و الإنسانية التي تفرض الوصايا عليها تزيح الوحي و تستبعده، و الإنسانية التي ترجع الى الوراء، بالقضاء على عقلها و محو إرادتها، إنسانية تعمل ضد الوحي و على النقيض منه، و تقف مناهضة له . فالأمة التي تتلقى وحيا و تتخلف و تتأخر أمة تناقض نفسها و تقضي على وجودها بالقضاء على مقومات حياتها في شعورها "[8]، و كما أن الأنبياء هم مربو الإنسانية فكذلك المربون هم أنبياؤها [9]. إن التربية كما يقول ليسنج " لا تعطي للفرد شيئا لا يستطيع الحصول عليه بنفسه، بل إنها تعطيه ما يستطيع أن يحصل عليه من نفسه على نحو أسرع "، فتكون مهمتها استنهاض طاقات الإنسان القابعة في جوفه عن طريق تنقيته من الرواسب الثقافية الفاسدة التي تقود الى التعصب و التشدد، و إزالة الشوائب النفسية التي تعيق إمكان بلوغه لذاته، و قد سبق لكانط أن حددها في الكسل و الجبن و عدها قصورا ينبغي استئصاله، و منه فالتربية لا تفرض على الإنسانية معتقدات من الخارج سواء قبلتها طبيعته أم لفظتها و لكنها تساعد الإنسان على اكتشاف الحقائق بنفسه من دواخله و من طبيعته [10]، و لا تطالبه باجتلاب الخوارق أو الإتيان بالمعجزات بقدر ما تطالبه بالإبداع و الابتكار .

   و هنا يكمن دور الفلسفة في التربية، إذ أننا لا نهدف من خلالها الى تدجين الإنسان و تطويعه ليكون أسيرا لمعتقدات و عادات ما انفكت تسيطر على حريته و تستحوذ على إرادته، بل نهدف الى جعلها حضنا يمكن للإنسان أن يرتمي فيه متى أراد أن ينعم بوجوده، و حصنا يمكن للإنسان أن يحتمي به متى أراد أن يتذوق سلامه، فلا يقع في خلاف مع أقرانه متى حصل الاختلاف، ولا يلج حمأة التصارع مع بني جنسه متى حصل التضارع، و لا يسعى الى الانشطار متى ما حصل الانصهار، و لا يلوذ الى الشقاق متى ما حصل الاتفاق . إنها فلسفة تربية للإنسان من أجل الإنسان.

    إن خلق تربية جديدة ينجم عنها خلق إنسان جديد، و لا يشترط فيه أن يكون خارقا بالمعنى النيتشوي إلا إذا اقتضى الأمر ذلك لحاجة الإنسانية له، و كل ما ينبغي أن يتوفر في هذا الإنسان الجديد هو الاختلاف، و إذا جاز لنا أن نمجده كما مجد الفيلسوف الألماني هيجل أبطال التاريخ فلا يسعنا إلا أن نمتدحه و نجل من قدره بنحت اسمه في سجلات التاريخ عن طريق الإنجازات التي أبصم عليها و الإسهامات التي قدمها للإنسانية، و لا نلفي في تاريخ البشرية إلا أسماء العلماء و الأطباء و الفلاسفة و الأبطال ، فالعالم الذي ابتكر دواء لداء مزمن أو توصل الى لقاح لوباء مهول أصاب البشرية هو بالتحديد ما يمكنه أن نسميه بالإنسان الجديد، و على التربية الجديدة أن تحاول الارتكاز على الابتكار بدل الركون للاستنساخ . لذلك تكون الملكة التي تستنهض من تخليق التربية هي الأنسنة، أي جعلها إنسانية، و لن يتحقق هذا التخليق إلا بالمنهج الصوفي الذي ينص على ضربين من سمو النفس الإنسانية و هما : التحلية و التخلية . فكيف يتحدد خلق ( بضم الخاء ) التربية الجديدة انطلاقا من هذين الضربين ؟

3 . 2 خلق التربية الجديدة :

    إن خلق تربية جديدة كان الهاجس الأساسي الذي حرك التفكير الفلسفي و قاده الى اقتداح ممكنات انبثاق تربية تحطم الخصوصيات و تذوب الحدود و تكسر الحواجز، تربية ترمي الى إذكاء ملكة الإبداع و إيقاد جذوة الابتكار بمنأى عن هوى الاستنساخ و ريح الاستخلاف حيث ينعدم التميز و الاختلاف .

   و لأن الأساس في التربية هو الأخلاق كان من الضروري دب الأخلاق فيها، أي إضفاء الطابع الأخلاقي على الممارسة التربوية، و هو ما سميناه ب " تخليق التربية "، بالرغم من أنها تنطوي في ذاتها على فعل أخلاقي، فحيثما تذكر التربية تذكر الأخلاق و العكس صحيح كذلك، حتى أصبحت الكلمتان مترادفتان و متلازمتان، إلا أنه لا يجب أن نتعامى عن واقع التربية الذي أضحى مشوها بأشكال المصلحة و المنفعة، و هذا مما فرضته التحولات و التطورات التي حصلت في شتى الميادين و المسوقة بمحرك الربح، و الناتج عن ذلك أن فصلت الأخلاق عن السياسة كما فصلت عن الاقتصاد و المجتمع، لدرجة أن المجتمعات الأنغلوساكسونية قد ابتدعت لنفسها أخلاق جديدة يغلب عليها الجانب البراغماتي أكثر من الجانب الإنساني، و الخطير أن هذا الفصل قد امتد الى مجال التربية و التعليم، حيث بات فعل التربية مشدودا بما ينبغي أن يثمر من نتائج لا بما ينبغي أن يتحصل فيه من غايات، و هذا أدى الى ذيوع النزعة التقنوية و شيوع الاتجاه الأداتي و الإجرائي، و في المقابل اضمحلت القيم الإنسانية و اندثرت الأخلاق و تلاشت الغايات الكبرى التي ترتجى من التربية، فتحول الفعل التربوي الى فعل مهني يحكمه منطق الاستثمار، بحيث جرى اعتبار الإنسان مشروعا يخدم الجهات التي تحتاج لها، و المشروع هنا لا نقصد به المشروع الوجودي الذي دافع عنه الفلاسفة الوجوديون، بل مشروعا شيئيا أشبه ما يكون بالآلة التي يتم برمجتها لتشتغل وفق نمط معين، و الواقع أن تشيئ الإنسان قد يؤدي الى إخماد ضرمة الإبداع و سيعبد الطريق لتربية جديدة تتجرد من الأخلاق و تتنكر للقيم . و لهذا السبب كان من الضروري أن نعاود السؤال عن مآل الأخلاق في التربية، ليس طمعا في الجواب، و إنما سعيا دؤوبا الى فهم الأوضاع التي باتت التربية تتخبط فيها، حين غطى الجانب العملي فيها على الجانب النظري، و حين أسدل الستار عن عمقها الفلسفي الذي يسمو بها الى أعلى درجات التجريد حيث ينعدم المشخص .

   و إننا نقصد من تخليق التربية، إضفاء الطابع الأخلاقي على ممارستها، و يجب أن تكون هذه الأخلاق منطوية على قيمة في ذاتها، فلا يتسلل إليها الغرض خلسة، و لا تكتنفها المصلحة، و لا تعتورها المنفعة، إذ لا يجب أن يربي الأب ابنه من أجل أن يستفيد منه حينما يشيخ أو يهرم، كما لا يجب أن يربي الأب من أجل أن يتفاخر و يتباهى بعلم أو أخلاق ابنه . لأن هذه المآرب و المرامي الثاوية خلف التربية يفسد نبلها و يفسخ العلاقة مع الغاية الجليلة المرجوة منها، لذلك، قررنا مع كانط أن نجعل التربية واجبا أخلاقيا غايته إبداع الإنسان كإنسان و درء مخالب البهيمية التي تترصده باعتباره كائنا طبيعيا .

خاتمة :

     لقد حاولنا في هذا المقال أن نوضح بعض الجوانب التي يمكن للفلسفة أن تتدخل فيها بخصوص التربية، و أقترح أن نقسمها الى ثلاثة أقسام : القسم الأول يتعلق بالجانب الإستشكالي و فيه بينا أن التربية تظل مألوفة لدى العامة من الناس لأنها أضحت عادة، فلم يطلها التفكير و لم يمسسها السؤال، حتى دخلت عليها الفلسفة فتفرخت منها الأسئلة و تفرعت من الإشكالات و تهاطلت عليها القضايا، فالفلسفة تعمل دائما على تأزيم الموضوع الذي تقتحمه فتخرجه من دائرة المألوف . القسم الثاني يتعلق بالجانب الإبداعي و فيه بينا أن التربية تظل مكررة و مستنسخة يحكمها منطق التوريث و الاتباع حتى دخلت عليها الفلسفة فخرقت هذا المنطق و استعاضت عنه بمنطق التغيير و الإبداع، لأن الأول يحصر التربية في الثقافة المحلية، أما الثاني فيضفي عليها طابع الكونية، و هذا مما تسعى الفلسفة الى إسباغه على فعل التربية . القسم الثالث يتعلق بالجانب الموضوعي و فيه بينا أن التربية تظل عامية عن نفسها ما لم تفكر في ذاتها و تساءل فعلها، و ما إن دخلت عليها الفلسفة حتى تحولت الى سؤال ينبجس من صلبها لا من خارجها، فلم يعد السؤال عن التربية على الأخلاق أو عن التربة على الإنسانية، بل بات السؤال الأساسي هو : كيف نجعل التربية خلقا في ذاته ؟ و كيف نخلق تربية تكون غايتها في ذاتها ؟ فمن الساذج أن ننتظر من التربية أن تنتج أخلاقا و هي في ذاتها مجردة من الأخلاق، و إننا نرى أن رهان التربية اليوم ليس شيئا أكثر من استرجاع ألق الأخلاق في التربية حيث يحضر الابتكار و الإبداع و ينتفي الجمود و الابتداع .

بيبليوغرافيا

1 . بودريار ( جان )، الفكر الجذري، ترجمة منير الحجوجي و أحمد القصوار، دار تبقال للنشر، 2006

2 . كانط ( إيمانويل )، ثلاثة نصوص . تأملات في التربية. ما هي الأنوار ؟ .  ما التوجه في التفكير؟، ترجمة محمود بن جماعة، دار محمد علي للنشر ، صفاقس، تونس، ط 1، 2005

3 . كانط ( إيمانويل )، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق، ترجمة عبد الغفار مكاوي، منشورات الجمل، بيروت – بغداد، ط 2، 2014

4 .  لالاند ( أندري )، موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة خليل أحمد خليل،  منشورات عويدات، بيروت – باريس، المجلد الأول، ط 2، 2001

5 . ليسنج، تربية الجنس البشري، ترجمة حسن حنفي، دار التنوير، بيروت، 1981

7 . Reboul ( Olivier ) , La philosophie de l'éducation, Paris , PUF  , 11e édition 2016

   

[1] بودريار ( جان ) ، الفكر الجذري ، ترجمة منير الحجوجي و أحمد القصوار ، دار تبقال للنشر ، 2006 ، ص 17

[2] Reboul ( Olivier ) , La philosophie de l'éducation, Paris , PUF  , 11e édition 2016 , p.3.

[3] كانط ( إيمانويل ) ، ثلاثة نصوص . تأملات في التربية. ما هي الأنوار ؟ .  ما التوجه في التفكير؟ ، ترجمة محمود بن جماعة ، دار محمد علي للنشر  ، صفاقس ، تونس ، ط 1 ، 2005 ، ص 11

[4] كانط ( إيمانويل ) ، تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق ، ترجمة عبد الغفار مكاوي، منشورات الجمل ، بيروت – بغداد ، ط 2 ، 2014 ، ص 51

[5] لالاند ( أندري ) ، موسوعة لالاند الفلسفية ، ترجمة خليل أحمد خليل ،  منشورات عويدات ، بيروت – باريس ، المجلد الأول ، ط 2 ، 2001 ، ص 271

[6] كانط ( إيمانويل ) ، ثلاثة نصوص . تأملات في التربية. ما هي الأنوار ؟ .  ما التوجه في التفكير؟ ، ص 14 - 15

[7] ليسنج ، تربية الجنس البشري ، ترجمة حسن حنفي ، دار التنوير ، بيروت ، 1981 ، القضية 2 ، ص 121

[8] المرجع نفسه ، ص 121

[9] المرجع نفسه ، ص 122

[10] المرجع نفسه ، ص 124

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟