) مُقَدِّمَةٌ :
إِنَّ اُلنَّاظِرَ فِي عَلاَقَةِ اُلْحَاكِمِ وَ اُلْمَحْكُومِ قَدْ يَتَبَيَّنُ بِأَنَّ اُلْخِلاَفَ بَيْنَهُمَا مُقِيمٌ، والوِفَاقَ نَادِرٌ عَزِيزٌ. وَاُلتَّفْسِيرُ اُلظَّاهِرُ لِذَلِكَ أَنَّ اُلرَّاعِيَ إِذَا مَا اسْتَبَدَّ، أَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِاُلْعَدْلِ، أَوْ اتَّخَذَ بِطَانَةَ سُوءٍ تَسْتَأْثِرُ بِخَيْرَاتِ اُلْبِلاَدِ وَاُلْعِبَادِ، أَوْ وَعَدَ فَلَمْ يَفِ، أَوْ كَانَ كَاذِبًا، فَهَلُمَّ جَرًّا، سَخَطَتْ عَلَيْهِ اُلرَّعِيَّةُ، وقد تُقَابِلُهُ بِاُلْعِصْيَانِ وَاُلْخَلْعِ. إِذًا، فَعِنْدَ هَذَا اُلتَّفْسِيرِ إِنَّمَا اُلْخِلاَفُ بَيْنَ اُلْحَاكِمِ وَاُلْمَحْكُومِ لِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ، لَوْ زَالَتْ، عَادَتِ اُلْصِّلَةُ بَيْنَهُمَا إِلَى الأَصْلِ، أَعْنِي الوِفَاقَ وَاُلرِّضَا. وَإِنْ لَمْ نَرُمْ ظَاهِرَ الأَمْرِ، وابْتَغَيْنَا اُلتَّدْقِيقَ، وَالتَّمْحِيصَ، فَسَنَجِدُ اُلْوَصْفَ عَلَى ضِدٍّ مِنْ ذَلِكَ إِطْلاَقًا: عَلَى مَعْنَى أَنَّ اُلرِّضَا مِنَ اُلرَّعِيَّةِ عَلَى رَاعِيهَا حَالٌ غَرِيبَةٌ، بَلْ إِنَّ حَقِيقَةَ أَمْرِهَا مَعَهُ إِنَّمَا هُوَ السُّخْطُ وَالشِّقَاقُ يَدَ اُلدَّهْرِ. لِأَجْلِ هَذَا فَمَا أَنَا بِذِي غُلُوِّ لَوْ جَزَمْتُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَكُونُ خَصْمٌ لِحَاكِمٍ، أَعْنِي مَحْكُومًا، قَدْ حَلَّ مَحَلَّهُ، أُرِيدُ اُلْحَاكِمَ، إِلاَّ وَخَامَرَ بَاطِنَهُ نَوْعُ نَدَامَةٍ لِمَا كَانَ يَعِيبُهُ عَلَى سَلَفِهِ مِنْ مَعْنًى لَمَّا قَابَلَهُ بِمَعْنَاهُ إِذْ هُوَ مَحْكُومٌ، فَقَضَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جُورٌ وَبَغْيٌ، وَالآنَ فَقَدْ تَبَيَّنَ لَهُ : بَلْ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ حَقِيقَةِ الحُكْمِ وَطَبِيعَتِهِ، وَفِي نَفْسِهِ تَوَجُّسٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَا طَعَنَ بِهِ عَلَى اُلْحَاكِمِ الأَوَّلِ، جَهْلٌ مِنْهُ وَعِنَادٌ وَتَجَنٍّ. كَذَلِكَ يُرَى دَائِمًا اُلْمَحْكُومَ الخَصْمَ، إِذَا مَا ارْتَفَعَ في اُلْحُكْمِ، عَجِلَتِ اُلعَامَّةُ إِلَى جَفَائِهِ وَسُخْطِهَا عَلَيْهِ، بَعْدَ مَا كَانَتْ تَوَدُّهُ كَثِيرًا، وَتُطِيلُ الاِسْتِبْشَارَ بِهِ.
2) عَلاَقَةُ الحَاكِمِ بِاُلْمَحْكُومِ هِيَ عَلاَقَةُ اُلْكُلِّ بِاُلْجُزْءِ
أَمَّا بَيَانُنَا لِمَا قَرَّرْنَا مِنْ أَنَّ أَصْلَ الصِّلَةِ بَيْنَ اُلْحَاكِمِ وَاُلْمَحْكُومِ أَنَّهَا شِقَاقٌ، وَجَفَاءٌ، وَغَيْرُهُمَا عَارِضٌ فَقَطْ، فَبِقَوْلِنَا إِنَّ حَقِيقَةَ اُلْعَلاَقَةِ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هِيَ عَلَى صُورَةِ اُلْعَلاَقَةِ بَيْنَ اُلْكُلِّ وَاُلْجُزْءِ. ونَأْخُذُ مِثَالاً لِذَلِكَ : الأَصْبَاغُ، وَهَذِهِ أَجْزَاءٌ، وَرَسْمٌ مَا، كَشَجَرَةٍ، وَهْيَ كُلٌّ حَاصِلٌ بِتَأْلِيفٍ لِلْأَجْزَاءِ اُلصِّبْغِيَّةِ. فَاُلشَّجَرَةُ اُلْمَرْسُومَةُ إِذْ هِيَ كُلٌّ مِنَ الأَصْبَاغِ عَلَى تَرْتِيبٍ مَا، وَلَيْسَ عَلَى أَيِّ تَرْتِيبٍ، فَلأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ طَبِيعِيٍّ، اِحْتَاجَتْ إِلَى فَاعِلٍ مِنْ خَارِجٍ يُسَمَّى رَسَّامًا، شَأْنُهُ أن يُعَالِجَ الأجزَاءَ الصِّبْغِيَّةَ، ويَنْظُرَ إِلَيْهَا لاَ لِذَاتِهَا، بَلْ مِنْ حَيْثُ هِيَ دَاخِلَةٌ في تَأْلِيفِ الكُلِّ الَّذِي هُوَ اُلشَّجَرَةُ. إِذًا فَاُلْمَوْضُوعُ الأَوَّلُ لِفِعْلِ الرَّسَّامِ إِنَّمَا هُوَ اُلكُلُّ، وَوُجُودُ الأَجْزَاءِ عِنْدَهُ، وَ مُعَامَلَتُهُ إِيَّاهَا إِنَّمَا هِيَ تَابِعَةٌ لِصُورَةِ اُلْمَوْضُوعِ، وَلَيْسَتْ هِيَ، أَعْنِي الأَجْزَاءَ، بِمُقْصُودَةٍ قَصْدًا أَوَّلاً. فَلَوْ تَوَهَّمْنَا أَنَّ اُلأَصْبَاغَ ذَاتُ عَقْلٍ شَاعِرَةٌ بِذَاتِهَا، فَرُبَّمَا قَابَلَتْ إِرَادَةَ الرَسَّامِ بِإِرَادَتِهَا. فَالرَسَّامُ إِنَّمَا عَيْنُهُ عَلَى اُلْكُلِّ، وَالأزْرَقُ الجُزْئِيُّ مَثَلاً، إِنَّمَا تَكُونُ عَيْنُهُ حِينَئِذٍ عَلَى ذَاتِهِ. فَمَا يُدْرِكُهُ الصِّبْغُ اُلْجُزْئِيُّ الأزْرَقُ، غَيْرُ مَا يُدْرِكُهُ أَلْبَتَّةَ، مُدْرِكُ الكُلِّ، الرَّسَّامَ*. وتَحْصِيلُ اُلْكُلِّ، كَصُورَةِ اُلشَّجَرَةِ تَعْلُو زُرْقَةَ السَّمَاءِ، تَقْتَضِي أَنْ يُسَلِّطَ اُلرَّسَّامُ جُزْءً مِنَ اُلأَخْضَرِ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الأَزْرَقِ. وَهَاهُنَا فَقَـدْ