جاك ديريدا ومغامرة الاختلاف ـ محمد حافظ دياب

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

derridabigكيف السبيل الى قراءة حرة للنص، تدفع به الى تجاوز وحدته المزعومة وتطابقه مع هوية ثابتة يطلقها على نفسه؟ وهل من مدخل يتحدى اتساقه واطلاقيته، فيعرض لمفارقاته وتناقضاته؟ ولماذا بالامكان أن تفتح هذه القراءة، فتشارف ما لم يقله أو يبح به، لكنه لابد فيه؟
تلك الأسئلة ومخارجها أرقت جاك ديريدا، وفرضت عليه رصدا دؤوبا ومتأنيا لكل علاقات الغياب التي لا تحضر بوضوح في النص. فلا يستوعبها الادراك المتعجل حين يظن أنه أمسك بها، لتفوته مداراتها.
حسبه البعض ضمن عشيرة ما بعد الحداثة، مع انتقاده المشروع الحداثي القائم على ميتافيزيقا الذات كمركز للكون ومصدر للمعرفة، وعلى العقلانية التي أعلت من النزعة العلمية المفرطة، والنظرة الشاملة المتضمنة نوعا من مركزية العلة وانغلاق النسق، حين تزعم قدرتها على التفسير الكلى للتاريخ والمجتمع.

وصنفه آخرون كأحد أعلام تيار ما بعد البنيوية، حين شكك في امكانات البنيوية، وطرح رأيه فيها مبكرا (1)، مذكرا أنها تعيش حالة انقسام بين ما تعد به وبين ما أنجزته، وأنها حين تبدأ من البنية، تفترض سلفا وجود مركز احالة من نوع ما، يمكن هذه البنية من تحقيق الدلالة وتثبيتها، ولهذا عنى ديريدا بتمزيق البنية وتفكيكها. فليس ثمة لديه بنية أو مركز، لأن المركز عنده خارج النص، أي نص، وداخله، انه اللعبة المتواصلة بين المركز والتخوم.

يبدو ديريدا في الحالين، أو بالاحرى في كل الحالات عصيا على التصنيف. انه عابر سبيل. لا تمتلك أمتعته المعرفية قناعة الأجوبة، أو وضوح الحدود أو قرارة الطمأنينة، أو وثوق الصيغ، أو امبريالية المعنى الوحيد، بل له مغامرة محير ة، تسائل وتنتقد، تشير وتومئ الى المسألة. أية مسألة. عبر الطواف حولها وتطبيقها، وبدءا من هامشها ووهمها، طالما أن: "الوهم أشد رسوخا من الحقيقة، بل أنه متجذر فيها بالدرجة التي يضحى متطابقا معها ومطابقا لها تماما" (2).

ولأنه عابر سبيل، فهو في ترحال دائم، لا يروم عبره أفقا معينا أو وجهة محددة مبتغاة التجوال هنا أو هناك، وعدم الرضا على ما سطره اليوم أو سيفعله في الغد. فلقد: "كان علي أن أكتب بكل ما أوتيت من قدرة على الدقة، ما هو في تعارض كلي مع رغبتي، أو ما أزعم معرفته على أنه رغبتي. وأعني بذلك رغبتنا جميعا. رغبتك أنت، أي تلك الكلمة الحية، ذلك الحضور الكاذب، ذياك التحديد المباشر، وذينك الحفاظ القاتل" (3).

لنتسق مع دوران الفكرة لدى ديريدا، فنحوم حوله، ونجوس عبر سيرته، لكي نتعرف على وعوده.
بطاقة تعريف:

هو فيلسوف فرنسي من جيل "فكر القطيعة"، التالي لجيل سارتر وميرلو بونتي، ولد لعائلة يهودية في حي "الأبيار" بمدينة الجزائر عام 1930، وقضى بها سنوات تكوينه الأولى، يقرض الشعر بالفرنسية وينشره، ويطالع مؤلفات روسو وجيد ونيتشه وكامو وفاليري. ويمارس الرياضة، ويهمل الدراسة، مما عرضه للطرد عاما من المدرسة، والرسوب في امتحان البكالوريا. وكيهودي، عاش هناك مغتربا بين ثقافتين متصارعتين: ثقافة الجماعة الجزائرية العربية، وثقافة المستعمر الفرنسي. لهذا لم يستطع تعلم اللغة العربية، لأنه عاش وضعا استعماريا سادت فيه الفرنسية. ولم يتمكن من الحصول على الجنسية الفرنسية، الا بعد نزوحه شابا الى فرنسا.

يتحدث عن غربة هذه السنوات الجزائرية، مذكرا أنه: "لم يكن بمستطاعه الافلات من العنف والرعب، حتى ولو كان على مسافة منهما. فمن خلال هذه التجربة، كنت أحس بالخناجر مشهرة أمامي في أية لحظة، سواء عند مغادرة المدرسة أوفي الملعب، أو في صخب أعمال الاجرام والعنصرية التي لم ينج منها أحد، عربا كانوا أو يهودا أو اسبان أو مالطيين أو ايطاليين أو كورسيكيين"(4).

من يومها، عرف ديريدا الشعور بعدم الانتماء الى هوية "مطمئنة" أو ذاتية "حمقاء" سينقله لاحقا الى اهتماماته، مادامت جذوره "معلقة في الهواء". فهو بتعبيره: "يهودي لا يهودي، يهودي جزائري، افريقي شمالي بقدر ما أنا فرنسي". انه ديريدا الفرنسي، وديريدة الجزائري.

رحل في سن التاسعة عشرة الى فرنسا، وتابع دراسته لمدة ثلاث سنوات في احدى المدارس الثانوية بباريس، ليتعرف خلالها على أصدقاء كثيرين، منهم بيير بورديو P.Bourdieu وأوكتورييه M.Aucouturier وبيجي M.Beguy ومونوري M.Monory ويواصل بعدها الدراسة بدار المعلمين العليا، زميلا لبول ريكور P. Ricceur ولويس التوسيرL. Altusser ويشارك في جماعة "تيل كيل" Tel Quel التي ضمت يساريين من أتباع هيدجر ويحصل على شهادتي الليسانس في الفلسفة والليسانس في الأداب عام 1953 من جامعة السوربون، وشهادة في الاثنولوجيا، اضافة الى دبلوم الدراسات العليا حول "مشكلة تطور فلسفة هوسرل"، ويعمل بعد تخرجه بتدريس الفلسفة.

وفي عام 1956، فاز في مسابقة "الاجريجاسيون"، Agrégation وهي أعلى رتبة عند المدرسين بفرنسا، وحصل على منحة في جامعة هارفارد الامريكية. ولدى رجوعه من الولايات المتحدة، عاد الى الجزائر لتدريس اللغتين الفرنسية والانجليزية بين عامي 1957-1959، ليرجع بعدها الى فرنسا معيدا بجامعة السوربون ودار المعلمين. وفاز عام 1962 بجائزة "جان كافييه". Cavaillés [لترجمته وتقديمه كتاب هوسرل (مدخل الى دراسة كتاب أصل الهندسة). وحصل على دكتوراة الحلقة الثالثة في الفلسفة عام 1967، ليواجه سوء فهم، بل ومعارضة من قبل المسؤولين الجامعيين في فرنسا، مما حدا به الى القيام برحلات عديدة اوروبا وخارجها، ألقى خلالها العديد من المحاضرات في الجامعات الأمريكية والكندية والجزائرية والبريطانية والسويسرية والالمانية. وشكل عام 1975 مجموعة "جريف"GREPH  التي تقوم ببحوث حول تعليم الفلسفة، ونال شهادة الدكتوراة في الآداب عام 1980، وحصل على درجة الدكتوراة الفخرية من ثلاث عشرة جامعة أجنبية، وعهد اليه عام 1987 بإدارة معهد الفلسفة، وعضوية العديد من اللجان العلمية والمعاهد والمجموعات والدوريات وحيازة ثلاثة أوسمة. وهو منذ سنوات، يقوم بالتدريس شهرا كل عام في جامعة ييل Yale بالولايات المتحدة، بجانب عمله كأستاذ غير متفرغ لتاريخ الفلسفة بمدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس.

ورغم تصنيفه في فرنسا كفيلسوف، وفي الولايات المتحدة كناقد أدبي، فهو يرى أن أعماله لا تنتمي للفلسفة أو الجماليات. انها تتواصل مع نصوص أخرى، لم تعد تنعت بأنها فلسفية أو أدبية، لأنها مارست القطيعة مع التقسيم الكلاسيكي للنصوص، فلم تعد تحتفظ بنعرتها تلك الا تبعا للتسمية العرفية.

من هنا لا يمكن اعتبار ديريدا فيلسوفا بالمعنى المتداول، كما ( يعد ناقدا، ما ينطبق عليه حقا أنه قارئ. لكنه قارئ مختلف، مسلح برؤية دوارة ميزت أعماله، وان استحال تصنيفها وفق المتعارف.

فهي في الوقت الذي تنضوي فيه تحت ظل الفلسفة، لا تبرح تلقي مزيدا من الأسئلة عن اللغة والهوية والمعاش، ومزيدا من الحوار مع نصوص قديمة، تمتد من أفلاطون حتى الراهن.

والأمر هنا يتعلق بنتاج يشكل قراءة شاملة للفكر الغربي، ان في خصائصه أو مكوناته التي يقيم عليها صرحه، ليرمي بامتداداته انطلاقا منها. انها قرأءة تبادئ عادة من موقع تساؤل معين، ليكن الكتابة أو الأثر أو الاسم الشخصي والتوقيع أو السيرة الذاتية، من الهامش لتجعل منه موقعا ممكنا لاعادة القراءة، وفضاء فعليا للنص،،ومن ثم للاختلاف والتفكيك، كي تبدأ رقعة الترابطات كتم وتنسه، فتتبدى معها مساحة أن حب للتفكير، لا تتمثل في الرفض القاطع، لأن هذا الرفض يفقد النص تعدديته وينفي عنه صفة التواصل، بل التي تقوض مقولات النص المتطابق مع ذاته، ومع حمولاته، لتدفع به الى مناطق صمته، برصد مقابلات الحضور والغياب فيه.

ان ديريدا يرفض الاقامة ضمن أطر المقولات الموروثة. مفكر اشكالي هو، لهذا لم يقتصر تأثيره على الفكر الفلسفي، وانما امتد الى النقد الأدبي وعلم الاجتماع والنظرية السياسية والتحليل النفسي والانثروبولوجيا واللاهوت والعمارة والنحت والجغرافيا والموسيقى. بيد أن الفلسفة كانت أكثر من غيرها، ملاءمة لبيانه، وهو ما يشي بأن أحد أهم انجازاته تمثلت في تمزيقه للتصنيفات التي نهض عليها الفكر الغربي، ويفسر الدور البارز الذي لعبه وبخاصة مع ترجمة أعمال له الى العديد من اللغات (الانجليزية والايطالية والالمانية واليابانية والاسبانية والبرتغالية والصربية واليونانية والمجرية والصينية والفنلندية والعربية).

المنطق الثالث:

وفي قراءته للنصوص، يطرح ديريدا منطقا ثالثا، يبتعد عن تعافى واطلاقية المنطق الانطولوجي الذي يسلم بجوهر موضوعي وهوية ثابتة، وعن حتمية تحولات المنطق الجدلي، هو منطق التفكيك، الذي يرى مارسته تأتي من وقت تهافتت فيه كل الخطط، بما يعني أن الارضية التي انبثقت منها هذه الممارسة، تمثل مرحلة من جدل المناهج وصراعها.

فاذا كانت المناهج التقليدية، بما فيها البنيوية، تطمح الى تقديم براهين متماسكة لدراسة النص، أو تحديد معناه، فإن التفكيك يبذر الشك في مثل هذه البراهين، ويقوض من أركانها، ويرفض كلا من المعاني اللامتناهية، أو المعنى الواحد، ويرسي، على النقيض،دعائم الشك فيها، بهدف كشف الافتراضات الميتافيزيقية التي تتلبس النص، حين تنظر الى الأشياء والظواهر على أنها سرمدية، محتذيا في. ذلك محاولة فردريك نيتشه F. Nietzsche تجاوز الميتافيزيقا من خلال العمل على هدمها ومقولة معلمه الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر M. Heidegger عن "تحطيم الميتافيزيقا الغربية"، تلك التي هيمنت على التفكير الغربي، فانشغلت بالتعرف على الجوهر والهيولى والحقائق الراسخة.

سبيله الى ذلك تصدين ما يظن أنه بنية النص، وابراز تضليله الذاتي، وتأثيرات الزيادة والاختلاف والمرجعية والنشر عليه، واستيضاح ما يخفيه من شبكة دلالية، كي ينبعث "فينيق" النص من جديد، وان بدا في خلاف أو تعارض مع ذاته.

ان ديريدا يتصدى لبنية النظام الناجز في النص، محاولا تفكيك كل الراقات العالقة به، ليواجهه عاريا، فيقتفي آثاره، ليس في نتاجه النصي فحسب، بل في آلته التي تصنع وتبرر وتخفي هذا النتاج في الآن معا.

هكذا يبدو منطق التفكيك لديه: ليس مجرد قردة للنصوص، بل سعى الى كشف ميتافيزيقيا الحضور التي ينطوي عليها وجود سلطة أو مركز خارجي يعطي هذه النصوص معناها ويؤسس كذب "مصداقيتها". وهذه السلطة أو المركز الخارجي، يتمثل لديه في تمركز الذات الأوروبية ورفضها للآخر Europeocentrisme وتمركزها حول العقل ورفضها لما يخالفه Logocentrisme وتمركزها حول الذكر وتهميشها للأنثى والخنثى والمنحرف Phallogocentrisme وتمركزها حول الصوت Phonocentrisme وابعادها للكتابة، بحجة أنها شكل غير صاف من الكلام.

غير أن مسعى ديريدا لم يتوجه الى معارضة هذه المراكز (الذات، العقل، الذكر، والصوت) بمراكز أخرى، وانما التنبيه اليها واثارتها، قصد تجنب حبائلها وتفادي معاطبها الميتافيزيقية، الكافية في معيارية مقاييسها الثابتة، ويقينها المكلف، وسكونيتها، بما حدا به أن يلجأ الى ممارسة التفكيك، كفعالية لتأسيس قوة التشظي من خارطة النص.

وفي محاولة منه لصوغ ممارسته، قام بتطوير مفهوم "الهدم" Destruction لدى هيدجر، واستبدله بمفردة "التفكيك" Déconstruction (لا يسميه مفهوما)، وعمد الى تطبيقه على العديد من آثار الثقافة الغربية، سواء كانت نصوصا فلسفية أو تربوية أو جمالية.

سؤال التفكيك:

وغرض ديريدا من ذلك، هو الكشف، داخل هذه ا(ثار، عن حضور الميتافيزيقا، وقدرة متونها أو عجزها عز تفكيك هذا الحضور أو هدمه، من طريق الاطاحة بالتفاوتات التراتبية التي أقامتها هذه الميتافيزيقيا، ودحض مزدوجاتها ومفاهيمها الثنائية (الصحة والخطأ، السبب والنتيجة، الذكر والانثى، الحياة والموت، الكلام والكتابة، الشعور واللاشعور، الجد والهزل، القبلي والبعدي، الخير والشر، المعقول والمحسوس، الجيد والردئ، الروح والمادة، النقي والمخلوط، الدال والمدلول، الحضور والغياب، القبيح والجميل، الايجابي والسلبي، الداخل والخارج، الجوهر والمظهر، المركز والهامش، الوجود والماهية، البداية والنهاية، الغاية والوعي، الانسان والخالق...).

وهو اذ يفعل ذلك، يتحاشى الجنوح الى مغالبة أحد قطبي هذه التراتبية على الأخر، أو قلبها التبسيطي. لذلك بدا مسعاه في اعتماد ما يقع خارج هذه المزدوجات كلها، تلك التي عملت النصوص على تأكيدها وتثبيت أسسها بواسطة محو تراتبها وتعارضها أي تفكيكها (5).

تبدو مهمة الفيلسوف هنا هي الطواف بين النصوص، وتعرية بنيتها المخفية، وتبيان اللامقال واللامفكر فيه بها، توسلا بجينالوجيا نيتشه وفينومينولوجيا هوسرل وهدمية هيدجر. كما يتوجب عليه الا يقيم الحدود بين المقروء (افلاطون وادمون جابيس، لوفيناس وآرتو، هوسرل ومالارميه، ديكارت وفرويد، روسو وكلودليفي ستروس، نيتشه وبلانشو، دوصوسير وفيليب سولرز...).

ولدى ديريدا، تقوم ضوابط التفكيك على منطلقات متضافرة: أولها: أن النصوص، حتى الفلسفية منها، ليست بسيطة أو واحدية المعنى، بما يعني عدم التعامل معها كأنساق مغلقة، بل مفتوحة، تتضمن قوى متناقضة ومرجعيات متعددة تعرضت لتوجيه صاحبها. وثانيها، وبناء عليه، فمن الضروري اغفال كل ما يعتبر أصلا مسلما به في هذه النصوص، وبذا يفقد الأصل امتيازه الميتافيزيقي. وثالثها، انها بهذا تحمل في طياتها تعارضا بين دلالاتها الظاهرة والمستترة، بما يساعد على استنطاقها، والوصول بها الى دلالات جديدة تتجاوز سياقها الأصلي. ورابعها، أن هذا التعارض ليس مسألـة عارضـة، أو حدث عن طريق الخطأ، وانما هو سمة مرتبطـة بالنـص (6).

والأمر في هذه المنطلقات يتصل بالنظر الى النص على أنه وحدة مركبة، تتألف من نصوص أخرى مختلفة بل قد تكون مغايرة تماما لأصله، بما يفيد أن التفكيك ليس مجرد نشاط نقدي أو تأويلي يستحضره القارئ من خارجه، ولكن بمسلك معين من داخله، يكشف في الأخير عن خطأ وزيف الاعتقاد بوجود عامية ثابتة أو معنى ناجز له.

هذا فيما يخص ضوابط التفكيك، أما فيما يتعلق بممارسته، فانها تقوم على ما يسميه "الفقد المزدوج" أو "الكتابة باليدين"، عبر حركتين متكاملتين: قلب Renversement حمولة النص الميتافيزيقية، بواسطة حل شبكة التعارضات والتراتبيات التي أقامتها بين المفاهيم وتبيان زيفها، ثم زحزحة Déplacement ما تم قلبه، حتى لا تخله الميتافيزيقيا من جديد، وذلك بتطوير التصورات،والحجج التناقضية التي تنطوي عليها ألفاظه وفرضياته ومناطقه المطمورة، وزرع Greffe مفردات جديدة لتطعيمها به.

وينبه ديريدا الى أن استخدام هذه الممارسة، يمكن أن يتم دون اعمال خطة أو صوغ برنامج موحد أو منهجية صارمة تمت الى قاموس البحث، طالما ليس هناك مجال محدد للمعرفة والدراية: "فبين المعرفة من جهة، والعطاء من جهة أخرى، بون شاسع، لا حدود ولا مجال لاجتيازه". (7)، بل ودون أية محاولة منه لتعريف جامع منه للتفكيك، في ألفاظ وحدود قاطعة ومحددة، انطلاقا من أن هذا التفكيك أكبر من أن يكون مجرد طريقة أو تقنية لتحليل النصوص.

بهذه الكيفية، يمثل التفكيك ثورة على الوصفية البنيوية، وان اشتعل السجال حوله فيما اذا كان منهجا أم طريقة بحثية. اذ ما يزال مريدو ديريدا غير متفقين في هذا الصدد، رغم أنه دأب على التحرز في استعماله، وأوضح مرارا بأنه ليس سوى ممارسة تقوم بمراجعة وتطوير الأسس البنيوية، لا منهج محدد يمكن وصفه باعتباره نزعة فلسفية ناجزة (8).

النص الآخر:

ان التأثير الأساسي للتفكيك، هو تحطيم الافتراض الساذج بأن النصر يمتلك معنى، وهو المعنى الذي ستمحوه في أخر الأمر قراءته اليقظة. وهذا المعنى غير موجود ولا متضمن في اللغة، انما هو متماد مع حركة اللغة ذاتها، ومتناثر عبر ساحته كلها، لكنه، وان ظل على نحو صاف مجرد معالم لغوية، فلا أحد يضمن المعنى الذي يحتويه، ويشكل حضوره. وهكذا فعبر سلسلة من قراءاته الذكية للنصوص الكبرى في التراث الغربي، يوضح ديريدا أنا، وبسبب عدم وجود التحديد الحاكم في صميم لفة النصر، فإنه يمكن الامساك بقضاياه غير المصاغة أو الصامتة، عن طريق اظهار شفراته وزياداته وتناقضاته الداخلية، كي يظهر بعدها ليقول أمرا مختلفا الى حد ما عما يبدو أنه يقولا، وهو ما يجعل النص يروي قصته الخاصة به، والتي تختلف الى هذا الحد أو ذاك عن القصة التي تخيل الكاتب أنه بصدد صوغها.

واذا كانت البنيوية تقف عند حدود النص، ولا تستعين بما هو خارج عنه، فإن ديريدا يتجه الى ما يمكن أن يكمن وراء النص، بواسطة ما دعاه "استراتيجية تفكيك النص"، وهو ما يبدو في عبارته المشهورة:"لا شيء خارج النص" lln'yapas de hors-texte (9)، بمقتضى أن كل شيء مسطور في النص، لا بمعنى أهمية التاريخ والمرجع والمعاش، بل لأن هذا كله مضطلع به داخله، فالنص بالنسبة اليه، قبل أن يكون نسخا للكلام، هو أثر أنطولوجي لابد من فك رموزه.

ولتحقيق استراتيجية في التفكيك، تقوم هذه الممارسة لديه على مفردة "الاختلاف"Différerce  (لا يسميه أيضا مفهوما)، تنظم اشتغاله في قراءة النص.

فانطلاقا من أن التفكيك بمثابة الطاقة التي تدفع بالنص الى أن يفيض على حدوده، بحيث يتسع الى ادراك اختلافه، من كون معانيه لا تعرف الاستقرار والثبات، فانها تظل مؤجلة ضمن الاختلاف بين النص الأصلي ونصه الآخر.

ذلك أن النص، أي نص، لدى ديريدا، ليس واحدا. فثمة نص أخر مختلف ثاو فيه، لا مكان له محددا في النص الأصلي، لا يقع وراءه أو خلفا أو جانبه، وليس مخفيا ولا ظاهرا، ولا يأتي قبل النص الأصلي ولا بعده. انه "اللامفكر فيه" L'impenseé ، طبقا للمفهوم الهيدجري العتيد.

ان عليه ان يتصدى لهذا النص المختلف، لكنه يحار كيف يحاوره، وهو الحاضر الغائب، وان بدا حضوره وغيابه معا أقرب الى ثنائية يرفضها. ومع ذلك: "كان لا بد من ملاحظة ان المختلف لا يكون، غير موجود، ليس كائنا حاضرا، ليس هو الهم On مهما يكن. وكنا قد وصلنا الى ملاحظة أنه كل ما ليس هو، وبالتالي ليس له وجود ولا عامية" (10). ولأنه لا سبيل الى الغاء النص الأصلي، ولا في تغييب للنص الآخر، باعتبار وجودهما في نص واحد، فعلى ديريدا أن يقوم، بواسطة اعادة قراءة Relire النص الأصلي، بعملية ازاحة تتحدى اتساقه واطراده، كي تصبح لغته من خلالها أقرب الى المراوحة بين الحضور والغياب.

والأمر هنا يتعلق بالنظر الى هذا الاختلاف باعتباره: "أبناء وحركة الا يمكن تصورهما على أساس تعارض ثنائية الحضور والغياب. ان الاختلاف هو اللعب المنتظم للتباينات، ولأثارها، وللتنظيم الذي يربط بين العناصر، هذا التنظيم هو الانتاج الموجب والسالب معا لفواصل لا تستطيع المصطلحات الكاملة أن تحقق دلالتها، أو تؤدي وظيفتها" (11). ويشدد ديريدا على أن اختلافات هذا الحضور والغياب ليست نهائية ولا مفارقة. انها ليست اللامحدود، ولا ما يقع في الطرف النقيض تماما للمشابه Semblabel أو للمتطابق Analogue وهي ايضا ليست الوهم بالوصول اللازم اليه واحدا ونهائيا، بما يميزه عن مفهوم هيجل حول "الاختلاف النهائي".

وبهذا المقتضى، يضحي التفكيك أقرب الى فعالية قراءة معمقة، تستهدف معرفة الكيفية التي تشكل بها النص، وتبيان عدم بداهته ورصانته المريبة، واستتباعا تبيان تاريخية وامكانية تغييره، ليكون الاختلاف معه وعنه، اختلافا منه، لا يفرض عليه من الخارج باجراء متعسف، اعتبارا من أن النص ليست له وجهة معينة أو محطة أخيرة.

الكتابة كفضاء للاختلاف:

ان احدى السمات الأساسية لما يقدمه ديريدا، هي زعزعة صرح نزعة التمركز الأوروبي بحداثاته القائمة على التمركز حول الصوت، أي العناية بالكلام على حساب الكتابة تلك التي يمكن معاينتها منذ افلاطون حتى دوصوسير. وفي مواجهة هذا التمركز، صاغ "دراسة الكتابة" Grammatologie كفعالية تقلب التدرج التقليدي، أو أفضلية الكلام على الكتابة. فبدلا من تصور الكتابة كمشتق طفيلي من التعبير المنطوق، يمكن أن يصور الكلام على انه مشتق من الكتابة.

وينبه ديريدا أن جميع خصائص الكتابة. مثل غياب المتكلم، ومن ثم غياب وعيه، تضاف للمعني، اعتبارا من أن الكتابة تهب نصها استعلاء وحرية عن المؤلف الأصلي، ومن ثم تمنحه مزيدا من امكانات التفسير، واعادة التفسير، بحكم قابليتها لك فتقال الى سلسلة جديدة من المعلومات وقدرتها على التنافذ من مرجع حاضر الى آخر غائب، وتلك سمات خاصة بالكتابة، لا يمكن للكلام أن يمتلكها (12).

لكن دراسة الكتابة لديه لا تعني استبدال الكلام بالكتابة، والا يكون استبدل مركزا بأخر، وهو القائل برفض التمركز حول العقل، انما يحاول أن يؤسس لكتابة تقوم على الاختلاف، عن طريق كشف الاختلاف الدائم في الكتابة.

ذلك أن الجملة في هذه الدراسة تتجاوز حالتها القديمة، من كونها حدثا ثانويا يأتي بعد الفعل، وليس له من وظيفة الا أن يدل على النطق ويحيل اليه. إنها تتجاوز هذه الحال لتلفي النطق وتحل محله، وبذلك تسبق حتى اللغة، وتكون اللغة نفسها توالدا ينتج عن النص، وبذا تدخل الكتابة في محاورة مع اللغة، فتظهر سابقة على اللغة ومتجاوزة لها، ومن ثم فهي تستوعب اللغة، فتأتي كخلفية لها، بدلا من كونها افصاحا ثانويا متأخرا، بما يشي أن الكتابة لدى ديريدا هي "جوهر التعبير"، اعتبارا من أنها لا تشير الي مجرد نقش المعنى بواسطة الحروف على بياض الصفحات، بل هي التي تكشف من الاختلاف بين الألفاظ أو الكلمات المتقاربة أو المتشابهة في النطق، مع أن لها في الآن نفسه مدلولات مختلفة. ولأن ديريدا وهو يقدم رؤيته، لا يلوذ بالتنظير، بل بالأمثلة أو الحالات، فانه يورد كلمات فرنسية، متشابهة الصوت مختلفة المعنى، كي تتسع رقعة الدهشة. والمثال الأشهر الذي يقدمه، هو اتفاق النطق في كلمتي: Différence و Différan رغم اختلاف مدلوليهما، حيث الكلمة الأولى تعني الاختلاف، والثانية تعني التأجيل أو الارجاء، أو الاخلاف، لو شئنا أن نعدى من ديريدا، فننحى حرف الثاء، وذاك التباس لا يمكن ادراكه الا من خلال الكتابة.

وهكذا تتزاهى دراسة الكتابة عند ديريدا، مع اعادة النظر الجدية في دورها، لا بوصفها غطاء للكلام المنطوق. انما بحسبانها فعل اجتياز حدود النص. ولكن ما جدوى تمسكه بالكتابة الى هذا الحد؟

لأن العلامة المكتوبة، لديه، تتميز بأنها أولا، يمكن أن تتكرر رغم غياب سياقها. وأنها ثانيا، قادرة على تحطيم سياقها الحقيقي، كي تقرأ فضاء للمعني بوجهين: قابليتها للانتقال الى سلسلة جديدة من العلاقات، وقدرتها على الانتقال من مرجع حاضر الى آخر (13)، على أن هذا الأمر لم يتوقف لدى ديريدا عند هذه الحيثيات، بل تعداها الى اللعب بتدوين الكتابة، بعكس ترتيبها الأفقي التقليدي، الى أعمدة رأسية متقابلة ومتقاطعة، يحل أحدها ازاء الأخرى في نسق تصاعدي يكشف عن تفاوتها، في محاولـة منه نحـو مزيد من توضيح شروحها واختلافاتها، وهو ما جربه ذات مرة (14).
المعنى والعلامة

ان الدوال عنده، وهي العلامات أو الكلمات أو الرموز، تختلف من بعضها، ولا يتضح معناها الا من خلال هذا الاختلاف، الذي يتخذ من النص عادة شكل التقابل أو التضاد. "فالطبيعة تختلف عن الثقافة، واللون الأحمر في اشارات المرور يختلف، الأخضر، والعلاقة دائما بين الدال (الضوء الأحمر في هذه الاشارات مثلا) والمدلول (التوقف عن السير في هذا المثال) تقليدية وليست منطقية، وذلك لأنها استقرت عن طريق نظام عرفي في التمييز بين الأشياء" (15).

من هنا لا يقدم لنا الدال مدلوله المباشر، مثلما تقدم المرأة الصورة. فالدال والمدلول في انفصال مستمر، ويتصلان مرة أخرى في توافقات جديدة، مما يكشف عن عدم ملاءمة نموذج العلامة التي نظر اليها فردينان دوصوسير باعتبار أن لها وجهين مترابطين هما الدال والمدلول، بما يفسح المجال لوجود ما يدعوه ديريدا "المدلول المتعالي" الذي لا يقبل الرجوع الا لذاته (16).

وهذا الاختلاف، وذاك الانفصال، هو ما يجمل للرموز معنى، وهو نفسه الذي يحول بينها وبين أن يكون لها معنى محدد، فضلا أن يكون لها معنى ناجز.

ومن جهة أخرى،تختلف العلامة عن مثيلاتها لديه، بحسب السياق الذي ترد فيه، ولكنها في كل سياق تطل حاملة لأثار من أصباغ السياقات الأخرى التي وردت فيها قبلا. ويترتب على ذلك، أننا حين نكتب انما نضاعف في الحقيقة من ألوان الاختلاف بين الدوال والمدلولات، ومن ثم نضيف الى ألوان الغموض في النص، ونحول دون وضوحه، الذي هو هدف الكتابة.

ذلك أنه من خلا.ل القراءات الممكنة والمختلفة واللامحدودة، لا يحصل الا التأثير الخادع للمعاني. فالمعنى لا يكمن في الدال فيما تأويل المعاني بمثابة حركة لا تنتهي، ومن ثم لا يمكن التوصل الى مدلول نهائي ومطلق، لأن حركة المعنى لا نهاية لها.

ان العملية ليست لا نهائية، ولكنها وبطريقة ما، دائرية، فالدوال تبقى متحولة الى مدلولات وبالعكس، ولا تصل أبدا الى مدلول أخير ليس دالا في حد ذاته.

وديريدا هنا يحاجج بأن المعنى ليس حاضرا مباشرة في العلامة، مما يترتب عليه أنه لا يمكن أن يكون واحدا أو محددا أو واضحا، وذلك لخضوعه دوما لنوع من التخالف لا التوافق، والتفكيك لا التجميع. واستتباعا، فعلى نقيض التمركز حول العقل، كانت دعوته الى دور حر للفة، بوصفها متوالية من اختلافات المعنى.
حوارات

ان أعمال ديريدا لا تترك تاريخا لخطية معينة، تسمح بضبط النقاط والفواصل. فها هي الاشارة الى التفكيك والنص الأخر والكتابة واختلافات المعنى تلح عليه، تقويضا لكل مبدأ يعيد الأشياء الى ما هو ثابت ومستقر في تلافيف الوعي. ثم انه يرفض أن يضمن أفكاره مفاهيم أو مصطلحات، هي لديه مفردات. انه يريد أن يتحرر من ذاكرة المفهوم والمصطلح، برسم استراتيجية للتسمية تقع خارج المنطوق والخاضع سلفا للشائع والثابت والمعاد.

من منا تبدو أعماله صعبة القراءة، وعصية على الاقتحام، بالنظر الى مد اهمتها للقناعة والتمركز، واكتنازها باقتصاد لفري تتكثف أثاره بانفلات التصميم وحفرية الراقات والحس المجبول على المغامرة.

ورغم تبني أفكاره من قبل عديد من المفكرين الغربيين والعرب، الا أنها تعرضت لهجوم قاس، وبخاصة في الولايات المتحدة، مع بلوغ ممارسة التفكيك حدود مغامراتها أوائل الثمانينات، وهي حاليا بصدد البحث عن موطئ نظري جديد، وان بدا تأثيرها الأجلى في نظرية الأدب الأمريكية عند مدرسة ييل Yale،التي تشمل نقادا مثل بول دومان P. De Man وهارولد بلوم H. Bloom  وجيوفري هارثمان J. Hartman، وهيلين ميلر H. Miller، ممن تميزت أعمالهم بالحضور والهيمنة على النقد الأمريكي فترة السبعينات.

ولأن ديريدا صاحب أعمال صعبة، فقد تهيأ لها استقبال متعارض: مؤيدون من مثل جوناثان كولر J. Culler، ورادولف جاشيه R. Gasché وكرستوفر نوريس Ch. Norris، ومنتقدون من مثل يورجين هابرماس J. Habermas ولوك فيري L. Ferry وريتشارد رورتي Rorty، وجون اليس J. Ellis نظروا لممارسة التفكيك لديه كمجرد صياغة جديدة تتميز بالاثارة لمقول قديم، على حين اتهمه آخرون بالعدمية ومعاداة النزعة الانسانية. ولعل أشهر حواراته، أو بالحري منازلاته، كانت مع معلمه هيدجر، وهو القائل عنه: "ان ديني لهيدجر من الكبر، بحيث يصعب جرده، أو التحدث عنه". فلقد وصم أعماله بالنازية، مذكرا أن جراثيمها الأيديولوجية، كصيغة للميتافيزيقا الغربية، وكحاضنة لنزعة التمركز الأوروبي، موجودة في فكره، حتى عندما كان يمارس تفكيك الميتافيزيقا، وتدمير الأنطولوجيا التقليدية.

لقد سبق لديريدا أن استخدم دوصوسير في تفكيك دوصوسير، وروسو في تصحيح ما سماه، "عمى" روسو، وكذلك الأمر مع نيتشه وفرويد وهيجل ولاكان وجادامير وغيرهم، وها هو يستخدم هيدجر في تفكيك هيدجر، والمفارقة أن ديريدا، المتهم بأنه هيدجري من ألفه الى يائه، سواء في اهتماماته أو منهجيته، يستخدم سلاح التفكيك الذي أخذه من معلمه، فيوجهه ضده. هو هنا أشبه بكيريجارد S.Kierkegaard آخر يتمرد عشى معلمه، على ما بين الاثنين من تمايز.

وبمثل ما تحدث به المفكر الألماني هانز فاينجر H. Waihinger عن قانون "الانتقال الذهني"، Ideational Shift  القائم على تحويل بعض من مفردات التراث الى فروض، ثم تحويرها الي عقائد يقينية، استخدم ديريدا في هجومه على معلمه، مفردة "ما تحت المحو" saus rature التي استعارها منه، وتعني كتابة كلمة ثم شطبها، بما يجعلها تطبع كلا من تلك الكلمة والأخرى المشطوبة، كي تبدر ضرورية فيحال كتابتها، وغير ملائمة في شطبها وعدم وجودها.

وعبر هذا المسلك، طارد ديريدا كلمة "الروح" Exprit (Geist بالالمانية) ومشتقاتها في كل أعمال هيدجر، وتتبع مسارها في هذه الأعمال، لكي يدلل على أن ظهورها فيها ثم اختفاءها، دليل على نازيته، اذ لاحظ ديريدا أن هيدجر تجنب هذه الكلمة في كتابه الأول (الكينونة والزمن) Etre et Tenps عام 1927، ثم عاد لاستخدامها هي ومشتقاتها بشكل صريح وواضح بعد ذلك بين عامي 933- 1935، في فترة صعود الحركة النازية، لا بمعنى الروحانية الذاتية على طريقة ديكارت، ولكن بمعنى الرسالة الروحية التي تهب القوة وتحقيق الذات للشعب الألماني، وهو ما يعني خلع نوع من الروحانية على العقيدة النازية، متراجعا بذلك عن موقفه السابق عندما كان يعتبرها مغموسة بالميتافيزيقا، ثم يعود مطلع الخمسينات فيدعو الى تجنبها.

ويستنتج ديريدا من ذلك، أن هيدجر الذي نصح بتجنب كلمة "الروح" قبل النازية، قد نكص كلى اعقابه عام 1933 لكي يلتحق بالحركة النازية، ويتخلى عن مهمته الأساسية في تفكيك الميتافيزيقا الغربية، ثم رجع بعدئذ الى المهمة بعد فشل النازية وسقوطها (17). على أن هجوم ديريدا لم يقتصر على معلمه، بل طال كذلك، وبنفس المسلك الذي اتبعه، هوسرل E. Husserl حين اتهمه بالتواطؤ مع نزعة التمركز الأوروبي، والانغماس في الأيديولوجيا العنصرية، مستدلا بما كتبه من كلام عنصري عن الفجر. كذلك طالت اتهاماته الشاعر بول فاليري P. Valery حين رآه مأخوذا أيضا بفكرة التفوق الأوروبي (18).

كذلك فانه، واستتباعا لمهاجمته البنيوية، رأى ديريدا في أعمال كلود ليفي ستروس C. Lévi-Strauss نوعا من الارتجال يحسن تجاوزه أو تصحيحا منتقدا التعارضات الثنائية التي كرسها في تحليله البنيوي للقرابة بين الطبيعة والثقافة، وفكرته حول "الاسطورة المرجعية"، حيث لا وجود لدى ديريدا لوحدة أو لمصدر مطلق للأسطورة، بالنظر الى أن البؤرة أو المصدر يظلان دوما امكانيتين يتعذر الامساك بهما، وان اعترف بأن ليفي ستروس قد أعطى قدرا كبيرا من العناية والاهتمام الى نقد المعرفة، والبحث عن الحقيقة، والتمسك بالموضوعية، وأنه أفلح في تقديم تحليل رائع "للمنتجات الثقافية"، ولمختلف أوجه النشاط الانساني وثمة منازلة أخرى مشهورة دارت بين ديريدا وهابرماس حول العلاقة بين النص الفلسفي والنص الادبي. ذلك أن ديريدا يلوذ دائما بالجماليات. كسرا لاطلاقية النص الفلسفي. فليس من تعارض لديه بين المتخيل والحقيقة، ولا تصادم بين الاستعارة والمفهوم، وحيث أضحى النص الفلسفي يشمل الصورة والأسطورة، الحكي والاستعارة، المفهوم والفكرة، التخييل والاستدلال، والاستيهام والحجاج. ولعل هذا ما دفه هابرماس الى اتهامه بتحويل الحجاج المنطقي الى بلاغة وبيان، وتحويل المفاهيم الفلسفية الى مجرد تضاريس من استعارات، ومن ثم اقحام الأدب فيحتل التأمل الفلسفي. على أن ديريدا يتبرأ من هذه التهم. "فلم أعمد أبدا الى المماثلة بين النص المنعوت أدبيا والنص الموسوم فلسفيا، وكلا النمطين من النصوص يبدو لي مختلفا اختلافا كبيرا عن الأخر" (19). لكنه مع ذلك يقر بتجاوز النص الأدبي الدائم لحدوده الاصطلاحية المكونة له، وان الحدود الفاصلة بين الضربين من النصوص أكثر تعقيدا مما يخطر على البال(20). ويدعم ديريدا هذه الأطروحة بقوله: "إن الميتافيزيقا قد محيت فيها المسرحية الخرافية التي أنتجتها، ولكنها مع ذلك ستبقى حية، متحركة، مدونة بالمداد الأبيض، كرسم لامرئي ومقنع في الأوراق" (21).

ان المسألة في محصلتها ترتبط لديه بمحاولة تفكيك كل الادعاءات التأملية لفكر خالص ومطلق، وتجنب التقاطبات بين الشعري والمنطقي، ولدى المؤسسة الأكاديمية باحتكار أحقية تحديد طبيعة النص وقيمته، لذلك يدعو الى تنوع متشظ ومختلف للنصوص، على قاعدة تفكيك آلية هذه النظرة التراتبية المسلطة على النصوص الاددبية والفلسفية، وهو ما حدا بالبعض الى الحديث عن "شعرية ديريدا"، الكامنة في لغتها الضاربة في خصوصيتها، بكل ثرائها الايماني، ووعيها الاخاذ، وأفاقها الملبدة واذا كان ما سبق يمثل أشهر حواراته أو منازلاته، فماذا عن موقفه بالنسبة لمجريات الأمور في العالم؟

ان ديريدا لم يتخذ مواقف سياسية علنية، وان شدد على التزامه النضالي داخل مجموعة "جريف". فقبل استقلال الجزائر، انتقد سياسة فرنسا الاستعمارية، لكنه تمنى أن يستمر التعايش بين الفرنسيين والجزائريين بالرغم من حركة الاستقلال. وشجب التمييز العنصري في جنوب افريقيا، لكنه تمنى كذلك أن يستمر التعايش بين البيض والسود. واتخذ موقفا محايدا من قضية "الشرق الاوسط" يرضي كافة شعوب المنطقة. وأعلن ابتعاده بوضوح عن المختفين بزوال الماركسية بعد انهيار "الاتحاد السوفييتي"، موضحا بأنه: "ليس ثمة مستقبل بدون ماركس". ووجه اتهامات عشرة مشهورة للعولمة، تحت مسمى "كوارث النظام العالمي المعاصر"، حين رآه: "يروم تنبيت خلل جديد، جديد بالضرورة، وذلك بانشاء شكل من أشكال الهيمنة لم يسبق لها مثيل" (22). وحدد هذه الاتهامات في: البطالة الجديدة، والاقصاء الجماعي لمواطنين بلا مأوى من كل مشاركة في الحياة الديمقراطية، والمنافسة الاقتصادية، وعجز السيطرة على تناقضات السوق الحرة، وتفاقم الديون الخارجية لبلدان الجنوب، وصنع الأسلحة والاتجار بها، وتوسع نشر الاسلحة النووية، والمنازعات الاثنية الداخلية، وتبلور الامبراطوريات الشبحية للرأسمالية مثل المافيا ووكالات المخدرات وهيمنة الغرب على تفسير وتطبيق القانون الدولي(23).

كذلك فضح ديريدا منطق ما يعرف بـ "شبكات ما وراء الحدود القومية"، التي تخلقت في اطار الشركات الكونية وبعض من المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الانسان، مذكرا بأن: "الخطاب المتعلق بهذه الحقوق، سيبقى غير ملائم، ومنافقا في أحيان، وشكليا على كل حال، كما سيظل غير منطقي مع نفسه، مادام قانون السوق والدين الخارجي، والتفاوت التكنولوجي والعسكري والاقتصادي يحافظ على تمايز فعلي، يساوي في بشاعته ما يرجح اليوم، بأكثر من أي وقت مضى في التاريخ الانساني" ( 24).

ديريدا عربيا:

ومؤخرا، حل ديريدا ضيفا على وزارة الثقافة المصرية، في ظروف لم تترجم أعماله الى العربية بما فيه الكفاية، وان بدت ممارسته التفكيكية أثيرة لدى عدد متعاظم من المثقفين العرب، من مختلف تخصصات الفلسفة والنقد الادبي واللغة وعلم الاجتماع والانثربولوجيا، ممن حاولوا مواجهة النصوص بحرية، ومقاربتها دون البحث عن بؤر ومراكز.

وتفتح مساءلة الاحالة المرجعية، أو المسار التناصي textuelinter  لجدل التفكيك العربي، امكان التعرف على تعامله مع مرجعيته،استيعابا أو تحويلا أو معارضة، واستيضاح البعد الدلالي لهذا الجدل، والطريقة التي أسس بها منطقا، المفارق والمعتمد في آن معا لمنطق مرجعيته، بواسطة الكشف عن تفاعلاته النصية مع هذه المرجعية، وهو ما عناه هانز روبير ياوص H.R. Jauss، حين أشار الى التواصل التعبيري كعملية حوارية تأويلية بين النص ومرجعيته، تلك التي تخلق عبرها هوياته المتعددة (25).

ذلك أنه لا يمكن تصور استعادة ناجزة لممارسة التفكيك، فيما كل حوار معها يقتضي حدا أدنى من اعادة التركيب، بما يشي أن تداولها العربي يعني اعادة بنائها في ضوء أسئلتها المرجعية وأسئلتنا المستجدة، أو بتعبير ديريدا: في ضوء نصه الأصلي ونصنا الآخر.

يعزز النظر الى تبيان هذا التداول العربي، وجوه أربعة، تؤسس بحسب جيرار جينيت G. Genette لتفاعلاته مع مرجعيته (26).

أولها المعارضة النصية Paratextualité، وهو ما يبدو لدى حسن حنفي في اعتباره التفكيكية بداية النهاية للوعي الأوروبي، ولكتابة ديريدا كتراود مع ألواح التوراة اليهودية، أو لدى أسامة خليل في اشارته الى موقف الخروج العبراني في اعمال ديريدا الفلسفية، أو الباحث السعودي سعد البازعي في اعتباره لممارسة التفكيك كتراود مع مفاهيم الخطيئة والسقوط المسيحية، أو عبدالعزيز حمودة الذي وجد فيها عدمية تهدد بفوضى التفسير.

وثانيها الاحالة النصية metatexualité وهو ما يتضح لدى عبد الكبير الخطيبي عن النقد المزدوج، ومطاع صفدي حول التأسيس في المختلف، وعبدالعزيز بن عرفة حول الدال والاستبدال، ومحمد أركون حول اللامفكر فيه، وبختي بن عودة حول الكتابة.

وثالثها التضمين النصي transtextualité وهو ما يبدو لدى أحمد أبوزيد حول التفكيك،  وعبدالسلام بنعبد العالي حول التراث والهوية، ونور الدين أفاية حول الهامش والحضور، وكاظم جهاد حول الكتابة، وعلي أومليل حول شرعية الاختلاف، وفتحي التريكي حول جدلية العودة والتجاوز، ورضا بن حميد حول قراءة النص الأدبي.

ورابعها المحاكاة النصية hypertexualité، وهو ما يبدو لدى محمد البكري حول اشتغال التشكيلة الخطابية، وعبد المجيد بوقربة حول تعددية الدالة، ومحمد الجويلي حول المخيال الاسلامي، وعلي حرب حول الممنوع والممتنع (27).

هاهو اسم جاك ديريدا وكتابته ينطرحان راهنا في المتن العربي. هل ترى ذلك بسبب من تشظي الاسئلة المفتوحة والمتعددة التي يحملها المثقفون العرب؟ أم لأنهم وجدوا في تفكيكية ديريدا دليل أجوبة عليها؟

الهوامش:

1- هاجم ديريدا البنيوية، ورفض دعوى وجود البنية في النص، منذ ألقى محاضرته المشهورة عام 1966، بمركز الانسانيات بجامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins في الولايات المتحدة الأمريكية. يراجع:

culler, Structuralist Poetics - Structuralism, Linguistics and the study of Literature, Routledge and Kegan Paul, London, 1975, pp, 71-73.

2- Derrida, J.: La Carte Postale –De Socrate á Freud et au-delá, Flammarion, Paris, 1979, p. 454.

3- Ibid., p. 209.

4- Ibid., p. 112.

5- Bennington, G. and J. Derida: Jacques 1991 – Jacques Derrida, University of Chicago press, 1991, pp. 106 –107.

6- جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد، تقديم محمد علال سيناصر، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1988، ص 51.

7- Derrida, J., La Carte Postale, Op. Cit., p. 188.

8- Derrida, J.,: De la Grammatologie, Minuit, Paris, 1967, p. 25.

9- ibid., p. 20.

10- Derrida, J., La Carte Postale, Op. Cit., p. 261.

11- Derrida, J.,: Positions, Minuit, Paris, 1972, pp. 35-36.

12- جاك ديريدا: الكتابة والاختلاف، مرجع سابق، ص 107.

13- المرجع نفسه، ص 77.

14- Derrida, J.,: Glas, Galilée, Paris, 1974, p. 73.

15- Derrida, J. Positions, Op. Cit., p. 26.

16- Ibid., p. 28.

17- Derrida, J.,: De I, sprit – Heidegger et la question, Galileé, Paris, 1987, pp. 67-81.

18- Ibid., pp. 94-100.

19- Derrida, J.,: Marges de la philosophie, Minuit, Paris, 1972, p. 254.

20- Ibid., p. 257.

21- Derrida, J.,: Acts of Literature, Edited by P. Attridge, New York London, 1992, pp. 221-222.

22- جاك ديريدا: أطياف ماركس، ترجمة منذر عياش، دار الحاسوب للطباعة، حلب، 1995، ص 102.

23- المرجع نفسه، ص 156-161.

24- المرجع نفسه، ص 164.

25- Jauss, H.R. Pour une Estheique de la reception, Gallimard, Paris, 1978, p. 57.

26- Genette, G.: Palinpsestes, Seuil, Paris, pp. 8-12.

27- قدم أحمد عبدالحليم عطية دراسة شارحة لاستجابات المثقفين العرب نحو اعمال ديريدا، نشرت على جزءين بمجلة (دراسات عربية): الأول بعنوان (التفكيك والاختلاف – جاك ديريدا والفكر العربي المعاصر)، العدد الأول والثاني، نوفمبر – ديسمبر 1977، ص 53-87، والثاني (التفكيكية والنقد الأدبي) العدد الثالث والرابع، يناير – فبراير 1998، 47-63، دار الطليعة، بيروت.

بيبليوجرافيا ديريدا:

1 - L'origine de la Geometrie de husseri, PUF, Paris, 1962.

2 - L'ecriture et la difference, Seuil, Paris, 1967.

3 - De la Grammatologie, Minuit, Paris, 1967.

4 - La voix et Ie phenomene, PUF, Paris, 1967.

5 - La dissemination, Seuil, Paris, 1972.

6 - Marges de la Philosophie, Minuit, Paris, 1972.

7 - Positions, Minuit, Paris, 1972.

8 - L'Archeologie du Frivole, Galilee, Paris, 1973.

9 - Malarme.Gallimard, Paris, 1974.

10 - Glas, Galilee. Paris, 1974.

11 - Econominesis, Aubier - Flamarion, Paris, 1976.

12 - Ou commence et comment finit un corps enseignant, Crasset, Paris, 1976.

13 - Fors , Aubier - Flammarian, Paris, 1976.

14 - L'Age de Hegel - La Philosophic et ses Classes-

Reponses a la nouvelle critique, Flammarion, Paris, 1977. 15- Scribble , Aubier-Flammarion Paris, 1978. 16 - Eperons - Les styles de Nietzsche, Flammarion, Paris,

1978. 17- La verite en peinture, Flammarion, Paris, 1979.

18 - Limited Inc. The Johns Hopkins university press, Baltimore, 1977.

19 - La Philosophic des etats generaus, Flammarion, Paris,

1979.

20 - Living On , Scabury press, 1979,

21 - La Carte Postale - De Socrate a Freud et au dela, Flammarion, paris , 1979.

22 - Ocelle comme pas un, Preface, a L'enfant au chien assis, De Jos Joliet , 1980.

23 - L- Oreille de I'aitre, VLB, Montreal, 1982.

24 - The time of a thesis - Punctuations, Cambridge university press, Cambridge, 1983.

25 - Otobiographie - L'enseignement de Nietzsche et la poli tique du nom propre , Galilee, 1 984.

26 - D'un ton apocalyptique adopte Naguere en Philosophie, Galilee, Paris, 1983.

27 - La Filosofia comoinstitucio, Juan Granica, Barcelone,1984.

28 - Signeponge /Signsponge, Columbia university press, 1983.

29 - Fell la cendre/cio'che resta Del Fuoce, Sansoni, Florence, 1984.

30 - Popularites - Du droit a la Philosophie , Avant - propos a (Les sauvages dans la cite), Champ Vallon, 1985.

31 - Prejuges - Devant la Loi, in (La Faculte de juger), Minuit, Paris, 1985.

32 - My Chances , The Johns Hopkins university press, 1984.

33 - Guter Willezur Macht, Fink , 1984.

34 - Two words for Joyce , in (Post - structuralist Joyce), Cambridge university press, 1984.

35 - Thelologie de la Traductuction, in (Qu'est - ce que Dieu), Bruxelles, 1985.

36 - Lecture de droits de regards - De Marie Francoise Plissart, Minuit, Paris, 1985.

37 - Des tours de Babel, in (Difference in Translation) Cornell university press, 1985.

38 - Ulysse Gramaphone - L'oui- dire de Joyce, CNRS, Paris, 1985.

39 - Schibboleth - Pour Paul Celan, Galilee, Paris, 1986.

40 - Memoires - Lectures for Paul de Man, Columbia universi ty press , 1986.

41 - Forcenter Ie subjectile, Gallimard, Paris, 1986.

42 - Point de Folie - Maintenant L'Architecture, Architectural Association, Londres, 1986.

43 -Admiration de Mandelna , Gallimard , Paris , 1986.

44 - L'Aphorisme a contretemps, Papiers, Paris, 1986.

45 - 52 Aphorismes pour un avant - propos, CIC Georges Pompidou, Paris, 1987,

46 - De I'Esprit - Heidegger et la question, Galilee, Paris, 1987.

47 - Psyche - Inventions de I'autre, Galilee, Paris, 1987.

48 - Peula Cendre, Editions des Femmes, Paris, 1987.

49 - Signe Ponge, Seuil , Paris, 1988.

50 - The ear of the other, Schocken, Nebraska, 1988.

51 - Le Probleme de la genese dans la Phenomenologie deHusseri, PUF, Paris, 1990.

52 - Du Droit a la Philosophic, Galilee , Paris, 1990.

53 - Memoires d'aveugle- L'autoportriait et autres ruines, Reunion des Musees Nationaux, Paris, 1990.

54 - Qu'est - ce que la Poesie ? Brinkmann et Rose, Berlin, 1991.

55 - Donner le Temps: (1) La Fausse Monnaie, Galilee, Paris, 1991.

56 - L' Autre Cap , Minuit , Paris, 1991.

57 - Circonfession, Seuil , Paris, 1991.

58 - Points de suspension, Galilee Paris, 1992.

59 - Nous autres Gress, Seuil, Parisj

60 - Khora, Galilee , pan's, 1992.

61 - Passions, Galilee Paris, 1992.

62 - Sauf le Nom. Galilee , Paris , 1992.

63 - Donner la mort, Metaille , Paris, 1992.

64 - Generations d'une ville - Memoire, Prophetie et Responsabilites, Editions de I'Aube , Paris, 1992.

65 - Spectres de Marx, Galilee , Paris, 1993.

66 - Pregnance, Brandes, Paris, 1994.

67 - Force de Loi, Galilee , Paris, 1994.

68 - Politiques de I'amitie, Galilee , Paris, 1994.

69 - Mal d'Archive, Galilee , Paris , 1995.

70 - Moscou Aller - Retour, Editions de I'Aube, Paris, 1995.

71 - The time is out of joint, NYU press, 1 995.

72 -Avances , Minuit, Paris , 1995.

73 - Foi et Savoir, Seuil, Paris , 1995.

74 - Apories , Galilee , Paris, 1996.

75 - Resistances, Galilee , Paris, 1996.

76 - Le Monolinguisme de I'autre, Galilee , Paris , 1996.

77 - Adieu a Emmanuel Levinas, Galilee , Paris, 1997.

78 - Cosmoplites de tous les pays - Encore un effort, Galilee , Paris, 1997.

79 - Demeure Maurice Blanche!, Galilee , Paris, 1997.

80 - Un vers a Soie, Galilee , Paris , 1998.

81 - Donner La Mort, Galilee, Paris, 1999.

 
 
محمد حافظ دياب (استاذ جامعي من مصر)

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟