انفاسباستثناء بعض المواقف اليتيمة، مواقف أفلاطون وماركس وسيمون دي بوفوار مثلا، ظل الموقف الفلسفي من المرأة موقفا سلبيا وغير مشجع على نفي حالة الصراع بين الرجل والمرأة التي طبعت التاريخ البشري، على الرغم من وجود مجتمعات موشومة بالبدائية تحتل فيها المرأة مركز الصدارة، في حين يقبع الرجل في ركن خفي، ينتظر نظرة حالمة من زوجته، أو هدية تتحف بها وجدانه، وتقبل بها مودته.
لقد اعتبر أرسطو المرأة رجلا ناقصا أو ذكرا غير مكتمل، ولا تصلح إلا لوظيفة الإنجاب، واعتبرها الفيلسوف الأنواري والأب الروحي للثورة الفرنسية، جون جاك روسو منذورة فقط لخلط الخضر بالحساء وإعداد الطعام لفارسها، وفي جميع الأحوال على المجتمع أن يربي المرأة منذ الصغر على الخضوع للرجل وإلا  فإن وجود المجتمع سيكون في خبر كان. وكانط المتخم بالأخلاق رأى فيها كائنا أخلاقيا ناقصا لأنه ناقص عقلا. أما شوبنهاور  فليست لديه جنسا لطيفا، وإنما هي جنس لا يتذوق الفن، ولا يعرف إلا تبذير أموال الزوج في المناسبات التافهة. ويزيد نيتشه النار في الهشيم حين ينصح كل رجل قاصدا امرأة بقوله: " إذا ذهبت إلى النساء فلا تنسى السوط " . فلم كل هذا الإزدراء للكائن التائي(نسبة إلى تاء التأنيث)؟هل يتعلق الأمر بكينونة بيولوجية ترث بها في خلقتها الأولى مورثات دونيتها أمام الرجل، أم هي العوائد والأعراف الأبيسية التي فعلت فعلها فمنحته الامتياز الاجتماعي وهوت به في الوجود إلى قاع الدونية؟ ألا يؤدي التفسير الاقتصادي إلى تحليل أدق لوضع هذا الكائن وحدود إمكاناته في المجتمع، وبين المجتمعات؟
يمكن القول بأن القول الفلسفي الذي وشم تاريخ الفلسفة قد علق بالثقافة السائدة داخل كل مجتمع. هذه مفارقة وقع فيها المزدرين لقدر هذا الكائن في الوجود، وفي نسمة الحياة التي تمنحها للعلائق التي ينسجها بني البشر. فإذا كان موقف هؤلاء موقفا تنويريا في العديد من النقاط والقضايا التي أقاموا فيها الحفر بمنطق العقل البرهاني وآليات اشتغاله، وقلبوا فيها كثيرا من الأوضاع التي يغلفها ضباب سديمي، دون إمعان للفكر والنقد في مدى استيعابه لموطنات وجوده الذاتي ووجوده العلائقي الذي يضمه إلى الآخرين، فإن موقفهم من هذا الكائن ظل موقفا متخلفا، ولا يحتفي بحال بكرامة الإنسان التي نص كانط على أنها غاية تعلو على المصالح والمنافع الذاتية التي تجعل البعض أدوات في خدمة غايات الآخرين، مثلما يقع بالنسبة للرجل، حين يتخذ المرأة مجرد متعة، أو وسيلة لحفظ النسب من الإندثار.

انفاس" إن الديمقراطية هي أبعد المفاهيم السياسية عن الطبيعة وهي وحدها تسمو في المقصد على الأقل على شروط المجتمع المغلق، إنها تنسب للإنسان حقوقا لا يجوز انتهاكها ولكي تبقى هذه الحقوق مصانة توجب على الجميع أن يخلصوا لواجبهم إخلاصا لا يتبدل."[1]
ظلت الأنظمة التي تزعم الديمقراطية منذ بداية المجتمع الانساني  مجرد ديمقراطيات زائفة والإنسانية إلى اليوم مازلت  تبحث عن دولة ديمقراطية بالمعنى الحقيقي للكلمة تجمع بين النجاعة والعدالة وبين السيادة والمواطنة وبين السؤدد والمجد وكأن النظام الديمقراطي لا يناسب هؤلاء الخطائيين من بني البشر الذين يصعب علينا أن نتصور شعبا يظل مجتمعا دون انقطاع متفرغا في مناقشة الشؤون العمومية" [2]،وبالتالي فإن شعب من الآلهة هو فقط  بإمكانه أن يحكم نفسه بطريقة ديمقراطية".
لقد تبادر إلى الأذهان أن الديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وأنها احترام المجتمع السياسي الذي يدبر الشأن العام للمجتمع المدني الذي يمثل الشأن الخاص وأنها ناشئة عن تشكل الإرادة العامة عن طريق تعاقد حر بين الأفراد وأن تأسيس الدولة هو أمر ممكن من جهة النظرية الفلسفية وجائز من جهة الممارسة سواء بجعل مدينة الأرض تحاكي مدينة السماء كما يفعل اللاهوتيون أو بإيجاد تناغم مع نظام الكوسموس عند الإغريق ومع الطبيعة البشرية عند فلاسفة الحداثة السياسية ومع نظام العقل وتجليه في التاريخ عند هيجل ولكن كل هذه الأدبيات هرمت بسرعة وبان بالكاشف أنها تعاني من العديد من النقائص وتحولت الدولة الى "أبرد مسخ من المسوخ الباردة تكذب بكل رصانة عندما تقول:"أنا الدولة أنا الشعب""[3] وأصبحت حسب باكونين " كلية مفترسة تعيش على قرابين بشرية و جهاز يضحي بالحرية الطبيعية وبمصالح كل واحد في سبيل مصالح جميع الناس"[4] وبالتالي فهي تحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة هيكلة وعرضها على غربال ديمقراطية المعرفة نفسها والشروع الجدي في البحث عن آلية ما بعد ديمقراطية تنهض بسياسة الحضارة وبتدبير فن الحياة على المعمورة.
ان الذي يجب تغييره هو مفهوم الدولة نفسه وكل العدة المفاهيمية التي تستوجبها فهي لم تعد الجسم السياسي والحقوقي الذي ينظم العلاقات بين الأفراد بل أصبحت الإدارة السياسية التي تعمل على كبح القوى اللاعقلانية المتصارعة في المجتمع وتتفهم دوافعها من أجل التمييز بين الأصدقاء والأعداء.

انفاسيعتبر سؤال "الحداثة" عند الأستاذ عبد الله العروي من ألغز الأسئلة، فهو من جهة سؤال يستوعب كُلَّ كُتُب سلسلة المفاهيم بحيث يقول العروي:"إن ما كتب إلى الآن يمثل فصولا من مؤلف واحد حول مفهوم الحداثة "(1) ويضيف "إن كل ما كتبه يندرج تحت مفهوم مهيمن على الكل هو بالطبع مفهوم الحداثة"(2) وهو ما يبين أن مفهوم "الحداثة" يستغرق كل مؤلفات العروي بأكملها، بل إنه يصرح أن "منطق الحداثة" هو الذي دفعه إلى الشروع في كتابة سلسلة المفاهيم(3) إلا أن "الحداثة"- في نظر عبد الله العروي- واقع تاريخي ومبادئ تتشكل فيما بينها لتنتج مفهوم الحداثة.
 أما من حيث هي واقع تاريخي، فيلخصها العروي- مع المؤرخين- في عدة مياسم يذكرها كالتالي:                   
ثورة إقتصادية.
إحياء للتراث القديم في الفلسفة والقانون.
إصلاح ديني ووجه للكنيسة، وإحتكارها التأويل المقدس.
ثورة سياسية موجهة ضد الفيودالية والكنيسة.
ثورة فكرية تعتمد على"العقل".
      من هذا التطور التاريخي الذي وقع في "الغرب" يستلهم عبد الله العروي سؤال "الحداثة"، ويجمله في المفاهيم التالية: "الفردانية"، "العقلانية"، " الحرية"، "الديمقراطية"، "العلمية"، أو "العلمانية"،  بمعنى "العلم الحديث"(4) ولقد سبق للأستاذ العروي أن لخص سؤال "الحداثة" – من حيث هي ثقافة الطبقة الوسطى الأوروبية –  في المفاهيم التالية: مفهوم "الطبيعة"، مفهوم "الفرد"، مفهوم "الحرية"، مفهوم "السعادة"، مفهوم "العقل"... وذلك في تعبير بديع، بحيث قال:" تنطلق (الحداثة)  من "الطبيعة"، معتمدة على "العقل" في صالح "الفرد" لتصل إلى "السعادة" عن طريق "الحرية"(5) وهو ما يبين موطن "الحداثة"، وليس العالم الشيوعي(6).

أنفاس" ليس من السهل فهم كيف تتمكن الإتيقا من التحكم في ميدان الفعل وهي ملزمة كلها بالخضوع لإكراه موقف الحياد التام تجاه ميدان الاعتقاد." [1]
ما سر الحاجة الإنسانية الدائمة إلى الاعتقاد؟ أليس اللاإعتقاد هو في حد ذاته إعتقادا؟ هل من الحكمة والعقل أن نتمسك باعتقادات لا نستطيع أن نجد لها تسويغات عقلية؟ هل تكون المعتقدات مقبولة لمجرد تكاثر عدد الذين يعتقدون فيها في المجتمع؟
إن النقاشات حول المقدس قد تصاعدت في ساحة الفكر المعاصر وتغلبت على عدة اهتمامات نظرية أخرى التي تطرح إشكاليات بمعزل عن التيولوجيا واللاهوت والكتب الدينية والغيبيات والروحانيات والمسلمات الميتافيزيقية. البعض من المفكرين الذين كانوا ينتسبون إلى التيار اللااعتقادي بادروا بطرح أنفسهم اليوم كمدافعين عن الدين تحت مسميات عديدة وفي سياقات مختلفة ويبررون ذلك بحاجة الإنسان في حياته إلى المقدس والتعالي وبأن اللحمة الاجتماعية والتماسك الأسري والتضامن الوطني ووحدة الانتماء إلى هوية لن يتحقق إلا بالرابطة الروحية الدينية.
لكن ما نلاحظه راهنا يتطابق بلا ريب مع "عودة للديني" أو ما سماه موزيل "الحنين إلى الاعتقاد" وما يمكن اعتباره "تضخم في التدين" أو "إفراط في الإيمان" فكيف لحقبة غطس فيها الناس في اللااعتقاد تنجرف انجرافا تاما لتبحث لاهثة عن قبس من الإيمان؟ هل أن الشيء إذا بلغ حده انقلب إلى ضده وأن الحرمان التام يولد الرغبة الجارفة في الإشباع الكامل وأن الكبت يولد الانفجار؟ أليس الديني هو هذا البعد الذي وقع كبته وظل طي الكتمان في غياهب اللاشعور الجمعي وهاهو ينفلت مجددا على سطح الشعور؟ ما دور السياسة في هذه العودة للاهتمام بالدين؟ ألا يحظى ذلك بتدعيم رسمي من الدول والحكومات والأنظمة السياسية قصد توظيفه في لعبة المصالح واستراتيجيات الهيمنة؟
هل يتعلق الأمر باستعادة تفهمية جديدة للديني وإعادة إحياء للتراث الروحاني أم أن ذلك ليس سوى توظيف عتيق وتقليدي للعامل الديني في المسرح الاجتماعي والسياسي؟

أنفاس" تتمثل نظرية المحاججة في دراسة التقنيات الاستدلالية التي تساعد على تدعيم موافقة العقول على الدعاوي التي يتم عرضها أو حثهم على ذلك"  شايم بارلمان
لم ينج ديكارت من الوقوع في المغالطة عندما اعتبر قاعدة البداهة هي معيار الحقيقة وعندما أكد أنه لا يمكننا أن نعتبر أمرا ما على أنه حقيقيا إلا إذا تمثلناه بشكل واضح ومتميز واستنتج أن مناقشة أمر ما من طرف شخصين أو أكثر هي علامة على خطأ ذلك الأمر، أليس هو القائل:" كلما كان شخصان يحملان عن الشيء ذاته حكما مناقضا كان أحدهما بالضرورة مخطئا. ويمكن أن نذهب إلى حد القول أنه لا أحد منهما على صواب لأنه لو كان أحدهما يمتلك تصورا واضحا ومتميزا لتمكن من توضيحه لخصمه وإرغامه بشكل ما على الاقتناع"؟ أليس مثل هذا القول هو المغالطة عينها؟ ما أدراه أن كل أمر يوضع موضع مناقشة ويختلف حوله الناس وبالضرورة يقع البعض منهم في الخطأ؟ لماذا تحدث عن الإرغام على الاقتناع؟ وكيف السبيل إلى تجاوز مثل هذه المغالطات والوصول إلى حد أدنى من الاقتناع؟ ماهي آليات الإقناع غير المرغم؟ لكن قبل ذلك ماهي مواطن المغالطة؟ وهل توجد فقط في اللغة الأخلاقية والخطاب العلمي والسياسي والكلام اليومي الحي والمباشر أم أن الأحاسيس والعواطف والخيال والذاكرة تلعب دورا بارزا في تراكمها وترسخها في النفوس؟ هل يكفي الوعي بالمغالطات للتحرر منها؟
المغالطة هي الاستدلال الأعوج الذي يحاول منتجه التستر على عوجه وإظهاره كأنه استدلال سليم من أجل إيقاع مخاطبه في الغلط وتضليله وتندرج المغالطة ضمن السفسطة وهي المعرفة المموهة التي لا تملك من الحكمة سوى مظهرها الخارجي ولم تصل إلى لبها وتفتقر إلى قواعد منهجية وتلجأ إلى الجدل والتشكيك وإحداث الريبة في مستوى الاعتقاد وخلخلة اليقينيات من أجل إحداث فراغات واستمالة مشاعر الأفراد وتكوين رأي عام من خلال خطاب عمومي يشرع للرغبة والمصلحة الأنانية وغالبا ما يستخدم السوفسطائيون الإثارة والقوة والتلاعب باللغة والتزويق والخطابة من أجل تهييج العواطف واستيلاء على القلوب والتلاعب بالعقول وذلك بتصريحهم أن الإنسان مقياس كل شيء وأن العلم هو الإحساس المدعم برأي وأن أمور القيم كالخير والحق والجمال والعدالة هي أمور ذاتية نسبية متوقفة على ظروف الشخص ومزاجه.

أنفاس"الحرية لا تعطى بل تفتك"
يرى البعض أن هناك تناقضا حادا بين وجود الإنسان وماهية الحرية ونداء بين وجود الحرية وماهية الإنسان ويفسر ذلك بأن الحرية تستوجب القيام بفعل دون إكراه وغياب الضغط بينما يواجه الإنسان في اندراجه في العالم العديد من التضييقات وتعتصره عدة الزامات وتظل الحرية بالنسبة إليه مطلبا عصيا ومثلا أعلى لا قبل له فردا أو جماعة، وكلما تقدم به الزمن ومضى في الحياة إلا وازداد تعلقه بهذا الوهم وازدادت رغبته في الدنو من هذه القيمة الجميلة ولكن كل ما يفعله هو الغربة عنها والمزيد من الابتعاد عن جوهرها.
إن نموذج الفرد الحقيقي هو الإنسان الحر والذات المستقلة والشخصية المختلفة والإنية المتفردة وكلها صفات إنسية نبيلة تدل على الدرجة الرفيعة التي ينبغي أن يتبوأها هذا الكائن الرسالي والموجود الوسائطي بين عالم البهموت الداني وعالم الملكوت السامي. إن الحرية هي قيمة القيم والرهان الأكبر لأن إتلاف الطريق المؤدي إليها هو الخسران الأكبر.
عما تسائلنا الحرية عندئذ؟ وهل يحتاج الإنسان لمعرفة حدها من أجل أن ينشدها؟
إنها عزم على الوجود بغير تحفظ وقدرة على التحديد الذاتي وتجاوز كل القيود والانتصار على السائد وليست مجرد حرية اختيار بين ممكنات شتى أو فعل المرء لما يحلو له. إن معوقات الحرية كثر وأهمها المجتمع والطبيعة والاقتصاد والسياسة والثقافة ونقيضها هي العبودية والاغتراب والحيوانية.
هناك طريقان لتحصيل قبس من الحرية: الأول هو الطريق السلبي ويتمثل في حسن التعامل مع نقيضها وهي العبودية والحتمية والضرورة وقد اشتهرت مقولتين في هذا السياق هما الحرية وعي الضرورة والمقولة هي أن الضرورة تظل عمياء ما لم يوجد من يفهمها، نستخلص من هاتين القولتين أن التحرر من أسر الضرورة ممكن شرط أن يفهم الإنسان القانون الذي يتحكم فيه ويطوعه لنفسه.

أنفاسيتميز الفكر الفلسفي الغربي بعدما طلق عوالم المطلق واليقين، واعتنق عالم النسبـي وعقيدة الشك بالحركية وعدم الثبات، لذلك شاعت بعض الألفاظ والمقولات التي تُعبر عن عدم الجدوى والعدمية؛ النهايات.. المابعديات.. الموت؛ فتجد مثلا : ( نـهاية الحداثة، نـهاية التاريخ، نـهاية البنيوية، نـهاية الأيديولوجيا)  و ( ما بعد الـحداثة، ما بعد البنيوية، ما بعد الأيديولوجيا ) و ( موت الإله، موت الإنسان، موت المؤلف).
  هذه الميزة إن عبرت عن شيء فإنما تُعبر عن مدى حيوية الفكر الغربي وحركيته، ولم يتأت ذلك إلا بعد فتح باب الحرية للعقل ليفكر فيما هو موجود، ويطرح البديل غير الموجود، المرحلة هذه – مرحلة العقل - بشرت بعهد جديد يرجع فيه الإنسان إلى ذاته ويعرف حقيقته بعد أن أنكرها مدة طويلة في ميادين الاعتقاد والفكر الميتافيزيقي، أي أن الإنسان أصبح هو مركز الوجود أو الكون، هذا من جهة.
 ومن جهة أخرى، فإن هذه الحيوية والحركية تَدُلان على أن العقل يعيش " حالة أزمة " بعدما طوح بالمرجعية المطلقة، وانفرد وحده يبحث عن الأفكار الكفيلة بتحقيق الرفاهية والسعادة للإنسان، وإظهاره العجز عن إيجاد البديل الأفضل لهذا الأخير – أي الإنسان- مما أدى إلى ظهور العديد من الأطروحات التي تُحمل العقل المسؤولية وتعتبره سجناً " العقل سجن " كما قال عنه الفيلسوف الفرنسي " ميشال فوكو"، وتُغيب الكائن الإنساني وتَنفي ذاته، وبعبارة أخرى " موت الإنسان وأفوله "، وليس المقصود بموت الإنسان هنا المعنى الطبيعي للإنسان، وإنما المعنى الفلسفي الديكارتي للإنسان الذي صرخ في أوروبا يوماً وقال : لا للإقطاع .. لا لرجالات الكنيسة، وأعلن مقولته المشهورة " أنا أفكر إذن أنا موجود "
  نـحاول في هذا المقال دراسة جانب مهم من جوانب عالم ما بعد الحداثة وهو " موت الإنسان " الذي طرحه الفكر الفلسفي الغربي المعاصر ونطرح التساؤل الأتي: " هل أصبح سُؤال الفلسفة عن موت الإنسان مأزقاً للحضارة؟"، ( لأن الفلسفة كما هو معروف بعدما أزاحت التفكير في عالم ما وراء الطبيعة جانباً لم يعد دورها ينحصر في فهم العالم  وتأويله فحسب، بل تعدى ذلك إلى تغييـره، وهذا منذ أن أطلق "ماركس" أطروحته القائلة "بأن الفلاسفة قد أولوا العالم حتى الآن بينما الـمطلوب تغييـره " حسب هذا المنظور يقول "بول ريكور" " إن زمن التأويل قد انتهى وجاء زمن الفعل " وبذلك أصبح المنتوج الـحضاري فيه علامة فلسفية ).

أنفاس"معظم الناس هم أناس آخرون" أوسكار وايلد[1]
مقدمة:
تهتم الفلسفة منذ نشأتها بالكلي، فهي عند أرسطو "علم بالكلي" وعند كانط علم الغايات الجوهرية للعقل البشري، ويمثل الكل عند هيجل الحق وتصر الحداثة على الكوني كمطلب أنثربولوجي حقيقي وتطرح سؤال ما الإنسان؟ باحثة عن منظومة حقوق كونية  ينبغي أن يساهم القانون الدولي في حمايتها وفرضها على الأنظمة السياسية كمبادئ ثابتة لا يجب انتهاكها أو التفريط فيها احتراما للقاعدة الكانطية التي تقول: "عامل الإنسانية في شخصك وفي أي شخص آخر لا كوسيلة بل كغاية".
لكن الفلسفة المعاصرة باهتمامها بماهو كوني قد أهملت أشياء كثيرة من بينها أن ماهو موجود هو الجزئي وأن الكلى ليس سوى مجرد مقولة لغوية ومعطى اسمي أو تصور نظري ومجرد مفهوم وتتناسى أن النزعة العالمية وقع تحنيطها من طرف عقيدة العولمة بماهي انتصار لنزعة ثقافية خاصة وقع فرضها على بقية الأمم عن طريق الدعاية والإكراه. زد على ذلك أن الحرص من طرف الفلسفة الحديثة على البحث عن ماهية الإنسان قد أدي إلى التقصير في فهم الشأن الإنساني وإسقاط التنوع والتعدد الملازمان الحالة البشرية من الحسبان وهو ما أدى الصوم عن طرح سؤال من هو الإنساني؟ وهو ما أدى أيضا إلى احتجاج البعض من الجماعاتيين على ورثاء النزعة الكونية الكانطية باستغرابهم:  أليس اختزال الإنساني فيماهو كوني استخفافا بكل هوية؟
 اذا سافرنا بهذا السؤال من مسرح سلبية الاستغراب إلى مسرح قساوة الإشكال نحصل على الإحراج التالي: هل يسبب حرص الإنسان على انجاز مطلب الكوني أزمة في الهوية أم حلا لها؟  ويمكن أن نقسم هذه الإشكالية إلى مجموعة من الأسئلة الفرعية: ما الفرق بين الإنسان والإنساني والإنسانية؟ وماهو مطلوبنا اليوم؟ هل نشارك في صناعة الكونية أم نعمل على المحافظة على الهوية؟ ماذا نفعل ان حصل تصادم بين المطلبين؟ هل نضحي بالكونية من أجل الهوية أم بالهوية من أجل الكونية ؟ ما السبيل إلى كونية لا تستخف بالهوية والى إنسانية لا تختزل في الكونية؟
  ما نراهن عليه هو النظر إلى مسألة الهوية خارج الأفق الذي تتحرك فيه الملة وتجاوز منطق العرق والثقافة والدين واللغة والوطن والعمل على بناء هوية كوكبية.

أنفاستثار جملة من القضايا الحيوية التي خاضها الفكر العربي منذ الارهاصات النهضوية الاولى والتي اصطلح على تسميتها (( بالنهضة العربية )) .. لتطرح المزيد من الاشكاليات التي تتلاقى عند فكرة الحداثة التي صارت تخترق كل المجالات الفكرية وألاجتماعية والسياسية وتشكل هاجساً يؤرق رجالات السياسة والفكر على حد سواء .. ومع ذلك تعد ضبابية محددات ومكونات فكرة الحداثة .. وغموض مضامينها من أهم سمات الفكر العربي .. الذي يطرح اليوم بشدة قضية الحداثة والتحديث دون المام واضح بعناصر مشروع العصرنة في مكونيه الرئيسيين : (( الحداثة والديمقراطية ، فالحداثة اختيار فكري ستراتيجي عام ، والديمقراطية هي تجسيده السياسي )) ..
    يمكن القول ان الالمامات الاولى للوعي العربي باشعاعات النهضة الاوربية كانت كمفارقة تاريخية كبرى ، ذلك ان الانغلاق الحداثي / الحضاري لفكرنا أخلّ بالتوازن الحداثي الكوني ، الامر الذي افضى الى الصدمة الاستعمارية الاولى .. إذ ارتبط ذلك بالغزوة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت لمصر سنة 1798م ثم توالت الموجات الاستعمارية الغربية لتأتي على البلاد العربية والاسلامية برمتها .. وكان من الطبيعي ان يتأثر العقل والوجدان العربي بالمبادئ والقيم الجديدة التي حملتها تلك الغزوات سيما وان البلاد العربية كانت تعاني من فاقة مدقعة لمثل هذه القيم .. بيد ان تلك القيم التنويرية ارتبطت وربطت بظاهرة الاخضاع الاستعماري ، والتي كانت نتيجة طبيعية للقاء غير متكافئ ، اذا ما فهمناه في اطاره التاريخي الذي يعبر عن (( نزعة التوسع عند البرجوازية الغربية وعدم اكتفاءها بحدودها الطبيعية وهذه النزعة لايمكن ان تقدم الاّ على الاخضاع والاستغلال )) .

أنفاسإن هذه الفلسفة؛ "أي العقل العلمي الجديد - الجديد"،تتحدث عن العلوم، ولكنها لا تسكت عن العالمالذي تعبر عنه العلوم أو تؤسسه،وعن الأشياء وعن عالم الناس.(م . سير)
تقديم
يعتبر ميشيل سير (Michel Serres) (1930) أحد أبرز فلاسفة العلم في العصر الحاضر، بل أكثرهم شهرة في العالم الأنجلوساكسوني؛ لأنه يدرس بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة.  ويندرج فكر ميشيل سير الإبستمولوجي ضمن التيار الباشلاري (غاستون باشلار)، إذ قام هو كذلك بتجديد الإبستمولوجيا وخرق الحدود بين النشاط العلمي والإبداع الفني.2  فقد كتب عن علاقة الفلسفة بالعلم وعن الإبستمولوجيا وفلسفة العلوم؛ كما كتب عن إيميل زولا، وجيل فيرن، بمنهج إبستمولوجي أدبي.تمثل إبستمولوجيا مشيل سير تجاوزاً لنظيرتها الباشلارية من حيث المفهوم، الذي يعتبر محوراً لفلسفته، ونقصد العقل العلمي الجديد- الجديد،3 الذي يشكل نقيضاً للعقل العلمي الجديد.4  ويتمركز العقل العلمي لميشيل سير حول فكرة اتصالية المعرفة العلمية، كما تصورها عالم الرياضيات لايبنتز،5 أي التي تخرق كل تصنيف أو تراتبية داخل الموسوعة العلمية؛ وذلك في مقابل تصور المعرفة كتراكم بين قطاعات مستقلة، حيث كل علم له موضوعه ومنهجه الخاص، وبالتالي نتائجه الخاصة؛ وحيث العلم الملكي هو الذي يتحكم في تراتبية هذه العلوم وتصنيفها.

أنفاس"حروب خط الصدع تدخل عمليات التوسع والحدة والاحتواء والانقطاع ونادرا ما تدخل عملية الحل"
يلاحظ هنتغنتون في كتابه المثير للجدل "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العلمي الجديد" والذي غادر العالم منذ مدة بعد أن ملأ الدنيا وأقعدها بفكرته عن واقعية النزاع بين الشرق والغرب بأن تشكل حضارة كونية واحدة كان على الرغم من استمرار وجود ثقافات متنوعة وخصوصيات متباينة ويبرهن على ذلك بأن انبثاق حضارة عالمية يعني الالتقاء الثقافي للبشرية والقبول المتزايد للقيم والاتجاهات والممارسات والمؤسسات المشتركة للشعوب في جميع العالم.
يقدم هنتغنتون مجموعة من الحجج على وجود حضارة كونية مشتركة وهي:
-تقاسم البشر لحس أخلاقي متشابه
-اشتراك المجتمعات المتحضرة في قيم ومؤسسات التمدن والتعليم والعناية الصحية وحالة الرفاه والازدهار المادي والتوسع الهائل في المعرفة العلمية والهندسية.
- تمسك العديد من الشعوب بثقافة معينة تتكون من مجموعة من الافتراضات والقيم والمذاهب.
-انتشار نماذج الاستهلاك والبدع والاختراع هي التي تؤدي إلى خلق حضارة عالمية.
-ظهور وسائل الاتصال العالمية يولد التقاء هاما في الاتجاهات والمعتقدات المختلفة.
-وجود اتجاهات نحو انبثاق لغة عالمية وديانة عالمية إذا كانت هناك حضارة آخذة في الانبثاق  لأن العناصر الرئيسية لأي حضارة هي اللغة والدين.
-انبثاق حضارة عالمية هو نتيجة العمليات الواسعة للتحديث والتصنيع والمدنية وتزايد معدلات القراءة والكتابة والتعليم والثروة والتعبئة الاجتماعية وبنيات وظيفية معقدة ومتنوعة.