فولتير ورسالته في التسامح 2/2 ـ هادي معزوز

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse11025لقد صرخ بعض المتعصبين المنتمين للدهماء، كون ان جون كالاس هو الذي قام بشنق ابنه مارك أنطوان، والحال أن ما تفوه به ذلك الشخص ما فتئ أن تم ترديده بعد ذلك، بل إن البعض أضافوا أن المتوفى كان قد قرر إعلان جحوده خلال يوم غذ، مما أيقظ حقد أسرته والشاب لافيس ضد الديانة الكاثوليكية، بعدها وفي غضون لحظة صغيرة لم نعد نشك أبدا كون أن المدينة برمتها اقتنعت أن هناك نقطة دينية عند البروتستانت أدت بأب وأم إلى قتل ابنهما فور قرار إعلان رغبته في تغيير انتماءه الديني.
والواقع أنه بتلقي هذا الخبر لم تتوقف العامة مطلقا، فقد ادعوا أن بروتستانتيو لانغدوك قد تجمعوا في نفس الليلة، حيث اختاروا بأغلبية الأصوات جلاد الطائفة، إذ وقع الاختيار عل الشاب لافيس، البالغ من العمر أربعة وعشرين سنة، حيث توصل بجديد نتيجة الانتخابات، ثم وصل بعدها إلى بوردو بغية مساعدة جون كالاس وزوجته وابنهما بيير، على خنق صديق وابن وأخ.
والحق أن محافظ (1) مدينة تولوز السيد دافيد، أُثارته هاته الإشاعات، مما جعله يرى أنه من الأفيد التدخل سريعا، وذلك عن طريق وضع إجراءات ضد المساطر والقرارات الثابتة، وهو ما أدى بوضع كل من عائلة كالاس وخادمتها الكاثوليكية وابنهما بيير، ولافيس على مرمى حجر.

إننا عملنا على نشر ملتمس رقابة ليس أقل جورا من هذا الإجراء، بل إننا ذهبنا أبعد من ذلك: لقد توفي مارك أنطوان كالاس كالفينيا، وإذا أذنب في حق نفسه، فإنه توجب أن يكون متسكعا في البحيرة، من ثمة فقد دفناه في موكب عظيم بكنيسة سانتيتيان رغم احتجاج الكاهن ضد هذا الدفن.
توجد بلانغدوك أربعة أخوات تائبة وهم على التوالي: البيضاء والزرقاء والرمادية فالسوداء(2)، حيث تميزوا بحملهم غطاءً على رأسهم (2)، ناهيك عن وضعهم لقناع من الثوب بثقبين تسهيلا للرؤية، إذ كانوا يريدون استقطاب السيد الدوق فيتز جيمس قائد البلدية إلى تنظيمهم بيد أنه رفض الأمر جملة وتفصيلا، في الجانب الآخر من القضية قدمت الرابطة البيضاء إلى مارك أنطوان كالاس خذمة لن تنسى، حيث جعلوا منه شهيدا، بل إنه لم يكن لأية كنيسة قبل هذا الأمر أن احتفلت بشهيد حقيقي على شاكلة ذلك الموكب العظيم، بيد أن نفس الموكب كان فظيعا، حيث عملنا على وضع هيكل عظمي متحرك تحت تابوت النعش يمثل مارك أنطوان كالاس، ممسكا بيد سعفة، وباليد الأخرى الريشة التي دون بواسطتها نص تخليه عن الديانة الرسمية، كاتبا عن طريقها طلب إيقاف إدانة والده وقتله.
والحال أنه لم يكن ينقص هذا التعيس الذي اعتدى على نفسه سوى التمجيد: لقد نظر إليه الجميع كقديس، فالبعض منهم تضرع إليه، فيما ذهب البعض الآخر للصلاة على قبره، وآخرون طلبوا منه المعجزات، بينما روى بعض آخر ما كان يقوم به من خوارق، في مقابل ذلك اقتلع راهب بعض أسنانه احتفاظا بها، بل إن ورعة صماء شيئا ما ادعت سماعها أصوات أجراس، في حين أن أحد الآباء شفي بعدما كان يتقيأ، لقد وضعنا تسميات لهاته المعجزات، والواقع أن من كتب هاته العلاقة لديه شهادة شاب في مقتبل العمر من مدينة تولوز، أصبح مجنونا من أجل أن تتم الصلاة خلال عديد الليالي على قبر هذا القديس الجديد، وأنه ليس من باب التمكن من أية معجزة إلا بمباركة منه (...)
ولقد كان يجتمع خلال كل يوم ثلاثة عشر قاضيا من أجل إتمام المحاكمة، بيد أنهم لم يتمكنوا من العثور ولو على دليل وحيد يدين الأسرة، لكن الدين الكاذب أخذ على عاتقه تأكيد هاته الدلائل، حيث أن ستة قضاة ثابروا من أجل إدانة جون كالاس وابنه ، بالإضافة إلى لافيس بتهمة التعنيف، ناهيك عن الحكم على زوجة جون كالاس بالحرق، في حين أن القضاة السبعة الآخرين أرادوا على الأقل اختبارهم، فقد تميزت الجلسات بتكرارها وبطول مدتها الزمنية، أما أحد القضاة فقد اقتنه بعدئذ ببراءة المتهمين وباستحالة ارتكاب الجريمة، حيث تكلم بحيوية على محاسنهم، وهو ما جعله يعارض حماس الجانب الإنساني على حماس الصرامة، لقد تحول إلى محاك عمومي لأسرة كالاس في كل بيوت مدينة تولوز، حيث الصراخ المتواصل للدين التعسفي، لا يزال يطالب بدم مرتكبي هاته المصيبة. قاض آخر معروف بقساوته تكلم في ربوع المدينة بكثير من الغضب ضد أسرة كالاس، وضد أول من يدافع بحماس عنهم، وأخيرا داع صيت إشعاع القضية، مما أجبرهم على القيام بسحب البساط عنهما معا ونقلهما إلى البادية(...)
هكذا إذن كانت وضعية هاته المغامرة المذهلة، حينما ولدت لنا أشخاص نزهاء، لكنهم حساسون للغاية، أنه بمثابة غرض الغاية منه تقديم انطباعات للعموم حول سؤال التسامح، وحول ضرورة التماس العذر للآخرين، وأيضا حول مسألة الرثاء، والتي أطلق عليها رئيس الدير هوتفيل اسم الدوغمائية المتوحشة (4) وذلك من خلال خطابته المغرورة والخاطئة حول ما حدث، وأن العقل يطلق عليها اسم قاطعة الطبيعة.
والحال أن قضاة مدينة تولوز مجرورون بواسطة تعصب الدهماء، قاموا بعدئذ بالضرب المبرح لرب أسرة بريء، مبينين وبدون مواربة أن رب أسرة قام رفقة زوجته بذبح ابنهما الأكبر، وبمساعدة ابنهما الآخر وصديقه وهو الذي لم يكن في الواقع أبدا، في كل من الأحوال وبناء على ما سبق فإن تعسف الديانة الأكثر تقديسا أنتجت لنا جريمة أكبر، والحق أنه لمن الأهمية بمكان بالنسبة للنوع البشري التفحص بدقة حول ما إذا كان الدين رحيما بالناس، أو متوحشا معهم.                      
 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) منذ القرن الثاني عشر، أضحى محافظو المدن، أعضاء المجلس البلدي لتولوز، حيث يتم انتخابهم من طرف الساكنة.
(2) رسالة موجهة من طرف السلطة الكهنوتية لمريديها، حيث فرض عليهم شجب الأفعال البغيضة التي كانوا على دراية بها.
(3) يتعلق الامر بالرابطة الأخوية الكاثوليكية.
(4) كلود فرانسوا ألكسندر هوتفيل (1688ـ 1742) رجل كنيسة ومؤلف في الديانة المسيحية، أثبت عن طريق أحداث 1744، مستنكرا قضية إرساء ثقافة التسامح، باعتباره منبعا للخطايا وأساسا للإلحاد.          

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟