الثلاثاء, 25 كانون2/يناير 2011 00:07

"صورة المجتمع المغربي في وسائل الاعلام الوطنية" اصدار جديد لإدريس القري

قيم الموضوع
(2 أصوات)
صدر للباحث المغربي إدريس القري كتاب تحت عنوان : "صورة المجتمع المغربي في وسائل الاعلام الوطنية" ، وفيما يلي مقدمة هذا المؤلف الجديد.
مقدمة:
لا أحد يجادل اليوم في الأهمية القصوى التي يحتلها الإعلام، فهو من أقوى المعايير الدالة على مدى حداثة و ديمقراطية نظام سياسي و ثقافي ما: فالإعلام الذي يعكس صورة نسبية وواقعية للدولة و للمجتمع بإيجابياتهما و سلبياتهما، و بإنجازاتهما وقصوراتهما،سواء على مستوى الطبقة السياسية أو على مستوى المجتمع المدني، بل وحتى على مستوى الأفراد، إنما هو إعلام شفاف و كاشف، تنويري و ذا مصداقية بالنظر إلى الدور الذي ينهض به في مسيرة المجتمع و تطور أمة بأكملها، و ذلك على خلفية بناء مجتمع حديث، و دولة ديمقراطية يسود طريق تدبير شؤونها منطق سيادة الحق.
إن الإعلام ذو المصداقية هو الذي يتجاوز رسم صورة صادقة نسبيا للمجتمع و للدولة، إلى المساهمة في تطوير و تحريك عجلة العصرنة و التحديث الدافعة إلى الأمام فيهما وهو ما لن يتأتى له إلا من خلال نهوضه الملتزم احترافيا و أخلاقيا بوظائفه الثلاث الكبرى وهي: الإخبار التثقيف و الترفيه، كل منها على حدة أو متداخلة مع بعضها البعض في الغالب الأعم، كما يحدث عادة في كل الإنتاجات السمعية البصرية من مسلسلات و سلسلات تلفزيونية، الفكاهية منها و الدرامية على حد سواء، أو في الأفلام السينمائية التربوية و التعبوية و التثقيفية كما كان الأمر عليه مع السينما الصينية و السوفييتية في عهد البناء الإستراتيجي للدولة الحديثة لهذين البلدين.
يتميز الإعلام المعاصر الذي نتحدث عنه بزواجه الماكر و الإستراتيجي مع ثمار آخر ثورات التقنية وهو:  الإلكترونيك. إنه "الإله الصغير"، كما سماه خبير السمعي البصري الفرنسي  Pierre Babin، الذي يمكن من استمتاع المشاهد/المتفرج، بوهم/حقيقة "الحضور" الدائم في كل مكان تحدث فيه "الوقائع الكبرى". وسيلة تحقيق، أو التوهيم بتحقيق، هذا" الحضور-الغياب " هي تقنية النقل المباشرlive، الذي بلغ قمته مع النقل المباشر عبر الشاشات الصغيرة لكل دول العالم تقريبا، لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 بنيويورك. إنها الأحداث التي أطلقت عدوانية أكبر قوة عسكرية و اقتصادية و تكنولوجية عالمية من عقالها، لتنتقم بمعنى ما وتثأر للتشهير و"البهدلة" التي لحقت بها "أمام أعين العالم" بسبب هذا الإله الصغير الذي يضمن لها ويا للمفرقة، تفوقها و هيمنتها في نفس الآن على العالم.

لقد كان للسمعي البصري الالكتروني، في تقديري، بقوة وسحر إلغاءه للمسافات و تضخيمه للتباينات الثقافية بين الأمم والمجتمعات، [نعم تضخيمه وتعميقه للاختلافات الثقافية انطلاقا من اعتماده في التلفزيون بصفة خاصة، على سياسة القرب la proximité، التي تعمق الحس الوطني والقطري الضيق كلما كانت منطلقات هذا القرب شوفينية متعصبة وتحقيرية تجاه الآخ: لاحظ هذا الأمر على القنوات الفضائية الأمريكية (fox news)  والإسرائيلية مع حكم الحزب الشعبي اليمني على سبيل المثال لا الحصر، وذلك كلما طرحت ببلدانها مشاكل قطرية اقتصادية أو سياسية إستراتيجية في الصراع على الهيمنة والسيطرة العالمية...] كان للسمعي البصري إذن دور مؤثر وفاعل في صناعة حجم أحداث الحادي عشر وهولها النفسي- زيادة على فظاعتها الواقعية. كما كان له تأثير أقوى في عنف رد الفعل الأمريكي، ليس على الدول التي اعتبرت ذات صلة مباشرة بالإرهاب، بل وعلى العالم بأسره بما فيه الإتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة، اللذان ظهرا غير قادرين البتة على معاكسة المصالح الأمريكية و لو كانت مناقضة للقانون والمواثيق و العهود الدولية، التي تنبني عليها الثقافة الأوروبية أساسا، باعتبارها ترجمة لثورة الأنوار المرجعية.
إن تواطأ السمعي البصري و الإلكترونيك يمكن، من جهة أخرى، من تحقيق التماهي مع باقة عالية القوة و الجمال و الجاه و الذكاء و الخبرات... من الشخصيات/الأقنعة، المصنعة على قاعدة النماذج الأصلية archétypes الكونية، والنائمة في اللاشعور الجمعي لكل الأفراد من كل الثقافات العالمية. وتكون هذه النماذج الأصلية مدعومة باستثمارات مالية ضخمة و بتقنيات وعلوم التجميل والتزيين والترويج والتسويق، والكتابة والتسويق الأدرمة la dramatisation الأكثر احترافية في العلم.
ذلك هو عالم السينما والتلفزيون والفيديو والكمبيوتر والانترنيت والهاتف المحمول، الذي يقطع كل تقنياته الإعلامية و التواصلية، بحواملها و برمجياتها المعلوماتية و بشفراتها الالكترونية، طريقها قصد التوحد مع نسق لغة وإجرائية الكمبيوتر بخطى واثقة وسريعة، بعد أن غدت الملائمة التقنية بينها جميعا مكتسبا لا نقاش فيه.
أين نحن من هذا العالم السريع الخطو في تقريب الفاصلة بين الحلم و الحقيقة، بين الواقع و الخيال و بين مفاهيم مثل البعد و القرب و الحضور و الغياب المادي و للامادي "الواقعي" و الافتراضي.
لا شك أن فتح باب التغيير في الميدان السمعي البصري بالمغرب أصبح واقعا مع تنصيب المجلس الأعلى للسمعي البصري والمديرية المرتبطة به، إضافة إلى مشاريع القوانين- وخاصة القانون الإطار المنظم للمجال السمعي البصري و لتحريره- التي تم عرضها على البرلمان وتمت المصادقة عليها وبالإجماع. لتنتقل الأمور إلى التحقق والإنجاز حتى يومنا هذا شهر6/2006، مع الشروع العملي في آخر ترتيبات إطلاق أصوات وصور جديدة تدشن التعدد الإعلامي في المغرب.إلا أن ما نراه صعبا في هذا الرهان هو تكوين قناعات و عقليات جديدة عوض اجترار و تنويع القائم المألوف من السياسات و أساليب التدبير والتسيير، قياسا على ما نراه لدلى دول الوفرة البترولية التي لم يُدخلها اقتناء أخر التقنيات الإعلامية لا عالم الحداثة و لا نادي الديموقراطيات. أصعب من ذلك خلق تقاليد و قيم للاحترافية و الإبداع الحر و المثابرة و البحت و الإيمان بالنقد الكاشف عن النقائص، قبل تمجيد الإنجازات و بعدها، خلافا لمقولة "النقد البناء" التي لا يراد بها في النهاية سوى نثر الإطراء و التمجيد من طرف السياسيين و الفنانين في بلدنا و البلاد العربية عامة على حد سواء في كل حدب و صوب.
إن دفاعنا عن السمعي البصري الوطني دفاع استراتيجي، ينظر إلى أبعد من النجاح الكمي و ما يتبعه بالضرورة و هو الانتشار الأفقي التجاري للمنتوج الفني الوطني. و ما يخيفنا بهذا الصدد  و انطلاقا من تجارب دول أخرى كمصر و الهند على سبيل المثال، هو الثمن الاجتماعي و الثقافي و الذوقي و التربوي الذي أدته هذه الدول بعد" نجاحها الجماهيري" الذي لم يدخلها التاريخ العظيم للأمم المبدعة، و لا ضمن لها أكثر من فن شعبي بل و شعبوي ساهم في تكريس التقليد و مقاومات العقل و العقلانية و الحداثة و الديموقراطية في نهاية المطاف، لنا في المسار العام) لا النادر الشاذ( للسينما و التلفزيون و الفكاهة على الخصوص بمغرب، الألفية الثالثة خير دليل على ذلك.
إن السمعي البصري في كل تجلياته سلاح ذو حدين: فإما أن يكون في خدمة السير إلى الأمام بالبلاد نحو السلم و التعايش و التسامح، على قاعدة سيادة الحرية و المسؤولية و الالتزام بالمصلحة العليا للمجتمع، و تلك ثقافة تزرع وترعى، و ينبغي حمايتها و تقويتها بالتعليم و التعليم و الإعلام و ضرب المثل بالحزم و الصرامة والسياسة، خاصة في بلد تقليدي الثقافة و العقلية كبلدنا، لا يدرك لا ندرة الزمن و لا ضيق المكان  و لا قلة ثراوته، و إما أن الإعلام يكون سلاحا خطيرا لتكريس القائم من أساليب التسيير والتدبير في كل مؤسسات المجتمع الصغرى والكبرى، كالإدارات والاحزاب والنقابات والمقاولات والجمعيات و الأسر والمدارس والمستشفيات... محافظا ـ و إن في حلل" ثوبية " وغرافيكية و تشكيلية و ضوئية وصباغية الكترونية من أجود الأنواع العالمية و أخر صيحاتها- على كل ثقافة التقليد و ذرائعها ومبررات وجودها الفضفاضة، و لعمري فإن "زابينغ" سريع و لبيب بين أغنى واكثر القنوات التلفزيونية الفضائية العربية تجهيزا "بالتقنية" و"بالوجوه المليحة" و"بالأصوات الجهورية الرنانة"، يبرهن بسهولة على ما قلناه.
و على كل حال، فذلك مما سنفصل فيه القول بين صفحات هذا الكتاب.
كتابنا هذا مراهنة على نظرة شمولية للإعلام وللسمعي البصري ببلدنا من منطلق مبدأ هيكلة المجتمع وبنيوية التنمية والتحديث، التي أثبتت التجارب العلمية الكبرى أن لا محيد عنها لتحقيق تنمية متوازنة، قد تكون بطيئة و لكنها متينة بانخراط واندفاع أوسع الجماهير الوطنية وراءها، سواء كانت هذه التجارب ناجحة في سياقات وظروف ذاتية جزية واقتصادية – مالية تقنية بالأساس، أهملت الجانب الاجتماعي والثقافي في حياة الإنسان. هكذا حاولنا إثارة مجموعة الإشكاليات المتعلقة بحوامل إعلامية متعددة أهمها السينما والتلفزيون أساسا، وبشكل أقل أهمية الفوتوغرافيا الهاتف المحمول والإنترنيت، وذلك باعتبار التأثير المباشر والقوي بل الخطير، الذي نمارسه على الأجيال الشابة الصاعدة بالدرجة الأولى، ونظرتها للحياة وقيمها الكبرى المؤطرة للانخراط الاجتماعي للفرد في الحياة المجتمعية.
لم يثبت في العصر الحديث أن دولة حققت التقدم والتمدن والعصرنة والتحديث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية دون تصالح وتحالف بل وتواطؤ حقيقي بين نخبها وجماهيرها، طبقتها الوسطى خاصة، وطبقتها السياسية بكل أطيافها وتلويناتها الأيديولوجية والفكرية...وقد كان الإعلام الملتزم بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، المروج لمعايير الكفاءة والعقلانية والتخصص والإنجاز، الملتزم بتعدد الآراء ووجهات النظر، الرافض للإنسياق وراء ثقافة الإقصاء واحتكار الحقيقة، كان هذا الإعلام رافعة أساسية في خلق هذا التواطؤ الخلاق والديناميكي بين الدولة والمجتمع بأغلب شرائحه على وجه العموم.
من هذا المنطلق سنبقى أوفياء لما دافعنا عنه، منذ ما يزيد عن العشرين سنة، في كتاباتنا النقدية من قيم للجمال والإلتزام الثقافي والإجتماعي التربوي في العمل الفني ببلادنا ولعل السياق السياسي العام الذي يمر به المغرب اليوم، يعتبر في نظرنا مبررا قويا أكثر من أي وقت مضى للحفاظ قناعاتنا.لا استعراض راي نحن مقتنعون بأنه غير شعبي في ظل مفارقة الحيوية السياسية والمدنية التي يعيشها المغرب بحسابات! و لا مبالاة الجماهير العريضة و سلبياتها التي لا يبدوا أن وسائل الإعلام الجماهيرية الوطنية منخرطة حقيقية في إستراتيجية علاجية لها! في هذا السياق نعود لما دعونا وندعوا إليه من مراهنة على الإبداع و على النزاهة والصرامة والبعد التربوي الحداثي والديمقراطي الراقي في بلادنا، ووضوح الرؤيا في ميدان نعتقد أن له من الخطورة م للميادين الأمنية التقليدية أو أكثر.

medias-images

معلومات إضافية

  • الكاتب: إدريس القري
  • مجال الكتاب: علم الاجتماع
  • دار النشر: شركة النشر والتوزيع للمدارس
قراءة 16650 مرات

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

آخر المقالات