الأمازيغية في مذ كرات الأحزاب المغربية – ذ. محمد أمغار

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

marrakech-tamazightشكلت القضية الثقافية واللغوية إحدى القضايا الكبرى في التاريخ المغربي المعاصر ذلك أن النقاش حولها كان دائما محتدما  بين اغلب الفاعلين السياسيين وعلى رأسهم  الفاعل الحزبي، وقد وظفت اللغة بمعناها الإيديولوجي كإحدى القنوات المستعملة لتكريس النخبوية  من جهة واستمالة الجماهير من جهة أخرى وهكذا وان اختلفت المنطلقات والمرجعيات الإيديولوجية فان التعامل مع مفاهيم اللغة الوطنية، واللغة القومية، والخصوصية المغربية لم يختلف كثيرا في أدبيات  الأحزاب المغربية.
وإذا كان الطرح المحافظ ينطلق من إعطاء الأولوية للغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية,واللغة الوطنية أو لغة القرآن والدين الإسلامي، فان الطرح العلماني غالبا ما ينطلق من الالتزامات القومية التي اصطبغت بمفاهيم، التقدمية، والوحدة العربية.
وهكذا فإذا كان الاتجاه المحافظ أو الأغلبية العظمى منه لم يتناول قضية التعددية اللغوية بالمغرب إلا مع التحولات التي أفرزتها المستجدات السياسية المرتبطة بموجة حقوق الإنسان الشيء الذي دفع بهذا الاتجاه إلى التخفيف من حدة الخطاب السياسي حول هذه القضية مع القبول الضمني بالتعددية اللغوية ولكن كأداة من أدوات الحفاظ على الأفكار والإيديولوجية المحافظة.

هذا في الوقت  الذي ذهب فيه الاتجاه اليساري المغربي إلى ربط قضية التعددية اللغوية بالمسألة السياسية والإيديولوجية أكثر من ارتباطها بالمشروع  الثقافي المجتمعي الواضح , دلك أن اللغة العربية من هدا المنظور كانت حاملة لأفكار القومية العربية  والاشتراكية وتتماهى في ذلك مع التيارات الإيديولوجية في الشرق العربي الشيء الذي جعل مكونات اليسار في غالبيتها ترفض المقاربة المتعلقة بالأمازيغية كلغة على اعتبار أنها كانت تنظر إليها كحاملة لأفكار التيار الرجعي الذي تكرسه الحركة الشعبية التي اعتبرت امتدادا للإقطاعية القروية ذات الأفكار المحافظة.
والملاحظ أن هذه المقاربة قد تأثرت بشكل كبير بالتحولات الكبرى التي عرفها العالم خاصة مع سقوط  المعسكر الاشتراكي وتوالي الهزائم العربية الشيء الذي ترتب عنه تبني الكثير من مناضلي اليسار الامازيغيو اللسان  للأفكار المتشبثة بالخصوصية  المغربية والاحتماء بالأمازيغية من خلال إنشاء أو الدخول تحت مظلة الحركة الثقافية الأمازيغية.
وإذا كان هذان الاتجاهان هما الغالبان فيما يخص موقف الأحزاب المغربية من القضية الثقافية في بعدها اللغوي فان تحريك هذا الملف من طرف المؤسسة الملكية في العديد من المحطات كان آخرها خطاب9 مارس2011 المتعلق بالتعديلات الدستورية و التي تعتبر أول مرتكازاتها من المنظور الملكي التكريس الدستوري للطابع ألتعددي للهوية المغربية الموحدة والغنية بتنوع روافدها وفي صلبها الأمازيغية كرصيد مشترك لجميع المغاربة.
لذلك فانه و بقراءة متأنية  في مثن  المذكرات الحزبية التي جاءت كاستجابة للخطاب الملكي والمعروضة على اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور فإننا  نجد أن الفاعل الحزبي المغربي بقي متما هيا  في الغالبية العظمى منه  مع الخطاب الرسمي القائم على الوحدة اللغوية كخطاب وليس كممارسة مع الحفاظ على الرغبة في استمالة الجماهير الشعبية والتمسك بأطروحة الحركة الوطنية القائمة على التماهي مع الدولة الوطنية الموحدة القائمة على لغة رسمية واحدة.وفي هذا الإطار فان الطرح المحافظ بقي قائما على الإنسية المغربية من منظور علال الفاسي باعتبار أن العربية هي لغة الدولة المغربية  مع السماح بالاعتراف بالتعدد اللغوي المجتمعي.
وهكذا فقد ذهب حزب الاستقلال إلى المطالبة بان ينص تصدير الدستور على أن المغرب جزءا من الأمة العربية والإسلامية مع المطالبة بالتكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية وبتنوع روافدها وفي صلبها الأمازيغية ثقافة وتعبيرا ولغة لجميع المغاربة شأنها شأن العربية كلغة وطنية للجميع بفرض توفير جميع الضمانات القانونية والحماية اللازمة لها في الوثيقة الدستورية وتأهيلها وتطويرها بما يكفل هذا الطابع ألتعددي في أفق فرض مكانتها الجديرة بها في وطننا بتضامن وتكامل وتناسق مع اللغة العربية لمواجهة المد اللغوي الأجنبي في حياتنا الإدارية والعامة.هذا في الوقت الذي طالب فيه الحزب بإنهاء الوضع الشاذ الذي تعيشه العربية اللغة الرسمية للمملكة رغم ترسيخ رسميتها دستوريا من حوالي خمسين سنة وذلك من خلال التنصيص دستوريا على أن اللغة الرسمية للبلاد هي وحدها المعتمدة في الإدارة المغربية والمؤسسات والمرافق والمصالح والشركات والحياة العامة وكل المعاملات مع المواطنين مما يشكل التمسك بالوحدة اللغوية للدولة والمجتمع المغربي.
وقد تمسك حزب العدالة والتنمية  بنفس الطرح معتبرا  تاريخ المغرب مرتبط بتواجد العربية ذلك أن الدولة المغربية من منظور الحزب قائمة منذ حوالي 12 قرنا فقط ويذهب تبعا لذلك إلى المطالبة بتعزيز مكانة اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية في الحياة العامة والتعليم والإدارة والاقتصاد،  في ظل  استمرار حالة الانتهاك الصارخ للسيادة اللغوية والثقافية لفائدة لغة أجنبية مهيمنة في الاقتصاد والتعليم العالي والإدارة والمؤسسات العمومية والإعلام وهو ما يتطلب مقتضيات دستورية تنص صراحة على عدم اعتبار كل معاملة تتم بغير اللغة الرسمية للبلاد ودسترة أكاديمية محمد السادس للغة العربية. ودسترة اللغة الامازيغية كلغة وطنية  يحدد قانون تنظيمي كيفية حمايتها واستعمالها على المستوى الوطني ودسترة المؤسسة الوطنية المعنية بالنهوض وتنمية اللغة والثقافة الأمازيغية.
أما الأحزاب المنبثقة من الإدارة المغربية فقد ذهبت في نفس الاتجاه المكرس للعربية كلغة رسمية والأمازيغية كلغة وطنية مع غياب  التصور العام حول آليات اشتغال كلا اللغتين وهكذا فقد نصت مذكرة التجمع الوطني للأحرار على أن الاعتماد على مكونات الهوية المغربية الحضارية والثقافية واللغوية المتنوعة والتي تشكل إرثا وطنيا ومصدر اعتزاز وفخر لكل المغاربة وانسجاما مع مبدأ الحقوق الثقافية للإفراد والجماعات فإن  الحزب  يدعو إلى دسترة اللغة الامازيغية كلغة وطنية وتمتعيها بكل ضمانات الحماية والتطوير على أساس أن اللغة الرسمية للمغرب هي اللغة العربية.
أما حزب المرحوم المعطي بوعبيد فقد ذهب إلى أن المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة وهوية موحدة في إطار تعددي لها لغتان وطنيتان هما العربية والأمازيغية ولغة رسمية واحدة  هي اللغة العربية .هذا في الوقت الذي لم بتطرق فيه حزب "تزد و يت" النحلة  إلى القضية  الثقافية واللغوية بالمرة أما حزب القوات المواطنة فقد طالب بتكريس الطابع الوحدوي للهوية المغربية بتعددها ودسترة اللغة الأمازيغية كلغة وطنية وتكريس اللغة العربية كلغة رسمية ووطنية ووجوب تفعيل كل وظائف اللغة الرسمية في المجتمع المغربي.
أما  أحزاب النخب التقليدية واعيان العالم القروي فقد طالبت  بدسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.وفي هذا الإطار فان الحركة الشعبية وبعد تأكيدها على الثوابت الوطنية فقد طالبت بترسيخ الطابع التعددي للهوية المغربية وبإبلاء الامازيغية المكانة الدستورية اللائقة بها كما طالبت بتخصيص فصل خاص باللغات الرسمية يتم بموجبه التأكيد على اعتبار العربية والأمازيغية لغتان رسميتان للبلاد، على أن يتولى قانون تنظيمي تقنين مجالات الاستعمال الرسمي لكلتا اللغتين واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالارتقاء بهما بنيويا ووظيفيا مع المطالبة بالتنصيص في باب الحقوق والحريات على الحقوق اللغوية والثقافية المقرونة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
هذا في الوقت الذي انطلق فيه حزب  الأصالة والمعاصرة من جانب تعريف الدولة المغربية بكونها إسلامية واقترح تحديد انتماء المغرب الجغرافي والحضاري إلى المغرب الكبير وإفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط وبكون الهوية المغربية ذات المكونات الثقافية والحضارية والروحية واللغوية المتعددة والمتنوعة وفي صلبها العربية والأمازيغية والمتفتحة على القيم الكونية وتضمن الدولة حماية واحترام  وصون الموروث التاريخي للأمة المغربية وذاكرتها الجماعية واتخاذ ما يلزم لحمايتها والحفاظ عليها والنهوض بها في إطار الوحدة الوطنية واعتبار العربية والأمازيغية لغتان رسميتان للمملكة المغربية.
أما الأحزاب المنبثقة عن الحركة الاتحادية فقد انطلقت من الاعتراف بالتعدد اللغوي من منظور إعطاء الأولوية للغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية واللغة الأمازيغية كلغة وطنية وهي أطروحة تنطلق من مسلمة أساسية مفادها أن هناك لغتان وطنيتان هما الدارجة المغربية والأمازيغية ولغة رسمية واحدة هي العربية، وهو موقف يقوم على أساس سوسيولوجي باعتبار اللغات العامية هي لغات وطنية يتم تداولها في الوسط الشعبي , وهكذا فان الاتحاد الاشتراكي قد طالب في مذكرته بالتنصيص على احترام المغرب لتعدديته الثقافية واعتبار تعبيراتها اللغوية والحضارية مكونات للهوية المغربية المنفتحة  مع التأكيد على  تخويل هذه التعبيرات كل الحقوق المتعارف عليها دوليا في هذا المجال في إطار الوحدة الوطنية والتنصيص تبعا لذلك على دسترة الوضع اللغوي بالمغرب باعتبار اللغتين العربية والأمازيغية لغتين وطنيتين دون أن يشير الحزب  إلى اللغة الرسمية في مذكرته.
هذا في الوقت الذي طالب فيه حزب الطليعة بضرورة أن يضمن في تصدير الدستور على أن الامازيغية لغة وطنية وان الهوية المغربية ثلاثية الأبعاد إسلامية،عربية، أمازيغية. أما المؤتمر الوطني  الاتحادي فقد ذهب إلى أن المملكة المغربية دولة مدنية ديمقراطية دينها الإسلام والهوية المغربية ثلاثية الأبعاد، إسلامية ، عربية أمازيغية وان الامازيغية لغة وطنية. وهو نفس الاتجاه الذي تبناه الحزب العمالي الذي طالب بالتنصيص على كون اللغة العربية واللغة الأمازيغية لغتين وطنيتين.
أما الأحزاب المعتبرة امتدادا للحزب الشيوعي المغربي، فقد ظلت وفية للخط الذي رسمته للقضية الأمازيغية  منذ كتاب اللغات والثقافات الأمازيغية جزءا لا يتجزأ من الثرات الوطني المغربي، وهكذا فقد نصت مذكرة حزب التقدم والاشتراكية على  اعتبار العربية والامازيغية لغتين رسميتان وتعمل الدولة على إيجاد الصيغ الانتقالية الكفيلة ببلورة الطابع الرسمي للغة الأمازيغية كما تضمن التنوع الثقافي في تعابيرها الجهوية وتعمل على إثرائه وتطويره ,وهو نفس النهج الذي سلكه حزب جبهة  القوى الديمقراطية  المنبثق عن التقدم والاشتراكية والذي ذهب بدوره إلى المطالبة بضرورة ترسيم اللغة الأمازيغية والتنصيص على التنوع الثقافي الناجم عن التفاعل والتمازج بين الروافد المختلفة للهوية المغربية كموروث إنساني يتعين الحفاظ عليه في إطار احترام الكرامة الإنسانية ووحدة الأمة المغربية.
أما باقي أحزاب اليسار التي وضعت شروطا  للمساهمة في إعداد التعديل الدستوري المرتقب فقد ذهبت إلى المطالبة بدورها بدسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية  في أوراقها المطلبية, وفي هذا الإطار فإن الحزب الاشتراكي الموحد يرى  في نص البيان الصادر عن مجلسه الوطني المنعقد بتاريخ 27مارس 2011 على انه يجب أن تتحقق دسترة اللغة والثقافة الأمازيغيتين.
أما المطالب الدستورية الأساسية للنهج الديمقراطي في الفترة الراهنة فقد ذهبت إلى ضرورة أن ينص الدستور من حيث الهوية والديانة والنظام السياسي على أن الشعب المغربي شعب عربي أمازيغي من حيث الهوية والحضارة ديانته الأساسية الإسلام، والدولة ديمقراطية علمانية، مع  المطالبة بالعمل على الحماية والنهوض باللغتين والثقافتين العربية والأمازيغية وإقرار الأمازيغية لغة وثقافة  وطنيتين واللغة الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية
إن الطرح المحافظ إذن ينطلق من التركيز على العلاقة الوطيدة ما بين الإسلام واللغة العربية ويعتبر أن اللغة العربية هي أساس الهوية المغربية باعتبارها لغة الإسلام وان أي لهجة أو لغة أخرى لايمكن التعامل معها إلا باعتبارها أداة لتوطيد وتقوية أداة الوحدة الوطنية والوحدة العربية والوحدة الإسلامية
هذا في الوقت الذي ينطلق فيه الطرح العلماني من اعتبار القضية الثقافية والتعددية اللغوية جزأ من إشكالية العلاقة بين المجتمع والدولة وان الاعتراف بالتعددية اللغوية يندرج ضمن الحقوق التي ينبغي الاعتراف بها للمكونات الثقافية الوطنية.

 

ذ/ محمد أمغار
محام بهيئة الدار البيضاء رئيس سابق لجمعية المحامين الشباب بالدارالبيضاء                     
دكتور  في العلوم السياسية
أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟