أنفاس نت

" كل ما يهز الجماهير هو ما يظهر في شكل صورة لافتة وجلية ،لا تشوبها توضيحات اضافية أو لا تصاحبها الا أشياء عجائبية: انتصار كبير ، معجزة كبيرة، جريمة كبيرة، وأمل كبير."[1]

ينعت البعض من السوفسطائيين والمثقفين الزائفين والكتبة الأرستقراطيين الجماهير بأنها حشود قطيعيةورعية جاهلة وكثرة من الرعاع والدهماء القاصرة ومجموعة من الأرهاط العاجزة عن الحركة في الواقع والفعل في التاريخ ويطلقون عليها عبارات مذمومة مثل الأغلبية الصامتة والسوقة والغوغاء ويتهمونهم بالانفعال والشعوبية وسبب الفوضى والهرج وترويج الاشاعات والقلاقل وبث البلبلة والتخريب والنهب.  زد على ذلك يصف بعض الباحثين المرتبطين بدوائر السلطان الناس بأنهم يميلون بطبعهم الى الاستعباد والاستغلال وتستهويهم الدعاية ويصبغون طابع القداسة على الأشخاص والوثوقية على الأفكار ويعبدون القادة وتسيطر عليهم أخلاق العبيد وخاصة رذائل الخوف من الحرية والطاعة العمياء والخضوع المطلق لمشيئة القدر وقوانين التاريخ والجنوح الى جلد الذات وقبول الهزيمة والعزوف عن رفع لواء التحدي والمغامرة والارتحال الى المجهول وذلك لانتشار واقع الاحباط والفشل وتحولهم الى طابور خامس معرقل لقوى التجديد ومانع لكل تغييروممانع لكل التجارب الثورية الأممية التي تعمل على تحريك السواكن وتحفيز النفوس وشحذ الهمم نحو المساهمة في التحضر والتمدن والقضاء على الهمجية.

أنفاس - المواطنةالمواطنة بين انعدام وضيق واتساع!
المواطنة (Citizenship ) مفهوم قد يضيق وقد يتسع، قد يضيق ليقتصر على نخبة، وقد يتسع ليشمل عدة نخب، وقد يزداد اتساعا فيشمل كل المنتمين إلى دولة ما أو أمة، وفي أحيان قليلة -لا تتجاوز اليوتوبيات إلا نادرا- ربما يشمل مفهوم المواطنة كل الجنس البشري في إطار دولة عالمية قد يكون لها شكل الدولة الواحدة، وقد يكون لها شكل التكوين الفيدرالي الذي يجمع عدة دول في إطار حكومة عالمية أو عصبة أمم.
ومع أن هناك كتابات كثيرة تناولت مفهوم المواطنة، إلا أنه لا يزال مفهوماً إشكالياً تختلف حوله التحليلات الفلسفية، وتتعارض في شأنه النظريات الاجتماعية، ولم تنتهِ النظرية السياسية إلى رأي أخير يوضح ماهيته، وبالتالي لا تزال تتباين في تحديد معالمه ومضمونه الأنظمة السياسية عبر العالم، بل عبر أحزاب الدولة الواحدة. ثم إن أغلب البحوث تستغرق في التعريفات الإجرائية أو الاصطلاحية، رغم أنه مفهوم حي يتحرك في إطار سيرورة تاريخية غير منقطعة.
وفي هذا الدراسة لن يتم التوقف عند مجرد التعريف الاصطلاحي لمفهوم المواطنة، بل سوف يتم تحليل تطوره وسماته ككائن حي له ماضٍ وحاضر ومستقبل، ينشأ وينمو ويتطور، ويتراجع ويتقدم، ويقوى ويضعف، ويتداخل ويتخارج مع مفاهيم أخرى... إلخ، دون أي اقتطاع للمفهوم من وضعيته التاريخية، وجذوره، وما آل إليه حتى اللحظة الراهنة. فلا يمكن فهم واقع مرحلة بعينها دون معرفة ماضيها ومستقبلها.

الثورة التونسية"ان الثورة هي الانتشال الاقليمي المطلق عندما تغدو دعوة الى أرض جديدة أو شعب جديد."[1]
استهلال:
ما نعترف به منذ الوهلة الأولى أن تجربة الثورة ليست مجرد فكرة طوباوية ولامن خطأ الفلاسفة بل اختصاصهم المميز وشغلهم الشاغل وحلمهم الدائم يزيدون في لهيبها كلما واتت الظروف ويسمحون لها بالانتقال من وضع منكمش الى آخر متفجر على الرغم من أنهم لا يقودونها بصفة ميدانية ولا يقفون وراء اندلاعها بشكل مباشروانما يكتفون فقط بالتنظير لها بشكل مسبق والمشاركة فيها بطريقة معينة وعلاوة على ذلك يعتبرون أحداثها ومجريات أمورها ومآلها المادة المفضلة للتفلسف واستخلاص العبر والدروس.
غير أن ما يثير للدهشة  ويدعو الى الاستغراب هو أن القاموس السياسي التونسي تراجع عن مقولة الثورة وأسقطها من حساباته منذ انهيار المعسكر الاشتراكي وانتكاسة المشروع القومي وحالة التخويف من التيار الاسلامي وبعد القاء تراث الثورات الفرنسية والأمريكية في الأرشيف والمتحف وتم استبدالها بمفاهيم الاصلاح والتحديث والمقاومة والصمود والممانعة ، ولكن ما يلفت النظر مؤخرا هو تزايد التفاؤل لدى البعض من الناشطين والمثقفين المستقلين وتبني بعض التيارات شعارات راديكالية وأفكار قصووية ومطالبتهم بالتعددية ومناداتهم بالتغيير الجذري والعصيان المدني والتمرد السلمي والقطع مع الماضي.
اذا كان العنوان هو "فلسفة الثورة التونسية" فإن صياغته بهذه الكيفية تطرح العديد من المحاذير والصعوبات التي يجب على الفكر الحاذق الانتباه اليها واستنطاقها واستكشاف مسلماتها الضمنية، وأولها هو الحديث عن وجود ثقافة فلسفية للثورة التونسية غذتها ورافقتها وأفضت اليها واستناد رجال الانتفاضة على مخزون فكري ثوري ،أما الصعوبة الثانية فتبرز في الدعوى بإمكانية فهمها واستنباطها وتحديد مجموعة أفكارها والقبض على جملة المبادئ التي وجهتها، والصعوبة الثالثة هي الزعم بالاستفادة من هذه الفلسفة الثورية على الصعيد المجتمعي والحقوقي في احداث القطيعة التامة والعود على بدء.

anfasse- tunisieلن تشتكي تونس ظلمهم فليس الوقت للشكوى.. لأن الله وحده يعلم مكرهم، فتونس مشغولة بالنظر إلى الأمام بعين ملؤها حلم أمّة.. إذ لا تزال انتفاضة الشعب على قدم وساق، في معركة مع من خرّ بنيانهم من القواعد، من ظلمهم، مع أزلام نظام بائد اختطف تونس في غفلة من روحها، وألقى بها في مهاوي الردى، طيلة عقود عجاف.
فما أصعب أن تكون تونسيا الآن.. فأخشى ما يُخشى الالتفاف على أحلام الشعوب، فلتحذر يا شباب تونس أن تسرق منك هبّتُك، كما سرقوا من أجدادنا وآبائنا الخبز والبسمة. فالذين اختطفوا تاريخ أمّة لن يتورعوا عن إتيان الفاحشة مجددا.. فيا شعبي فلتحذر! إنهم "قِربِلَّة لا دين لا ملّة".
ذلك أنه في لحظات انتفاضة الشعوب لا بد من التعقّل، حتى لا تُغدر الثورة، أكان من قبل الحرس القديم بالداخل أو من المتربّصين بالخارج. فليست الانتفاضات ولا الثورات هدفا للشعوب بل وسيلتها لإزاحة الظلم والقهر، ولن يكون سبيل لإزاحة طغيان السنين إلا بعقل رصين وقلب رحيم.
فشعب إرادة الحياة استطاع أن ينهض من بين ركام طغيان ويقول: لا للطغاة.. نعم للحرية، وتلك وحدها آية. فالشعب الذي سُرقت منه انتفاضاته وأحلامه، ربيعا صيفا خريفا، يأبي شتاءً أن تُسلب من قلْبه. فرغم الوعود، ورغم الإفك، ورغم العهر السياسي الفاضح لبقايا نظام بائد، الشعب قرّر.. لا للطغاة. فتونس الفقراء، وتونس الشرفاء، تطارد اليوم فلول السحرة والأفاكين حتى لا تُسرق منها انتفاضتها في ربع الساعة الأخير. إذ رحل سيّء الذكر ولكن نظامه لا يزال حاضرا، لذلك، هم متربّصون ونحن متربصون، ولن يهنأ بال شعب حتى يُفكِّك مؤسسات الإفك وشرائع الزور، التي صاغها السحرة إلى فرعون.

nobelchinaأقيم رسميا يوم 10 ديسمبر 2010  حفل تسليم جائزة نوبل للسلام هذا العام في العاصمة النرويجية أوسلو أسندت فيه الجائزة للمعارض الصيني ليو تشياوباو  liu Xiaobo  والذي تغيب عن مراسم الاحتفال بسبب سجنه من قبل السلطات الصينية. يعتبر ليو تشياوباو أحد قيادي أحداث تيان أنمان الشهيرة   لسنة 1989 و  المحكوم عليه بالسجن لمدة 11 عاما قضى منها سنة واحدة فقط إلى حد الآن. و لم يتمكن أي أحد حتى من أقاربه من تسلم الجائزة.وهي المرة الثانية خلال 100 سنة لا يستطيع فيها فائز من تسلم الجائزة.المرة الأولى كانت سنة 1936 حين حرمت السلطات النازية الصحفي الألماني كارل فون اوسيازكي Carl von Ossietzky من تسلم الجائزة, وهذه هي المرة الثانية .
يمثل ليو تشياوباو  في نظر لجنة التحكيم رمزا مناضلا من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية,إذ أنه من دعاة التخلي عن نظام الحزب  الواحد في الصين المعاصرة. وتجدر الإشارة إلى أن ليو تشياوباو يعتبر من قبل الجهات الرسمية  في الصين من حلفاء الغرب و أمركة العالم,فهو يترأس جمعية للمثقفين الصينيين المغتربين ممولة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية.كما تذكر بعض المصادر أنه من مناصري الحرب على العراق بدعوى نشر الديمقراطية,وهو يعتبر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إرهابيا.في هذا السياق من المهم التذكير بأن نفس الجائزة أسندت خلال السنة الماضية للرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما.كما أسندت للدلاي لاما زعيم إقليم التيبت في الصين سنة 1989.

anfasseعندما يفرز الواقع حشدا من مفاعيل الحراك المُجتمعي وأدواته، تبدو وكأنها إرهاصٌ بتحولات تاريخية جذرية، يصبح من غير الممكن نجاح أي معارضة للإرادة السياسية التي تعبر عن تلك التحولات، بسبب أن هذه التحولات تعتبر بمثابة نتائج مُحَتَّمة ترتبت على مقدمات أخذت مداها التاريخي الكامل في تخليقِ وتكوينِ لحظةِ التحول الراهنة.
تلك التحولات تعني أن مرحلة حصاد ما تم زرعه قد حلَّت، وأنَّ أوانَها قد آن، وألاَّ مفر من التعرض لنتائج ما كان بمثابة خيارات تاريخية سابقة، أدَّت إلى ما غدا خيارات تاريخية حالية. وينتج عن ذلك أن أي تحول جديد بالمعنى التاريخي للتحول لن يحدث إلاَّ بعد أن تفعل الإرادة السياسية الناتجة عما سبق والمؤدية إلى ما سيأتي، فعلَها الحافرَ في الواقع، استجابةً لمسؤولية تاريخية غدت هي وحدها المُعَبِّرَة عنها والحاملة لعبء تحقيقها في هذا الواقع.
فمنذ أكثر من مائة عام، كانت الشيوعية كحراك مُجتمعي يعبر عن إرادة تاريخية في التخلُّص من البُنْيَة الطبقية الإقطاعية وشبه الرأسمالية لروسيا القيصرية، تقتصر على مجموعة من الأشخاص المثقفين الذين كانوا يتنقلون بين مكتبات سويسرا، ويجوبون أنحاء القارة العجوز، لترسيخ المفاهيم البروليتارية، ولاستقراء الدياليكتيك في الوجود الطبيعي والاجتماعي، من خلال الدراسات الاستشهادية، إضافة إلى بعض الخلايا التننظيمية الموزعة هنا وهناك في روسيا القيصرية.

" alwaneينبغي أن ننصف أنفسنا رغم مرارة النقد الذاتي الذي نلسع به جلودنا وعقلياتنا"[1]
تشكو السياسة العربية في مرحلة ما بعد الاستعمار من العديد من الأمراض، إذ مازالت العلاقة بين العرب والسياسة على ما لا يرام، وهذا السوء يشمل الأفراد والجماعات في ذات الوقت وينتشر في الشعوب والأنظمة على حد السواء ويظل يسبب التأخر والضعف ويعطل النهوض والتنمية والاستئناف الحضاري، بل إن السياسة قد أفسدت المعاش والمعاد وصحرت الاقتصاد وجففت ينابيع الإبداع الثقافي، رغم أن العرب يحسب لهم البراعة في فن الدسيسة وتكتيك الانقلاب والتنصل من الوعود ونكث العهود، ولذلك جاز القول بأنهم أبعد الناس عن السياسة وبأن السياسة هي من الصنائع غير العربية. وإذا أردنا دحض هذا الحكم المسبق وتبين الحقيقة من الخطأ حري بنا العودة إلى كتاب المفكر ياسين الحافظ (1930-1978) "اللاعقلانية في السياسة العربية" الذي ظهر عام 1975 عسانا نجد فيه ما به تتأسس معقولية للخطاب السياسي العربي.
في الواقع نال الحافظ شهرة كبيرة بفضل نقده العلمي للتجربة الناصرية في كتابه الباهر: "الهزيمة والايديولوجيا المهزومة"، غير أن هذا الأخير قد حجب مؤلفاته الأخرى الهامة والتي تتضمن أفكارا على غاية من الجدة والابتكار وتقتضي نفض الغبار عنها وتوظيفها في قراءة الواقع السياسي العربي الحالي.

bachir_amriأتى حين من الدهر على الإسلاميين بالغوا فيه جم المبالغة في نقد الواقع السياسي الوضعي الذي قامت على أسسه الدولة الوطنية الحديثة، بأدوات المثالية التاريخية لتجربة الإسلام الأولى في الحكم، ولم يرق خطابهم إلى مستوى الفاعلية البدائلية التي تروم في نهاية مقاصده التأصيل الناهض على شرطية الواقعية، والمسلح بإجابات التجربة التاريخية عبر مساراتها كبرى السارة منها وغير السارة!..
واليوم يرى الجهد التأصيلي منخرطا في أتون المفاضلات الحركية والمذهبية ذات التأويلات الذاتية لفهوم النصر والخطأ والصواب في التعاطي مع الوقائع السياسية القطرية مما عقد من إمكانية اعتماد التجربة كمصدر للتأصيل الذي غدا أكثر من ضروري لسد فراغات الفكر السياسي الإسلامي الذي أفقره هم الصراعات الطائفية والمذهبية القمع السلطوي الذي ألم به وهو لم يبارح مهده مذ هدأت فتنة السلطان الكبرى معلنة عن ميلاد دولة بني أمية!..
فهل ثمة من سبل لتأصيل التجربة التاريخية في التعاطي مع الشأن السياسي الإسلامي، واعتمادها كآلية مرجعية لمواجهة الطارئ السياسي الذي خلفه التغييب المقصود لحكم الدين في الشأن السياسي العام والمؤسسي في الفقه السياسي الإسلامي؟..
كيف استفادت المشاركة الإسلامية في السلطة بالجزائر من التجارب السياسية الإسلامية الأولي للإسهام في تحقيق الصالح العام؟